لا حل سياسي في سوريا


ثائر الناشف
2013 / 1 / 13 - 00:36     

تعددت المبادرات السياسية التي طرحتها الجامعة العربية والأمم المتحدة عبر مندوبيها إلى سوريا، بدءاً من المبعوث السابق كوفي عنان وصولاً إلى المبعوث الحالي الأخضر الإبراهيمي، وكان الغرض من هذه المبادرات المطروحة، إيجاد حل سياسي لما يصفه المجتمع الدولي بالأزمة السياسية في سوريا.
حتى لحظة كتابة هذه السطور، فشلت كل تلك المبادرات السياسية في تحقيق أهدافها، لسبب بسيط لم يدركه المجتمع الدولي، أو ربما أدركه في وقت متأخر، وهو أن ما يجري في سوريا ليس أزمة سياسية، بقدر ما هو ثورة شعبية انطلقت شرارتها الأولى من درعا قبل واحدٍ وعشرين شهراً ولازالت مستمرة حتى الساعة.
لطالما ظل المجتمع الدولي يتعامل مع الوضع الراهن في سوريا بأنه أزمة، رافضاً توصيفه بالوصف الصحيح لمدلول الثورة التي يبذل الشعب السوري لأجلها الغالي والثمين، سيظل نظام عصابة الأسد يبطش بالشعب أشد البطش، معتبراً ذلك ضوء أخضر من القوى الدولية والإقليمية، ليجهز على الثورة التي أصبحت يتيمة في ظل العجز الدولي عن نصرتها ودعمها بكل ما تحتاجه من وسائل الدعم التي يحتاجها الثوار .
بطش نظام عصابة الأسد المجرم بالشعب السوري، في ظل الصمت الدولي، بطش يبطن في أحيان كثيرة حقد طائفي أعمى، بدأ يتكشف يوماً بعد آخر على مقاطع الفيديو المسربة من أجهزة المحمول العائدة لبعض الشبيحة الذين أسرهم الجيش الحر، أكثر من كونه بطش يبطن صراعاً على السلطة كما كان الحال مع نظام القذافي البائد .
أمام هذا الاستعصاء في الفهم السياسي لماهية الثورة السورية، ظهر المجتمع الدولي بصورة المتآمر على الثورة والمتواطئ مع نظام عصابة الأسد لقمع الشعب، فمن الواضح أن المجتمع الدولي ممثلاً بالقوى الكبرى كأميركا وروسيا ومعهما فرنسا وبريطانيا، يدركون جيداً مطالب الشعب السوري بالحرية والكرامة والتغيير الكامل والشامل لنظام عصابة الأسد، باعتباره نظاماً انتهت صلاحيته منذ أن اقترفت قواته المجرمة مجزرة حماة عام 1982 فما بالنا الآن .
لكن ورغم إدراك القوى الكبرى لمطالب الشعب السوري والتي هي حق مشروع له كحق أي شعب آخر في هذا العالم ، فإنهم عاجزون عن تقديم الدعم للشعب السوري ، أو لنقل بتعبير أدق إنهم قاصرون عن هذا الدعم لعدة أسباب منها.
أولاً : رهانهم على تجاوز نظام عصابة الأسد لهذه العاصفة الهوجاء وإعطائه مزيداً من الوقت والفرص لم تعط للأنظمة العربية التي أطيح بها في مصر وتونس وليبيا واليمن والتي فشلت في تجاوز رياح تلك العاصفة .
ثانياً : موقع سوريا الجغرافي في شمال غرب منطقة الشرق الأوسط يجعل منها عقدة مستعصية أمام أي حل سياسي، كذلك يمنع عنها أي تدخل عسكري دون توفر الحد الأدنى من التوافق الدولي، فسوريا ليست العراق رغم قربها منه وليست ليبيا بغناها النفطي، بل لقربها من إسرائيل خاصة الحدود الشمالية، جلب لها المصائب والويلات التي يدفع الشعب السوري ثمنها غالياً منذ نكبة 1967 بالمقابل جلب هذا الموقع الجيوسياسي لنظام عصابة الاسد حصانة من كل الجرائم والمجازر التي ارتكبها ضد الشعب السوري واللبناني والفلسطيني وعمراً أطول في السلطة وزيادة في الاعتماد الدولي عليه أكثر من كل الأنظمة الحليفة لتلك القوى الكبرى .
ثالثاً : تحول سوريا إلى ولاية إيرانية، ليس بمعنى التوحد أو الاتحاد، بل بمعنى الاحتلال المباشر، أدخلها في معادلة الحسابات السياسية الكبرى التي تتقاطع تارة وتتجاذب تارة أخرى بين القوى الإقليمية والدولية، وهذا ما يفسر فشل المبادرات السياسية كونها لا تدخل في حيز المعادلة الإيرانية التي تمسك بمراكز القرار لدى نظام عصابة الأسد، بحيث أصبح أي تدخل دولي أو إقليمي في الشأن السوري يجب أن يضع في اعتباره إيران .
إن الحديث عن حل سياسي كما يراهن المجتمع الدولي بما يعني الانتقال السلس للسلطة والذي يبدأ بتنحي بشار أسد وتسلميه السلطة طوعاً، وتشكيل حكومة انتقالية يكون الائتلاف الوطني محورها الأساسي بحسب خطة الإبراهيمي هو حديث بلا جدوى، فليس هناك ما يؤكد استعداد نظام عصابة الأسد للتراجع عن طريق القتل والتدمير الممنهج ، فكيف إذن يروق للمجتمع الدولي التفكير بأي حل سياسي .
أخيرا ثمة أمر مهم ، يمكن قرأته بين ثنايا الخطط والمبادرات السياسية سواء لدى الأمم المتحدة ممثلة بمبعوثها الإبراهيمي أو لدى المعارضة السورية ممثلة بالمجلس والائتلاف الوطني، وهو أن الغاية القصوى من كل هذا اللهاث السياسي هو الحفاظ على الأقليات في سوريا، وخاصة منها الطائفة العلوية، وتحصينها في أي نظام سياسي قادم، قد يكون هذا الطلب إيرانياً في المقام الأول وقد يكون من نظام عصابة الأسد نفسه ومع ذلك كله أصبحت اللعبة واضحة ومفهومة للثوار والمقاتلين على الأرض ، وهو أن يقرر مستقبل البلاد والأقليات هم الثوار أنفسهم وليس المجتمع الدولي الذي ظل يتلاعب على منطق المصالح والتوازنات السياسية .