أين الإمبريالية ؟ ما هي العولمة ؟


عقيل صالح
2013 / 1 / 4 - 23:57     

( حول التطورات العالمية الراهنة )

يسعر و ينتفض و يثور بعض الكتبة حالما ننطق بكلمات مثل ((الامبريالية )) أو ((الرأسمالية )) , و كأنما لا يجوز لنا بتاتاً الحديث عنها أو الحديث عن التغيرات في تركيباتها .

قد قلت سابقاً و أكرر قولي , لا أستطيع كتابة مقال في فن النقد الرفاقي , تلك هي المشكلات الأولية التي يعاني منها بعض الكتبة , هي الفكرة السائدة و الثابتة أن من أجل مناقشة مسألة ما لا بد من الركوب على الخيل و رفع سيف الله و ذبح العدو .

الفقر الفكري , هو برأيي العامل الرئيسي الاول في جعل أي كاتب يسعر و يصرخ و يشتم مثل المجنون عندما نمسك أو نقترب من مفاهيم قد فهمها بشكل أعمى من دون أن يعلم ماهية تلك المفاهيم .

(( الامبريالية )) و (( العولمة )) قد أثارا نقاشات هائلة .هناك تعريفات كثيرة , تستحق النظر و الدراسة من أجل أن تكون لدينا نظرة أكثر قربا للواقع الراهن , و لكن ما الذي يعرقل هذا التحليل ؟ أليس من يسكبون الحبر سكباً في الشتائم و تكرار أعمى لمفاهيم لا يعرفونها ؟ تلك هي المشكلة الرئيسية التي نحن بصددها .

شيء واحد , لا أظن ان أحداً يستطيع نكرانه , هو أن بنيوية العالم قد تغيرت , خصوصاً بعد ثورات التحرر الوطني و بعد سقوط المنظومة الاشتراكية .

هناك الكثير ممن يمزج الامبريالية بالعولمة , بإعتبار ان هذين المفهومين متناسقين , و هذا الظن يعني أن هؤلاء لا يفهمون ما هي الامبريالية و لا العولمة , و فوق هذا , يعتبرون العولمة كحركة تحديثية للامبريالية و تطوراً للرأسمالية , من دون النظر إلى البنية الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية و تحولاتها بعد ثورات التحرر الوطني و بعد سقوط المنظومة الاشتراكية .

هذه المسألة مهمة جداً , و لا بد للماركسيين المساهمة في النقاش حيال تلك المسألة لكي نرى بوضوح أكبر .

في القرن التاسع عشر كانت بريطانيا هي المهيمنة عالمياً , هي الدولة المحورية , و تغير هذا الشكل في مدخل القرن العشرين حيث أصبحت الولايات المتحدة هي الدولة المحورية و القوية .

الإمبريالية أساساً هي التوسع من أجل السوق , من أجل الهيمنة على قوة العمل , الرأسمالية لا يمكنها أن تبقى في جزيرة واحدة أو في الشكل الجنيني , بل هي دائماً تبحث عن التوسع . و بهذا , الإمبريالية هي توسع رأس المال عالمياً .

هناك من يجرد الإمبريالية من الرأسمالية و يحتفظ بالإمبريالية كقالب أو كناية عن التوسع العسكري و الهيمنة السياسية , فتجده يطلق على أي نظام له نزعات توسيعة بنظام إمبريالي من دون أن يحلل القاعدة الاقتصادية لتلك الدولة .

الإمبريالية تعني هيمنة رأسمالية عالمية من قبل عدة دول و على رأسهم دولة قوية و قاعدية و محورية . تلك القاعدة , تريد التوسع, فهي تباشر بالتوسع إلى قارات و مراكز اخرى , فبالضرورة الإمبريالية تعني رأسمالية عالمية , و بهذا لا بد من أن تكون أحتكارية .

العولمة , في الجانب الآخر , تلغي الخاصية الهيمنية و التوسعية العسكرية في الإمبريالية , بل هي شكل جديد لعلاقات دولية جديدة .

بالرغم من أن الولايات المتحدة تبدو حالياً منفردة و مهيمنة عالمياً , إلا أنها تجد لها منافسين مثل الصين , الولايات المتحدة لم تعد كالسابق , ثورات التحرر الوطني كسرت هذا القيد الامريكي العالمي , فالولايات المتحدة بعد خروجها من فييتنام فقدت خاصيتها التوسعية , و دخلت في ازمات اقتصادية عميقة .

فالعلاقات الدولية الحالية قائمة على اللاقومية , ليس هناك أي قاعدة مهيمنة واحدة , و الاقتصاد اصبح اقتصاداً عالمياً , أيّ , رأسمال بلا قاعدة محلية أو وطنية أو قومية .

العولمة أنشأت مفهوم الاقتصاد العالمي , أيّ , اقتصاداً يديره العالم , مصير العالم يرتبط بعضه ببعض , و هنا أود أشير إلى الكساد الكبير في 1929 , و لنر كيف اختلف العالم آنذاك و العالم اليوم , في 1929 تأثرت الدول المرتبطة بالولايات المتحدة – إرتباطاً اقتصادياً – بشكل هائل , فبسبب الإنهيار الذي حدث في الولايات المتحدة , هذا أدى إلى وقف الديون و المساعدات التي كانت تقدمها إلى ألمانيا , و بهذا دخلت ألمانيا إلى متاهات البطالة و الفقر , و بالمثل حدث في دول عدة و لكن ليس بالشكل الألماني , كل هذا في القطب الرأسمالي , بينما دول الاتحاد السوفييتي لم تتاثر مطلقاً من الكساد الكبير . هنا نرى أن في فترة الكساد الكبير لم يكن العالم مترابطاً بشكل وثيق , حيث الأزمات تحدث في مناطق معينة و تؤثر على حلفائها فقط , بينما يمكن لمناطق أخرى أن تتجنب تلك الأزمة . و لكن , بعد أن تحول العالم إلى " قرية عالمية " نجد أن الأزمة الاقتصادية في 2008 أثرت تقريباً على العالم كله بسبب الترابط و التحالف الاقتصادي الوثيق .

فهنا جلبنا نموذج صغير لمفهوم الاقتصاد العالمي , و كيف العالم مرتبط بشكل قوي اقتصادياً .

و من خلال هذا , نستطيع أيضاً أن نربط الربيع العربي بالعولمة , بالرغم أن البعض يقول أن الربيع العربي هو حدث إمبريالي – أعتقد مجازياً – و لكننا لا بد لنا من نظرة أقرب نحو هذا الحدث .

العالم كما قلت تحول من شكل الأقطاب , إلى ترابط و علاقات عالمية اقتصادية , و تلك الفكرة او النظرة لا تتحقق إلا بالشكل العالمي , و بعض أنظمة الشرق الأوسط تمنع هذا التدفق الاقتصادي من الوصول إليها , فلهذا لابد من إستبدال تلك الأنظمة بأنظمة أخرى تساعد في حركة الشريان الاقتصادي العالمي .

تلك الحركات , تقودها مفاهيم الليبرالية الجديدة العالمية تتكلم بأسم (( حقوق الإنسان )) و (( الديمقراطية )) و (( الحرية )) , تلك هي شعارات الربيع العربي .
تروج الليبرالية الجديدة - التي أضافت لنفسها نزعة اجتماعية كما نرى نماذج منها في سويسرا أو الدينمارك - تلك المفاهيم ليس من الناحية السياسية و حسب , بل الاقتصادية , حيث الليبرالية الجديدة تهدف ببناء دولة الرفاه , كما نرى في النرويج أو سويسرا على سبيل المثال , حيث تلك الدول ليست رأسمالية أو اشتراكية , بل هي كما تُعرف ألمانيا نفسها بأنها تتبنى (( اقتصاد السوق الاجتماعي )) .

فهنا نرى أن نصف الدول التي تقود حملة إمبريالية – كما يزعم - على الشرق الأوسط غير رأسمالية , و نجد أن مفاهيم مثل مؤمرات امبريالية لا تنفع في تحليل الوضع العربي الحالي .

النظرة الأقرب لسبب نشوب هذا الحدث – و ليكن في علم القارئ أنني لا أنفي دور الغرب في التغيير بل أشدد و أؤكد دوره – هي فتح تلك الدول –المغلقة - اقتصادياً من أجل توافقها مع الشكل الاقتصادي العالمي الراهن.

و فوق هذا , نجد كيف تلك التغيرات العربية تلائم طموحات العالم , بنشر مفاهيم مثل (( حقوق الإنسان )) و (( الحريات السياسية )) و (( الحريات الاقتصادية )) , و بهذا , تقدم المنظمات الحقوقية مساعدات لتلك الحركات, و فوق هذا , نجد منظمات حقوقية تنشأ في الدول العربية و لها ارتباط قوي بالمنظمات الحقوقية الغربية و العالمية , و هذا يدل على الشكل العالمي الجديد المتغير و المغاير للنظام العالمي القديم .

من المهم جداً أن نعلم أن العولمة تنفي التفرد و الهيمنة الأحادية , فبذلك هي تنفي وجود قاعدة اقتصادية واحدة تتوسع توسعاً إمبريالياً , و ثانياً , من المهم جداً أن يكون في الحسبان أن الإيديولوجية المهيمنة عالمياً هي ايديولوجية البرجوازية الصغيرة التي تعتبر بوقاً لمفاهيم مثل ((حقوق الإنسان )) و (( الحرية )) و ((العدالة الاجتماعية )) .

و أخيراً , لابد من أن نحدد موقفنا , و هذا التحديد بالطبع لا بد أن يتبلور تحت نقاشات كثيرة و تحليلات عميقة للأوضاع العالمية الراهنة , من أجل نظرة أثقب للشكل العالمي الحالي , في سبيل معرفة العمل الشيوعي .

عقيل صالح .