العثمانيون وإبادة الارمن -4


طريف سردست
2013 / 2 / 15 - 15:28     


حملة الابادة الاولى
بعد بضعة ساعات من توقيع الاتفاقية السرية بين تركيا والمانيا أعلن الاتحاد والترقي التعبئة العامة، بنتيجة ذلك جرى استدعاء كل ارمني سليم الى الخدمة العسكرية. الاستدعاء الاول شمل الاشخاص في الاعمار بين 20-45 سنة والاثنين اللاحقين شمل الاعمار 18-20 و 45-60. على الفور بعد اعلان الحرب العالمية الاولى وجدت تركيا نفسها مشاركة بعدة جبهات. على الجبهة الروسية الايرانية رفع من مقدار الانتهاكات ضد قرى الارمن عدة مرات ، إذ بين نيابر 1914 وابريل 1915 جرى نهب 4-5الف قرية ارمنية وقتل مامجموعه 27 الف ارمني والكثير من الاشوريين.[9][12]

على الجبهة الشرقية تلقى انور باشا هزيمة نكراء في معركة ساريقاميش في يناير من عام 1915، ضد الروس. بنتيجة ذلك جرى طرد الجيش التركي من تبريز وخوى. هزيمة الاتراك كانت، الى درجة كبيرة، بفضل المتطوعين الارمن القادمين من مناطق روسيا، غير ان الاتحاد والترقي القى بالمسؤولية على الارمن بشكل عام.
بصورة رسمية، انور باشا وجه شكره للارمن الاتراك على تضحياتهم في معركة ساريقاميش ضد الروس، في رسالة وجهها الى البطريكية الارمنية في قوني. في طريقه من ارضروم الى استانبول كان على الدوام يعبر عن أمتنانه على " ولاء الارمن التام للحكومة العثمانية". غير انه في استانبول، أعلن انور باشا لجريدة " تانين" ولنائب رئيس البرلمان التركي ان الهزيمة كانت نتيجة الخيانة الارمنية وأنه قد حان الاوان لترحيل الارمن من المنطقة الشرقية. الباحث Stephan Astourian يبرر هذا التغيير في موقف انور، برغبته في الدفاع عن سمعته وتحميل مسؤولية هزيمته للاخرين، الاضعف.[11] في فبراير جرى اتخاذ اجراءات استثنائية ضد ارمن تركيا. لقد جرى تجريد 100 الف جندي ارمني من سلاحه وجرى مصادرة الاسلحة من المدنيين الارمن والتي كان قد سمح لهم بحملها عام 1908. بعد تجريد الجنود الارمن من السلاح جرى ذبحهم من الرقبة او جرى دفنهم احياء.[9][12]

هنري مورغانثو السفير الامريكي في تركيا ، في ذلك الوقت، وصف نزع سلاح الارمن على أنه دعوة لاباحة الارمن وإبادتهم. سلطات العديد من المدن هددت بإبادة الارمن والاشوريين كما قاموا بإعتقال الالاف منهم كرهائن، مطالبين الارمن بجمع عدد معين من السلاح مقابل اطلاق سراح الرهائن. ورافقت الحملة اعمال وحشية ضد الارمن الذي أهدر دمهم. إضافة الى ذلك، الاسلحة التي جرى جمعها جرى تصويرها وعرضها في الاعلام ، في استانبول، على انها البرهان على " الخيانة" ، مما فتح الباب واسعا لملاحقة كاملة وتامة للشعب الارمني.[9][12]
في لقاء بين طلعت باشا، وزير الخارجية التركي، والسفير الامريكي هنري مورغانثو، قال طلعت باشا:" نحن قد تمكنا من التخلص من ثلاثة ارباع الشعب الارمني، ولم يعد لهم اثر في بيتليسه وفانه وارضروم. والحقد بين الارمن والاتراك ، في الوقت الحالي، من القوة بحيث ان علينا القضاء عليهم تماما. إذا لم نفعل ذلك سينتقمون منا حتما" [13]

تنظيم ترحيل الارمن
نزع سلاح الارمن جعل من الممكن القيام بحملات منظمة ومتواترة على السكان الارمن في الامبراطورية العثمانية والتي تضمنت ارسال الارمن سيرا على الاقدام الى الصحراءلتعريضهم للموت جوعا او عطشا او بفعل اعمال القرصنة التي يقوم بها البدو على المسافرين. وقد جرى ارسال الارمن من مختلف بقاع الامبراطورية وليس فقط من سكنة الجبهة الشرقية. [9][14]
في البداية جمعوا الرجال الاصحاء واخبروهم ان الحكومة، وبسبب ضرورات الحرب، وتعبيرا عن نيات الحكومة الطيبة تجاههم، قررت نقلهم الى مساكن جديدة. كان يجري نقل الرجال الى السجون ولايعطوا اية فرصة للاتصال بأهلهم بعد ذلك. بعد ذلك يجري نقلهم الى الصحراء ورميهم بالرصاص او بالسلاح الابيض. بعد ذلك يجري تجميع الاطفال والعجائز والنساء ويخبرون ان عليهم الانتقال الى بيوت جديدة. هؤلاء يجري وضعهم في قوافل لانهاية لها وتسير على الاقدام، وتحت حراسة الجندرمة، من قرية الى اخرى ليصلوا بهم الى الطرق الصحراوية. من لايستطيع الاستمرار بالمشي يجري قتله، ولم يكن هناك استثناء حتى للحوامل. كان يجري اختيار الطرق الصحراوية الطويلة والمنعزلة، بحيث تضمن موت أكبر عدد ممكن قدر الامكان. [9][12]

المرحلة الاولى من تهجير الارمن بدأت في ابريل من عام 1915، بترحيل ارمن مدينة سوليمانلي (زيتونة)، ومدينة دورتيول، القريبة منها، والتي تبعد 26 كيلومتر عن الاسكندرونة. في 24 ابريل جرى اعتقال ارمن استانبول والاسكندرونة واضنة. في 9 مايس اتخذت حكومة الامبراطورية قرارا بتهجير ارمن شرق الاناضول من اماكن سكنهم. وخوفا من ان يتعاون المهجرين الارمن مع القوات الروسية أتخذ القرار ان يتم التهجير في الجنوب. غير ان فوضى الحرب لم تجعل بالامكان تنفيذ هذا الامر. بعد انتفاضة فانا بدأت المرحلة الرابعة من التهجير حيث صدر الامر بتهجير جميع الارمن القاطنين في منطقة كيليكا. [15]

عملية الترحيل الاول
في منتصف اذار من عام 1915 قامت القوات الفرنسية والبريطانية بمهاجمة الدردنيل. على اثرها بدأ العمل النشط لنقل العاصمة الى مدينة اسكيشهر وترحيل السكان المحليين. وخوفا من التحام الارمن مع الاعداء قررت الحكومة التركية نقل جميع الارمن في المنطقة الواقعة بين استانبول واسكيشهر. [16] في هذا الوقت عُقدت العديد من الاجتماعات لجمعية الاتحاد والترقي حيث قام بهاء الدين شاكر ( قائد التشكيلات الخاصة) بتقديم البراهين على مشاركة الارمن في انتفاضات الاناضول الشرقية. وعلى اساس تأكيد شاكر على ان " العدو الداخلي ليس اقل خطرا من العدو الخارجي" جرى تفويضه بصلاحيات اضافية. في نهاية اذار قامت التشكيلات الخاصة بتنظيم مذابح ارضرومة وارسلت الى المنطقة اكثر عناصر جمعية الاتحاد والترقي تطرفا لتنظيم الدعاية المعادية للارمن، بما فيهم رشيد بيك، الذي اشتهر في منطقة ديار بكر، بممارساته الفظة، بما فيها الاغتصاب. والاعتداءات الجسدية والاعتقال، وفي النهاية اصبح اشهر قاتل للارمن. [16]
وعلى الرغم من الادعاء ان القرار بالترحيل العام للارمن قد اُتخذ في اذار، غير ان حقيقة ان ترحيل الارمن من منطقة استانبول لم تحدث في ذلك الوقت يستدعي الاعتقاد ان مصير ترحيل الارمن كان متوقف على مجرى احداث الحرب. [8]

وعلى الرغم من تأكيد منظمة " تركيا الفتاة" على ان الترحيل كان ردا على عدم ولاء الارمن في الجبهة الشرقية، فإن اول عملية ترحيل جرت ليس من منطقة الجبهة الشرقية وانما من مركز الاناضول الى سوريا، تحت قيادة أحمد جمال باشا المعروف في سوريا بالسفاح لمجرد شنقه بضعة سوريين. بعد الهزيمة في مصر اعتبر جمال باشا ان الارمن في منطقة زيتونة ودورتيول يشكلون خطرا محتملا وقرر تغيير البنية الديموغرافية للمنطقة الواقعة تحت ادارته. [15] بدأ جمال باشا بنفي سكان مدينة زيتونة بتاريخ 8 ابريل، وهي مدينة كان سكانها يتمتعون بحرية نسبية منذ عهود، وكانوا على الدوام في صدام مع السلطات التركية. كتبرير للنفي قامت السلطات التركية بالادعاء بوجود خطة سرية بين سكان زيتونة الارمن وبين السلطات العسكرية الروسية، غير انه لم يجري العثور على اية مستمسكات كما انه لم يصدر عن الارمن اي عمل معادي. [17][8][9]

جرى ارسال ثلاثة الاف جندي تركي الى مدينة زيتونة، استباحت القرى الواقعة حول المدينة قبل دخولها المدينة. بنتيجة الاخبار التي سبقت الجنود ، انتفض بضعة شبان ارمن وتحصنوا في دير المدينة. حسب المؤرخين الارمن، تمكن المنتفضين من قتل 300 جندي تركي، حسب المؤرخين الاتراك قتل سبعة جنود وضابط واحد فقط قبل سقوط الدير. غير ان قادة المدينة الارمن طلبوا من المنتفضين الاستسلام كما طلبوا من السلطات اعتقالهم ومعاقبتهم. وعلى الرغم من ان طلعت باشا، وزير الداخلية التركية، عبر عن شكره لمساعدة الارمن على اعتقال الهاربين من الجيش، غير انه في تصريح لاحق صور الاحداث وكأنها انتفاضة ارمنية خدمة للقوى الاجنبية، في تطابق مع الرواية الرسمية. وعلى الرغم من ان الجموع الرئيسية للارمن عارضوا الانتفاضة على الحكومة التركية الا ان التهجير كان جماعي، حيث ارسلوا الى كونيا او صحراء دير الزور، ليموتوا. بعد مدينة زيتونة جرى اخلاء مدينة كيليكي، وهي تهجيرات جرت قبل انتفاضة آيالة وان ( مدينة وان)، وهي الحادثة التي تتخذها الحكومة التركية حجة رسمية لتبرير عمليات تهجير الارمن وابادتهم. وعلى الرغم من ان اجراءات الحكومة التركية كانت متجاوزة كل الحدود الا انها كانت، حتى ذلك الوقت، لاتزال لم تشمل كل مناطق الخلافة العثمانية. [17][8][9]

يتبع...
انتفاضة آيالة وان