انهيار الإشتراكية في الاتحاد السوفييتي


عقيل صالح
2021 / 12 / 23 - 22:17     

- (حول مسألة دكتاتورية البروليتاريا و الاتحاد السوفييتي )


اذ كنا نريد شرح مفهوم دكتاتورية البروليتاريا في كلمات بسيطة فهي المرحلة الإنتقالية التي تقع ما بين الرأسمالية و الشيوعية , الطريق الذي يمهد إلى المجتمع اللاطبقي .

كيف يتم التمهيد في تلك الفترة إلى المجتمع اللاطبقي ؟

أولاً بإستلام البروليتاريا السلطة , من حيث بسط دكتاتوريتها على البرجوازية و قمعها . هذا القمع لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال استلام السلطة , و لابد من استغلال السلطة كجهاز القمع الطبقي من أجل الوصول إلى اللاطبقية.

و في الحقيقة لم ترى البشرية أي تطبيق لدكتاتورية البروليتاريا سوى في الاتحاد السوفييتي , أيّ إلى حد إلغائها في 1961. و كان لابد من سلطة العمال السوفييتية محاربة الثورات المضادة , مثل المناشفة و الاشتراكيين الديمقراطيين و اليمينيين , و فوق هذا كان لابد من تصفية الرأسمالية بشكل تام .

فالتصفيات و القمع هي جزء و شكل من أشكال الدكتاتورية , أي دكتاتورية , و لا سيما هي أحد ملامح دكتاتورية البروليتاريا , فوحدهم الفوضويون و البرجوازيون الصغار يناقشون المسألة بشكل مغاير و يطالبون إما ثورة سريعة من دون مرحلة إنتقالية أو يطالبون بتخفيف حدة الصراع الطبقي بتطبيق مفاهيم مثل الديمقراطية و حقوق الإنسان و التعددية إلخ ..

بالرغم من بعض الأعمال التعسفية التي قام بها قادة دكتاتورية البروليتاريا , إلا أن في تلك المرحلة كان لابد من وقوع اخطاء كتلك , و البيروقراطية لم تكن إلا بقايا ثقافة روسيا القيصرية و كانت تعمل دولة الطبقة العاملة بكل شتى الطرق إلى إقصائها بشكل تدريجي .

ثانياً , تتمتع تلك المرحلة بتحويل وسائل الإنتاج من ملكية خاصة إلى ملكية مشتركة-جماعية تقوم بها الطبقة العاملة بشكل مركزي , و فوق هذا , قيام تعاونيات زراعية و العمل على انتزاع الملكية من الفلاحين الصغار , و بهذا قيام تحالف ما بين العمال و الفلاحين من اجل تحقيق ذلك .

و هذا بالضبط ما تم القيام به في الإتحاد السوفييتي في عهد ديكتاتورية البروليتاريا , فمن 1928 إلى 1940 توسعت الطبقة العاملة من 4,6 مليون إلى 12,6 مليون بسبب الخطط الخماسية , تلك هي كانت عملية بلترة المجتمع و التركيز على الإنتاج الضخم و الواسع.

ففي مسألة ديكتاتورية البروليتاريا نعلم أن تم تطبيقها في الاتحاد السوفييتي بشكل صحيح ما قبل المؤتمر الثاني و العشرين ( أو إن شئت المؤتمر العشرين ) .


- (حول مسألة تمكن البرجوازية الصغيرة من السلطة في الاتحاد السوفييتي )


الإشتراكية ليست مفهوماً أدبياً عائماً في غيوم السماء تحمل العدالة الاجتماعية و المساواة و الحرية.

الاشتراكية لا تعني توافق الطبقات , و لا تعني نهاية الصراع الطبقي .

الاشتراكية تعني " إزالة الطبقات " .

لا يمكن القول أن الاشتراكية ألغيت بعد سقوط الاتحاد السوفييتي و المعسكر الاشتراكي في 1991 , على أساس أن الاشتراكية كانت موجودة في الاتحاد السوفييتي ما قبل تلك الفترة ,هذا الإدعاء ينبعث عن القراءة الخاطئة أو الغير ماركسية لمجريات الأحداث في الاتحاد السوفييتي.

الصراع الطبقي هو المحرك الوحيد لحركة التاريخ .

و من خلال الصراع الطبقي يجب أن نحلل الوضع السوفييتي , كيف و متى ألغيت الإشتراكية في الاتحاد السوفييتي ؟ . المؤتمر العشرون للحزب الشيوعي السوفييتي هو المؤتمر الأكثر أنتشاراً و شعبياً في أوساط المثقفين و الماركسيين , و لكن المؤتمر الثاني و العشرين للحزب الشيوعي السوفييتي ليس بشعبية المؤتمر العشرين , و المثير للسخرية أهميته تفوق أهمية المؤتمر العشرين , من حيث تم إلغاء دكتاتورية البروليتاريا ( أيّ الإشتراكية ) و بهذا تم إعلان دولة الشعب كله ( أيّ العدالة الإجتماعية) .

العدالة الاجتماعية مفهوم برجوازي صغير , لا دخل له بالإشتراكية و لا بالتطبيق الاشتراكي . و بإيجاز العدالة الاجتماعية تعني توافق الطبقات و ليس إلغاءها كم ورد في المفاهيم الاشتراكية , فالعدالة الاجتماعية هي على شاكلة " اشتراكية " جمال عبدالناصر أو مثل بدعة اقتصاد السوق الاجتماعي .

فبعد استلام خروتشوف السلطة نجد أن النظرة الأقرب تقول أن إنقلاباً كبيراً وقع في هذه الفترة , و عندما نقول إنقلاب فنحن نقصدها حرفياً , أيّ , إنقلاب خروتشوف بتخلصه من مالينكوف و مولوتوف و بيريا بعد مؤتمر العشرين و أيضاً تصفية الحركات الشعبية التي تطالب بمولوتوف أن يأخذ مكان خروتشوف .

و لكن ما الطابع الطبقي في هذا الإنقلاب ؟ خصوصاً ان الثورة البلشفية تمكنت من تصفية الملاك و الرأسماليين في روسيا , فأي طبقة معادية للبروليتاريا التي تمكنت من السلطة ؟

شرع خروتشوف في المؤتمر الثاني و العشرين للحزب الشيوعي السوفييتي في ألغاء دكتاتورية البروليتاريا و استبدلها بدولة الشعب كله , أيّ دولة دكتاتورية البرجوازية الصغيرة .

فهنا نرى أن البرجوازية الصغيرة تمكنت من السيطرة على سلطة العمال في الاتحاد السوفييتي .

لا يمكن من دولة دكتاتورية البروليتاريا الوقوف جنباً بجنب مع دولة الشعب كله , لأن كلتا الدولتين متناقضتين , أيّ لا تخدم مفهوم واحد , و ليس هناك أدنى شك أن الدولة التي توفر العدالة الاجتماعية ليست الجسر الذي يصل إلى الشيوعية.

إن إعلان " دولة الشعب كله " و حزب " الشعب كله " بكل المعايير ألغى الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي.

و هنا يقع السؤال الأهم : هل يمكن تحقيق الاشتراكية , أو هل هناك شكل للاشتراكية غيرالتي وضعها ماركس ؟

لم ترى البشرية اشتراكية علمية إلا عند مهندسها كارل ماركس , رأت اشتراكيات طوباويات كثيرة و لكنها لم ترى أي اشتراكية حقيقية ملموسة مهندسة بشكل علمي سوى عند كارل ماركس الذي وضعها في شكل دكتاتورية البروليتاريا.

فبكل تأكيد إلغاء دكتاتورية البروليتاريا يعني إلغاء الاشتراكية .

فبهذا , نفهم أن النظام الاقتصادي للإتحاد السوفييتي من 1961 إلى 1991 لم يكن اقتصاداً اشتراكياً , بالرغم من الواجهة الشكلية التي تحمل ملامح اشتراكية . فإذا لم يكن الاتحاد السوفييتي يحمل نظاماً اشتراكياً فماذا كانت بنيته الاقتصادية لمدة ثلاثون سنة ؟ البنية الاقتصادية بلا شك لم تكن رأسمالية , ولكنها اقرب إلى نظام اقتصادي برجوازي صغير ذات ميول يسارية يريد تحقيق العدالة الاجتماعية , مثل نظام البعث أو الناصري الذي يدعيّ بالإشتراكية و هو في الحقيقة لا يطبق حرفاً منها .

إلغاء دولة دكتاتورية البروليتاريا أدى إلى دكتاتورية على البروليتاريا , حول حزب الطبقة العاملة إلى حزب كل الفئات ( حزب الشعب كله ) حزب ذات تعددية طبقية بقيادة الزمرة البيروقراطية التي تمكنت من السلطة وراء ستار الاشتراكية و الشيوعية .


عقيل صالح.
2013