من ايام وثبة كانون اينعت ثمار 14 تموز

كنت في الصف السادس الإبتدائي يومها، وكان مقر فرع الحزب الوطني الديمقراطي في محلتنا العشار / البجاري، وكان الفرع يغلب عليه اليساريون في الحزب الوطني الديمقراطي، وسكرتيره محمد السعدون، كما أتذكر. وشبيبة المحلة كانوا من اليساريين، بعدما صرت أعرف معنى اليسار لاحقا، كان قلبي معهم فكنت اخرج في المظاهرات معهم التي كانت تخرج وتتوجه الى البصرة القديمة، وعندما تصل المظاهرة الى مكتبة القوميين/ مكتبة فيصل حمود، كانت الهتافات التي تهتفف بسقوط معاهدة بورتسموث ، بسقوط
وزارة صالح جبر، وزارة الخبز الأسود ، فقد كانت البطاقة التموينية مصدر تنظيم معيشة الناس ما زلت مستمرة رغم إنقضاء سنوات على غنتهاء الحرب العالمية الثانية. اهزوجة " نوري سعيد القندرة صالح جبر قيطانها" تتردد على ألسن المتظاهرين ، وكذلك الشعار الشهير" نخن إخوان اليهود وأعداء الصهيونية " يرتفع عاليا بين المتظاهرين، والناس المتجمهرون على الأرصفة يرددون ويصفقون. ولكن عندما تصل التظاهرة الى مكتبة القوميين، وهم شردمة لا تغص بهم المكتبة، يتكثف الهتاف الى هتاف:" يسقط أيتام هتلر " ، ويخرج من المكتبة هتاف خافت : " يسقط إخوان اليهود "، ويبدو أن القوميين ككل أعداء الديمقراطية يعتمدون على التضليل في تلقين أتباعهم، يزورون ويكذبون، ويقلبون الحقائق فيسمعونهم : " لا تقربوا الصلاة..." دون أن يكملوها : و"أنتم سكارى" ، نفس أسلوبهم في محاربة الشيوعية بالكذب على أتباعم بتحميل عبارة " الدين أفيون الشعوب " معنى غير الذي قصده ماركس ، بنشر العبارة منتزعة من سياقها. وكما سقطت المعاهدة وسقط صالح جبر يسقط حكم الإسلاميين و تتحقق الديمقراطية.
وصدق تقدير السفير البريطاني في بغداد" الذي وصفع الفنان عزيز علي بــ مختار ذاك الصوب، صدق بفقييمه أن : " سيبقى العام 1948 من الأعوام التي يتذكرها العراقيون دوما ..ففي أواخر كانون الثاني تمكن الشعب بعد سلسلة من أعمال العنف الواسعة النطاق [ التي قامت بها ال شرطة ص. ب .]و التي شملت العاصمة بغداد وبدرجة أخف بعض الألوية ( المحافظات) من إفشال وإسقاط اتفاقية بورتسموث التي وقعها رئيس الوزراء صالح جبر في اليوم الخامس عشر من ذلك الشهر في ميناء مدينة بورتسموث حيث كان يقضي زميله وزير الخارجية البريطاني ارنست بيفن عطلته."
فقد بقيت القوى الديمقراطية تتغنى وتنشد بالوثبة وتدعو الى تجديدها ، فقد غيروا كلمات أغنية سمر يا سمر منك يغار الكمر ألى اغنية لازمتها " يالله شعب يمته تثور وانت الأمل و انت النور". ما استطاعت أيام ذاك الربيع العربي أن تحقق النظام الديمقراطي، إذ استغلت الرجعية وسادتها المستعمرون نشوب الحرب الفلسطينية في أيار 1948 لتصفية وإخفات التحرك الديمقراطي، ولكن نجاحها ظل يلهم الشبيبة في مواصلة النضال فعبأت أجيالا من العراقيين استمروا في إشعال الإنتفاضة تلوالإنتفاضة في 1952 و1956 وصولا الى الحدث العالمي الكبير إنقلاب/ ثورة الرابع عشر من تموز 1958، والتي عُدت ثاني أكبر حدث بعد الحرب العالمية الثانية ، إذ كان إنتصار الثورة في الصين هو الانتصار الأول في النضال ضد الإستعمار.
و أذكر أنه بقيت على حائط سطح بيتنا العالي هذه الحروف منقوشة USAR إختصارا لحلم تمنيته :" اتحاد الجمهوريات العربية الإشتراكية " ، تيمنا بــاتحاد الجمهوريات السوفييتية الأشتراكية USSR هذا الحلم ذاته الذي حلم به الخالد فهد قبل ثمانين عاما : " عاش اتحاد جمهوريات عمال و فلاحي البلدان العربية." و ترابط العالم العربي هذا انعكس في سرعة تحول شعار ثورة الياسمين التونسية الى الربيع العربي ، الذي أزاح خريفُ الإسلامييين، الذي أعقبه ، والخريف فصل لا يدوم، سيكنسه ربيع الديمقراطية بعزم الشباب ، وبنهج سلمي. ومن شعارات الوثبة ترسخت قناعة الربط في النضال ضد الإمبريالية و الصهيونية و الرجعية ، فهذا الثالوث هو العقبة أمام الديمقراطية والتقدم.