ابعاد ردة الفعل العالمية على قرار بناء وحدات استيطان صهيوني جديدة:


خالد عبد القادر احمد
2012 / 12 / 4 - 22:24     


جرت العادة, تاريخيا, ان يكون الموقف الدولي هو حامل التحرر الفلسطيني من السيطرة الاجنبية ( المباشرة ) عليهم, واستبدالها بسيطرة اجنبية اخرى, ولم يكن غريبا ان تتعايش مرحليا سيطرتين اجنبيتين على فلسطين, كما حدث خلال الحروب الصليبية قديما, وبعد هزيمة 1948م حديثا, لكنه من الواضح ان اعتراف الجمعية العامة للامم المتحدة بفلسطين دولة غير عضو, انما يشكل مدخلا لتغيير هذه العادة التاريخية, حيث يطرح واقع الصراع لاول مرة احتمال ان تكون ( دولة فلسطينية ) هي التي تتعايش مرحليا الى جانب احتلال اجنبي, هو الكيان الصهيوني, وهو محتوى الموضوعية السياسية التي تطرحها مقولة حل الدولتين, ولعل امكانية تحقق هذا الاحتمال تمثل في ذاتها مردودا وطنيا فلسطينيا رئيسيا لم نناله قبلا,
بالطبع فان اغلب شعبنا يقرأ التاريخ الفلسطيني كما لقنته له الطائفية الدينية, وكما لقنته له الانظمة التي تقاسمت فلسطين مع الكيان الصهيوني عام 1948م, وهي تلقينات كانت تصرف نظر الوعي والادراك الفلسطيني عن الانتباه الى ان الاحتلال الاجنبي هو الاحتلال الاجنبي, لا يهم اكان يهوديا او مسيحيا او اسلاميا, ولا يهم لو ان تداخلا في الدم حدث, فليس تبعا لذلك يعرف الاحتلال والسيطرة الاستعمارية بل يعرف كاستعمار طالما انه صاحب القرار بموقع فلسطين من ادارته السياسية, ووظيفتها في عملية انتاجه الاقتصادي, ونصيبها من تحققاته الحضارية, فهل هي في اطار المشاركة او التبعية, ولذلك فلا اظن ان مثل تلك القراءات ستفطن لملاحظة مثل هذا المردود الذي اشرنا له, وهو عمليا ما جرى قوننته الشرعية الدولية بقرارها الاعتراف بفلسطين دولة غير عضو,
لقد اشرنا في مقالات سابقة ان الهامش الذي يشغله الموقف الدولي ازاء الصراع الصهيوني الفلسطيني, يقع بين الحدود:
1- ضمان وجود وامن وتفوق الكيان الصهيوني,
2- رفض شعار اسرائيل الكبرى, وبالتالي رفض التوسعية الصهيونية
3- ان الدولة الفلسطينية ستكون اكثر المعيقات المعطلة لتحقق شعار اسرائيل الكبرى
ان الية هذا الموقف هي التي تفسر ما يراه البعض تناقضا في الموقف الدولي من حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم, وينسى هؤلاء ان الطابع الرئيسي للسياسة هو البراغماتية, لا الاخلاقيات الايديولوجية, فهذه دول راس اولوياتها هي مصالحها, وحين طرح الطرف الفلسطيني نفسه على لائحة الوجود السياسي الاقليمي, تلقفته هذه الدول لتوجد له وظيفة في محاولتها اخضاع الكيان الصهيوني واعادة تطويعه للوظيفة التي خلق من اجلها, مما اجج ادخلها في صراع مع الكيان الصهيوني يخلو من العمل العسكري, غير انه باتجاه حصار هذا الكيان وانهاك ارادته السياسية, لذلك قلنا في مقالات سابقة ان الصراع ضد هذا التوجه الدولي, هو الرئيسي في تقييم المنظور الصهيوني, وان مساره في ذلك هو اجهاض التسوية على اساس حل الدولتين, خاصة ان معادلة القوة بينه وبين الطرف الفلسطيني تدعوه لاسقاط وزن الطرف الفلسطيني من حساباته السياسية,
فما هي معادلة القوة بين الكيان الصهيوني والاطراف العالمية؟
في ترتيب بريطانيا لموازين القوى منذ اطلاقها وعد بلفور, كانت الصورة تنطوي على
1- معادلة موازين قوى اقليمي الخللفيه يميل لصالح دولة اقليمية تحوز على ثقة مراكز القوة العالمية
2- خلل في معادلة القوة الاقليمية يعمل لصالح تفوق مراكز القوة العالمية
3- تمتع مراكز القوة العالمية بالقدرة على نقل ثقل القوة الاقليمي من دولة الى اخرى, بحسب احتياجات مصالحها
ان المقصود هنا بموازين القوى هو وضع التفوق السياسي الاقتصادي, وفي سياقه التقني والعسكري, حيث حاز الكيان الصهيوني منذ نشأته على الموقع المتميز في هذه المعادلات, مكافأة له على الخدمات التي قدمها لمراكز القوة العالمية, وقد استمر ذلك الى ان تطور في الكيان الصهيوني, اتجاها استقلاليا ينحى باتجاه رفض الوضع الوظيفي للكيان في الصراع العالمي, ويدعوا لان يصبح شريكا لمراكز القوة العالمية في سيطرتها على المنطقة, ومقتسما معها مردوده الاقتصادي, بل وفي النهاية منافسا لنفوذها فيها, الامر الذي تلتقي وتجمع مراكز القوة العالمية على رفضه, وهوعامل حقيقي في واقع الصراع بين الطرفين الصهيوني والعالمي تالف مع عامل المقاومة الوطنية الفلسطينية فاستحدث متغيرات في الصراع افسح في المجال امام الديبلوماسية الفلسطينية لتنال التاييد العالمي الذي نالته في تصويت الجمعية العامة, وها هو الصراع بين الطرف العالمي والطرف الصهيوني يتصاعد في صورة افعال وردود افعال بين الطرفين, وفي هذا السياق كان رد فعل حكومة نتنياهو على التغرير ( العالمي ) بها في العملية العسكرية على قطاع غزة, ولسماحها بتمرير الاعتراف بدولة فلسطينية في الجمعية العامة, متشنجا عقابيا موجه ضد حل الدولتين بصورة رئيسية وعقابيا في هذا السياق للطرف الفلسطيني ايضا,
ان الصفعات التي سمحت مراكز القوة العالمية ان يوجهها الطرف الفلسطيني للكيان الصهيوني وحكومة نتنياهو, انعكست على العملية الانتخابية في الكيان بان اعادت وبقوة طرح الصراع مع الطرف الفلسطيني على الصورة السياسية الانتخابية, علما انها لم تنل هذا الاهتمام الصهيوني قبل عملية عامود السحاب العسكرية وقبل اعتراف الجمعية العامة بدولة فلسطين, ومن الواضح ان انعكاسها على الداخل الصهيوني سياخذ منحى الفرز الحاد فيه,
ان رد الفعل العالمي الرافض لقرار بناء وحدات استيطانية جديدة وتحديدا في المنطقة (E1 ) لم يكن ليكون بهذه الحدة لولا ان قرار البناء هذا تجاوز منطق توظيف الاستيطان في مساومات عملية التفاوض وبات يهدد خطرا مباشرا على حل الدولتين نفسه, الى جانب انه جاذب لصوت الاستيطان الانتخابي, مما استدعى من مراكز القوة العالمية الى ابداء حدة رفضها لهذه الخطوة باشكال متفاوتة, وهو رفض اوروبي امريكي جاء في السياق الاستراتيجي, الا انه جاء ايضا كعقاب مباشر للتحالف السياسي الحزبي الصهيوني الرافض لحل الدولتين, اي ان ( سوء وتردي ) علاقات الكيان الصهيوني بدول العالم سيكون احد المواضيع المطروحة على اللائحة السياسية الانتخابية في الكيان, وستاخذ شكل اللطخات على الصورة الانتخابية لهذا التحالف السياسي الحزبي الصهيوني, مما يزيد في حجم احتمال عدم عودته للحكم,
في مقابل هذا التحالف نجد طرف اولمرت وليفني ينشط بشكل مميز في محاولة لاستثمار سوء اوضاع نتنياهو ليبرمان, وعلى اساس من وضوح التزامهم بمقولة حل الدولتين, بل وعدم ممانعة الاعتراف بدولة فلسطين, هذا الاعتراف الذي يبدو انه في الفترة القادمة سيكون نقطة تفرض شروط التكيف معها ( على البراغماتية السياسية لكافة الاطراف ) حين تقاطع الحراك السياسي, الفلسطيني الداخلي, والاقليمي, والعالمي,عليها