تحالف غير مقدس!


جورج حزبون
2013 / 1 / 27 - 23:55     

لقد اعاد الصراع في سوريا ، العالم الى ايام ما سمي / بالحرب الباردة / ، فمنذ الخمسينيات كانت علاقة سوريا مع روسيا متميزة ، وكانت اميركا تحرض على سوريا باستمرار ، لحد احداث انقلابات عسكرية عديدة ابرزها انقلاب الشيشكلي ،فان موقع سوريا الجيوسياسي شكل مطمعا استراتيجيا لاميركا والناتو ، لكن غياب تحالف عربي امريكي معادي لسوريا ، التي كانت يومها قائد لحركات التحرر ومعقل لها ، لم يكن ممكناً التعرض الصريح لها ، ولقد اصبح من الواضح ان حرب عام 1967 كان الهدف منها ضرب سوريا ، وان السوفيت نبهوا الى حشود وتحركات اسرائيل في ذلك الوقت ، وخاضت بعد معركة الطيران في ايار 1967، بين سوريا واسرائيل وسقوط عدد كبير من الطائرات السورية ،كانت معركة طيران مقدمة للعدوان على سوريا ، وكان الهدف اسقاط سوريا كدولة ، الا ان تحرك عبد الناصر وما يتبع ذلك ، جعل الاهداف تتغير ، الى ضرب الجيش المصري واحتلال سيناء ، وضرب الجيش السوري واحتلال الجولان ، واحتلال الضفة الغربية ، علماً ان الرئيس الاميركي جونسون كان اوعد الملك حسين بعدم التعرض للمملكة والقدس تحديداً ، عند قيام اسرائيل باية عمليات عسكرية ، وهذا ما وثقه المؤرخ المعتمد للملك / افي شلايم / الا ان موشيه ديان في مذكراته وهو لا ينكر ذلك يقول ، كان لا بد من رفع معنويات الجنود الاسرائيلين باحتلال القدس ، وقد قمنا بتوزيع صور حضورنا الى ( الهيكل ) او الحوض المقدس على كافة جنودنا في مواقع القتال ، وقد فسر هذا الموقف قيام الطائرات الاسرائيلية بضرب القصر الملكي الاردني في الساعات المعتادة لذهاب الملك الى مكتبه ، في محاولة لالغاء التعهد والالتزام ، حيث نجى بسبب زيارته للجنود الاردنيين في معسكر الزرقاء عندها .
حين انطلقت حركة التغير في تونس وتبعتها مصر قيل انه ربيع عربي ، وهو مصطلح بدء تاريخه عام 1967 يوم اطلقه الاميركيون ، على المظاهرات التي انطلقت في براغ ، وتدخل فيها عسكرياً السوفيت ، قبل لحظات من سقوط تشيكيا بيد اميركا ، والغاية من هذا المسمى هو ، ان تلك البلدان التي لا تسير في الفلك الاميركي مضطهدة ، وانها تعيش شتاء ، فكان له ربيع بدعمها واسنادها ، لتعود وتبسط نفوذها على المنطقة ، وكان الحرية امريكية ،!
ادركت اميركا منذ الستينات انها تحتاج حليف غير اسرائيل بالمنطقة ، على ان يكون يحمل فكر، عقيدة ، ايديلوجيا تحتاجها في معركتها للهيمنة، فاستقر الرأي على توسيع الدور السعودي الحليف الموثوق، حامل الفكر الوهابي ، اوكبر منتج للطاقة ، ويستطيع ان يمول ناهيك عن ان يقود بالرعاية الاميركية ، وتوسع الامر لحد وصول ( القاعدة ) والسلفين والاخوان ، والتحاق بلدان مثل قطر بالعملية التدميرية للوطن العربي ، الا انه لا يلغي حاجة اميركا الى عقيدة تسهل حضورها المباشر او الغير مباشر ،وتدرك ان عليها دفع الثمن احيانا ، وما تعدد الحركات الدينية الا امر مساعد للوصول الى الهدف وتبرير الاستناد الى حركة معينة مع ترك التفاعل بينهالصالحا في النهاية .
وكان امتداد ظلامي رجعي ، ظهر بتونس ومصر وليبيا ، واخذ يظهر اكثر وضوحاً في سوريا ، بحكم امتداد الزمن بحركة الاحتجاج الشعبي ضد النظام ، بفعل الاسناد الروسي للنظام ، فتبين ان ما يجري تماماً كما جرى في سواها من بلدان ، مجرد التقاط اللحظة من قبل القوى الديمقراطية والشبابية على ذلك الحراك ، فاستولى الاسلاميون على ذلك الحراك ، ليس من اجل ترسيخ الانفتاح ، بل من اجل الارتداد بالاحوال الاجتماعية والاقتصادية الى الوراء تحت شعارات الاسلام ، لايجاد مناخ اكثر مناسبة لاميركا ومن معها لاحتواء المنطقة خاصة بعد الازمة المالية العالمية الخانقة لهم كانظمة رأس مالية ،وقد تلاقت مصالح بلدان الاسلام السياسي مع اميركا ، كون الطرفين معاديا لحركات الشباب والحرية والاستقلال والديمقراطية ، فعبر تاويلات دينية تستمر انظمة رجعية في السلطة ، التي تحتاج فيها الى حليف يزودها بالخبرة والسلاح بدل النفط الذي هو شريك فيه ، لتبقى انظمة مستبدة.
بدأ يدرك الروس ، ان العالم المعاصر يحتاج الى عقيدة ، ولا يكفي المال حيث هو ايضاً متوفر مع قطر ، فكان لحضورها ان تحالفت مع الحركات الاسلامية ، ولا يكفي السلاح ، فقد مكلت منه اميركا الكثير واحتاجت الى تحالف مع فكرة مع عقيدة، تسند موقفها وتدعو له ولو بشكل غير مباشر ، وقد اخذ يظهر طموح روسيا ، بالحنين الى الماضي ، فهي بلاد عاشت ازدهارها ، وعظمتها عبر ( بطرس الاكبر ) او ستالين وجيشه الاحمر ، واذ لا تستطيع العودة الى المرحلة السوفياتيه ، بعد ان تحولت الى دولة منافسة على النفوذ الدولي ، فكان لها ان تعود الى مرحلة ( بطرس ) والذي استند الى العقيدة الارثوذكسية ، فامتلك تحت سقفها بالشرق الاوسط وخاصة فلسطين ،واخذت روسيا تعمل لاخذ هذا الدور ،واستعادت بعض املاكها من اسرائيل ، والان يجاهد من اجل امتلاك بطريركية القدس ، وياخذ مكان الاشراف اليوناني عليها ، فم يملكون المال والايمان ؟! ، وتصبح لديهم الطوائف ، وهي مداخل النفوذ ،وتوفر حضورا طبيعيا ،كذلك فان الصراع الدائر في سوريا ، كما في منطقة الشرق الاوسط ، وتوقعات التغيرات / الجيوسياسية / فان روسيا تهتم بان تكون هناك ، ولها ما تقول عنه وبه ، لعله امر مع اختلاف الزمان ليس بعيداً عن مطالع القرن العشرين حتى الحرب الاولى ، ودولة الرجل المريض.
وهنا يبدو وان القرار لم يعد عربياً ولا قومياً وسيصبح ايضاً غير اسلامي او حتى ديني ، فالانفجارات العربية ، وتسلق الاسلامين اليها ، والبدء بتطبيق الشريعة السلفية ، هي مادة انفجار لالغاء الراهن لشعوب يعودون بها الى ازمنة الوصاية .
ان ما هو جار في مصر يؤكد بقوة ، عدم امكانية اقامة نظام اسلاموي في العصر الراهن ، ومهما بالغ الداعون له ، فان الاستناد الى مقومات فكرية قديمة وغير معاصرة لا يمكن من ان تكون جزء من النظام الاجتماعي والاقتصادي العالمي ، ثم ان العصبوية الدينية والنتظمية ، لا تسمح مهما حاول مرسي والغنوشي ، بنظام ديمقراطية ومساوة ومواطنة ، وان ايصال مصر الى وضع الدولة الفاشلة وتدمير سوريا ، وتقسيم ليبيا والسودان والعراق ، لن يفتح هذا طريقاً للاستقلال والحرية ، ولا يعبد درباً نحو اوطان حرة وشعوب سعيدة .