يوم الشهيد دروس وعبر


محمد علي محيي الدين
2013 / 2 / 3 - 21:32     

في يوم الشهيد الشيوعي نستذكر كل عام ذكرى استشهاد قادة حزبنا الشيوعي العراقي في يومي 14-15 شباط 1949 ومن خلالهم نستذكر شهداء الحركة الوطنية وشهداء الحزب الشيوعي عبر سنوات النضال المرير، وهذا الاحتفال الاستذكاري الذي نحتفل الان به بصورة علنية في ظل الحرية النسبية هذه الأيام كنا نحتفل فيه بصورة سرية في بيوتنا ولقاءاتنا واجتماعاتنا،
ومما يلفت النظر في هذا اليوم أنه مثل الهوية العراقية الواضحة، فالقادة الذين تم إعدامهم يمثلون الفسيفساء العراقي بتلاوينه المختلفة، ودليل على الوحدة الوطنية التي لم تكن تحتفل بالهويات الفرعية فاختلطت دماء المسلمين بمذاهبهم والمسيحيين والكورد والتركمان وغيرهم من الطوائف في نهر خالد هو النهر العراقي الكبير، فشهداء بلاد الرافدين يجمعهم هدف واحد وهم مشترك ليس كما هو عليه اليوم في ظل الاحتقان القومي والديني والطائفي.
هذا الدرس علينا أن نعيه ونستلهم منه الدروس والعبر في ضرورة تغليب الروح الوطنية، والالتقاء بالجامعة الكبرى التي تجمع العراقيين وهي الهوية الوطنية التي تجمع الجميع بغض النظر عن أصولهم وفروعهم وما استحدث من أسماء ومسميات أوصلت العراق الى حافة الحرب الأهلية.
أن استذكار هذا اليوم يدفعنا لتساؤل كبير تفرضه طبيعة الهجمات الشرسة التي تعرض لها حزبنا في العهود المختلفة، فقد تعرض في العهد الملكي المباد لهجمة قادها المعسكر الغربي وحلفاؤه في المنطقة من خلال تسخير السلطة العراقية المرتبطة بعجلة الاستعمار الغربي، وللتغطية على الفشل المخزي الذي منيت به الجيوش العربية في حرب فلسطين وإشغال المواطن عن الاتفاقات السرية بين الحكومات العربية والكيان الصهيوني فقد أثبتت الوثائق السرية أن هناك تنسيق مشترك بين الحكومات العربية والدول الغربية لتشريد الفلسطينيين وإسكان اليهود المساكين !!
وخشية الثورة الشعبية ضد النظام القائم اندفع نوري السعيد لإخماد الجذوة الثورية بإعدام قادة الحزب الشيوعي بذرائع واهية تحت غطاء الأحكام العرفية ظنا منهم أن إعدام القادة الشيوعيين سيؤدي لإخماد نار الثورة التي لاحت بوادرها من خلال التذمر الشعبي والمواقف الرافضة للتبعية المقيتة للاستعمار البريطاني، ولكن خاب فألهم فما هي إلا يوم وبعضه حتى كانت البيانات الثورية تملأ الشوارع والساحات ووصلت للبلاط الملكي عندما فوجئ الملك ببيان الحزب المندد بعمليات الإعدام.
لقد استطاع الحزب الشيوعي العراقي من خلال امتداده الجماهيري من كسب طباخ الملك الخاص الذي قام بوضع البيان في غرفة الملك الذي فوجئ في الصباح بوجود البيان على سطح مكتبه، مما دفعه للاتصال بحامي الملكية الثعلب الانكليزي نوري السعيد الذي اتصل ببهجت العطية طالبا منه تفسيرا بعد أن اعتقد أنه أنهى التنظيم الشيوعي في العراق.
ولشباط الأسود آثاره في تاريخ الحزب فبعد 14 شباط 1949 تمكن عملاء الاستعمار القادم بقطار أمريكي من الانقلاب على حكومة 14 تموز الوطنية صبيحة الثامن من شباط عام 1963 وارتكبوا المجازر والموبقات التي يندى لها الجبين بتأييد مطلق من الدول الغربية والعربية والرجعية المحلية.
وبالعودة الى ما نتج عن شباط 1949 وشباط 1963 نلمس خيطا يوصلنا الى أن القوى المعادية للشعب العراقي لن تتوقف عن ابتكار ما هو جديد للوقوف بوجه أي تقدم محتمل للعراق وشعبه لأن العراق هو بيضة القبان في المعادلة الدولية وعلينا الحذر من شباط جديد تلوح بوادره في الأفق من خلال الصراع المحموم لذات القوى التي غيرت ألوانها وارتدت لباس جديد لتؤدي ذات الدور وإيقاف عجلة التقدم والعودة بالعراق الى مستنقع التصادم والخلاف.
إن ذات القوى التي تحالفت ذات يوم لوأد ثورة الرابع عشر من تموز والمجيء بالبعث للسلطة تحاول اليوم أن تلعب لعبتها بزج العراق في صراع مذهبي يأتي على الأخضر واليابس، وعلى العراقيين توخي الحذر ومعرفة ما يراد من هذا الصراع والعودة لتبني الهوية الوطنية ورفض الهويات الفرعية التي يلعب عليها الاستعمار لبسط نفوذه من جديد.