ردا على المشككين بانجازنا الوطني


خالد عبد القادر احمد
2012 / 12 / 3 - 09:51     


تتباين وجهات نظر النخب الفكرية والسياسية في اعتراف الجمعية العامة للامم المتحدة بفلسطين دولة غير عضو, وهذا طبيعي, فهذا الاعتراف هو واقعة سياسية مثل غيرها خاضع للمحاكمة من قبل كل عقلانية اهتمت لحدوثها, ومن الطبيعي ان تتعدد تبعا لذلك المواقف منه, والتقييمات له, فمنها المعادي له, ومنها مؤيد انجازه, وما بينهما طيف واسع من التباينات, وليس غريبا ان تكون جهات سياسية واستخبراتية تعمل على تفتيح زوايا نص صيغة الاعتراف, وتتفقد مخزونها السياسي, وتحاول تبعا لذلك قراءة موقع الاعتراف في واقع المبنى السياسي الاقليمي, وما يشغله من وظيفة في اليات حراك لصراعاتها, ولا قيد على كل ما سبق الا المواجهة بين تنوع العقلانيات وتباين اتجاهاتها, والتي كثيرا ما يحكمها بناء نفسي سياسي سابق التحقق,
فتاييد اومعادة قيادة منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية, مثلا , يبني اصطفافا سياسيا معينا معاد او مؤيد للاعتراف, يغاير الاصطفاف من الاعتراف الذي يبنى لو ان طرفا سياسيا اخر هو الذي انجزه, علما ان الصورة العامة لبنية الاصطفاف لن تتغير غير ان ما سيتغير هو موقف التاييد او المعاداة فقط, وقلة فقط هي التي تقف من ذات الواقعة السياسية وهي هنا / الاعتراف / بنقاء وطهورية عن الموقف من الطرف الذي احرزه,
انها نفس القصة التقليدية التي يصفها اخواننا المصريون بمقولة المغالبة, والتي تبدأ كمغالبة سياسية وتنتهي كمغالبة اجتماعية لتعود وتصبح مغالبة سياسية في حركة ثنائية الاشواط كما يقال في الميكانيكا, لا يفلت منها, سوى القادر على الاستقلال عن الفئوية السياسية الضيقة, والقادر على قراءة دور الواقعة في منهجية بناء الانجاز و الاستقلال والسيادة والتنمية الوطنية
بالطبع هناك قراءات لهذا الاعتراف تنطلق من سلامة ونقاء طوية وطنية عفوية غير ان مقاييس التقييم التي تستخدمها خاطئة ومحبطة, فهو يقيس الانجازلا تبعا لصلته بالحلم ولكن بمقارنته بحجم الحلم, ولا تبعا لصلته بما مضى من الواقع وبالتغير الذي يحدثه فيه, كالقول هزءا وسخرية ان عباس جاب الدولة معه, علما انه لم يكن هناك لفلسطين يوما لا دولة ولا حرية ولا استقلالية للواقع الفلسطيني تاريخيا, ولم نكن نملك سوى وهم قرابتنا وصلتنا الطائفية والعرقية بالمحتل الاجنبي, والتي كان لها مردودها على قسم ( طائفي ) من شعبنا فقط كان المقابل له سوك خياني من قبل هذا القسم ( الطائفي ) من شعبنا يقايض به رضى المحتل الاجنبي, لا يهم هنا اكان المحتل يهوديا او مسيحيا او مسلما, اما باقي الشعب الفلسطيني فكان يبقى تحت نير المعاناة, فلماذا الهزء والسخرية من انجاز من الصحيح انه منقوص التحقق في الواقع الجغرافي السياسي, وايضا منقوص في حال التحقق في حجمه الجغرافي السياسي, الا ان مردود الحفاظ على وجود واستمرارية الهوية الفلسطينية واستقلالها وسيادتها متوفر فيه في حال التحقق, الذي لن يهبط من السماء بل يحتاج ( منا ) بناءه على الارض, وهو ما لم نملك من قبل حتى حق محاولته اصلا,
راي اخر, يرى كثيرا على الارادة الوطنية الفلسطينية ان تكون حرة من قيد العجز والفشل, متمتعة بالقدرة على الاستقلال والسير الحر المنفرد, فلا يرون الاعتراف الا من منظور ترتيبات تامرية تقررت في واشنطن, ولا تملك الارادة الوطنية الفلسطينية الا تنفيذ المرسوم لها من المخطط, حيث تصبح ارادة الولايات المتحدة في محل ارادة الله عز وجل, والمؤامرة قدرنا, ويتناسى هؤلاء ان البشر يعصون حتى الله عز وجل ويخرجون عن طوعه وإن لم يخرجوا عن قدرته, وقد سبق وان مرغت فيتنام انف الولايات المتحدة في وحل الهزيمة, وتكرر ذلك في العراق وافغانستان, وسبق لحزب الله وحركة حماس ان مرغا انف الكيان الصهيوني في وحل الانكسار والخزي والعار, وانكسار العدوان الصهيوني الاخير على قطاع غزة يشهد بذلك
نعم ان مراكز القوة العالمية تحاول رسم صورة العالم وهي تبذل لذلك كل جهدها المتاح, غير ان ارادة الشعوب في التحرر تعترضها, ولا تمرر مخططاتها الا على المستكين للهزيمة من هذه الشعوب, ونحن الفلسطينيون لسنا من هؤلاء, وان كنا نفتقد المستوى اللازم من استقلال العقلانية الايديولوجية السياسية, وها هو الواقع يحملنا اليه, فنحن الفلسطينيون نملك ( مادة ) العقلانية وان شوهتها معتقدات فكرية غريبة حول الذات والانتماءات, العرقية والطائفية, وقد كانت الثقة بدور الواقع كحامل للعقلانية احد الاسباب التي جعلتني اوافق على اتفاقية اوسلو, فها هو الواقع يطرح يوميا على العقلانية الفلسطينية مطالب استقلاليته, واستقلالية المصالح الفلسطينية, وها هي العقلانية الفلسطينية بشقيها الطائفي والعلماني مضطرة للاستجابة لهذه المطالب, وتعمل على تعميق استقلاليتها عن عمقها العقائدي الاقليمي الطائفي والعرقي, ولو اخذنا علاقة حركة حماس الفلسطينية بعموم حركة الاخوان المسلمين الاقليمية لقرئنا ( حالة تنامي ) في المطالب الوطنية الاستقلالية لحركة حماس ( من و عن ) الجماعة, والتي تعكس موضوعية وجود استقلالية ذات الحركة عن ذات الجماعة, فالتحرر من علاقة الحركة بالجماعة وارد وممكن في مقابل استحالة تحرر الحركة من علاقتها بالوطن, وواجبها في معركة التحرر
ان اعتراف الجمعية العامة للامم المتحدة بفلسطين دولة غير عضو, جسد شكلا محددا لحلم فلسطيني بالتحرر له مكانه في واقع الخارطة الجيوسياسية العالمية, حتى وان لم يقمها في الواقع الجيوسياسي, او انها ليست موجودة فيه, فاقامة دولة الاستقلال والسيادة هي اصلا من المهمات الحضارية للنضال الفلسطيني, وهي قطعا ليست مهمة الجمعية العامة ولا الدول التي اعترفت بفلسطين, فدور هذين الطرفين في مهمة بناء الدولة هو تقديم المظلة القانونية لجهد المحاولة الفلسطينية, والمساعدة بطرق غير مباشرة على تهيئة ظروف افضل للجهد الفلسطيني اثناء المحاولة,
ليكف اذن المشككون بالانجاز عن التثني من على كراسيهم الفاخرة, وكان شيئا ما يستثير فيهم احساسا جنسيا عاليا يفقدهم وقارهم الايديولوجي السياسي, ويكشف عن غريزة عداء مستحكمة فيهم لحلم التحرر الوطني الفلسطيني, حتى لو كانوا من الفلسطينيين
اقامة الدولة مهمتنا وتبدأ من تحرير الارادة والارض الفلسطينية واستقلال القرار الوطني والمصالحة السياسية واستعادة وحدة التوجه الفلسطيني وتقديم اولوية الشرعية الفلسطينية على اي شرعية اخرى, ولا عودة لقطاع غزة لسيطرة مصر ولا عودة للضفة الغربية لسيطرة الاردن, ولا فيدرالية ضم ولا كونفيدرالية تقاسم وظيفي, وحتى تعريف فلسطين بالدستور يجب ان يقتصر على صيغة فلسطين دولة مستقلة ذات سيادة فقط