الخيار ( الوطني ) الوحيد امام حماس, الحاق هزيمة عسكرية كبرى بجيش الاحتلال :


خالد عبد القادر احمد
2012 / 11 / 18 - 09:52     



في الصورة السياسية التي رسمها ( حتى الان ) العدوان الصهيوني على قطاع غزة للحراك الاقليمي والعالمي, تبرز ملامح, تثير الشك وتدعو للتساؤل, حول حقيقة المواقف الرسمية من ( حجم القوة العسكرية المتميز الذي تمتلكه المقاومة الفلسطينية, والذي فاجأ العدو الصهيوني, وما يطرحه ذلك من انعكاسات على صورة التوازنات السياسية الاقليمية التقليدية ),
بهذا الصدد, ليس ملفتا, المواقف الاوروبية والامريكية, المعادية لامتلاك الطرف الفلسطيني قوة عسكرية تخدم ( بصورة وطنية مشرفة ) استعادته لحقوقه في الاستقلال والسيادة وحق تقرير المصير, فقد كان تجريد الطرف الفلسطيني من السلاح شرطا من شروط امكانية تنفيذ وعد بلفور, واستبدال الطرف الفلسطيني بالكيان الصهيوني واطراف التقسيم الاخرى, الاردن مصر سوريا, ففلسطين اصبحت بموجب وعد بلفور بؤرة جسدت عليها مراكز الاستعمار العالمي, معادلات موازين قوى في منطقة شرق المتوسط, الى جانب بؤر اخرى جسدت عليها موازين قوى المنطقة ما بين تركيا والخليج, وهي بؤرة كردستان, وايضا بؤرة بلوشستان التي عالجت توازن قوى منطقة اسيا الوسطى( باكستان وافغانستان ...الخ)
وقد اشرنا في مقالات متعددة سابقة الى صورة توازن القوى الذي حرصت مراكز الاستعمار على ترسيخها سياسيا في واقع هذه النطاقات, والذي يبقي على الخلل الرئيسي في توازناتها فاعلا لصالح مراكز الاستعمار العالمي الرئيسية, في حين يعمل الخلل المحلي الثانوي لصالح طرف ضد باقي اطراف المجموعة الاقليمية, وهو طرف الكيان الصهيوني بالنسبة للمعادلة المبنية على البؤرة الفلسطينية, ولذلك لا يجب لقوميات هذه البؤر ( الفلسطينية والكردية والبلوشية ) ان تمتلك قوة عسكرية تمنحها وضع الاستقلال والسيادة الوطني, وهذا هو الجوهر الاستراتيجي لنهج تعامل مراكز القوة الرئيسية العالمية,
ان عداء اوروبا وامريكا, ومن لف لفهم عالميا, لحركة المقاومة الفلسطينية ( المسلحة ) في قطاع غزة, يعود الى اصرارها على بقاء المنطقة في صورة توازن القوى الذي رسمته سابقا, لا فرق في الاساس من ذلك بين الموقف الروسي والاوروبي والامريكي والصيني, لذلك لم يكن غريبا ان رواحت المواقف التي اتخذوها جميعا من العدوان الصهيوني على قطاع غزة بين الدعوة بشكل عام لنبذ العنف وتحميل حركة حماس المسئولية عن تفجير استقرار المنطقة, وفي هذا السياق والاتجاه كانت دعوتهم لمصر ان تستعمل نفوذها مع حركة حماس للوصول لوقف لاطلاق النار,
ان ما سبق هو الرسالة الدقيقة لملاحظة وزير خارجية قطر في اجتماعات الجامعة العربية ودعوته وزراء الخارجية العرب (( الى اعتماد الصراحة مع الشعب الفلسطيني ( في قطاع غزة, ودعوتهم الى عدم اطلاق الوعود التي لا يمكن تحقيقها)) والحقيقة اننا يجب ان نشكره على صراحته هذه, ليس كدعوة منا للاحباط, وانما دعوة منا للقيادات الفلسطينية للتحرر من اوهامها الاقليمية, فهو هنا كان امينا في دعوة حركة حماس لعدم الاغراق في العاطفة الوطنية التي تخنقها ( بيئة الاستسلام الاقليمية ) وهي دعوة لها لانقاذ نفسها من الاجتياح العسكري البري الصهيوني,
ان هذا الموقف القطري, يعبر بدقة عن الموقف الامريكي الاوروبي الذي يحاول انجاز تسوية للصراع الفلسطيني الصهيوني على اساس مقولة حل ( الدولتين ) والذي لا يعني الاستقلال والسيادة الوطنية للدولة الفلسطينية بل يعني ( موقعا في الشرعية الدولية ) يتيح للمراكز الاوروبية الامريكية البناء عليه تاليا لمحاصرة منحى التوسع الصهيوني ولجم عدوانيته, وحتى في هذا النطاق الضيق ترفض الصهيونية الاستجابة للمحاولة العالمية وتصر على ابتلاع كل فلسطين, وهي تقترح في المقابل منح الطرف الفلسطيني حكما ذاتيا ادارايا ثقافيا, ( ليس للشرعية الدولية تقاطع معه) بل تصر على ان يكون التقرير حول مصيره قرارا داخليا اسرائيليا فقط,
ان وضوح هذه الصورة ينقلنا فورا للتساؤل عن معنى هذا الحراك الاقليمي الواسع والذي ظاهره تاييد منهج وقوى المقاومة الوطنية الفلسطينية, طالما الحراك الاقليمي يتم في اطار وتحت التهديد ( العالمي ) باعطاء الضوء الاخضر للكيان الصهيوني والسماح له بالاجتياح البري الصهيوني لقطاع غزة, والذي يعني ضمنا تقبل الاطراف الامريكية الاوروبية لاحتمال المجازر التي سيرتكبها جيش الاحتلال في مقابل التخلص من القوة العسكرية للمقاومة,
سياسيا فان الحالة الراهنة لغزة هي بالنسبة للاطراف الاقليمية الاخرى لا تعني ازمة فقط, بل تعني ايضا فرصة, لكل طرف فيها مطلب يسعى لتحقيقه منها وفيها, فلا مانع لدى هذه الاطراف من تحويل المعاناة الفلسطينية قبل درء مخاطرها من خلال ( وقف اطلاق نار على اساس هدنة عسكرية وحالة تعايش سياسي طويلة الامد ) من ان تتغذى مصالح الاطراف الاقليمية على فوائدها, خاصة في ضوء صورة مراوحة معالجتهم للازمة السورية, وانكشاف حركتهم نحوها كظل لحركة مراكز القوة العالمية تجاهها, وفشل دول الربيع العربي من هذه الاطراف في تخطي المراحل الانتقالية للسلطة في اوضاعهم الداخلية, مما انهك صورتهم الداخلية, ولذلك كان التغني بدعم واسناد المقاومة الفلسطينية في غزة, مما سيعيد لصورتهم بعض التالق,
ان المعروض في هذا العدوان على حركة حماس ومن خلاله, خيار بين مسارين استراتيجيين, فاما الغرق في مقولة المقاومة المسلحة ومواجهة حدة العنف الصهيونية, او قبول التحول الى طرف سياسي يخدم الة الحراك السياسي الامريكية الاوروبية, والمنظور العالمي لاجندة تسوية الصراع الفلسطيني الصهيوني, او بمعنى اخر, تحسين صورة اصطفافها السياسي في الصورة الاقليمية وصورة تفاهمات حركة الاخوان المسلمين مع الولايات المتحدة الامريكية واوروبا, فالمقاومة المسلحة لا تلائم هذه الصورة,
ان هذا الخيار الراهن المطروح على حركة حماس يناسب ايضا الكيان الصهيوني, لانه يدرك ان امتلاك القوة العسكرية يعني رفع سقف المطلب السياسي, وهو ما لا يريده الكيان الصهيوني لتعارضه مع اهمية العامل الامني فيه والذي يعني عامل التفوق الرئيسي على باقي اطراف المنطقة, والتخلص من التهديد الامني في المنظور الصهيوني له اولوية المباشرة على ثانوية الصراع طويل الامد حول تنوع مقولات تسوية الصراع, لذلك لم يكن غريبا ان اشار الاعلام الصهيوني في مغازلة مباشرة لحركة حماس الى ان رئيس الوزراء الصهيوني نتنياهو على استعداد للاعتراف بدولة مؤقتة فلسطينية, وهو الطرح الذي يلتف عليه حراك حركة حماس السياسي,
ان ما سبق يوضح استكانة السلطة الفلسطينية لمجريات الامور في المنطقة, علما ان تهميش دورها السياسي كان من ابرز ملامح صورة الحراك الاقليمي والعالمي الراهن بصدد الوضع في غزة, والذي يعني في وجهه الاخر وجود موافقة ضمنية ( مجبرة عليها ) السلطة الفلسطينية فوضع الانقسام اخرج من يدها القدرة على اتخاذ القرارات حول غزة,
هنا ربما يتسائل البعض عن مستوى الاتفاق والخلاف بين الكيان الصهيوني وامريكا واوروبا, حول الوضع في غزة, واظن هنا ان تناول الكيان الصهيوني للموضوع من زاوية خطر وجود السلاح في غزة ومسالة اطلاق الصواريخ منها وتهديد امنه الاجتماعي في جنوب فلسطين, ونجاحه في خلق التفاف ديبلوماسي حول هذه المسالة قيد الى حد كبير يد اوروبا وامريكا, الذي تضعفه اصلا رغباتهما السياسية, فجعل القرار بيد الكيان الصهيوني ولم يبق لاوروبا وامريكا سوى محاولة ( تقنين ) الاضرار التي يمكن ان تنتج عن العمل العسكري, عن طريق محاولة حصراضرارها في اطار نطاق قطاع غزة فقط, فنحن لا يجب ان ننسى ان الضفة والسلطة ايضا يقعان تحت طائلة التهديدات الصهيونية, لذلك اشار السيد محمود عباس الى استهداف الكيان الصهيوني لكامل المشروع الوطني الفلسطيني,
ان الاوراق التي بيد الكيان الصهيوني متنوعة ومتعددة وخياراته اسهل والمدى الزمني امامه مفتوح للمراوغة, غير ان مدى مناورة المقاومة الوطنية الفلسطينية المسلحة مقيد الى نتيجة الاجتياح البري الصهيوني والرهان الوحيد الممكن امام حركة حماس للافلات من الخيارات التي حددها الكيان الصهيوني هو قبول التحدي العسكري والحاق هزيمة عسكرية كبرى بالكيان, تشكل مدخلا لحالة تحرير فعلية, فهل يمكن ذلك؟