حل الدولتين بين توم الامريكي وجيري الصهيوني:


خالد عبد القادر احمد
2012 / 11 / 21 - 12:52     



بعد اعادة انتخاب اوباما رئيسا لفنرة ثانية للولايات المتحدة الامريكية, وفي محاولة لقراءة التغيرات المحتملة في توجهاته السياسة عالميا, كان هناك توقعات, تقول بتراجع اهمية ملف السلام في الشرق الاوسط في توجهاته السياسية وتصدر قضايا اسيا لهذا الاهتمام, وقد عارضت وجهة النظر هذه, مؤكدا ان السلام في الشرق الاوسط والقضية الفلسطينية من ملفه على وجه الخصوص له موقع المركزية ويعترض اغلب التوجهات السياسية الاخرى, وها هو العدوان الصهيوني على قطاع غزة يدفع قضية السلام الشرق اوسطي وملف القضية الفلسطينية منه على وجه الخصوص لموقع الصدارة العالمية والامريكية متجاوزا في الاولوية الاهتمام بالملفين الايراني والسوري, الى درجة استدعت من وزيرة الخارجية الامريكية ان تتخلف عن مرافقة الرئيس اوباما في جولته الاسيوية وتاتي بصورة مفاجأة لجولة شرق اوسطية تشمل على الترتيب, الكيان الصهيوني, السلطة الفلسطينية, مصر, ونظرا لاهمية هذه الزيارة فقد اجل الكيان الصهيوني اعلان موافقته على وقف اطلاق النار على غزة, والمؤكد انه لن يعلنها الا بعد انتهاء او خلال زيارة الوزيرة لمصر,
الاهتمام الاوروبي لم يكن اقل ايضا فقد سبق جولة وزيرة الخارجية الامريكية زيارات وزراء من بريطانيا وفرنسا والمانيا, وكلهم زا على نفس الترتيب اولا الكيان الصهيوني وثانيا السلطة الفلسطينية, والبعض منهم انهى جولته بزيارة مصر والبعض لم يفعل, ومع ان التوازي بين الزيارت الاوروبية والامريكية يشير الى وجود تباينات بين مصالح الطرفين, وحرصه كل منهم على الاطمئنان ان لا يضر عدم استقرار المنطقة بمصالحه, ان لم ينفتع منها, فان موقع صدارة الولايات المتحدة في التفوق العالمي, والذي يكاد يصل حد توليها مسئولية ادارة الشأن العالمي يفرض علينا ان نقرأ باهتمام وتدقيق مضامين جولة الوزيرة الامريكية وعلاقة وضع المنطقة بالحفاظ على هذه الصدارة والتفوق, في غابة الصراع العالمي الشائكة المتشابكة المصالح والالتزامات الدولية,
ان اقرب صورة ترسم جدلية العلاقات الامريكية _ الصهيونية, هي الصورة المتحركة عن توم وجيري وهما يعيشان في بيت مشترك لكن كل منهما فيه يسعى لاجابة متطلباته الخاصة كالاستقلال بحريته والسطو على ثلاجة البيت فتتعارض مصالحهما ويبدأ حينها بينهما تبادل المقالب, وهذا ما يحدث بالضبط بين الكيان الصهيوني والولايات المتحدة, دونما حاجة للجوئهما للسلاح لتسوية خلافاتهما,
فالكيان الصهيوني قوة اقليمية مرهون لشروط القابلة العالمية التي جاءت به للحياة, وهو شرط التزام _ وظيفي _ يشغل به دور العصا والمخفر المتقدم تلتزم حياله في المقابل القابلة العالمية بضمان وجوده واستمراره وامنه وتفوقه, وهو ما التزمت به حتى الان مراكز القوة العالمية, لكنه يحاول الان التحرر من شروطها والاستقلال عنها, فقد نما وتضخم الى درجة بات معها يحتاج الى التحرر من هذه الشروط, وهو عمل ويعمل جاهدا على تطوير قدراته الذاتية, و يعتمد عليها الان في سياق مساعيه لتحقيق استقلاله عن الهيمنة الغربية, حتى انه بدأ بتشكيل نفسه على صورة ( طرف قوة عالمي, شريك لمراكز القوة العالمية الرئيسية من حقه مقاسمتها العالم, بدءا بفلسطين) وهو ما ترفضه مراكز القوة العالمية وتسعى لتطويعه مرة اخرى لقبول وظيفته المصيرية,
نعم اننا نتفق مع الرؤية القائلة ان هناك توافقا عالميا على التخلص من سلاح وثقافة المقاومة الوطنية في قطاع غزة _ و _ رفضا فلسطينيا لذلك, وان هذا المطلب يضع اساسا لتحالف عالمي كريه معادي لفرصة الشعب الفلسطيني في ممارسة تقرير المصير ولوحة حقوقها ومنها حق اللجوء لكافة اشكال المقاومة الوطنية من اجل التحرر الوطني والاستقلال والسيادة, ولا يستثنى من ذلك مواقف دول المنطقة التي تدعي الان دعم ومناصرة نضال تحرر الشعب الفلسطيني, وهي دول سبق لها وان اشهرت موافقتها على اجهاض هذا الحق حين قبلت قرار وقف اطلاق النار الصادر عن مجلس الامن عام 1967م تحت رقم 242, بل ان بعضها وثقه في اتفاقاته المباشرة مع الكيان الصهيوني كالاردن ومصر وسوريا, وفي هذا المجال يمكن تفسير الارض التي اعتمدتها الادارة الامريكية حين اعطت للكيان الصهيوني الضوء الاخضر بالعدوان على قطاع غزة, فليس الكيان الصهيوني هو المعطل الوحيد لمسار التسوية على اساس حل الدولتين الذي تعتمده الولايات المتحدة, فحالة الانشقاق والانقسام وتعددية الشرعية الفلسطينية هي ايضا معطل لتقدم مفاوضات هذا الحل, الذي لا يمكن التقدم فيه الا بتجاوز هذه الحالة, ولا يتم ذلك الا بتجاوز مقولة المقاومة الوطنية وسلاحها وثقافتها, ولا مانع ان تكون من استخدام الاداة العسكرية الصهيونية في محاولة ضرب سلاح وثقافة المقاومة, خاصة ان حلفاء الولايات المتحدة فشلوا في اقناع حركة حماس بالتخلي عن مقولة المقاومة وسلاحها وتجاوز حالة الانشقاق وتعدد الشرعية الفلسطينية,
اما الوجه الاخر والسقف الاعلى في قرار الولايات المتحدة اعطاء الضوء الاخضر للكيان الصهيوني, فهو توريط الكيان الصهيوني بعملية عسكرية كان من الواضح للولايات المتحدة ان حسمها غير ممكن, نظرا لتنامي قدرات وخبرات المقاومة الوطنية الفلسطينية العسكرية في قطاع غزة, مما شكل في المنظور الامريكي فرصة لعقاب ثالوث نتنياهو باراك ليبرمان, وفرصة لضرب فرص فوزهم مرة ثانية بالانتخابات الصهيونية القادمة, وبذلك تزيح الولايات المتحدة من موقع القرار الصهيوني التحالف السياسي الذي اورثها مشاكل العلاقات مع الكيان خلال فترة الرئاسة الاولى لاوباما, وعرقل مسار تسوية الصراع في المنطقة
ان حصر فاعلية القدرة العسكرية الصهيونية في هامش حده الموافقة الامريكية على القصف الجوي من جهة ورفضها الاجتياح البري لقطاع غزة من جهة اخرى, وابقاء الكيان الصهيوني تحت رحمة رشقات الصواريخ الفلسطينية, هو منجل, ابتلعه ثالوث نتنياهو باراك ليبرمان, وفي اطار هذه الصورة التي تؤكد ان الكيان الصهيوني هو الذي طلب تدخل الولايات المتحدة الامريكية للحصول على وقف اطلاق نار, واتت الولايات المتحدة الامريكية فرصة فرض شروطها واملاءاتها على القرار السياسي الصهيوني, وفي هذا الاطار تاتي زيارة الوزيرة كلينتون للكيان الصهيوني اولا لفرض املاءاتها عليه, ومن ثم زيارة السلطة لتوضيح الصورة للقيادة الفلسطينية ولاعادتها الى طاولة المفاوضات, ومن ثم الذهاب الى مصر وربما المشاركة من القاهرة في اعلان وقف اطلاق النار, في محاولة امريكية لتاكيد اسنادها ودعمها لنظام الحكم هناك, وفي دفع منها له لتصدر دور رئيسي في المنطقة,
ان هذه الصورة الى جانب الطبيعة الاجرامية الصهيونية التقليدية هي التي فاقمت في مستوى لجوء جيش الاحتلال الى جريمة قصف المدنيين الفلسطينيين, حيث افتقد الكيان الصهيوني القدرة على التعامل مع تجهيزات التخفي والتمويه العسكرية الفلسطينية, وفي محاولة منه على محاولة المقاومة تفادي المعاناة المدنية مدخلا للحصول منها على تنازلات رئيسية من المقاومة الوطنية الفلسطينية, وهو ما لم يفلح فيه وفقدت بذلك فرصة الاستقلال بالقرار الصهيوني ضرورة عن التدخل الامريكي,
في هذا السياق ايضا يمكن تفسير هبة نشامى انظمة الربيع العربي يتقدمهم مصر, والذي يخدم التوجه الامريكي المزدوج الهدف, نزع سلاح المقاومة واجهاض ثقافتها الوطنية, ومعاقبة الكيان الصهيوني, واعادة حركة المنطقة الى مسار التفاوض المباشر على اساس مقولة حل الدولتين وهو ما لم يخفيه تصريح اوباما في تايلاند حين اشار الى ان الولايات المتحدة تعمل على وقف اطلاق الصواريخ من غزة من اجل تيسير الجهود المبذولة لحل الدولتين
ان جوهر منهاجية الولايات المتحدة ومراكز الاستعمار العالمي بصورة عامة, في التعامل مع الصراعات هو توظيف الاطراف المتصارعة ضد بعضها البعض والتدخل بعد ذلك لفرض املاءاتها الخاصة على كلا الطرفين, كل بحسب احتياجات مصالح الولايات المتحدة منه وبحسب شروطه الخاصة ايضا, وليس هذا اختراعا تسجل برائته للولايات المتحدة الامريكية, فهو احد اهداف خلق القضية الفلسطينية الذي شقت مساره بريطانيا العظمى باصدار وعد بلفور, وهو يتكرر ايضا بخصوص القضية الكردية وغيرها,