الرأسمالية و الوهم الاجتماعي...


مالك ابوعليا و حسام الصابر
2013 / 2 / 7 - 07:27     

يقصد بالأوهام الأفكار والمعتقدات والآراء التي لا تنطبق على الواقع ، وتوجد أسباب مجتمعية في تناقضاته تولده و تدعم وجوده و هو إدراك مزيف للواقع في الإدراك الحسِّي أو في الاستنتاج العقلي يأتي على تجليات مختلفة عند الأفراد و لكن مضمونه اجتماعي.
تعيش الرأسمالية بفضل تسويق الأوهام التي تتغذى على تطلعات تخلقها أوهام أخرى .. هذا البناء المجتمعي الطبقي يجعل من الصعب بشكل فردي و غير واعي مواجهة تلك الأكاذيب التي استقرت في أذهان اغلب الناس بشكل يقيني .

إن التشويه في المجتمع الرأسمالي يتأسس على عاملين أساسيين هما الطابع السلعي للمجتمع الذي استطاع بإمكانيات الآلة الإنتاجية الضخمة أن يخلق مزيدا من السلع، و يعزيز الوهم بحاجة الجماهير الى النظم السائدة المتعفنة، عن طريق القيام باحتواء عقلي للطبقة الكادحة و الجماهير المهشمة, لتخلق وهما عند الجماهير بأنها تتشارك مع أصحاب رؤوس الأموال في حاجاتهم، واهتماماتهم, لتغدو هذه الحاجات التي ينتجها المجتمع الرأسمالي وعي يضرب بجذوره في أعماق البنية الروحية للإنسان. أما على الصعيد الاخر فهو يكمن في العامل التكنولوجي، لتصبح التكنولوجيا بدورها وسيلة التشويه الأساسية،ففي المجتمع الرأسمالي تقوم الفئات المستغلة باستغلال التقدم التكنولوجي و يتم تعميق كافة التناقضات الاجتماعية، والعمل على إخضاع الجماهير عبر تزييف حاجيات الإنسان المادية والفكرية, لتصبح الحاجيات التي ينتجها هذا المجتمع مجرد حاجيات وهمية من صنع الدعاية والإعلان،, و يتوهم الإنسان إنه حر بمجرد أنه يستطيع أن يختار مجموعة كبيرة من البضائع والخدمات ، فما أشبهه من هذه الزاوية بالعبد الذي يتوهم أنه حر بمجرد أن منحت له حرية اختيار سادته,إذن عبر هذا التشويه العام الذي يسود في المجتمع أصبحنا أمام مجتمع لا يمكن لأفراده أن يتعرف على ذاتهم إلا من خلال سلعهم، ويجد الفرد شخصه في سيارته، وفي هاتفه (الحديث) والمنزل المريح, لتتجلى السيطرة الطبقية في كثير من الجوانب و احدها يستقر داخل الحاجات الجديدة المبتكرة.
و يتجلى احد أشكال الوهم الاجتماعي في (الوهم المتذبذب) المرتبط بالظروف الشخصية , و ظروف العمل المؤقتة , و يعتقد من خلالها الشخص أن العالم جميل و مريح بمجرد انه وجد عملا, و انه مرتاح, و أن العالم مظلم و سوداوي إذا كان عاطلا عن العمل, اي انه يقيم مجمل الوضع العام بالظروف الفردية خاصته, و هو يعتبر وعي جمعي لارتباطه بأساس اقتصادي في البنية الرأسمالية, و يكمن الأساس المادي لمثل هذا الوهم في عواصف الازمات الاقتصادية للرأسمالية و ما ينتج عنها من بطالة و فقر, و تذبذب الأوضاع الاقتصادية.
تقدم المنظومة الاقتصادية الرأسمالية الحوافز والقروض للعمال لكي ينخرط العامل في عمل مضني و رتيب ساعاته طويلة حيث يظن العامل انه قد أصبح (شريكا) في المسؤولية, و يسكن في بيت ممول ستقيده قيود قروضه إلى ما بعد مماته.
في صيرورة علاقات الإنتاج الرأسمالية, يبيع العامل قوة عمله إلى الرأسمالي,فينتج العامل ربحا يفوق بكثير ما يحصل عليه من اجر بتشديد وتائر العمل, و يصبح العامل قطعة مشوهة, يخلو من الأحاسيس و المشاعر و لا يعلم أي شيء عن العالم المحيط إلا ما يدور حوله في بيئة العمل, و يعتقد الناس حينها أن هذا (شيء طبيعي للغاية), و حتى تصل الأمور بأنه لا احد يفكر بأنه حدث شيء أم لم يحدث,عندئذ يبدو الاستغلال و العبودية كأنها إفراز من افرازات ((الحرية و المساواة))
و يمكن ملاحظة الكثير من الأوهام الاجتماعية التي تخلقها (اشباه الأنظمة الاقتصادية المتخلفة), اي دول الأطراف و ما يصاحبها من بعض العادات السائدة و الموروث المهتريء,فمثلا إذا أصبح شخص ما فقيرا, و شخص ما ثري, فيعتقد المتوهم أن ما هذا إلا نتيجة (إرادتهما الحرة) , أو أن هذا يعتمد على الحنكة, أو اجتهاد احدهما و كسل احدهما الآخر, و لا يمكن أن يتصور بأن هذا ينبثق من علاقات الإنتاج و الرابطة الاقتصادية التي يتواجهان فيها, يروج هذا التزييف و الوهم بكافة أشكاله, حتى في وسائل الاعلام لخلق الاستكانة و الضعف, و لكي لا تستطيع الجماهير أن تدرك جوهر ما يحدث في الواقع . تتجلى النزعة الاستهلاكية كإفراز نتن من علاقات الإنتاج الرأسمالي بشكل أوهام اجتماعية متعددة, فالإنسان في النظام الرأسمالي يستبطن الرؤية السائدة في المجتمع فتسيطر عليه كليا بكامل رضاه وهو لا يستطيع التخلص منها أيضا, و تصبح نظرته للعالم هو الغرق في استهلاك المواد و الأشياء, و هذا التوحش الاستهلاكي ليس مظهرا لحدث فردي, ملازم لأفراد معينين, بل هو طابع اجتماعي ملازم لنمط الإنتاج الرأسمالي, و هو حالة عامة تهيمن على الناس موضوعيا, و هنا ينظر إلى الناس على أنهم مجموعة من (الحاجات) الجسدية الصرف فيدجن و يدخل إلى (مطحنة) الاستهلاك, و لكي تلبى هذه (الحاجة), تصنع له كل أشكال الرفاهية, فلا بد من شراء سيارة جديدة كل سنة, و هاتف من نوع معين, و تتحول كثير من الشكليات إلى ضروريات لا يمكن الاستمرار بالعيش من دونها. يحول النظام الرأسمالي و علاقاته المتعفنة البشر إلى سوق بلا قرار و لا نهاية يمكن إلقاء جميع أنواع السلع فيه دون أن تمتلئ, و يصبح الناس مثل الثقوب السوداء الكونية, التي تنعدم فيها كافة العلاقات الطبيعية حيث ينعدم الزمان و المكان و يبتلع كل ما يصادفه.
إن الوعي الذي تحاول البرجوازية أن تنشره بكافة الوسائل و تقيمه لتخدع به نفسها و تخدع به الجماهير. أما الماركسية اللينينية, و الوعي في المجتمع الاشتراكي يقودان نضال الجماهير الكادحة إلى مجتمع يخلو فيه استغلال الإنسان للإنسان, و يخلو فيه تزييف واقع الإنسان في إدراك الجماهير.