يَلاَّ.. خسارة مع الرفاق خلاعة


مصطفى القلعي
2012 / 11 / 24 - 11:16     

رفيقي السلفيّ: الرسالة (25)

يَلاَّ.. خسارة مع الرفاق خلاعة

رفيقي
هل أهنّئك بالأداء المهزوز لقادة المعارضة اليساريّة التونسيّة أم أواسي نفسي؟ أمر مؤسف، يا رفيقي، أن ترى مناضلين كبارا من المعارضة اليساريّة يساندون قناة التونسيّة مساندة منقطعة النظير فقط لأنّهم يتوهّمون أنّها ضدّ حركة النّهضة وبدعوى الدّفاع عن حريّة التعبير. وأنا لا تعنيني، في هذا المقام مواقف الأطراف الأخرى. وإنّما ما يعنيني هو موقف من أنتمي إليهم.
رفيقي
لقد تناسى الرفاق قادة المعارضة اليساريّة من هو الصحفيّ مجري الحوار (تذكّروا مسرحيّة معزّ بن غربيّة وسامي الفهري ليلة 13 جانفي بعد خطاب "فهمتكم" الثالث لبن علي) ومن هو الضيف (سليم شيبوب وما أدراك الذي كان يتحكّم حتى في نتيجة مقابلة كرة قدم) ومن هو صاحب القناة (شريك الصوص الطرابلسيّة وذراعهم الإعلاميّة) ومن هي شركة كاكتوس (ناهبة أموال الشعب). فهل نحن بلا ذاكرة، يا رفاق؟
رفيقي
ألا يعرف الرفاق قادة المعارضة اليساريّة أنّ هذه القناة تعوّل على ملء السّاحة وعلى البوليميك من أجل الإشهار وربح الثروة؟ ألا يعرف رفاقنا قادة المعارضة اليساريّة أنّهم يتحرّكون على أرض رأس المال الإعلاميّ، وهو لا يخلو من قذارة وتلوّث وتلويث؟
رفيقي
مرّة أخرى تلتبس الأمور على رفاقي وينساقون وراء مواقف انفعاليّة ضعيفة تجعلهم في مرمى ضربات السّلطة وتسهّل المزايدة عليهم من قبل خصومهم. مرّة أخرى يحفر لهم جبّ فيقعون فيه دون تدبّر ويصدرون آراء ومواقف دون نقاش ودون استشارة قواعدهم. وهو أراه تكرارا لما وقعوا فيه نتيجة وقوفهم مع قناة نسمة في لعبتها مع النهضة والسلفيّة. تذكّر، فقط، يا رفيقي، أنّ محاكمة قناة نسمة وقعت في حكومة قائد السبسي وكان يعتبر ما فعلته إثارة للرّأي العام، وبعد أن خرج من الحكومة كان أوّل من رافع عنها بدعوى الدّفاع عن حريّة التعبير.
رفيقي
لاحظ معي، فقط، غياب الندائيّين والجمهوريّين والمساريّين ومن لفّ لفّهم عن معركتين؛ معركة اتّفاقيّة الشريك المتميّز مع الاتّحاد الأوروبيّ ومعركة حوار سليم شيبوب في قناة التونسيّة. لاحظ البراغماتيّة السياسيّة. أمّا اليسار الرّاديكاليّ التونسيّ المعارض فصوته عال جدّا. لكنّ السّلطة ترى في صوته ضجيجا بل نشازا. فيما يتمنّى الطيف الآخر من المعارضة أن يدفع رفاقنا النّضال إلى أقصاه ليس لأنّ لهم موقفا متّفقا مع موقف رفاقنا وإنّما لإرهاق الحزب الحاكم وتشتيت قواه. والنتيجة هي التالية: سينظر الجميع إلى رفاقنا قادة المعارضة اليساريّة قائلين: أنتم ضدّ أمريكا وضدّ قطر وضدّ الاتّحاد الأوروبيّ فمع من ستتحالفون؟ وكيف ستحقّقون أهداف الشعب؟ وتسهل على الخصوم المزايدة عليهم، حينها.
رفيقي
أرأيت؛ حتى المعارك الوطنيّة التي تكون مواقفهم منها وجيهة لا يحسن قادة المعارضة اليساريّة إدارتها؟ فالمشكلة ليست في الموقف وإنّما في استثمار الموقف في إدارة معركة سياسيّة لكسبها.. أكرّر: لكسبها. ما الذي سيحدث الآن بعد أن رفض القضاء التونسيّ طلب منع بثّ الحوار؟ سيبثّ الحوار وستعلن الحكومة احترامها لاستقلال القضاء وستسجّل نقاطا في حسابها الديمقراطيّ الفارغ وتكون مبرّأة من أيّ ردّة فعل سلبيّة للمشاهدين، ولن يصعب تدبير شيء كهذا، وسيحسب على رفاقنا أنّهم دافعوا عن سليم شيبوب لا عن حريّة التعبير.
رفيقي
إنّ رفاقي قادة المعارضة اليساريّة هواة في مستوى الممارسة السياسيّة. غدا سيقال لهم: أنتم دافعتم عن سليم شيبوب فاصمتوا. بل إنّ أحد الرّفاق الكبار قال، بالله تصوّر هذا، يا رفيقي: لا مانع عندي لو دعي بن علي للحديث في تلفزة تونسيّة فحقّ الردّ مكفول له؟؟ ورفيق ثانٍ يشغل منصب رئيس تحرير صحيفة ناطقة باسم حزب يساريّ راديكاليّ يقول: لو كان ما قاله سليم شيبوب يتماشى مع جريدتنا لَنشرنا الحوار. يعني ليست له مشكلة مع شيبوب ولا مع بن غربيّة ولا مع قناة التونسيّة. مشكلته فقط مع محتوى الحوار. ونسي رفيقنا أنّ شيبوب كان قادرا على إتلافه فقط بإشارة من بنانه.
رفيقي
ليت رفاقنا قادة المعارضة اليساريّة التي أنتمي إليها يجيبونني: هل ستتحقّق العدالة بهذه المواقف؟ هل سنكسب بها أصواتا انتخابيّة؟ حفرة أخرى أو حفرتان إعلاميّتان وسينتهي أمرنا انتخابيّا. وستحفر الحفرتان وسندفع إليهما بهدوء وسيدغدغ حسّنا الحقوقيّ والديمقراطيّ وسنقع. والبركة في قادتنا أصحاب الهمّة. انتظر، يا رفيقي، وسترى.
رفيقي
لقد تابعت لك موضوع السّماح ببثّ الحوار مع سليم شيبوب أو منعه. واستمعت إلى الكثير من التحليلات في خصوصه. وما لفت انتباهي أنّ الجميع توقّفوا عند رمزيّة مسألة المنع ودلالاتها. ولكن، في تقديري، يا رفيقي، أنّ المشكلة في الحوار ذاته.
رفيقي
تسألني؛ كيف؟
أجيبك: سليم شيبوب مطلوب للقضاء التونسيّ. وهو فارّ ويرفض تسليم نفسه للعدالة. وهذا يعني إقرارا منه بالذنب واعترافا بالجريمة أو الجرائم المتّهم بها. هل من العدل أن يسمع الشعب التونسيّ المتّهم قبل أن يسمعه القضاة؟ ألا يكون في ذلك تأثير على سير العدالة؟ لماذا المداورة والالتفاف؟ حنين إلى ...؟؟ ربّما. كان من الأجدر بسليم شيبوب أن يسلّم نفسه إلى السفارة التونسيّة لتقوم بترحيله إلى تونس لمقاضاته بدل أن يتباكى على جواز السّفر ويتحجّج بافتقاره إليه.
رفيقي
أنا لست مع المنع بأيّ شكل من الأشكال. ولكنّي ضدّ إجراء الحوار أصلا. أكرّر أنا لست مع المنع بأيّ شكل من الأشكال ولكنّي ضدّ إجراء الحوار أصلا.
رفيقي
سيزايدون عليّ، أعرف ذلك. ولذلك كرّرت موقفي وعلّمت عليه وشدّدت. ومع ذلك سيزايدون. لا يهمّ، فالمواقف للتاريخ.
رفيقي
نعود إلى الحوار، إنّ أرى فيه تطاولا وانتهازيّة وبحثا عن الشهرة والسّبق على طريقة صحافة الإثارة الأمريكيّة، ونحن لسنا في حاجة إليها في هذه المرحلة الانتقاليّة. وأرى أنّ فيه، أيضا، محاولة لشغل الرّأي العامّ وتوجيهه عن قضاياه الحقيقيّة. ألعاب كثيرة تلعب في هذا الوطن من قبل أبنائه، يا رفيقي، والغاية دائما الرّبح الفرديّ والمزايدة على الخصوم وتسجيل النقاط.
رفيقي
لِمَ يسمح صحفيّ تونسيّ لنفسه بمحاورة مجرم هارب من العدالة أصلا وبتقديمه في تلفزيون تونسيّ، ولا أدري إن كانت قناة التونسيّة تونسيّة أم أجنبيّة؟ من يديرها؟ وسلطة أمرها بيد من؟ لماذا كلّ هذا اللبس والتعمية؟ وأيّ دور يلعبه الصحفيّ مجري الحوار؟ أيّ مؤسّسة ينوب؟ هل استأذن القضاء في إجراء المقابلة؟
رفيقي
صدّقني، مازالت أصوات هتافاتنا في شارع بورقيبة طيلة شهر جانفي 2011 ترنّ في أذنيّ. مازالت أسمع "يسقط 7 نوفمبر.. يسقط جلاّد الشعب"، "الشعب يريد حلّ التجمّع". ومازالت أخبار (أو إشاعات) هروب سليم شيبوب بطريقة فانتازيّة حاضرة في ذهني. مازالت صور الخيول المتحرّرة من مزرعته عالقة بذاكرتي. وأذكر أنّ الريبورتاج التلفزيونيّ تحدّث عن أسعار خياليّة لكلّ حصان منها. فهل نحن بلا ذاكرة؟ نتسامح مع سليم شيبوب وندافع عن حقّه في التعبير فقط لأنّنا نتوهّم أنّ قناة التونسيّة تواجه النّهضة؟ ما هذا الموقف البائس؟
رفيقي
اسمح لي أن أسأل رفاقي قادة المعارضة اليساريّة: أين الجدل في مواقفكم؟ أين الفكر النقديّ؟ لا يوجد. فقط يبنى الموقف على موقف النهضة أو الحكومة؛ ردّة فعل، يعني. وما المطلوب منّي، أنا المعارض اليساريّ؟ أن أبارك وأنشر وأدافع. ما هذا البؤس؟ هذه معارضة يساريّة أم باترياركيّة أم ببّغائيّة؟
رفيقي
أنا يساريّ معارض ولست معارضا يساريّا (حلّل وناقش) ولا أقبل بالباترياركيّة ولا بالببّغائيّة. وعندما يكون الموقف خاطئا سأقول إنّه خاطئ كلّفني ذلك ما كلّفني. وموقف قادة المعارضة اليساريّة من قضيّة إجراء حوارات متلفزة مع رموز النظام المخلوع قبل أن يحاكموا وقبل أن يعيدوا للشعب ما سلبوه منه موقف خاطئ يا معارضة يساريّة. هذا موقف خاطئ. وهذا رأيي.
رفيقي
أنا أعرف الكثير من القواعد اليساريّة المناضلة المعارضة. وهي تستحقّ أفضل من هذه القيادات الباترياركيّة الرّاديكاليّة. قيادات المعارضة اليساريّة مناضلة وصادقة، ولكنّها لا تحسن إدارة المعركة السياسيّة ضدّ الخصوم.
رفاقي قادة المعارضة اليساريّة
أنا أعرف أنّكم تقودوننا إلى الخسران. ولكنّي لا أستطيع إلاّ أن أكون معكم.
يَلاَّ.. خسارة مع الرفاق خلاعة.