اغتيال المناضل شكري بلعيد الأبعاد و الدلالات و خطأ الحسابات


عمّار العربي الزمزمي
2013 / 2 / 14 - 03:01     

شكري بلعيد الشهيد
اغتالت يد جبانة برصاص غادر صبيحة يوم 6 فيفري 2013 شكري بلعيد المناضل الوطني الدّيمقراطي التونسي فنال الشهادة لا بل أصبح رمزا لها . وهو ليس شهيد الحزب الوطني الديمقراطي الموحّد وحده و لا اليسار التونسي و الجبهة الشعبيّة فحسب و إنما هو أيضا شهيد الشعب التونسي بأكمله و الأمّة العربيّة قاطبة و سائر شعوب العالم المحبّة للحريّة و الكرامة و العدالة هذه القيم التّي كرّس الفقيد حياته لخدمتها و الدفاع عنها و إن أنكر عليه بعضهم صفة الشهيد .
الاغتيال بداية مرحلة جديدة
يمثّل اغتيال شكري بلعيد لحظة فارقة في مسار الثورة المتعرّج و في تاريخ البلاد بصفة عامّة. فقد تمّ بالإقدام عليه المرور في ممارسة العنف السياسي من العنف اللّفظي والتعنيف البدني الذي قد يفضي إلى القتل مثلما حصل في حالة لطفي نقّض إلى التصفية الجسديّة الممنهجة للمخالفين في الرأي و الموقف . و هذه ظاهرة لم تشهد ها تونس منذ أكثر من نصف قرن أي منذ اغتيال الزعيم الوطني صالح بن يوسف بألمانيا سنة 1961 .
دلالة الاغتيال و أبعاده و خلفياته :
إنّ أغلب التونسيين حريصون طبعا على معرفة من نفذ الاغتيال و خطّط له تقنيّا لكن حرصهم أكبر على معرفة الطرف السياسي الذي يقف وراءه . و في انتظار الكشف عن الجناة لا بدّ من التأكيد على أنّ هذه الجريمة النكراء البشعة حصلت في ظلّ مناخ سياسي تحكمه “ثقافة” تشرّع الاغتيال و تدعو إليه جهارا بلا رادع . فدم الشهيد شكري بلعيــــــد في رقاب الذين كفّروه و كفّروا أمثاله من المخالفين و الذين دعوا إلى قتله و قتل أمثاله من الأحرار سواء كانوا رجال سياسة أو مثقفين أو فنانين أو إعلاميين و الذين لم يتصدّوا لهذه الدّعوات و استهانوا بها و بالتهديدات التي رافقتها و أعقبتها . إ نّ هذه الخطابات و هذه الدعوات هي التّي شحنت قتلة شكري بلعيد كرها و حقدا و أعمت بصائرهم فأقدموا على القتل بدم بارد و ربمّا بضمير مرتاح ! و إنّ اللامبالاة التي أظهرتها أجهزة السلطتين القضائيّة و التنفيذيّة هي التي جعلت الذين يفكرون في القتل يقدمون عليه و هم مطمئنون بأنّهم في مأمن من كلّ عقاب .
لقد أراد الذين يقفون وراء اغتيال شكري بلعيد أن يخرسوا صوتا حرّا و أن يرهبوا بذلك كلّ أصحاب الأصوات الحرّة و أن يساوموا عامّة التونسيّين- الذين لم يتحقّق لهم لحدّ الآن من أهداف ثورتهم إلاّ حريّة التعبير – على أمنهم.فهم يريدون وضعهم أمام معادلة صعبة . فإما أن يطلبوا الأمن و حقن الدّماء و يتخلوا في مقابل ذلك عن الحريّة و إمّا أن يتمسّكوا بالحريّة فيعّرضوا أنفسهم للقتل .
خطأ الحسابات و الرسائل التّي يجب تلقّفها من ردّ الشعب .
إنّ حسابات القتلة كانت خاطئة لأنهم لا يعرفون جيّدا الشعب التونسي و لم يدركوا أنّه حطّم جدار الخوف بشكل نهائي لذلك فاجأهم بنزوله التلقائي إلى الشوارع و الساحات بأعداد غير مسبوقة في تاريخه البعيد والقريب بما في ذلك أيّام الثورة ضدّ نظام بن علي .
و قد وجّه هذا الشعب الرّائع أكثر من رسالة في أكثر من اتجاه إلى أكثر من طرف : الرّسالة اللأولى موجّهة إلى دعاة العنف و ممارسيه الذين يحاولون إرهابه وهي تقول لهم : العنف مدان لكنّه لا يرهبنا ! كفانا عنفا ! إن أصبتم جسد شكري بلعيد في مقتل فقد أخطأتم روحه ! كلنّا اليوم شكري بلعيد !
الرّسالة الثانية موجّهة الى الائتلاف الحاكم الذي تقوده حركة النهضة وهي تقول : إنّ التفويض السياسي الذي منحه المقترعون في انتخابات 23 أكتوبر 2011 للفائزين ليس بمثابة توقيع على صكّ أبيض . لقد آن الأوان أن تدرك السلطة و الأحزاب الحاكمة أنّ الانتقال الديمقراطي يواجه مأزقا خطيرا وهو مهدّد بالانتكاس إن لم يقع تدارك الأمور بسرعة و أنّ المرحلة الانتقاليّة قد طالت دون أن تحقّق النتائج المرجوّة و أنّ إدارتها غير ممكنة دون توافق حقيقي واسع و أنّ المطالبة بتغيير الحكومة و حتّى بإقالتها و تكوين حكومة أزمة أو إنقاذ وطني ليس خروجا عن الشرعيّة و كلّ تأخير في تلقّف الرسالة سيجعل الائتلاف الحاكم و الأطراف التي يمثّلها محصورة في زاوية متهمة بالتشبث بالكراسي و تغليب المصالح الحزبيّة الضيّقة على المصالح العليا للشعب و الوطن والأخطر من هذا سيتعمّق الشعور لدى بعض الأطراف بأنّ الوسائل السلميّة عاجزة عن تحقيق أهداف الثورة و أنّ العنف هو الكفيل وحده بذلك و هذا ما قد يؤدّي إلى اندلاع حرب أهليّة مدمّرة .
الرسالة الثالثة موجّهة إلى المعارضة بمختلف أطيافها و توجّهاتها وهي تقول : إنّ إدانة العنف و رفضه و تحميل الأطراف الحاكمة مسؤوليّة التقصير في مواجهته و الفشـــــــل في إدارة المرحلة الانتقاليّة بشكل منفرد لا يجب أن تدفع إلى الخروج عن الشرعيّة المؤسساتيّة المجسّدة في المجلس التأسيسي على علاّته بل يجب تعزيز الشرعيّة الانتخابيّة التّي أفقدها الأداء السياسي الهزيل كثيرا من مصداقيتها بشرعيّة توافقيّة نابعة من حوار وطني حقيقي واسع لا يقصي أيّ طرف في الساحة السياسيّة أو في المجتمع المدني .
شروط الخروج من النفق :
إنّ الحوار الوطني الذي قد يتّخذ شكل تفعيل لمبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل أو أيّ شكل آخر يتمّ الاتفاق عليه يجب أن يفضي في النهاية إلى التوافق على :
1 – تشكيل حكومة كفاءات محدودة العدد محدّدة الصلاحيّات لها برنامج واضح يأخذ بعين الاعتبار المهام العاجلة كقضيّة شهداء الثورة و جرحاها و حاجيات الجهات و الفئات المحرومة المهمشّة و تشغيل المعطلين عن العمل و الحدّ من غلاء الأسعار .و على هذه الحكومة التي ليس لها طابع حزبي أن تنأى بنفسها عن المحاصصة الحزبيّة و تضمن حياد الإدارة خصوصا في وزارات السيادة .
2 – إزالة الغموض و الضبابيّة اللذين يحيطان بموعد الانتخابات .
3 – إصلاح أجهزة الأمن وفق عقيدة أمنيّة جديدة تضمن حيادها و ردّ الاعتبار لهيبة الدّولة و حلّ كلّ التشكيلات غير الحكوميّة التّي تروّع المواطنين و تعتدي على المخالفين باسم حماية الثورة .
4 – التوقيع على ميثاق يلزم بنبذ العنف في الممارسة السياسيّة والدعوات إلى التـــــكفيــر و القتل و تجريم من يخرج عن هذه القواعد .
5 – تحييد المساجد عن الصراعات السياسيّة و الإيديولوجية و معالجة أوضاع ما خرج منها عن سلطة الشعائر الدينيّة و اتخّاذ مقاييس واضحة في انتداب الأئمّة و الوعّاظ كالمعرفة الكافية و الاعتدال و الحياد .
6 – تهيئة الظروف للمجلس التأسيسي للتركيز على صياغة الدستورو إقامة المؤسسات والهياكل التي يتطلبها المسار الانتقالي و صياغة النصوص التي تقوم عليها وتعمل وفقها : الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات و القانون الانتخابي والمجلس الأعلى للقضاء والمحكمة الدستوريّة الهيئة العليا للإعلام والهيئة المشرفة على العدالة الانتقاليّة والقانون المتصل بها.
فعسى أن يمثّل استشهاد شكري بلعيد صدمة موقظة تجعل مختلف الأطراف –وخصوصا الائتلاف الحاكم – تدرك خطورة الأوضاع التي تمرّ بها البلاد و التي قد تقود إلى حرب أهليّة و تحرص على الالتزام بما تقتضيه روح التوافق من نبذ للعنف و تغليب للمصالح العليا للبلاد على المصالح الفئويّة الضيّقة .
الحامّة في 8 فيفري 2013