قراءة في ( انتصار ) غزة


خالد عبد القادر احمد
2012 / 11 / 22 - 12:03     

[email protected]

الرحمة للشهداء, العزاء لذويهم, الشفاء للجرحى, والنصر للمقاومة, وهزيمة الانكفاء للعدوان الصهيوني, ففي الحياة لا مجال للتعادل, فاما النصر او الهزيمة, والقرار خيار, قرار اتخذته غزة بالمواجهة والصمود, وقرار اتخذه الثالوث الصهيوني باراك نتنياهو ليبرمان بالاكتفاء والانكفاء, ومنذ ملاحظة بوادر الرد العسكري الوطني الفلسطيني على العدوان الصهيوني, قلنا في اول مقال لنا تعليقا عليه, ( غزة بشارة النصر ) فتهنئة النصر لشعبنا وخزي الهزيمة للعدوان الصهيوني,
لم يداخل شعبنا الفلسطيني يوما الشك بقدرته على الصراع والانتصار, وانما داخله دائما الشك بكفاءة واهلية القيادة, لذلك لم يكن غريبا من شعبنا انه وقف دائما لجانب المبادرة الوطنية واختلف حول المبادرين, ولم يداخله يوما الشك بقدرته على البناء التقني لاحتياجات الصراع, وانما داخل القيادة الشك بقدرات الشعب على العطاء, فغادرت القيادة الثقة بالشعب وانتظمت في صفوف الرسميات الاقليمية والعالمية, دون ادراك ان جوهر مهمة القيادة هو تعبئة القدرات الشعبية و توظيفها في الصراع, وهو ما تستطيعه عادة اي قيادة, غير ان التوجه الايديولوجي السياسي للقيادة هو الذي يحدد ان تكون هذه التعبئة وطنية ام لا,
لقد اثبت الفلسطينيون بقدراتهم العسكرية المحدودة, في معركة الكرامة عام 1968م, وفي الصمود امام الاجتياح الصهيوني على لبنان عام 1982م, وها هم يثبتون في صمود قطاع غزة عام 2012م, انهم هم اللذين يمنحون انظمة المنطقة فرصة اصلاح النتائج المدمرة التي لحقت بانظمتهم في هزيمة حزيران 1967م, فردت ( وترد ) هذه الانظمة الجميل الفلسطيني بطعنات في ظهر مطلب وقوى التحرر الوطني الفلسطيني, وتكشفه للعدو الصهيوني, ولا فارق كيف يتجسد ذلك ماديا في الواقع,
هل انتصرت غزة بالاسناد الرسمي, ام انتصرت الانظمة بصمود غزة وانتصارها, هذا هو السؤال الذي يجب ان يجاب عليه بصورة صحيحة, وحينها.... حينها,,,,فقط, يمكن الادراك عقائديا لضرورة استعادة المصالحة السياسية على درب تاسيس وحدة وطنية فلسطينية سليمة, وحينها فقط يمكن لانتصار غزة ان ياتي اوكله الوطني الصحيح, فهل هذا ما انتهى اليه العدوان الصهيوني على غزة؟
ان العرس الاقليمي ( الرسمي ) الذي زف صمود غزة الى العالم, لم يكن من اجل العيون الفلسطينية, بل من اجل استفراد هذه الانظمة بنتائجه السياسية, ووضعه على مائدتها دون السماح للطرف الفلسطيني الجلوس الى هذه المائدة, وحتى الولايات المتحدة الامريكية بعظمتها وجبروتها جلست الى هذه المائدة وغذت مصالحها على هذا الصمود والانتصار الفلسطيني فعاقبت به ثالوث نتنياهو باراك ليبرمان, وعززت ضد الكيان الصهيوني دور تحالفها العربي التقليدي و ( الربيعي ), فانتصارات حلفائها في ثوراتهم ( الديموقراطية ) لم تكن بالخطوة الكافية لذلك,
ولو اخذنا مصر مثلا, فانها وحتى عشية عصر مبارك, كان النفوذ الصهيوني الاقليمي يحاصرها, ولم تستطع ثورة 25/ يناير تحريرها من اتفاقيات كامب ديفيد, فكانت مضطرة لاعادة تاكيد التزامها بها مرارا وتكرارا, صباحا ومساءا, كنشيد وطني, تحت طائلة التهديد الصهيوني اما بالاجتياح العسكري لسيناء او بتهجير شعبنا من القطاع اليها, وربما كان ذلك من بنك اهداف الاجتياح البري الصهيوني لو حدث, ولا يعيقه حتى الان, سوى ادراك القيادة الصهيونية لفداحة الخسائر التي ستلحق بجيش الاحتلال عسكريا, وما سيتلقى معه الكيان نفسه من خسارة سياسية عالميا, وها هي مصر بموقعها من اتفاقية وقف اطلاق النار في غزة, بدأت بالتحرر من اذلال اتفاقيات كامب ديفيد, فانتقلت من وضع الالتزام بتنفيذ اتفاقيات كامب ديفد, الى وضع الرعاية والاشراف السياسي والاداري لالتزام الطرفين ( حماس والصهيوني ) بتنفيذ اتفاق وقف اطلاق النار,
اننا لا نمانع طبعا ان تستفيد مصر وباقي الانظمة, حتى تركيا وايران, من الصمود الفلسطيني, طالما ان استفادتهم هذه تصب في منحى اضعاف الكيان الصهيوني, ولكن, ما هي الصورة السياسية التي سيصبح عليها الوضع الفلسطيني في الصراع في المنطقة وعالميا تبعا لاتفاق وقف اطلاق النار, والتي اما ان يستفيد منها شعبنا او يتحمل نتائج اخطائها؟
كثير من الاسئلة لا يجيب الاجابة عليها اتفاق وقف اطلاق النار, حيث تختفي في تفاصيله غير المعلنة, في وقت لم يعد كافيا فيه من خطاب المقاومة الفلسطينية ولا من خطاب رسميات المنطقة ولا من خطاب رسميات العالم السياسي, ابقاء شعبنا في زنازين الكليشيهات والبنود العامة من صيغ الاتفاقيات, والتي تجهض حق الحوار الوطني لها, وتحيل الشعوب الى منفذين ومتحملي نتائج فقط, ومن هذه الاسئلة:
1- ما هو المعنى السياسي لخطاب استعادة الوحدة الفلسطينية, تحت مظلة اعلان اتفاق وقف اطلاق النار؟
2- ما هي المضامين السياسية لاجراءات واليات تنفيذ وقف اطلاق النار, وهل ستتحول حالة وقف اطلاق النار الى حالة تهدئة ومن ثم حالة هدنة, وما مداها الزمني؟
3- ما وضع حق المقاومة ووظيفة سلاحها, طالما ان المقاومة والكيان قدما التزامات متبادلة بعدم الاعتداء
4- ما دور منظمة التحرير والسلطة كعنوان سياسي وحيد للشرعية الفلسطينية في الاتفاق سياسيا واجرائيا؟ ولماذا غيبت عن المشاركة ؟وهل يطرح ذلك ثنائية تمثيل و ازدواجية قضايا ليصبح لدينا قضية غزة المنفصلة عن قضية الضفة, علما انه سبق وتم الفصل في القضية الفلسطينية بين ملف احتلال عام 1948م وملف احتلال عام 1967م, ويعمل الكيان الصهيوني على فصل ملف القدس عن كليهما
ان ما نشر من اتفاق وقف اطلاق النار لا يجب بالمطلق على البعض من هذه الاسئلة, ويعطي ملامح للاجابة على الاخرى منها, لكن ما هو اكيد في المعروض منه هو:
1- ان جوهر الاتفاق يقوم على مقايضة حرية المعيشة في قطاع غزة بامن الحياة اليومية للمستوطنات الصهيونية في جنوب فلسطين
2- ان قطاع غزة بات له تمثيل سياسي مستقل مواز لتمثيل منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية للضفة الغربية, وقد جسد ذلك توقيعه المنفرد على اتفاق وقف اطلاق النار بقبول اقليمي عالمي ( والملاحظة الاهم هنا هو الدلالة السياسية لمشاركة وزيرة الخارجية الامريكية لوزير الخارجية المصري في الاعلان عن التوصل لاتفاق وقف اطلاق النار حركة حماس ( الارهابية ) طرفا رئيسيا فيه )
3- تغير شروط المصالحة الفلسطينية, والذي بدأ فعليا منذ فوز الرئيس محمد مرسي بموقع الرئاسة المصري, ونكصت اثره حركة حماس عن اتفاقية الدوحة, وقلنا حينها ان حماس تطرح اعادة تفاوض حول شروط المصالحة, وها هو منحى اعادة التفاوض تتبدى ملامحه في خطاب انتصار ( حركة حماس )
4- ان اتفاق وقف اطلاق النار يحمل عقابا للكيان الصهيوني والسلطة الفلسطينية ومكافأة لمصر
لقد احست الرئاسة الفلسطينية مبكرا بما تتجه اليه سياسيا مجريات الاحداث قبل واثناء العدوان الصهيوني على القطاع, وقد عبرت مرارا وتكرارا عن مخاوفها من اختراق اقليمي لاستقلالية الصراع الداخلي حول التمثيل والعنونة السياسية للشرعية الفلسطينية, وهو ما يفسر اصرار القيادة الفلسطينية على الحصول على تاكيد دولي عالمي بوحدانية العنوان السياسي للشرعية الفلسطينية من خلال توجهها للجمعية العامة للامم المتحدة,
لقد انتهت المعركة مع الجار الصهيوني اذن, وعدنا للمعركة الداخلية التي سيتعارض فيها نتائج العدوان على غزة مع النتائج المتوقعة لتوجه منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية للجمعية العامة للامم المتحدة لرفع المستوى السياسي للتمثيل الفلسطيني فيها الى دولة غير عضو, وما ارجو ان اكون مخطئا في توقعي له هو ان اتفاق وقف اطلاق النار اجهض سياسيا انتصارنا عسكريا