تعليق مختصر حول ما يجري في المنطقة العربية


محمود جلبوط
2012 / 12 / 2 - 21:46     

أكاد أجزم أنه لا يوجد على ظهر هذه البسيطة منطقة عصفت بها وفيها أحداث عظام كمنطقتنا العربية ومجمل شرقنا المتوسط على مدار تاريخها ومازالت , ومع ذلك لم يتغير وجهها المتقع منذ أن كفت عن استقلالها وعن إنتاجها الفكري بعد أن اكتفت باجترار ما قال أصحاب الفكر القدري والاكتفاء بمبدأ : الإنسان مسير واستبعاد أن يكون مخيرا , وذلك منذ ما يقارب الألف عام هجري , يشعر المرء وكأننا مربوطون بسلاسل من حديد غليظة إلى صخرة في قاع ذاك الزمن حيث استطاع علماء تفسير القرآن والحديث الأفاضل : الشافعي والحنبلي والمالكي والحنفي ومثيلهم عند الشيعة والمذاهب الأخرى وما استند إليهم من اجترار , ربما فضيلتهم لوحيدة المتبقية بأنهم قد بذلوا في زمانهم ما تمكنوا وما استطاعوا : إن في مرحلة اعتراضهم على السلطان أو مرحلة التنظير لسلطانه , واكتفى من جاء من بعدهم مما يسمى من " علماء المسلمين " باجترار ما قالوا , ولا استثناء في هذه الأمر بين " البرهانيين " و "العرفانيين " بل إن ما ذهب إليه العرفانيون لا يكاد يقبله عقل لو قورن بما اعتمده البرهانيون لتدعيم سلطة السلاطين كمثقفين عضويين لو استعملنا تعابير هذا العصر .

ما أردت قوله أنه لا يمكن دراسة أسباب ديمومة وعطالة وركود المنطفة رغم عصف وعسف الأحداث المريرة بها دون التمحيص ومراجعة عاملين هامين :

العامل الأول يعود بعهده إلى مطالع حكم المماليك ثم الحكم العثماني وما استتبع كلاهما سياسة سلطانية استبدادية استنزفت ليس فائض المنطقة وحسب بل الإنسان نفسه ثم ما تلاهما بعد ذلك من مرحلة الاستعمار الغربي عندما قرر هذا الغرب غزو العالم في مرحلته المركنتيلية والعهود الأولى من الرأسمالية بدايات نزوعه الامبريالي ومحاولاته الحثيثة لإعاقة تطور بنية المنطقة المنهكة في الأصل اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا بعد أن اكتشف اهميتها الاستراتيجية لمطامعه الاستعمارية كموقع جغرافي يحد تخومه الجنوبية وكسوق لتسويق بضائعه وكثروات ومواد خام ضرورية لصناعته وما أضافه في مرحلة لاحقة اكتشاف نفطها وما أدراك ما فعل نفطها!!!! مما أدى إلى كفها عن التطور نهائيا إلى غير رجعة إن لم تقطع معه حسب قانونها الخاص الداخلي والطبيعي وبالتالي إلحاق حركة صيرورتها الاجتماعية والاقتصادية بصيرورة الغرب الرأسمالي مما جعل منها طرفا أو تابعا له عاص عن الاكتمال بنفسه إن هو لم يقطع معه وجعل منهم مركزا مكتملا بذاته ماصا لها ولحركتها وبالتالي دخولها في حلقة مفرغة يقرر مسارها ومصيرها تحولات المركز الغربي بعد أن حولها إلى تابع له عبر عملية سياسية اقتصادية معقدة راحت تنتج من حينها قانونها الاجتماعي المعبر عن حالة دوخانها وعجزها يحتاج رصد ظاهرتها جهدا كبيرا ومكثفا من قبل البحثة الاقتصاديين والاجتماعيين وحتى السياسيين للإحاطة بها لكنا اقتصرنا هنا على الموجز والمختصر .

العامل الثاني والذي لا يقل أهمية أبدا عن العامل الأول بل هو على علاقة جدلية به مولد له ومستولد منه بآن , هو إنتاج وإعادة إنتاج الفكر الهجري التسليمي ليصبح آلية التفكير المجتمعية وخاصة لدى العامة من الناس القليلي الثقافة عبر تواطئ داخلي خارجي , احتاجت إلى جمع غفير من المشايخ والمفتي ومثقفي السلطان والسلطة العضويين وما يسمى " علماء الدين " من جميع الاتجاهات والأشكال والألوان بعد الاعتماد على ما تيسر من النص الديني بما يكفي فقط لطاعة السلطان والحاكم وشل إرادة النقد لدى الفرد والتقرير في أمور حياته أو حياة الناس من خلال عملية انتقائية والاكتفاء بتظهير الدين على ما يرسخ التسليمي والقدري والآخر الكافر وإطاعة أولي الأمر والرجال قوامون على النساء النافصات عقل ودين ....وهلمجرا
وعلى هذا تبقى المنطقة , وبالرغم من فظاعة الخسائر والضحايا في خضم الأحداث ودم غزير وخراب ومجازر , كما هي دائما وكأنك يا أبا زيد ما غزيت , وتيتي تيتي متل ما رحت متل ما جيتي .
في الحقيقة يحتاج الأمر إلى الكثير من الخوض لكنا رغبنا في هذه العجالة من التنبيه إلى أن ما يجري في سوريا ومصر وكل المنطقة ليس بجديد , وليس بالمطمئن ما دام دوام الحال ليس من المحال.