رسالة من العراق.. الى سكرتير حركة حماس خالد مشعل


بهاءالدين نوري
2012 / 12 / 12 - 22:35     

اكتب لك دون سابق تعارف بيننا، يا سيد مشعل. أكتب لأنني استمعت الى خطابك في غزة، وأنا أتعاطف مع قضية الشعب الفلسطيني المنكوب، ولا أتعاطف بأي شكل مع الحركات السياسية الاسلامية.
نعم كان في خطابك بعض الافكار الجديدة، مقارنة بخطاباتكم السابقة، اذ انك تحدثت عن مرجعية منظمة التحرير وضرورة وحدة جميع الفصائل الفلسطينية وما الى ذلك. بيد انك لم تتوفق، يا ابا الوليد، في اصابة الهدف. فالحل الذي تطرحه هو "تحرير ارض فلسطين لآخر شبر"، وهذا يعني التشبث بنفس الشعار القديم: القضاء على اسرائيل! والطريق الذي شخصته لتحقيق هدفك هو "المقاومة المسلحة". وجميع السبل واساليب النضال الاخرى للشعوب العربية تكون مفيدة بقدر ما تخدم قضية المقاومة.
اود مصارحتك يا سيد مشعل، فأقول لك انك مخطئ وتتصور الدنيا وكأننا لازلنا نعيش قبل الف سنة! نعم كانت رؤوس الرماح والسيوف وحوافر الخيل تقرر، في زمن ما، بقاء هذه الدولة وسقوط تلك. والتأريخ يشهد: فالتتر والمغول تمكنوا، وهم على ظهورالخيول، من اسقاط امبراطوريات وفرض سلطانهم على مساحات شاسعة من ارض آسيا واوروبا، واستطاع العرب، منطلقين من صحراء الجزيرة العربية، الاستيلاء بسرعة وسهولة على الشام ومصر والامبراطورية الساسانية وبلاد الافغان.. الخ. غير ان الدنيا قد تغيرت، يا زعيم حركة حماس! فقد تطور العلم والتكنيك تطورا خياليا وغيّر ذلك كل شيء. فالدنيا اليوم هي غير ما كانت ايام جنكيز خان او نابليون او صلاح الدين الايوبي. والحياة الفكرية – السياسية – الاقتصادية – الاجتماعية في عالمنا الراهن تشابكت وتعقدت لدرجة لا تقارن حتى مع ما قبل ربع قرن، والمجتمع البشري الكبير، الذي كان يستحيل عليه قبل مئات من السنين، ان يكون على اطلاع عن شؤون بعضه البعض، اصبح اليوم ما يشبه قرية صغيرة تستطيع متابعة تحركاتها وما يحدث في كل بيت.
انا انصحك نصيحة اخوية، يا سيد مشعل، بأن تعيد النظر في تقديراتك وتقييمك للأوضاع السياسية وتعدل عن التطرف السياسي، الذي دأبت عليه حركة حماس ومعظم التيارات السياسية الاسلامية، رأفة بشعبكم المنكوب الذي عانى من الويلات والمآسي الكثير خلال السنوات الستين او السبعين الأخيرة. اطلب منكم ان تكون سياسيا واقعيا متفهما للظروف المحيطة بك وبالشعب الفلسطيني.. لا تقلد حاكم اسرائيل الحالي نتنياهو، الذي لا يحسد على عنصريته ولا على غبائه السياسي. فهو سياسي بليد اعماه التعصب العنصري ولم يعد يرى العالم على حقيقته.. بل لايزال يفكر من نواح كثيرة كما كان يفكر الحاخامية اليهود قبل ثلاثة آلاف سنة (انظر في التوراة) حيث كانوا يفتون بقتل الفلسطينيين، بمن فيهم الاطفال الرضع، ذبحا بالسكاكين. ان امثال نتنياهو وليبرمان ليسوا فقط اعداءاً للشعب الفلسطيني، بل هم اعداء ايضا للشعب اليهودي. ان امثال نتنياهو وليبرمان لا يرون ابعد من انوفهم. فهم يزعمون بأن الوضع الحالي باق الى الابد، وان التفوق العسكري الذي تتمتع به اسرائيل حاليا ثابت لن يتغير وانهم سيظلون اقوى عسكريا الى ما لا نهاية. ولو كانوا ساسة واقعيين لادركوا بأن السلام اليوم افضل من الغد، لا للعرب وحدهم، بل كذلك للشعب اليهودي.. انهم لا يستطيعون ادراك ان الدنيا في تغير مستمر كما كانت في الماضي.. فالتوازن الحالي لن يخلد والتفوق العسكري الاسرائيلي لن يكون ابديا. على ساسة اسرائيل ومن مصلحة شعبهم ان يدركوا بأن اسرائيل بالنسبة للعرب تشكل نقطة في محيط كبير، سواء من حيث المساحة والنفوس والقدرات الاقتصادية. ولا يمكن لحكام تل ابيب ان يحولوا اليوم والى الابد دون تقدم القدرات الاقتصادية – العسكرية للدول العربية، وبالاخص في المرحلة القادمة التي ستعقب الربيع العربي حيث ولت وتولي اساليب الحكم البالية.
ولن تبقى اسرائيل مدللة اوروبا واميركا الى الأبد، بل ستتغير هذه المعادلة ايضا. وقد بدأ فعلا خريف اسرائيل، مع الربيع العربي، واخذت تشتد عزلتها ويزداد السخط الدولي على سياسة نتنياهو الذي يقود اسرائيل نحو الهاوية. وعندما يصل العرب الى اليوم الذي يستخدمون فيه سلاح النفط، مجرد النفط، ضد اسرائيل وضد مؤيديها، فإن الخارطة السياسية ستتغير بالضرورة في غير مصلحة اسرائيل.
ان التعصب القومي الأعمى، سواء كان لديكم في غزة ام لدى اليهود، سيعيد، يا سيد مشعل، انتاج ذات "البضاعة" التي انتجتها النازية الالمانية ضد اليهود، ولن يجلب ذلك لأحد من الطرفين سوى المزيد من الاضرار والمآسي.
اسبقت ان الدنيا قد تغيرت وسوف تتغير أكثر فأكثر، ولن يولد حل للمشكلة الفلسطينية اليوم من انفجارات الصواريخ البدائية التي يهديها لكم بعض الدول لكي يرحل معها بعضا من مشاكله الى خارج بلدانه، ولا من الصواريخ التي تطلقها طائرات F16 التي يطلقها نتنياهو على السكان المسالمين في غزة ومدنكم الاخرى. فالحل العسكري اليوم مستحيل، والحل المنطقي الممكن انما يوجد في صالونات الحوار والتفاوض، في اروقة UN. وانا اشهد بأن نتنياهو يرفض هذا الحل وكل حل منطقي، كما ترفضونه انتم بتأكيدكم على انكم لن تعترفوا باسرائيل ابداً ولن تتخلوا عن فكرة "التحرير" لكامل الارض الفلسطينية، اي ترفضون قيام دولتين.. وبذلك تقدمون ذرائع الى الصهيوني المتشدد لكي يرفض الحل المنطقي باحلال دولتين واعادة القدس القديمة عاصمة الى الدولة الفلسطينية. ان المنطق السليم يكمن في الاعتراف المتبادل بالحقوق المشروعة لكلا الجانبين. ولا يمكن لأحد منكما حرمان الجانب الآخر من حقوقه.. ومن المؤكد ان اسلوب وافكار محمود عباس هي الصحيحة وليس التطرف الشبيه باسلوب نتنياهو، الذي يصوغ حسب رغبته القوالب التي يكيل بها الحل. ان تهديدكم بالقضاء على اسرائيل هو أشد من تمادي نتنياهو في الاستيطان، ويتمنى عدوكم الاسرائيلي تمسككم بهذا الاسلوب التهديدي.
ان الحل الصحيح يتطلب وجود حاكم لاسرائيل مثل اسحق رابين، الى جانب رجل كمحمود عباس. فهل سيصوت الشعب اليهودي في اسرائيل لاسحاق رابين من جديد، وهل تدعون انتم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لكي يكون مرنا في حل المشكلة على أساس دولتين على حدود 1967؟ اتمنى ان يكون الأمر على هذه الشاكلة وان تحل المشكلة حلا سياسيا دبلوماسيا مقبولا من الطرفين.