ما العمل مع -فرمان- مرسي؟


يوسف يوسف المصري
2012 / 11 / 24 - 11:06     

ما العمل مع "فرمان" مرسي؟
------------------------------------------------------------------------------------
نحن نمر بلحظة تتقاطع فيها خطوط كثيرة اجنبية وعربية ومصرية لتجعل من الموقف الحالي في بلادنا معقدا. وفي هذا الموقف المعقد تتضح اربعة كتل اساسية تتفاعل فيما بينها على لاراض؟ الاولى هي كتلة منظمات الاسلام السياسي على ما بينها من خلافات والتي تدعمها مخابرات عربية وغربية والثانية هي هي كتلة انصار مبارك واتباع المحبوسين في طرة ورجال الاعمال ممن تدعهم اجهزة مخابرات عربية والثالثة هي الليبراليين واليساريين وهم في بعض اجزاء شقهم الليبرالي مخترقين ايضا وفي اغلب اجزاء شقهم اليساري عاجزين عن طرح اهداف قصيرة المدى وممكنة التحقيق ومكتفين بالتالي بطرح شعارات عامة ساقدم بعد قليل بعض امثلتها ثم اخيرا تأتي الكتلة الرابعة وهي كتلة الطبقات الشعبية المشاركة في هذه المقاومة النبيلة والمذهلة حقا المنتشرة في مدن مصر وشوارعها.
وليس ثمة احتياج للعودة الى تأكيد ما يعرفه الجميع وما يبدو بديهيا الآن اي ان قيادة الاخوان المسملين تحاول اعادة بناء نظام سياسي قمعي تحت شعارات ومبررات لا حصر لها. وهي تفعل ذلك - من سؤ طالعها ربما - في لحظة ضعف فيها وزنها في ميزان القوى السياسي في الشارع اي بعد انسلاخ شرائح واسعة من الناس عن دعمها.
وفي مواجهة ذلك نرى امامنا لحظة تبدو نموذجية للتعرف على اوزان الجميع وعلى ما يمكن ان نرصده من اخطاء لنا كقوي يسارية وثورية تسعى نحو استخلاص اكبر قدر ممكن من المكتسبات لشعبنا ولقضاياه وسط هذه العاصفة التي نراها الآن في شوارع مصر.
والسؤال الاساسي الذي يطل بعناد ونحن نقف في عين العاصفة هو : كيف يمكن لنا حقا ان نفعل ذلك بصورة عملية؟. كيف يمكن لنا ان نستخلص اكبر قدر من المكتسبات في هذه اللحظة بالذات على نحو يضعنا ويضع شعبنا عند نقطة اكثر تقدما على درب تقدمه نحو الثورة؟.
الحديث عن قدراتنا الذاتية والتنظيمية معروف للجميع ولا يختلف حوله يساريان مخلصان. ولكن السعي نحو تطوير قدرات اليسار المصري لا يمكن ان ينحصر في الحديث عن التنسيق بين تنظيماته او عن كيفية انعاش الصراع النظري والسياسي. انه يجب ان يرتكز بصورة اساسية على تطوير شعارات ذلك اليسار ومواقفه اللحظية دون خلطها بمبادئ نظرية ثورية عامة تبدو مجردة لاغلبية من يقاتلون في الشوارع ومعزولة عن الخصائص الملموسة للحظة.
فما نراه الآن هو ان الرئيس محمد مرسي اصدر "فرمانا" يمنحه سلطة مطلقة. وكان ذلك مرفوض من الثوار ولكنه كان ايضا مرفوضا – وان لاسباب اخرى – من انصار النظام السابق الذين يعتزمون في حالة وصولهم الى السلطة اصدار فرمان مشابه يمنحهم ايضا سلطة مطلقة بدعوى الحفاظ على الاستقرار والعودة الى الهدؤ الى آخر المعزوفة المملة.
واللقاء بين قوى الثورة وانصار النظام السابق يحدث الآن في الميادين العامة والشوارع. فريق يجاهد من اجل بلاده وآخر يجاهد من اجل العودة الى السلطة. الا ان التمييز بين القوتين المختلفتين من حيث القوام والاهداف يبدو صعبا. كيف يمكننا اذن كقوى ثورية ان نستنبط من هذا الموقف المعقد الذي تتقاطع فيه القوى والاجندات الدولية والاقليمية موقفا ثوريا صحيحا يفرز قوى الثورة عن قوى الثورة المضادة ويضع كفاح شعبنا على طريق ثورته عند نقطة اكثر تطورا.
ان فرمان مرسي يتأسس على نقاط مختلفة منها اعادة محاكمة قتلة الشباب المصريين واقالة نائب عام نعرف جميعا تبعيته للنظام السابق. وهذا امر جيد على الرغم من اننا نعرف ايضا انه غلاف السكر الذي يخفي سما. والسم هو مصادرة حق اي جهة في الاعتراض على قرارات الرئيس بشأن الجمعية التأسيسية المكلفة بوضع الدستور وهي النقطة التي تلت نقاط اعادة المحاكمات وفصل النائب العام.
وخرجت بعض القوى الثورية ترفض فرمان مرسي على اطلاقه وهو امر جعل من القدرة على فرز الموقف الثوري عن موقف من يسمون بالفلول امرا صعبا. فالثوار يريدون اعادة المحاكمات بعد مهازل البراءة الجماعية ولكنهم يدركون ايضا ان ذلك لم يكن الا غلاف السكر. ولكن رفض الفرمان "على بعضه" جعل من موقفهم مساويا بالضبط لموقف الفلول.
من هنا فان الموقف الثوري يجب ان يركز على ان المرفوض في الاعلان الدستوري لمرسي هو ما يتعلق بمنح الرئيس صلاحيات مطلقة او تحصين قرارات الجمعية التأسيسية التي لا يعترف بها الثوار ولا ينبغي ان يعترفوا بها في كل الاحوال.
سيؤدي ذلك التركيز الى فرز موقفنا عن مواقف الفلول بصورة واضحة. ذلك ان انصار النظام القديم الذين يضعون الآن اكتافهم الى جوار اكتاف شباب الثورة هم انفسهم من سينقضون على هؤلاء الشباب لو تمكنوا. ونحن لن نخدع الف مرة قبل ان نتعلم. فقد فعل الاخوان ذلك من قبل بالضبط.
ولكن ماذا عن فصل النائب العام؟. السؤال يصب في قناة اوسع قليلا تتعلق بان علينا ان نفتح الباب امام مرسي للتراجع عن النقاط ذات الطابع الديكتاتوري الصريح في اعلانه وللابتعاد تدريجيا عن مواقف السلفيين كلما تسنى لنا ذلك. فليس من مصلحة اي ثوري ان يغفل وحدة معسكر خصومه. ان عليه شق هذا المعسكر طالما كان ذلك ممكنا. كما ان ليس من مصلحة اي ثوري نسيان ان علم الثورة لا يمضي في خط متصلب متحجر وان النظم الوحيد لمواقف الثوار ينبغي ان يكون دائما هو ما يمكن ان يطور الامكانيات الثورية الكامنة في اي لحظة.
وفي حالة النائب العام فان طريقة مواجهة السؤال الذي طرحته توا لن تكون بالوقوف مع مرتضي مؤخرة القرد او مع الزند الذي يناصب الثوار خصومة اكثر عمقا مما يناصب الاخوان. ان علينا ان نقترح باختصار مخرجا ثوريا من اللحظة يعتمد على التوصل الى حل مع قضاة مصر دون التخلي عن فصل النائب العام او بالاحرى احالته التي التقاعد فهذا هو الرجل الذي افرج عن قتلة انبل شبابنا.
ولابد ان يأتي هذا الحل عن طريق فتح حوار بين السلطة وبين القضاة وبين السلطة والتيارات المدنية والليبرالية واليسارية حول تشكيل الجمعية التأسيسية. ان الجمعية التأسيسية الحالية يجب ان تحل بأكملها ويعاد تشكيلها بقرار يفرض على الرئيس فرضا بحيث تمثل فيها كل القوى السياسية بقدر متوازن ويتطابق مع معايير محددة تتمثل في التراث الدستوري لمصر منذ عام 1923 والذي لن يسمح المصريون بالتخلي عنه.
بعبارة اخرى علينا الآن ونحن غير مستعدين بعد للاستيلاء على السلطة بصورة عملية ان نعتصر من اللحظة الحالية اقصى ما يمكننا للدفع بمشوار شعبنا خطوة اضافية نحو لحظة خلاصه. وقد يقول قائل كيف يمكن لنا ان نقترح اعادة تشكيل الجمعية التأسيسية التي تضع دستورا نعرف في نهاية المطاف انه سيكون في كل الاحوال اداة للقمع الطبقي او ان نقترح موعدا لانتخابات البرلمان الذي نعرف ايضا انه اداة اخرى للقمع الطبقي؟. والرد على هؤلاء ان المشاركة في معركة اللحظة اي معركة اعادة صياغة الجمعية التأسيسية ووضع الانتخابات البرلمانية على اسس اكثر شفافية واخضاع الرئيس لمبدأ الفصل بين السلطات هي امور تتعلق على وجه التحديد بمنحنا لاحقا القدرة على ان نشرح لشعبنا حقيقة هذه المؤسسات القمعية وان ندفع بمشوار نحو لحظة الانتصار خطوة اضافية الى الامام.