مسائل ألايكولوجيا نحو مقاربة ماركسية


سعد محمد حسن
2012 / 11 / 30 - 22:21     

مسائل ألايكولوجيا
نحو مقاربة ماركسية*

تتزايد باستمرار مخاوف البشرية حيال المخاطر الناجمة عن تزايد معدلات تلوث البيئة بشكل عام وارتفاع درجة حرارة الارض وبداية ذوبان جليد المناطق القطبيه وبداية تدمير طبقة ألاوزون للغلاف الجوي وتزايد الكوارث الطبيعية والتدمير المتسارع للغابات ألاستوائيةوتزايد عمليات أنهاك التربة وأتساع مساحات التصحر وتقلص التنوع ألآحيائي بانقراض ألاف ألانواع وظهور وأنتشار أمراض خطيرة كجنون البقر وأنفلاونزا الطيور والخنازير وغيرها وتراكم النفايات ومنها النووية على وجه الخصوص . وفي ظل هذه المخاوف تبدوا العلاقة بين الكائن البشري وكوكب ألارض تمر في لحظة أنعطاف حرجة فأما أن تصب أمالنا في مستقبل يصاغ بالتصالح مع الطبيعة في ظل التوظييف العقلاني لمواردها المتاحة أو أن تتلاشى أمالنا هذه ليصبح الوجود ألآنساني برمته في خطر الفناء , ويبدو أن هذه المخاوف كانت وراء ألاهتمام المتزايد بالمسأله الايكولوجية لدى العديد من مراكز البحوث وصانعي القرار ورجال الفكر والثقافة والسياسة والدين على حد سواء ومع تزايد وضوح وحدة وتعقيد وعالمية المشكلات البيئية . تأتي الماركسية بمنهجها العلمي والمعرفي لتؤسس لرؤية مقاربه للمسألة ألايكولوجية . على الرغم من أن البعض من الماركسيين يرون بأنها أي الماركسية لم تؤسس لرؤية خاصة بها لهذه المسألة أو أنها لم تشتغل بالبيئة قدر أشتغالها بالفلسفة المادية والاقتصاد السياسي . وأن مبعث ذلك في نظرهم ربما في أن رأسمالية القرن التاسع عشر والتي مارس عليها ماركس منهجة التفكيكي في ألرأسمال وتصدى لاشكالياتها البنيوية لم تصل الى الحدود التي يمكن لها أن تهدد الجنس البشري بأكمله بالفناء (1 ). ويبدوا أن هذا الرأي وأن كان يميل الى جانب الصواب ألا أنه لايعني بأي حال من الاحوال أغفال ماركس لمسائل ألايكولوجيأ , فالماركسية كما يقال عنها بأنها حمراء ولكن بقلب ا أخضر . ثم ماهو مشترك بينها وبين ألايكولوجيا , جراء أهتمامهما بشكل كامل بالرفاه ألانساني كما أن النمو الاقنصادي الاشتراكي لابد أن يكون تطورأ عقلانيأ مخططأ لمنفعة الجميع ويستلزم بالضرورة أن يكون سليمأ من الناحية ألايكولوجية .ولعل العودة الى التقسيم ألاجرائي الشهير لكارل ماركس بخصوص مراحل نشوء التشكيلة ألرأسمالية ( 2 ) وأيظأ للكتابات العلمية والتكنولوجية له والتي حفزت العديد من السجالات , لم يعد بعد هناك شك بأهتمام ماركس بالطبيعة , هذا ألاهتمام الذي رافقه طول حياته(3 ) . أن تركيز الجهود لآيجاد مقاربة ماركسية لمسائل ألايكولوجيا يمنح الفكر المادي الجدلي ألاولوية لفهم السيرورات والتدفقات والتقلبات والعلاقات عند تحليل العناصر والاشياء والبنيات والمنظومات العضوية . كذلك يمنح الفكر ألايكولوجي ألاولوية لهذه الوقائع ذاتها وأن جهوده في أقامة الارتباط بين الفكريين تجعل مقاربته أحدى أكثر االمحاولات نجاحأ في أضفاء الطابع ألايكولوجي على الماركسية (4) .
لقد كان لآسهام ألايكولوجيا الكبير أننا أدركنا حقيقة المخاطر التي تهدد كوكب الارض والحياة البشرية برمتها بفعل نمط ألانتاج والاستهلاك الراهن , بتلازم النزعة ألآنتاجية والتشكيلة ألاجتماعية للرأسمالية . أن أتساع التعدي المهول على البيئة وتنامي خطر ألآخلال بالتوازن البيئي قد يهدد الوجود الانساني, لذا قد يخطيء بعض البيئيين في مسعاهم للاستغناءعن نقد ماركس للرأسمالية , ولعل أي رؤية للمسألة الايكولوجية لاتاخذ بالحسبان تلك النزعة وهذا النقد , تكون محكومه بالفشل (( 5). أن ألازمة البيئية هي التناقض الثاني للتشكيلة الاجتماعية والاقتصلدية للرأسمالية .. . تتركز المقاربة الماركسية لمسائل ألايكولوجيا على قاعدتين مهمتين هما : أولآ : أن نمط ألانتاج وألاستهلاك الواسعيين في البلدان ألرأسمالية والقائم على قاعدة التراكم اللامحدود للرأسمال والسلع والارباح وهدر الموارد والاستهلاك الواسع والتدمير المتسارع للبيئة كفيل بجعل كوكب ألارض تحت طائلة أزمة بيئية كبرى .
ثانيأ : أن أستمرار الحضارة القائمه على أقتصاد السوق مع وجود التفاوت الواسع بين بلدان العالم المختلفة يهدد وعلى نحو مباشر حياة النوع البشري , مما يعني أن ذلك يتطلب مستلزمأ أضافيأ لحماية البيئة والحفاظ عليها , لذا فليس من السهل تجاوز نمط الانتاج وألاستهلاك الرأ سماليين , لذلك فأن الازمة البيئية لايمكن حلها دون أحداث تغييرات جذرية في العلاقات الاجتماعية والاقتصادية, حيث لايمكن للرأسمالية أن تعالج مشاكل البيئة بصورة عقلانية وذلك للآسباب الثلاث ألاتية :
أولا . منطقها القائم أساسأ على التوسع والتقليص في سعر الكلفة والتوسع لغرض خوض معركة المنافسة الشرسة لتتمكن من الاستحواذ على قدر كبير من السوق ولعل الانتاج غير المخطط له والواسع النطاق والمترابط عالميأ سيتمخض عن تهديدات خطيرة للبيئة .
- ثانيأ . تتجه الرأسمالية في حركتها التوسعية الى تحقيق أقصى الارباح الممكنه وفي أقصر ألآوقات ودون حساب تكاليف ذلك بيئيأ وتأثيره عليها وما يشكله من تهديد حقيقي لها .
ثالثا : أن الانتاج الرأسمالي بطبيعته أنتاج خاص , فالاقتصاد الرأسمالي مكون من وحدات متنافسة للسيطرة على رأس المال وملكية وسائل ألانتااج .ولكل وحدة من هذه الوحدات تعني بذاتهاوتوسعها وربحها لذا فأن الاقتصاد والبيئة الاصطناعية والطبيعية والمجتمع لايمكن معالجتها في ظل الرأسمالية في ظل كل شيء مجزأء (6) .
الهوامش
* لعل من الضروري أبتداء التأكيد على أن طموح الوعي ألايكولوجي بما هو وعي فلسفي الى التحقق من الواقع في أطار العلاقة القائمة بين الفكر والممارسه العملية وهو بهذا المعني يؤسس لعلاقة مع ألايديولوجية بأعتبارها منظومة من التصورات تتمركز على أيجاد حلول مقترحة للمشاكل التي تواجها البشرية في ظرف تاريخي محدد وبالتالي تكون ألايديولوجيا ضرورة كي لايظل الوعي ألايكولوجي بما هو تحل فلسفي فرعيأ نظريأ . بل يتحول الى عمل جماعي من خلال القيم ألايكولوجيه التي أنشئها بالاستناد الى منظومة معرفية دعوناها بالنظرية ألايكولوجيةالى العالم ,أي أن على الوعي ألآيكولوجي أن يتحول الى حركة نضالية تعمل على تحقيق قيمها الخاصة , ولذا يحتاج الوعي ألايكولوجي الى حامل أجتماعي له ألادراك ألايدولوجي أما أن يكون أجتماعيأ أو لايكون ./أنظر الموسوعةالفلسفية العربية/ مادة ايدولوجيأ / علم الافكار )
(1) القلب الاخضر للماركسية/ الحبيب البو عزيزي / موقع جريدة المناضل المغربية , كما ويذكر ميكانيل لووي في دراسته المعنونه ماهي الاشتراكية البيئية ( أن الرأسمال يهدد أو يدمر بفعل ديناميته التوسعية وشروطه الخاصه ,البيئة الطبيعية وهذه الاشكالية لم يوليها ماركس ألاعتبار الكافي . وينقل د. فالح عبد الجبار في كتابه المعنون ما بعد الماركسية والصادر عن دار الفارابي في بيروت عن جورج ليختيم في كتابه الشهير الماركسية دراسة تاريخية ونقدية الصادر عام 1961 قوله ( أن الطبيعة البشرية هي الطبيعة الوحيدة التي كانت ذات صلة في فهم التاريخ بالنسبه الى ماركس ) وأنه أي ماركس قد ( ترك بحكمة كبيرةالطبيعة عدا الطبيعة البشريةوشأنها ) .
(2) لقد أشار ماركس قي دراسته عن مراحل نشوء التشكيلة الاجتماعية الرأسماليه الى وجود ثلاث مراحل هي أولآ:التمهيد والتي بدأت في ستينات القرن الخامس عشر وأستمرت حوالي 140 عام. ثانيأ: الشباب حيث تكون السوق العالمي وتكاثرت المانيفكتورات ودامت حوالي 100 عام . ثالثأ: ألاخيرة وفيها أخلت المانيفاكتورات الموقع الى المكننة والصناعة الضخمة وحدثت ثورة في ألانتاج الصناعي والزراعي وشهدت علاقات االمدينة بالريف أنقلابأ كبيرأ وأنتهت هذه المرحلة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر بعد أن دامت حوالي ستون عامأ ولابد من الاشاره الى أن هذا التمرحل ليس سوى تقريب أذ ليس ثم خط فاصل دقيق بين مرحلة وأخري برأي ماركس . أنظر / د. فالح عبد الجبار ما بعد الماركسية .
(3 ) : يستعرض د . ثامر الصفار في كتابه الموسوم الماركسية وألايكولوجية الصادر عن دار الفارابي في بيروت , مساحة واسعة من تاريخ ألاسهام الفلسفي لكارل ماركس وفريدريك أنجلس ومعاصريهما ويبدوا أن هاجس الكاتب وراء ذلك هو بيان ما تنطوي تلك ألاسهامات على مفاهيم ومقولات هامة تشكل ألاساس المنهجي لفهم المسألة ألايكولوجية من جهة . ومن جهة أخرى لتطوير منهجية ماركسية قادرة على التعامل الموضوعي وهذه المسألة .
(4) ألايكولوجيه الاشتراكيه / ذياب مهدي أل غلام/ الحوار المتمدن .
(5) يدهب بعض المدافعين على نمط الانتاج الرأسمالي الى القول بالامكان أيجاد رأسمالية خضراْء تهتم بالبيئة ومتصالحة معها, وذلك عن طريق توظييف منجزات العلم والتكنلوجيا في خدمة الانتاج الرأسمالي ( النظيف ) والعمل بالتالي على أعادة التوازن بين ألاقتصاد وبين البيئة والطبيعة وعلى الرغم من أن المشاريع التي يتم الترويج لها هي بكل تأكيد مشاريع أنتاج محدودة تتعلق بتوظييف أشعة الشمس لآنتاج الطاقة وهو ما يعرف بالطاقة النظيفة والترويج لآسواق الغذاء العضوي ومع أهمية هذه المشاريع في سياق تطور الوعي البيئي ألا أن من الضروري عدم النظر اليها على أنها حالة طلاق تامة مع الرأسمال أو أي من ألتزاماته البيئية وألاجتماعية الخاصة بالتراكم والتوسع والربح , فالرأسمالية الخضراء هي تناقض في حد ذاتها , أذ أن الخضرة تدل على توازن يتطور ليشمل مجموعة الاحاسيس واشكال الحياة كافة , بينما تدل ألرأسمالية على نمو منفلت من أي رقابة ويبدوا أن الهدف من وراء الترويج لمفهوم ألرأسمالية لخضراء المتصالحة مع البيئة هي محاولة لآخفاء جوهر ألازمة ألايكولوجية الراهنة التي تمر بها البشرية والتي هي بكل تأكيد نتاج ألراسمالية ..
(6) شادي الشماوي /الرأسمالية , البيئة, حماية البيئة في ظل الاشتراكية/ موقع الحوار المتمدن.