جيفري ساكس والتعليم


محمد شفيق
2013 / 1 / 28 - 21:01     

في كتابه الصادر مؤخراً ( ثمن الحضارة : الاقتصاد والاخلاق بعد السقوط ) يسلّط الاقتصادي الأمريكي الشهير والمستشار الخاص للأمين العام للأمم المتحدة جيفري ساكس الضوء على ثلاث فترات مر بها الاقتصاد الأمريكي وهي ( 1955 – 1970 ) و ( 1971 – 1980 ) و ( 1981 – 2010 ) حيث يفترض ان الفترة الأولى تمثل "العصر الذهبي" للاقتصاد الأمريكي فيما تمثل الفترة الثانية "حالة ركود" قبل ان ينقل دونالد ريغان الاقتصاد الى "الشروق" حيث استطاع ريغان ان يشيطن الحكومة وآلة السوق أكثر من اللازم، حتى أصبحت الولايات المتحدة نظام حكم الشركات و "تحويل المال الى سلطة والسلطة الى مال ثانية هما صناعة واشنطن المقدمة" كما يقول ساكس.
ويؤشر الكتاب الذي يقع في جزئين الى ان الولايات المتحدة اذا ارادت ان تعالج الأزمة المالية وعمل سياستها واقتصادها من جديد، فان عليها ان تتغلب على ثلاث ازمات هي: (الأزمة الايديولوجية والأزمة المؤسساتية والأزمة الاخلاقية فيما يتعلق بالطبيعة الديمقراطية ).
ما تقدم ليس عرضا للكتاب وتقديم ترجمة للمؤلف أو مناقشة الأزمة الاقتصادية للولايات المتحدة، بل انها جاءت كمقدمة لنصل بعدها الى ان جيفري ساكس (مدير معهد الأرض في جامعة كولومبيا وأستاذ سياسة الصحة العامة والإدارة في كلية الصحة العامة والتنمية المستدامة في كلية العلاقات الدولية في الجامعة المذكورة ومؤسس ورئيس مشارك في تحالف وعد الألفية، الهيئة غير الربحية والتي تهدف الى العمل على الحد من الفقر الشديد والجوع، والساعي والمرشح لرئاسة البنك الدولي) اوصى الولايات المتحدة بثمانية اهداف و وضع على رأس تلك الأهداف الثمانية تحسين التعليم فضلا عن ( تخفيض نسبة الفقر، وتحسين الحكم، وموازنة الميزانية الفيدرالية، وتجنب كوارث البيئة ، وزيادة التوظيف ) .
واللافت هنا ان اقتصاديي امريكا غالبا ما يركزون على التعليم في استعراضهم لمشاكل البلاد وازماتها واستشرافهم للمستقبل، وطرح خطط الازدهار والتنمية. فسبق لمدير شركة مايكرسوفت بيل غيتس ان وعد ان يتبرع بأغلب ثروته من اجل تحسين الواقع التعليمي في امريكا لان نظام التعليم الامريكي لم يعجبه !.
والسؤال الذي يطرح هنا بقوة، اذا كان رجال الاقتصاد والسياسة في بلد أقل ما يوصف بانه شرطي العالم، وان جامعاته خرّجت الاسماء التي دخلت التاريخ من اوسع الأبواب وتركت بصماتها في مجال الفكر والابداع، يبدون قلقهم المتزايد من تراجع مستوى التعليم في بلادهم وتوصية الادارات الامريكية بان تجعل تحسين التعليم من اولوياتهم وخططهم وبرامجهم للسنوات المقبلة. فماذا يقول العرب وبلدان العالم الثالث ؟! التي تحتل أرقى جامعاتها اذيال التصنيفات العالمية ان ذكرت، ونسبة سكانها الأميين يشكلون سكان دول قائمة ومعترف بها.
اذا كان مفكرو أمريكا يطالبون بتحسين الواقع التعليمي لبلادهم، فماذا يقول اليمني والسوداني والليبي والعراقي؟! وماذا أعدت حكومات الربيع العربي لـ"تحسين" الواقع التعليمي ؟!.
ما يريدوه العرب اليوم هو رأس بشار الأسد واقامة مملكة دستورية في البحرين والسعودية والأردن، لكنهم يجهلون أو يتجاهلون ان المشكلة تكمن في السيارة وليس في منْ يقود السيارة كما يقول الباحث والكاتب المصري مأمون فندي.
ان السؤال الذي نطرحه للمرة الألف، ماذا اعدت انظمة وحكومات الربيع العربي لواقع بلدانهم التعليمي، وأين التعليم من مشروع "نهضة" الاخوان المسلمين في مصر، واطروحات حزب النهضة الاسلامية التونسي وبرنامج ائتلاف المعارضة السورية، واحزاب اللقاء المشترك والانفصاليين والجنوبيين في اليمن ، والـ500 كيان سياسي عراقي ؟!.
ستجد ان تلك الأحزاب والحركات والائتلافات ناقشت وعالجت ارتفاع الوقود واسعار الخضار الى اقامة الديمقراطية والفدرالية والاغلبية السياسية وكتابة الدساتير وتشريع القوانين وتحقيق اهداف الثورة، لكن التعليم كان غائبا عن تلك البرامج والاطروحات تماما!، عندما تقرأ ما يقوله جيفري ساكس وبيل غيتس وتوماس فريدمان الذي كان أول من نبّه العرب لواقعهم التعليمي بعد الربيع المزعوم عندما قال في مقال له نشره في صحيفة نيويورك تايمز الامريكية بأن الشباب يحتاج الى ثورة في التعليم، وكتب أكثر من مقال في هذا الخصوص وبالامكان مراجعة نصوصه في صحيفتي الشرق الاوسط والشروق المصرية. يؤكد لنا بان العرب باتوا احوج ما يكونوا اليوم الى ربيع و "ثورة" في مجال التربية والتعليم، لكن العرب احتاجوا اربعة عقود ليثوروا على القذافي وثلاثة مثلها على مبارك وبن علي وعلي صالح، فيما احتاج الخليجيون والبحرينيون على وجه الخصوص قرناً من الزمان ليطالبوا بمملكة دستورية ! فهل سنحتاج الى المدة نفسها للثورة على نظامنا التعليمي ؟!
أوضاعنا الحالية اذا ما استمرت ودلائل استمرارها كثيرة، فهي ستنقلنا الى دول العالم العاشر وليس الثالث ! .

[email protected]