معركة طلبة معاهد تأهيل الأطر في الميدان الصحي في مواجهة القمع والتضليل الحكومي: دروس في الكفاحية والتنظيم الذاتي


مهدي رفيق
2012 / 12 / 19 - 16:08     

معركة طلبة معاهد تأهيل الأطر في الميدان الصحي في مواجهة القمع والتضليل الحكومي: دروس في الكفاحية والتنظيم الذاتي



يخوض أكثر من 5000 طالبة وطالب من معاهد تأهيل الأطر في الميدان الصحي ، منذ 26 شتنبر الماضي، معركة مفتوحة في إطار لجنة التنسيق الوطني لخريجي و طلبة معاهد تأهيل الأطر في الميدان الصحي بالمغرب اتخذت عدة أشكال نضالية من مقاطعة للدروس النظرية والتطبيقية ووقفات أمام مؤسسات الدولة " وزارة الصحة، المندوبيات الإقليمية، البرلمان..." وبعض الأحزاب المشاركة في حكومة الواجهة "PJD-PPS" ضد التراجع الخطير الذي كرسته وزارة الصحة في ما يخص سياسة تكوين الأطر الصحية، بعد إصدارها لمرسوم 3 أكتوبر2012 الذي غيرت بموجبه النظام الأساسي الخاص بهيئة الممرضين بوزارة الصحة"المنشور بالجريدة الرسمية عدد 6096 بتاريخ فاتح نوفمبر 2012 " وذلك من خلال تمكينها خريجي القطاع الخاص الحاملين لدبلوم التقني المتخصص في إحدى شعب التكوين شبه الطبي المسلم من طرف إحدى مؤسسات التكوين المهني الخاص المعتمدة من حق اجتياز مباريات التوظيف لولوج درجة ممرض مجاز من الدولة من الدرجة الثانية

خوصصة التكوين...أو الشجرة التي تخفي غابة تسليع الخدمات الصحية

يندرج هذا المرسوم المشئوم في إطار تدمير مكتسبات الفئات الشعبية في المجال الصحي والإجهاز على حقوق الشغيلة الصحية، و تقليص دور الدولة عبر الخفض المتزايد للنفقات العمومية في هذا المجال الاجتماعي الحيوي وفسح المجال واسعا للقطاع الخاص وتسييد منطق التبادل الحر . "هذا بقصد جعل خدمات الصحة سلعة والمتاجرة بأرواح البشر عبر تقليص تمويل القطاع إلى حدود 5 في المائة من الناتج الداخلي الخام – 5.2 في المائة سنة 2012 مقابل 8 في المائة سنة 1960- وإقرار مرسوم 30 مارس 1999 القاضي بضرب ما تبقى من مجانية الخدمات، بالإضافة إلى إسناد عدة خدمات بالمؤسسات الصحية إلى الشركات الخاصة في إطار ما يسمى بالتدبير المفوض : الحراسة، النظافة، التزود بالأكسجين، وتدبير النفايات الطبية، بل حتى بعض المؤسسات الصحية كمراكز تصفية الدم في بعض المناطق أنيط تدبيرها إلى جمعيات، بل أكتر من هدا فسح المجال للقطاع الخاص للاستثمار في ميدان تكوين الأطر الصحية بالخصوص الممرضين والتقنيين فمند سنوات انتشرت المؤسسات الخاصة لتكوين الممرضين والممرضات كالفطر في كل ربوع المغرب حتى في مدن صغيرة كورزازات والراشيدية " صابر النجار، تجدد الإضرابات والاحتجاجات في قطاع الصحة. الثلاثاء 23 أكتوبر 2012 ، جريدة المناضلة.

وقد خلفت هذه السياسات النيوليبرالية القائمة على منطق الربح واعتبار الصحة كمجال للاستثمارات المربحة أوضاعا كارثية على مختلف المستويات من تردي البنيات التحتية والتجهيزات الصحية وارتفاع أسعار الأدوية فضلا عن الخصاص الكبير في العاملين في القطاع حيث تصنف منظمة الصحة العالمية المغرب من بين 57 دولة التي تعاني نقصا حادا في الموارد البشرية – 6000 طبيب و 9000 ممرض.

وما ينبغي معرفته من طرف الشاب الحالي المنتفض ضد سياسة الإجهاز على التكوين العمومي وضرب حقه المشروع في التوظيف هو كون أن هذه الإجهازات تندرج في سياق الضربات لتي توجهها الدولة لقطاع الصحة العمومية، منذ أمد بعيد، حيث بتاريخ 18 نوفمبر 1988 اتفق البنك الدولي والحكومة على خطة شاملة لتوجيه سياسة الدولة في مجال الصحة وفق منظور نيوليبرالي يسعى الى تسليع الصحة و المتاجرة بأرواح البشر وتتمثل عناوين هده الخطة في:

• إلغاء ما تبقى من خدمات صحية عمومية؛

• وضع إستراتيجية جديدة لتمويل القطاع؛

• فتح المجال لدور القطاع الخاص؛

• إقامة نظام وطني للتامين الصحي مع إجبارية الانخراط لمستخدمي القطاعين العام والخاص.

وتتمثل أهم مطالب طلبة وخريجي معاهد تكوين الأطر في الميدان الصحي في:

- توفير مناصب مالية لتوظيف الخرجين المعطلين البالغين 2600،

- إلغاء المرسوم الذي يسمح لخريجي القطاع الخاص في المجال شبه الطبي من ولوج الوظيفة العمومية في إطار الممرضين.

- إعتماد نظام "إجازة ماستر دكتوراه" إسوة بباقي معاهد تكوين الأطر طبقا لمقتضيات المادة 25 من القانون 00.01 المتعلق بتنظيم التعليم العالي،

- إدماج خريجي السلك الثاني من معاهد تأهيل الأطر في السلم العاشر عوض السلم التاسع.

أكذوبة المادة 33. والجدل حول الطبيعة القانونية لمعاهد تأهيل الأطر ?

بفضل صمود الطلبة المحتجين الذين جسدوا مقاومة بطولية في مواجهة القمع الذي تعرضت له نضالاتهم السلمية المشروعة في ظل غياب تضامن طلابي خاصة من طرف الحركة الطلابية واكتفاء قيادات النقابات العمالية برفضها اللفظي كعادتها عبر البيانات الاستنكارية واستنكافها عن تجسيد التضامن النقابي مع الطلبة المضربين عبر إعلان إضراب وطني داخل القطاع الصحي، وبعد استخفاف الجهات المسئولة في الدولة وتنكرها لمطالب المحتجين خرج وزير الصحة لممارسة التضليل المعهود لدى خدام نظام الاستغلال والاستبداد حيث أكد في ندوة صحفية وفي نشرات إخبارية بان كل ما قام به هو تطبيق القانون الموجود أصلا والمتعلق بالتكوين المهني الخاص الذي صادقت عليه المركزيات النقابية الأكثر تمثيلا الممثلة في مجلس المستشارين وخاصة المادة 33من القانون13-00 التي تنص " تخول الدبلومات المعترف بها من قبل الدولة لحامليها نفس الحقوق نفسها المخولة بموجب التشريعات والقوانين الجاري بها العمل لحاملي الدبلومات المماثلة المسلمة من طرف مؤسسات التكوين المهني بالقطاع العمومي".

وهو الأمر الذي يدخل في باب التضليل وممارسة الكذب حيث أن معاهد تأهيل الأطر لا تندرج من الناحية القانونية في مجال التكوين المهني بل تعد معاهد لتكوين الأطر وفق المرسوم 2.93.602 الصادر في 29 أكتوبر1993 المنشئ لها، المنشور في "ج.ر عدد 4233 بتاريخ 15 ديسمبر1993" والمتعلق بإحداث معاهد لتكوين الأطر في الميدان الصحي الذي تنص المادة الأولى منه "تحدث مؤسسات لتأهيل الأطر في الميدان الصحي تابعة لوزارة الصحة تسمى معاهد تأهيل الأطر في الميدان الصحي"، مما يجعل من مماثلتها مع مؤسسات التكوين المهني العمومي ضرب من العبث والخلط المتعمد من أجل إيجاد المسوغات القانونية لتمرير مخطط الإجهاز على منظومة التكوين العمومي في المجال الصحي وفتح المجال لسماسرة القطاع الخاص للاغتناء ومراكمة الأرباح ولو على حساب جودة الخدمات الصحية الموجهة لكادحي هذا البلد، وبالتالي فإن الاعتماد على مقتضيات المادة 33 من القانون 00.13 المتعلق بوضع نظام أساسي عام لمؤسسات التكوين المهني الخاص عار من الصحة ويفتقد حتى للشرعية القانونية.

ولتوضيح هذه الفكرة أكثر، يكتفي أن نشير إلى أنه في الوقت الذي يحدد فيه النظام القانوني المنشئ لمعاهد تأهيل الأطر في الميدان الصحي دور هذه الأخيرة في مهمة تأهيل واستكمال خبرة الأطر الشبه طبية المدعوة للعمل في القطاع العام أو القطاع الخاص، وتشارك، أيضا، في تنمية البحث لمجال الأعمال الشبه طبية " المادة 2 من مرسوم 15 ديسمبر 1993"، نجد القانون13.00 ، في مادته 2، المستند إليه من طرف الوردي يحصر دور التكوين المهني الخاص في التكوين لإعداد صناع وعمال مختصين وعمال مؤهلين وتقنيين وتقنيين مختصين لمزاولة العمل في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية.

وبالتالي يصير منطق مماثلة معاهد تأهيل الأطر في الميدان الصحي مع مؤسسات التكوين المهني الخاص في المجال شبه الطبي ضربا من التحايل حتى على النصوص القانونية المعمول بها في بلادنا بالنظر إلى التباين النوعي في الأدوار المنوطة بكل منهما.

وتجدر الإشارة إلى أنه بعد صدور القانون 00.01 المتعلق بتنظيم التعليم العالي في 19 ماي2000، والذي أثار معارك طلابية قوية في الجامعات المغربية لا زالت شرارتها مستمرة لحدود الآن في بعض المواقع الجامعية، أصبحت مختلف مؤسسات تكوين الأطر تدخل ضمن ما أسمته المادة 25 من هذا القانون بمؤسسات التعليم العالي غير التابعة للجامعات والمنتمية إلى مختلف الوزارات أو الخاضعة لوصايتها، والتي تناط بها المهام الرئيسية التالية:

- التكوين الأساسي والتكوين المستمر ولا سيما في الميادين المتعلقة بالقطاع التابعة له؛

- إعداد الشباب للاندماج في الحياة العملية؛

- البحث العلمي والتكنولوجي ونشر المعرفة في ارتباط بالميادين التي تتولى التكوين فيها.

وتساهم مع الجامعات في المجهود الوطني لاستقبال الطلبة وتكوينهم ومجهود تحسين المردودية في استخدام البنيات التحتية وتعبئة موارد التأطير المتاحة.

وتحدد قائمة هذه المؤسسات بمرسوم يتخذ باقتراح من السلطة الحكومية المكلفة بتكوين الأطر .

وعلى هذا الأساس تبنت جل القطاعات الوزارية هذا النظام القانوني الجديد، وعملت على اعتماد نظام "إجازة-ماستر- دكتوراه"، حيث تم صدور المرسوم رقم 2.03.201 الصادر في 21 أبريل 2006 من طرف وزير التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي الحبيب المالكي آنذاك، بتحديد قائمة مؤسسات التعليم العالي غير التابعة للجامعات في :

- المدرسة الوطنية للفلاحة بمكناس، المعهد الوطني للإحصاء و الاقتصاد التطبيقي، معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة، المدرسة الوطنية الغابوية للمهندسين، المعهد العالي للتجارة وإدارة المقاولات، المدرسة الوطنية للصناعة المعدنية، مدرسة علوم الإعلام، المعهد العالي للسياحة بطنجة، المعهد العالي للإعلام والاتصال، المعهد الوطني للبريد والمواصلات السلكية واللاسلكية، المعهد الملكي لتكوين أطر الشبيبة والرياضة، المعهد العالي للدراسات البحرية، المدرسة الحسنية للأشغال العمومية،المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث، المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، المدرسة الوطنية للهندسة المعمارية،

وفي سنة 2011 تم إدراج معاهد جديدة، في عهد أحمد اخشيشن، بموجب المرسوم رقم 2.10.279 الصادر في 20 ماي2011 هي: المعهد العالي للصيد البحري، والمدرسة العليا لصناعة النسيج والملابس، أكاديمية محمد السادس الدولية للطيران المدني.

وعليه كان من الأجدر بالوردي الإسراع في اقتراح مشروع مرسوم يقضي باعتماد نظام L.M.D وإحالته على السلطة الحكومية المكلفة بالتعليم العالي من أجل إدراج معاهد تأهيل الأطر في الميدان الصحي ضمن مؤسسات التعليم العالي غير التابعة للجامعات عوض اللجوء إلى سياسة النعامة والتضحية بمصير التكوين العمومي على مذبح تسريع نزيف خوصصة القطاع الصحي بما في ذلك تكوين الأطر وتعريض آلاف الخرجين إلى جحيم البطالة.

طبعا لا يخفى على أحد أن الخلفية الحقيقية وراء تشجيع القطاع الخاص في المجال شبه الطبي يدخل في صميم تخلي الدولة عن مسؤوليتها في تمويل التكوين العمومي، ففي الوقت الذي كان يتعين على الدولة رفع ميزانية القطاع الصحي وتخصيص الموارد المالية اللازمة لتكوين الطلبة الممرضين، ها هي ذي حكومة تجار الدين ومرتزقة البنك العالمي يضعون آخر مسمار في نعش مجانية التكوين العمومي.

و تعد مسألة الاستجابة للخصاص المهول الذي تعرفه المستشفيات العمومية من الممرضين من ضمن المبررات التي ساقها الوزير الوردي لتبرير هذا الإجهاز في حين أن الحقيقة المرة التي يحاول الخطاب الحكومي طمسها هي العجز عن إدماج خريجي المعاهد العمومية إذ "كيف يمكن إدماج خريجي القطاع الخاص في حين أن المناصب المالية غير كافية حتى بالنسبة لخريجي القطاع العام؟إد يبلغ العدد الحالي للممرضين خريجي معاهد تأهيل الأطر الصحية التابعة لوزارة الصحة العاطلين 2650 ممرض، في حين نجد أن عدد المناصب المفتوحة في مباراة توظيف الممرضين برسم سنة 2012 لا يتجاوز 1130 منصب" بيان لجنة التنسيق الوطني لخريجي و طلبة معاهد تأهيل الأطر في الميدان الصحي بالمغرب الصادر من فرع الرباط في فاتح أكتوبر 2012.

رغم كل العوائق التي يصطدم بها نضال هذه الفئة من الطلاب فإن ذلك لم يمنعهم من إبداع أشكال وآليات تنظيمهم الذاتي عبر اعتماد التجمعات العامة في مناقشة مشاكلهم بشكل ديمقراطي يتيح للجميع المشاركة في النقاش واقتراح خطوات النضال وتسطير ملفاتهم المطلبية على صعيد 23 معهد على الصعيد الوطني وتنسيق معاركهم من خلال لجنة التنسيق الوطني لخريجي و طلبة معاهد تأهيل الأطر في الميدان الصحي التي اجتمعت السبت الماضي في تطوان بحضور أزيد من 60 مندوب ومندوبة يمثلون كل المعاهد حيث تمت مناقشة تطورات ملفهم المطلبي معلنين التشبث بمعركتهم من خلال تبني برنامج للنضال الوطني ورافضين كل المناورات الساعية إلى شق صفوفهم.

معركة طلاب معاهد تأهيل الأطر في الميدان الصحي هي معركة شعب برمته ضد سياسة خوصصة وتسليع الخدمات الصحية والتكوينات ..لنتضامن جميعا مع معركتهم وليعمل المناضلون النقابيون المكافحون على حفز تضامن شغيلة القطاع الصحي من أجل نصرة النضال من أجل جودة ومجانية الخدمات الصحية ومن أجل نصرة كفاح الطلبة الممرضين.