حول الهجمات ضد الاتحاد العام التونسي للشغل ( GTT) العنف في سليانة التونسية

فتحي الشامخي
2013 / 1 / 15 - 08:49     


كيف تفسر الهجوم على المقر الوطني ل UGTT (الاتحاد العام التونسي للشغل)؟ لماذا تم اختيار تاريخ 4 ديسمبر؟ ما الذي تسبب في هذا الهجوم؟

اختيار الهجوم على المقر الوطني ل UGTT له دلالة سياسية هامة. أولا، ليس هناك شك في أن النهضة، هذا الحزب الإسلامي في السلطة، هي من يقف وراء الهجوم. ليس الحدث عفويا. واحد من الأسباب العميقة والأساسية لهذا الهجوم هو أن الاتحاد العام التونسي للشغل اليوم يبدو موضوعيا كواحدة من العقبات الرئيسية أمام خنق الثورة.

كان الاتحاد العام التونسي للشغل، دوما، القوة الاجتماعية الأكثر أهمية والأكثر تنظيما في تونس. ولكن أيضا وفي كثير من الأحيان مكبلا بقيادته البيروقراطية. منذ عام 1986، تاريخ إخضاع تونس ل "إجماع واشنطن"، وخاصة بعد انقلاب بن علي، وبعد ذلك بعام، أصبحت البيروقراطية النقابية في الواقع أداة لخدمة الدكتاتورية لإخضاع الطبقة العاملة لظروف الاستغلال الجديدة التي فرضتها الرأسمالية العالمية.

لقد غيرت الثورة الوضع: أدى سقوط الدكتاتور وضعف جهازها القمعي إلى تحرير القتالية الكامنة للطبقة العاملة والى إضعاف سلطة بيروقراطية الاتحاد العام التونسي للشغل بشكل كبير. لقد تم استخدام هذه الحرية المكتسبة بفضل الثورة بشكل جيد، ولا سيما من جانب الطبقة العاملة في القطاع الخاص كي تنظم نفسها وسط الاتحاد العام التونسي للشغل. في السنوات السابقة، تم بالفعل استبعاد العمل النقابي إلى حد ما تماما في القطاع الخاص، وخاصة حيت يهيمن رأس المال الأجنبي (وخاصة قطاع الصناعة التحويلية).

موضوعيا، أصبح UGTT حاليا عقبة رئيسية أمام "تطبيع" الوضع واستعادة أوضاع ما قبل 14 يناير. لذلك من الواضح بالنسبة للترويكا [1] التي في السلطة أنه يجب كسر عظام الاتحاد العام التونسي للشغل لإعادة إخضاع تونس مجددا لشروط هيمنة رأس المال العالمي.

هل هناك علاقة مباشرة بين ما حدث في سليانة أواخر نوفمبر وهذا الهجوم؟

طبعا. كانت سليانة [2] القشة التي قصمت ظهر البعير. مثل معظم الإضرابات الإقليمية الأخرى، فالإضراب العام في سليانة (23 نوفمبر 2012)، تتويج للاحتجاج الاجتماعي في هذه المدينة، وليس نتيجة لقرار القيادة الوطنية. على شاشة التلفزيون، قال أحد المضربين، عن حق، أن القرار اتخذ محليا، دون احترام حتى الإشعار القانوني بمدة 10 أيام، ودون انتظار موافقة المجلس التنفيذي على النحو المنصوص عليه في النظام الداخلي ل UGTT.

اليوم يمكن لنقابة من القاعدة، محلية أو إقليمية أن تقرر على الفور الإضراب دون إعاقة من قبل القيادة الوطنية. كانت سليانة بالنسبة للنهضة إشارة قوية وهذا ما يفسر قرار النهضة قمع الاتحاد العام التونسي للشغل. وإلى جانب ذلك، تضاعفت أعمال التحرش بالاتحاد العام التونسي للشغل من قبل "لجان حماية الثورة"، التي هي في الواقع الجناح المسلح لحزب النهضة الإسلامية. لكن 4 ديسمبر 2012 كان الهجوم هجوما في وضح النهار على المقر الوطني لUGTT، من قبل بضع مئات من الرجال، وكثير منهم كان مسلحا.

إنه في الحقيقة هجوم صريح، في علاقة مباشرة مع ما يقع بسليانة، لأن الاتحاد العام التونسي للشغل كان محور التعبئة وإدارة الحركة. وهذا أكثر وضوحا كون أنه مباشرة بعد حصول اتفاق بين الاتحاد العام التونسي للشغل والحكومة حول مطالب سكان المدينة، توقف كل شيء. هذا يثبت أن الاتحاد العام التونسي للشغل يسيطر على الوضع، وأنه يحظى باحترام الحركة الشعبية.

ماذا كانت مطالب الدعوة إلى إضراب عام يوم 13 ديسمبر ؟

كانت الدعوة إلى إضراب عام ردا على هجوم يوم 4 ديسمبر ضد مقر الاتحاد العام التونسي للشغل. فمن المؤكد أن هذا العدوان يبرر هذا القرار بما فيه الكفاية.

ولكن الضائقة الاجتماعية التي يوجد عليها المأجورون، في رأيي، كان يمكن أن تكون سببا آخر للدعوة إلى إضراب عام. فالثورة، في الواقع، لم تستفد منها الطبقات الشعبية، التي شهدت انخفاضا في القوة الشرائية وزيادة في البطالة والفقر. لم يقم الاتحاد العام التونسي للشغل بهذا الخيار.

وكان مضمون الدعوة إلى الإضراب العام منخفضا جدا. انه يفتقر، في رأيي لمطالب الأجور والمطالب الاجتماعية. كان من شأن تلك المطالب أن تبرر الدعوة إلى الإضراب العام على نطاق واسع.

اختارت اللجنة الإدارية الوطنية لUGTT أن تركز دعوتها على انتهاك حرمتها كنقابة يوم ذكرى اغتيال فرحات حشاد. لا يشير نداءها إلى المسائل الأساسية للثورة ودور UGTT الفعلي في المناطق. قبل كل شيء، أرادت أن تعتذر الحكومة وحل "روابط الدفاع عن الثورة". وعلى المستوى السياسي طالبت باستئناف "مبادرة الحوار الوطني" التي انطلقت هذا الصيف. وهكذا تم اتهامها بمحاولة التصرف كقوة سياسية.

كان موقف آخر ممكن بالنسبة لUGTT وهو الإعداد لإضراب وطني عام بسلسلة من الإضرابات الإقليمية والقطاعية للمطالبة بصوت عال بأن تعطي الحكومة الأولوية للمطالب الاجتماعية. لم يختر الاتحاد العام التونسي للشغل هذا الخيار.

هذا هو بالنسبة لي احد الأسباب التي تفسر عدم اقتناع قسم من الرأي العام بجدية إضراب 13 ديسمبر 2012. قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل رضخت في نهاية المطاف لضغوط الحكومة وجزء من الرأي العام، وألغت الإضراب دون الحصول على حل الميليشيات، ولكن فقط إنشاء لجنة للتحقيق.

كيف تطورت موازين القوى منذ شهر؟

إلغاء الإضراب، أبطل للحظة، مفعول لتوتر الاجتماعي. اعتادت الطبقة العاملة التونسية نفاق القيادة النقابية. ولكن يأسف كثيرون لقيام هذه الأخيرة برفع حدة التوتر وحشد قواتها للدفاع عن الحرية النقابية وفي الأخير تراجعت دون تحقيق أي شيء تقريبا. ربما باستثناء الحق في "وقف إطلاق النار" مؤقتا.

أعتقد أن مركز التوتر الاجتماعي والسياسي سينتقل لفترة إلى الأحزاب السياسية وخاصة الشارع الذي سيتولى ريادة الاحتجاج الاجتماعي.

ما كان يمكن أن يحدث لو حافظ الاتحاد العام التونسي للشغل على شعار الإضراب العام؟

يعتقد البعض أننا كنا سنشهد توترا اجتماعيا هاما من شأنه إعادة تنشيط العملية الثورية، وبصراحة انفجارا اجتماعيا معمما جديدا، يعني موجة ثورية جديدة. لكن آخرين يتساءلون عما إذا كانت الظروف ملائمة لذلك.

لكي يكون الاتحاد العام التونسي للشغل على استعداد للدخول في المواجهة والذهاب حتى النهاية، فلا بد من حصول اقتناع بأنه فقط استمرار العملية الثورية يمكنه أن يوفر حلولا ذات مصداقية ودائمة للأزمة الاجتماعية وأزمة النظام بشكل عام. في رأيي، أعتقد أن جزء على الأقل من أعضاء القيادة غير مقتنع بذلك. لقد تربت تلك القيادة على مدى عقود من خلال الحوار مع السلطة والحفاظ على السلم الاجتماعي الذي كانت كلفته بالنسبة للطبقة العاملة والطبقات الشعبية ثقيلة جدا.

على أي حال لم يخرج الاتحاد العام التونسي للشغل من الورطة! فهو لا يزال الهدف الرئيسي للثورة المضادة. ستعود النهضة إلى استهدافه عاجلا أو آجلا.

لا استطع أن أقول إلى أي مدى تشعر قاعدة الاتحاد UGTT بالرضا أو بخيبة أمل بسبب إلغاء الإضراب. ولكن ما أنا متأكد منه، بالنظر إلى الأزمة الاقتصادية والمالية، وتفاقم الأزمة الاجتماعية واستعداد رؤوس الأموال العالمية إلى إعادة فرض قانونها في تونس، هو أن إخضاع UGTT يبقى في البرنامج و لا يمكن لقيادته تفادى مواجهة هجوم جديد، عندما سيحدث مرة أخرى. إن الجواب على هذا التحدي يحدد أيضا نتائج العملية الثورية.

* فتحي الشامخي هو المتحدث باسم RAID (أتاك وCadtm) وعلى هذا النحو هو جزء من قيادة الجبهة الشعبية. مناضل تروتسكي منذ مدة طويلة، وهو أيضا عضو في LGO رابطة اليسار العمالي. أجرى المقابلة Dominique Lerouge. (15 ديسمبر 2011)

[1] يهيمن على الترويكا الموجودة في السلطة منذ نهاية عام 2011 حزب النهضة الإسلامي. ليس لحليفيه، تكتل الاشتراكيون الديمقراطيون (ex-FDTL) وCPR (المؤتمر من أجل الجمهورية) للمرزوقي، سوى دور ديكور.

[2] شهدت سليانة، وهي بلدة على بعد 120 كيلومترا من تونس، إضرابا عاما تقريبا لمدة 5 أيام في نهاية نوفمبر. بالنظر إلى العنف المفرط للقمع، فقد تخلى 35000 من سكانها عن المدينة المحتلة من قبل الشرطة، وبدؤوا في السير نحو تونس. أمام هذه الانتفاضة، اضطرت الحكومة لبعض التراجع، بما في ذلك عزل الحاكم الإقليمي.

عن http://alencontre.org/

تعريب المناضل ـ ة