تونس – سليانة : الموقف التحريفي المخزي لبعض فرق - اليسار- من العنف الجماهيري.


ناظم الماوي
2012 / 12 / 5 - 19:03     

تونس – سليانة : الموقف التحريفي المخزي لبعض فرق " اليسار" من العنف الجماهيري.


" فهل رأي هؤلاء السادة ثورة فى يوم ما ؟ إنّ الثورة هي دون شكّ سلطة ما بعدها سلطة ، الثورة هي عمل يفرض به قسم من السكّان إرادته على القسم الآخر بالبنادق ، بالحراب ، بالمدافع ، أي بوسائل لا يعلو سلطانها سلطان ."

( لينين :" الدولة و الثورة " ، الطبعة العربية لدار التقدّم موسكو ، الصفحة 66).

" ليست الثورة مأدبة و لا كتابة مقال و لا رسم صورة و لا تطريز ثوب ، فلا يمكن أن تكون بمثل تلك اللباقة و الوداعة و الرقة ، أو ذلك الهدوء و اللطف و الأدب و التسامح و ضبط النفس . إن الثورة إنتفاضة و عمل عنف تلجأ إليه إحدى الطبقات للإطاحة بطبقة أخرى . "

( ماو تسى تونغ : " تقرير عن تحقيقات فى حركة الفلاحين فى خونان " مارس – آذار 1927، المجلد الأول من مؤلفات ماو تسى تونغ المختارة " ، الصفحة 12-13 ، باللغة العربية).


يأتى تمرّد جماهير شعبنا بسليانة ضد الحكومة الرجعية و ممثّلها بالجهة الوالي و مواصلة سياسات تهميش المنطقة و التلاعب بمطالب الأهالي ، حلقة فى سلسلة تمرّد عدّة جهات على السلط المحلّية و المركزية من سيدى بوزيد إلى قفصة و قابس مرورا بجبنيانة و القصرين... و نحن نعاين و ندرس عن كثب الأحداث و نسعى جهدنا للتأثير فى مجرياتها قدر الإمكان و بشتّى الطرق و الوسائل إنتصارا لجماهير شعبنا و خدمة لها ، تابعنا ليلة الخميس 29 نوفمبر الحوار التلفزي الذى نظّمته قناة التونسية و شارك فيه حمّه الهمّامي . و لأنّ هذا الأخير يقدّم نفسه على أنّه " ماركسي" و لأنّنا نطبّق فى هذه المرحلة بالذات شعار مزيد الوضوح الإيديولوجي و السياسي فى صفوف " الحركة الشيوعية " فى القطر و عربيّا ، فإنّ كلامه هو الذى إسترعي إنتباهنا و إستوقفنا و حملنا على إبداء الملاحظات النقدية الآتي ذكرها :

1- حمه الهمّامي : ماركسي ثوري أم رجل مطافئ إصلاحي ؟

أكيد أنّ حمه الهمّامي تميّز فى نهاية الحلقة بتشديده على أنّ ما أتته قوات قمع دولة الإستعمار الجديد " جريمة " وهو توصيف صحيح و موقف بلا شكّ يحسب له إلاّ أن هذا التشهير بهذه الجريمة فى حقّ جماهير شعبنا إصطدمت بالمنطق التحريفي و الإصلاحي للناطق الرسمي بإسم حزب العمال التونسي و بإسم الجبهة الشعبية بمعنى أنّ حمه الهمامي صرّح فى معرض كلامه عن زيارته لسليانة و عن مسألة العنف أنّه نصح الجماهير بعدم اللجوء إلى العنف و حذّرها من أنّه يعود عليها بالوبال. و هذا ليس من الماركسية ولا من الماركسية – اللينينية ولا من الماركسية - اللينينية- الماوية طبعا فى شيء. إنّه بهذا الموقف يشوّه الماركسية أيّما تشويه و يصبّ الماء البارد على رؤوس الجماهير التى يريد أن يغرس فيها نبذ العنف و إتباع الطريق السلمي اللذان يتبنّاهما هو وحزبه و حزمة من المنظّمات و الأحزاب " اليسارية " الأخرى ، فى تضارب تام مع المبادئ الأساسية للماركسية ( و لنا عودة للمسألة ).

ماذا يفيد كلام حمه الهمّامي هذا ؟ إنّه يسعى للعب الدور الموكول له من قبل دولة الإستعمار الجديد مقابل العمل القانوني ، دور رجال المطافئ فعوض الدفع نحو تنظيم العنف الجماهيري ضد عنف / دكتاتورية دولة الإستعمار الجديد و النهضة و أضرابها الرجعي ، يعمل على تجريد الجماهير من سلاح الدفاع عن النفس و عوض تطوير العنف الجماهيري العفوي ليصبح عنفا جماهيريا منظّما و ثوريّا ، يستهدف إعادة عقارب الساعة إلى الوراء و نزع حتى الحجارة من أيدى الجماهير و تركها عزلاء فى وجه عنف / دكتاتورية دولة الإستعمار الجديد التى على هذا النحو يقدّم لها هذا الإصلاحي و أشياعه و من لفّ لفّه أجلّ الخدمات.

وفق المنطق الإصلاحي الخادم لدولة الطبقات السائدة الكمبرادورو الإقطاع المتحالف مع الإمبريالية العالمية ، فى كلّ الحالات على الجماهير أن تلتزم النضال السلمي و إن تعرّضت لأشدّ صنوف العنف و الإرهاب ؛ و إن جرى الإعتداء على الأطفال و النساء و الشيوخ و المنازل و الأحياء و فقأت الأعين و جرح الأبناء و البنات بالهراوات والرصاص. الركوع و الخضوع و السجود أمام دكتاتورية الدولة الرجعية ، هذا كنه الطريق السلمي لحمه و أشكاله ، طريق التحريفيين الخروتشوفيين و طريق غاندي و ليس طريق ماركس و لينين و ماو .

و يقوم منطق الإصلاحيين على نقطة محورية بصدد العنف مفادها ان الدولة الرجعية وحدها هي التى يجب أن تحتكر العنف الذى يطلقون عليه العنف الشرعي أي إنّهم لا يقبلون بدكتاتورية الدولة الرجعية وحسب بل يلغون حقّ الجماهير فى الدفاع عن نفسها و بالطبع هم ضد حقّ الجماهير فى الثورة و تحطيم الدولة الرجعية برمّتها تحطيما عنيفا فيقضوا على دكتاتورية الطبقات الحاكمة و يرسون دكتاتورية شعبية بقيادة الطبقة العاملة ...و بصيغة أخرى أبسط يقسّمون بنظرة برجوازية تحريفية الأدوار كما يلى : للجماهير حقّ إستعمال النضال السلمي - إن إستطاعت إليه سبيلا- و من حقّ الدولة الرجعية أن تحتكر العنف و أن تهرب الشعب و تقترف المجازر ضدّه و ليس له أن يلجأ إلى العنف.

هذا من ناحية أولى أمّا من الناحية الثانية ، فبشكل أو آخر ، يؤدّى منطق الملتزمين بقوانين دولة الإستعمار الجديد إلى إدانة مباشرة أو غير مباشرة للعنف الذى عمدت إليه الجماهير دفاعا عن نفسها و هكذا يدين حنه الهمّامي بصريح العبارة " الجريمة " و فى نفس الوقت بصورة ملتوية للعاملين فى إطار ديمقراطية / دكتاتورية دولة الإستعمار الجديد ، يدين إستعمال الجماهير للعنف الأدنى حاليّا فما بالك بالإدانة التى ستصدر عن حمه و أشكاله لو كان العنف عنفا ثوريّا منظّما.

2- باطل يا حزب موحّد باطل !

والشيء نفسه يمكن قوله بشأن الحزب الوطني الديمقراطي الموحّد و بيانه الذى يعلن :

" إن حزب الوطد الموحد يساند جميع الإحتجاجات السلمية و المدنية لشعبنا في كل مكان من قطرنا العزيز ونخص بالذكر إحتجاجات أهالينا بسليانة.

إن حزب الوطد لطالما ندد بالعنف ودعا دوما إلى انتهاج الطرق السلمية و المدنية في المطالبة بالحقوق."

و بهكذا موقف لا يجرى التمييز بين عنف دكتاتورية / ديمقراطية دولة الإستعمار الجديد غير العادل ، إن أمكن القول ، و عنف الجماهير فى الدفاع عن نفسها العادل و الشرعي و تكون النتيجة ذات المنطق الذى يقود حمه الهمّامي فى إدانة الطرفين على حدّ السواء.

فى الواقع ، قوات قمع دولة الإستعمار الجديد قوات معتدية بكلّ معنى الكلمة تستعمل العنف الدكتاتوري الرجعي وزبشكل مفرط هدفها السياسي منه سحق الجماهير و إهانتها و النيل من معنويّاتها وتركيعها لتقبل بوضع العبودية أمّا عنف الجماهير حاليّا فهو دفاع شرعي عن النفس و الأهل و الحيّ و هدفه هو و الإحتجاجات و التمرّد هو بعض الإصلاحات و المطالب الجزئية التى لا ريب فى مشروعيتها و بالتالي هو عنف ينبغى سماندته و دعمه و على الشوعيين الحقيقيين السعي لا إلى تنظيمه فحسب بل إلى الإرتقاء به و بوعي الجماهير الممارسة له نحو السياسات الثورية.

الحزب الموحّد لكونه جوهريّا أبعد ما يكون عن الماركسية الحقيقية لا يحلّل العنف من منطلق طبقي فى مجتمع طبقي مثلما لا يحلّل الديمقراطية و الدكتاتورية طبقيّا و فى النهاية نلفيه يدعم ديمقراطية / دكتاتورية دولة الإستعمار الجديد و عنفها الرجعي ضد الدكتاتورية الديمقراطية الشعبية و دكتاتورية / ديمقرطية البروليتاريا و ضد العنف الجماهيري الدفاعي و الثوري.

و من هنا خزي و عار على الماركسيين المزيفين أن لا يفرّقوا بين العنف فى الحالتين و يخلطوا الحابل بالنابل خدمة للمضطهِدين ضد المضطهَدين ثمّ يتشدّقون بالماركسية – اللينينية و بالوقوف إلى جانب طبقات الشعب و فئاته. إنّه ماركسيّون مزيفون ، تحريفيون إصلاحيون يقدّمون أجلّ الخدمات لتأبيد دولة الإستعمار الجديد و إستغلال و إضطهاد الشعب.

3- باطل يا حزب - الوطد- باطل !

ويخرج علينا الحزب الوطني الإشتراكي الثوري- الوطد- ببيان مأرّخ فى 29 نوفمبر 2012 ليعرب عن موقفه و ميزته منذ العنوان هي المثالية الذاتية فهو يتحدّث عن " النضال الثوري" للجماهير و عن" المدّ الثوري " و " أروع لوحات النضال الثوري " ( ماذا سيقول لو رفعت الجماهير السلاح فى حرب شعبية بقيادة شيوعية لإنجاز الثورة الوطنية الديمقراطية و أطاحت بالسلطة الدولة فى قرية أو جهة ؟؟؟) فى حين أنّ طبيعة النضال المخاض و سياساته وغاياته ليست ثورية و إنّما هي مطلبية إصلاحية .

يكشف لنا كلام "الوطد" هذا عن إعتبارهم أشكال النضال من مسيرات و إعتصامات أروع لوحات النضال الثوري و أرقاها و بالتالى تملّصهم من حرب الشعب التى كانوا فى نصوص قديمة يذكرونها فلو كانت هذه الأشكال أروع ما هناك فماذا عن الكفاح الملّح أرقى أشكال النضال فى نصوص تاريخية قديمة ؟

بمثالية يرى " الوطد" الأشياء حيث لا توجد و بإستعماله نعت الثوري يعتقد أنّ النضال النخاض سيصير كذلك و الحال أنّه بوضوح و جلاء مطلبي إصلاحي لا غير. فما يطالب به و بإلحاح و يتشبّث به أهالي سليانة فى غالبيتهم هو إقالة الوالي أي إصلاح لأجل " الحوار" كما تكرّر ذكر ذلك لدي المتحدّثين بإسمهم.

إنّهم يرفعون مطلب تعيين والي جديد يتعامل معهم بشيء من المرونة و الإيجابية و لا يتجاهلهم و مطالبهم . و هذا مطلب مشروع و يستحقّ كلّ الدعم و المساندة و لكن من المغالاة " اليسراوية" و المثالية تحويله إلى نضال ثوري إذ أنّ النضال الثوري يجرى وفق سياسات ثورية و مشروع ثوري و بقيادة ثورية و الحركة الثورية تحتاج إلى نظرية ثورية و هذا غير متوفّر فى تمرّد سليانة .

و هذا لا يعنى التقليص من أهمّية التمرّد و شعاراته المناوئة للحكومة ، و لا إستهانة به غير أنّ الإقرار بالحقيقة الموضوعية فى حدّ ذاته تفسير سليم و صائب للعالم يسمح للثوريين بتغييره بنضالاتهم و جهودهم أمّا الأوهام و القراءات المثالية الذاتية فلن تفعل لأصحابها سوى مغالطة النفس و الجري وراء السراب و تدفع بهم نحو مزيد الإغتراب عن واقع الصراع الطبقي و المهام الحقيقية الملقاة على عاتق الشيوعيين الحقيقيين.

و هذا المنهج " الوطدي " الغريب عن الماركسية و المادية الجدلية متجذّر لدي الجماعة و منذ عقود و قد سبق لهم أن صرخوا فى عدّة مناسبات بأنّ ما حدث فى تونس بين ديسمبر 2010 و جانفي 2011 "ثورة " قبل أن يتراجعوا عن ذلك تحت ضغط الصراع النظري مع الماويين و ضغط وقائع الصراع الطبقي ، اللذان أثبتا بما لا يدع مجالا للشكّ تهافت المنهج "الوطدي" المنافي للشيوعية.

4- الشيء من مأتاه لا يستغرب !

تلك المواقف المتعارضة مع الجوهر الثوري للشيوعية الحقيقية لم نستغربها من تلك الأطراف ذلك أن الشيء من مأتاه لا يستغرب فحمّة الهمّامي و حزبه حزب العمال " الشيوعي" التونسي الذى صار منذ أشهر الآن حزب العمّال التونسي صديقا حميما للنهضة ، الحزب الحاكم الأساسي فى تحالف الترويكا و قد سبق وأن بيّض وجه النهضة هو ونجيب الشابي و غيرهما بإدعاء أنّها طرف ديمقراطي تحالف معه فى إطار " 18 أكتوبر" . هذا علاوة على أنّ حمه قد أفصح قبل أشهر أنّه ليس ضد حكومة النهضة إلخ.

حزب العمّال منذ نشأته حزب إصلاحي سعي للعمل فى إطار قانون دولة الإستعمار الجديد و الحزب الوطني الديمقراطي الموحّد أمينه العام كال المديح لجيش دولة الإستعمار الجديد فى تصريح علني شهير.

و فضلا عن هذا ، يشدّد هذان الحزبان فى قراءتهما للإنتفاضة الشعبية فى تونس ديسمبر 2010 – جانفي 2011 التى يعدّونه زورا و بهتانا "ثورة" ، على أنّها تمّت سلميّا و يبذلون قصاري جهدهم لحجب كافة ألوان العنف التى مارستها ديمقراطية / دكتاتورية الدولة الرجعية و الذى راح ضحيتها مئات القتلى و الجرحى و العنف البسيط جدّا الذى مارسته الجماهير للدفاع عن نفسها و كردّ فعل على ضروب لا تحصى من الإهانات و التنكيل و القتل. و يصبّون جهدهمفى قولبة الأحداث حسب القوالب التى يلزمهم بها فكرهم التحريفي و الإصلاحي و العمل القانوني فبنفعية تطعن فى القلب المادية الجدلية ينكرون الواقع لا بل يشوّهونه التشويه كلّه لمصلحة دولة الإستعمار الجديد.

نعم مارست الجماهير العنف البسيط نوعا ما و الذى لم يرتق إلى العنف المسلّح المنظّم و لا زالت عفويّا تمارسه كردّ فعل على القمع الهمجي و المنهجي و المنظّم لحكومة النهضة و حلفائها و إرهاب ديمقراطية / دكتاتورية الدولة الرجعية . نعم تعرّضت جماهير شعبنا و تتعرّض لإرهاب دولة الإستعمار الجديد و من حقّها و من واجبها كي لا تنحدر إلى العيش كالعبيد أن تدافع عن نفسها و من واجب الشيوعيين و الثوريين الإرتقاء باشكال نضال الجماهير و تنظيمها وصولا إلى الكفاح المسلّح الثوري المنظّم أرقى أشكال النضال .

يريد هؤلاء الماركسيون المزيفون من جماهيرنا الشعبية أن لا تلجأ إلى العنف ما يجعلنا نستحضر أبيان شعر لمظفّر النواب فى قصيدة " وتريات ليلية" و لا نذكر لكم منها سوى ".... هل تسكت مغتصبة ؟ " و نترك لكم إستحضار أو مطالعة ما قبل ذلك و ما بعده. يا حزب العمّال ، يا حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحّد : هل تسكت مغتصبة ؟

إنّ خطاب هذان الحزبان و غيرهما من المجموعات الماركسية المزيفة خطاب يتوخّى الإزدواجية و حقيقة هنا ضلال هناك حيث قبل أيّام كانا يعلون تحيّة المقاومة و المقاومة المسلّحة فى غزّة لإعتداءات الكيان الصهيوني و يعترفون بحقّ الجماهير الشعبية هناك فى أن تستخدم العنف و العنف المنظّم غير أنّهم فى القطر ينكرون عليها هذا الحقّ فى مواجهة إرهاب دولة الإستعمار الجديد ( و إن لم يرتق فى سليانة- تونس إلى العنف المنظّم ) و يقفون ضد العنف بالمطلق و كأنّنا فى مجتمع لا طبقي و الدولة ليست جهاز قمع طبقة ( أو طبقات ) لطبقة ( أو طبقات أخرى ) و كأنّنا على كوكب آخر ليس كوكب الأرض . فيالهم من تحريفيين مخادعين!

5- المطالب بالنضال السلمي و العنيف أيضا ! :

يكفى النظر إلى واقع الصراع الطبقي محلّيا وقوميّا و عالميّا ، دون نظّارات تحريفية و إصلاحية برجوازية ، لنتبيّن أنّه أثبت مئات بل آلاف المرّات أنّ المطالب ( و لسنا ضد الإصلاحات غير أنّنا على هدي لينين نستغلّ الإصلاحات و نناضل من أجلها بهدف التقدّم بالنضال الثوري مثلما شرحنا فى أكثر من وثيقة ومنها العدد الأوّل من " لا حركة شيوعية ثورية دون ماوية ! ") بالنضال وحسبنا هنا أن نذكّر بأمثلة ثلاثة أولها مآل جانب من قضية المرأة التونسية فى الدستور الجديد المزمع صياغته من قبل المجلس التأسيسي فقد حاولت النهضة و من لفّ لفّها تمرير إعتبار المرأة مكمّلا للرجل و لم يقع إسقاط المشروع إلاّ بتعبئة الجماهير و النضال فى الشوارع و الصدام أحيانا مع مليشيات الحكومة وقوات القمع . و لئن كان المظهر الرئيسي للنضال فى تلك المعركة سلميّا نوعا ما فقد تخلّله إستعمال للعنف بصنوف شتّى هنا و هناك أساسا من طرف الرجعية.

و المثال الثاني هو معركة فتح شارع الحبيب بورقيبة فى العاصمة أمام المسيرات و الإحتجاجات حيث فى هذه المرّة ، كان العنف يوم 9 أفريل 2012 هو المظهر الرئيسي فى المعارك التى شهدتها شوارع العاصمة و قد واجهت الجماهير العنف الرجعي بالعنف الجماهيري بأشكاله الدنيا. و هذا النضال بمظهريه السلمي و العنيف هو الذى أجبر حكومة النظام العميل اللاوطني و اللاديمقراطي و اللاشعبي على التراجع .

و ثالثا ، فى سليانة ، هل كان الوالي ليرحل إن إكتفت الجماهير بالنضال السلمي و قبلت بدكتاتورية دولة الإستعمار الجديد و عنفها و قمعها ؟ لا، ما كان المطلب ليتحقّق فى هذا الظرف و رئيس الحكومة أعلن تمسّكه الشديد به . هل كانت قوات القمع لتجبر على إتخاذ موقع الدفاع و عدم دخول الأحياء الشعبية لولا مقاومة جماهير شعبنا - و نقولها بصوت عالى و نشدّد عليها -العنيفة بأدنى الوسائل المتاحة للمحاولات الفعلية لتوغّل هذه القوّات القمعية فى الأحياء لتنتهك المنازل و تتلف ما يطيب لها إتلافه و تروع من عنّ لها ترويعه و تنكّل بمن يحلو لها التنكيل به ... و تسوق فى النهاية أفواجا من الشباب خاصة إلى السجون ؟

لولا هذه المقاومة البطولية لوجدنا الأحياء خرابا و مئات الشباب فى غياهب السجون مثلما حصل عند هجوم قوات قمع دولة الإستعمار الجديد على أحياء فى عدّة جهات. وحينها سيتمّ اللجوء إلى المحاكم التى هي الأخرى تتحكّم فيها الحكومة الرجعية ، فى غياب إستقلالية القضاء ، فيقف شبابنا المنتفض ليحاكمه الخصم و الحكم و النتيجة بديهية !

لو إلتزمت الجماهير بنصيحة حمه الهمّامي و أضرابه من الإصلاحيين خدم دولة الإستعمار الجديد و دعوته لتجنّب العنف و التهدئة و ما إلى ذلك ، لوجدت نفسها تحت الحذاء الغليظ للحكومة الرجعية العميلة و قواتها القمعية و حينها بماذا سيفيدها التحريفيون من أمثال حمه الهمّامي ؟ باللجوء إلى القضاء و من جديد وضعها تحت رحمة الخصم و الحكم . إنّ التحريفيين يريدون وضع الجماهير الشعبية فى دائرة مفرغة و على الدوام بين أيدي و تحت سلطة دولة الإستعمار الجديد بصورة أو أخرى و هنا يجهضون الإعداد للثورة الحقيقية التى تستدعي عامة و بصفة شاملة من ضمن ما تستدعيه إستعمال الجماهير الشعبية للعنف المنظّم ضد الدولة القديمة برمّتها :

" إنّ الإستيلاء على السلطة بواسطة القوة المسلّحة ، و حسم الأمر عن طريق الحرب ، هو المهمّة المركزية للثورة و شكلها الأسمى . و هذا المبدأ الماركسي- اللينيني المتعلّق بالثورة صالح بصورة مطلقة ، للصين و لغيرها من الأقطار على حدّ السواء ".

( ماو تسى تونغ " قضايا الحرب و الإستراتيجية " نوفمبر- تشرين الثاني 1938؛ المؤلفات المختارة ، المجلّد الثاني)

و نخلص إلى أنّه ليس بماركسي من ينكر الواقع المادي و دروسه ، ليس ماركسي من يقدّم نصائحا لخداع الشعب و تركيعه ، ليس بماركسي من يرى النضال السلمي و لا يرى النضال العنيف ؛ و أيضا ليس بماركسي من لا يجتهد لتنظيم العنف الجماهيري و الإرتقاء به و بوعي المناضلات و المناضلين و الطبقات الشعبية بأفق إنجاز الثورة المطلوبة شيوعيّا !

6- جدلية النضال السلمي و النضال العنيف :

النضال السلمي و النضال العنيف وحدة أضداد / تناقض ، لا وجود للواحد دون الآخر و الواحد يتحوّل إلى الآخر. و قد شهدنا ذلك فى مناسبات لا تحصى و لا تعدّ على أرض واقع الصراع الطبقي . فعشرات المسيرات إنطلقت سلمية رئيسيا ، مع عنف لفظي يعبّر عن جوارح المتظاهرين الساخطين على حكومة مصاصي دماء الشعب و مضطهديه و من جانب قوات القمع و مليشيات النهضة ، كان الردّ فى بداية العديد منها رئيسيّا سلميّا ، مع إهانات لفظية و تهديدات كلامية لتتحوّل المظاهرات بعد ذلك إلى مواجهات عنيفة و دامية غالبا بسبب التدخّل العنيف لقوّات القمع و المليشيات . و ما حدث فى 9 أفريل 2011 بالعاصمة و ما جدّ و يجدّ فى سليانة فى الوقت الحالي و غيرهما من الأمثلة دليل قاطع على ما نذهب إليه.

و قد بيّن التحليل الملموس للواقع الملموس أنّ من النضالات السلمية ما يفتح الباب على النضالات العنيفة و العكس بالعكس أي أن النضالات العنيفة تعبّد الطريق للنضالات السلمية . و نضرب مثالا أوّلا على ذلك . لقد عبّدت المقاومة العنيفة يوم 9 أفريل 2011 بالعاصمة و المقاومة العنيفة فى الأحياء الشعبية بسليانة الطريق لتعبئة تحرّكات إحتجاجية شعبية شارك فيها الآلاف و الآلاف و فرضت فرضا على الجهاز القمعي . و هكذا إفتكّت الجماهير الشعبية و مناضليها و مناضلاتها حقوقها و دافعت عنها و لم تنتظر أن تمنحها إيّاها أيّة جهة كانت.

و نضرب مثالا ثانيا من العالم الأرحب . إنّ رفاقنا الشيوعيين الماويين فى الهند و هم يقودون حرب الشعب الماوية هناك و ينظّمون صفوف الجماهير الشعبية و يواجهون العنف الرجعي بالعنف الثوري المنظّم الذى يسترشد بالنظرية الثورية ( الماركسية – اللينينية – الماوية ) و يكرّس سياسات ثوريّة لغايات ثورية حقّا ،هي الإطاحة العنيفة بالدولة القديمة و تشييد دولة جديدة ، دولة الديمقراطية الجديدة ، دولة الدكتاتورية الديمقراطية الشعبية بقيادة البروليتاريا الممهّدة للثورة الإشتراكية كجزء من الثورة البروليتارية العالمية ، ينظّمون نضالات سلمية فى المدن و القرى لوحدهم أو ضمن عمل جبهوي و هم حسب قواتهم الذاتية و الواقع الموضوعي يحمونها و يدافعون عنها بالسلاح إن لزم الأمر . و إلى جانب ذلك يقومون بعملّيات عسكرية مدروسة الأهداف السياسية لسحق أعداء الثورة فيطلقوا العنان للجماهير فى عدّة مناطق لا لتواصل النضال سلميّا وحسب و إنّما أيضا لتبني القوّة اللازمة لحمايتها من هجمات مجرمي دولة الإستعمار الجديد و لتشييد دولة جديدة تخوّل للجماهير الشعبية التحكّم فى مصيرها بقيادة الشيوعيين الماويين الذين إستوعبوا و جعلوا الطبقات الشعبية تدرك أنه " بدون جيش شعبي لن يكون هناك شيء للشعب " – ماو تسى تونغ .

و نستقى المثال الثالث من تركيا حيث عبر الشبكة العنكبوتية ، عالميّا ( و فى اليوتيوب لمن يريد العودة إلى الفيديوهات ) شاهدنا مسيرات نظّمها الحزب الشيوعي الماوي – تركيا و شمال كردستان فى 2006 فى عدّة مدن تركية فى تحدّي لدولة الإستعمار الجديد التى إغتالت بجبن فى جوان 2006 ، 17 عضوا منهم عناصر قيادية عليا من الحزب الذى يواصل حرب الشعب و رفعت خلالها صور الرفاق الشهداء و شعرات تعلى راية حرب الشعب و الماركسية – اللينينية –الماوية. و لا زال الرفاق يخوضون غمار حرب الشعب و إن ضاق نطاقها فى تركيا و شمال كردستان و ينظّمون المسيرات السلمية و يواجهون بجرأة قوات القمع و الرصاص إن لزم الأمر.

و الماركسيّون المزيّفون فى القطر و فى غيره من الأقطار العربية يغيّبون عمدا عامدين أمثلة الهند و تركيا و الفليبين و ما إلى ذلك كي لا يخلّوا بتعهّداتهم القانونية لدولة الإستعمار الجديد ب " رفض العنف" و يعمدون للدعاية للطريق السلمي البحت و الأوهام البرجوازية عن الديمقراطية و الدكتاتورية و الدولة ؛ و لا يعترفون مبدئيّا بحقّنا فى الثورة العنيفة ضد الرجعية ( و إن إستثنائيّا لجأ بعضهم إلى العنف فليفرض إصلاحات لا لتحيطم الدولة القديمة و على أنقاضها بناء دولة جديدة ) للإطاحة بالدولة القديمة و تشييد دولة جديدة بجيش شعبي حقيقة خدمة لجماهير شعبنا و قضية تحرير البروليتاريا و الإنسانية جمعاء من كافة أصناف الإستغلال و الإضطهاد الجندري و الطبقي و القومي.

" تعلمنا تجارب الصراع الطبقي فى عصر الإمبريالية بأن الطبقة العاملة والجماهير الكادحة لا تستطيع إنزال الهزيمة بالبرجوازيين وملاك الأراضي المسلحين إلا بقوّة البنادق ."
( ماو تسى تونغ )

حمه الهمّامي و أتباعه و أضرابه يدّعون الماركسية و ما هم بماركسيين ، و يدعون الثورية و ما هم بثوريين ، و يدّعون تبنّي المادية الجدلية و هم يطبّقون المثالية الميتافيزيقية ؛ بإختصار مجدّدا إنّهم ماركسيون مزيّفون و ليسوا قطعا ماركسيين حقيقيين.

7- العنف ماركسيّا :

قد يستغرق الموضوع عشرات الصفحات و العودة إلى المراجع الماركسية و فضح المواقف التحريفية التاريخية منها و الحالية بهذا المضمار لكن هنا حسبنا أن نجمل بعض الأفكار فى بضعة فقرات.

أوّلا ، الدولة ذاتها ماركسيا و حقّا جهاز قمع طبقي و بالتالي كلّ الدول طبقية و تمارس الديمقراطية التى تتسع و تضيق ضمن صفوف الطبقة أو الطبقات الحاكمة و فئات و طبقات أخرى و الدكتاتورية و العنف الطبقي بشتّى أشكاله ضد الطبقة أو الطبقات المضطهَدة و المستغلّة و أداتها فى ذلك بوجه خاص الجيش ثمّ الشرطة و المليشيات فى ما يتصل بالعنف المسلّح.
و الدولة فى القطر ليست إستثناءا وهي تحتكر العنف الذى تسمّيه الطبقات الحاكمة و المعترفون بسلطتها والعاملون فى إطارها بالشرعي لذلك و لإعادة نتاج علاقات الإنتاج و العلاقات الإجتماعية القائمة تحاتاج الطبقات الحاكمة إلى الحفاظ على هذا العنف بأيديها و تمارسه بإستمرار و بوتائر و درجات متفاوتة حسب الظروف و الأهداف المرسومة و ما تراه صالحا لديمومة هيمنتها الطبقية.

و الماركسيون على خطى ماركس يعملون على تحطيم احتكار الطبقات السائدة للعنف ومواجهته بالعنف الثوري الجماهيري قصد بناء جيش و دولة على أنقاض الدولة القديمة و بذلك هم ثوريون. فى حين أنّ الإصلاحيين فلا يستهدفون تحطيم الدولة القديمة بل إيجاد موقع لهم فى تقسيم السلطة و تقديم خدماتهم ك " قوّة إقتراح " أو كماسكين بالسلطة يطبّقون السياسات الرجعية للدولة القديمة المضطهدة لجماهير الشعب لذا تراهم يدافعون بشكل أو آخر عن هذه الدولة القديمة و إن نقدوها فلأجل إصلاحها و إن أدانوا جزءا منها فلأجل تعويضه خدمة للدولة القديمة ككلّ.

و قد يلجأ الإصلاحيون و لجؤوا فى بعض البلدان إلى النضال المسلّح غايتهم من ذلك ليس تحطيم الدولة القديمة و إنّما فرض إصلاحات معيّنة و المشاركة فى السلطة لا أكثر.

عملية الهدم و البناء ، هدم الدولة القديمة وبناء الدولة الجديدة فى عصرنا عصر الإمبريالية و الثورة الإشتراكية ينجزها الشعب بقيادة البروليتاريا و حزبها الطليعي وهي أسّ من أسس الماركسية و مهمّة لا بدّ ان يضطلع بها الشيوعيون الحقيقيون هي مهمّة توعية الشعب و تنظيمه و الدعاية و التحريض فى صفوفه للحاجة إلى العنف الثوري المنظّم للإطاحة بدولة الإستعمار الجديد و بناء دولة الديمقراطية الجديدة على أنقاضها بفضل الثورة الوطنية الديمقراطية / الديمقراطية الجديدة عبر حرب الشعب الطويلة الأمد فى المستعمرات وأشباه المستعمرات و المستعمرات الجديدة ( و للثورة الإشتراكية فى البلدان الرأسمالية - الإمبريالية من خلال الإنتفاضة المسلّحة المتبوعة بحرب أهلية ).

" إنّ الإستيلاء على السلطة بواسطة القوة المسلّحة ، و حسم الأمر عن طريق الحرب ، هو المهمّة المركزية للثورة و شكلها الأسمى . و هذا المبدأ الماركسي- اللينيني المتعلّق بالثورة صالح بصورة مطلقة ، للصين و لغيرها من الأقطار على حدّ السواء ".

( ماو تسى تونغ " قضايا الحرب و الإستراتيجية " نوفمبر- تشرين الثاني 1938؛ المؤلفات المختارة ، المجلّد الثاني)

و فى المستعمرات و أشباه المستعمرات و المستعمرات الجديدة ، مثلما لخّص ماو تسى تونغ :

" حزب قوي النظام مسلّح بالنظرية الماركسية - اللينينية ، يستخدم أسلوب النقد الذاتي و يرتبط بجماهير الشعب ، و جيش يقوده مثل هذا الحزب ، وجبهة متحدة تضمّ مختلف الطبقات الثورية و الجماعات الثورية و يقودها مثل هذا الحزب - هذه هي الأسلحة الرئيسية الثلاثة التى ننتصر بها على العدوّ".

( ماو تسى تونغ " الدكتاتورية الديمقراطية الشعبية " 30 يونيو – حزيران 1949؛ المؤلفات المختارة ، المجلّد الرابع.)

و ماو تسى تونغ بتلخيصه لهذه الحقيقة ، حقيقة الثورة العنيفة كأساس تعاليم الماركسية ، واصل الطريق الذى خطّه لينين فمثلا فى " الدولة و الثورة " جاء كلام لينين واضحا و لا أوضح :

" ضرورة تربية الجماهير بصورة دائمة بروح هذه النظرة و هذه النظرة بالذات للثورة العنيفة هي أساس تعاليم ماركس و إنجلس بأكملها. و خيانة تعاليمها من قبل التيارين الإشتراكي – الشوفيني و الكاوتسكي السائدين اليوم تتجلّى بوضوح خاص فى نسيان هؤلاء و أولئك لهذه الدعاية ، لهذا التحريض ."

( لينين –" الدولة و الثورة " ، الصفحة 23 من الطبعة العربية لدار التقدّم ، موسكو ).

8- خاتمة :

و قد توسّع نطاق العنف الرجعي و صار العنف موضوع الساعة ، نأكّد أن فضح التحريفية و نشر الماركسية يسلّح المناضلات و المناضلين و جماهير شعبنا بالنظرية الثورية القادرة وحدها على إيجاد حركة ثورية و يفتح المجال لتطوير الصراع الطبقي و تأثير الشيوعية الثورية فيه . و لا يسعنا أن نختم المقال إلاّ بشعار صاغه ماو تسى تونغ إبّان الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى ( 1966-1976) و كرّسته عمليّا الجماهير الشعبية محاربة التحريفية و البرجوازية الجديدة فى ظلّ الإشتراكية و عازلة المسؤولين أتباع الطريق الرأسمالي ، بما خوّل دفع عجلة التاريخ و إجتراح البطولات و شقّ طرق غير مسبوقة فى تثوير المجتمع الإشتراكي ليصل قمّة ما بلغته الإنسانية فى تقدّمها نحو مثلنا الأعلى ، الشيوعية ؛ و نقصد :

"من حقّنا أن نثور ضد الرجعية !"
- ديسمبر 2012 -