مسألة الأقليَّات في الوطَن العربِيّ


السموأل راجي
2012 / 11 / 17 - 01:22     



• تمهِيد :

كُلَّـمَا أثـبَـتَت الطّبقة العامِلة والشّعُوب قُدرةً على الـمُقاومَة والتّصعِيد وتمكّـنَت من إكتِساح مجالات جدِيدة عبر تقدِيم التّضحِيات ونِضالات مـلْـحَمِيَّة إلاّ وسارعَت البُورجوازِيَّة إلى لَـمْـلَمَة أشلائِـهَا وبحثَت عن طُرُقٍ للإلتِفاف والصدّ وخلق بُؤر هامِشِيَّة للتّموِيه والإلهاء وتشوِيه الصّراع الطّبقِيّ بإثارة نعراتٍ دفِينَة منسِيَّة أو غير موجُودة من الأساس مُستعمِلةً كافّة أدوات دِعايتـها الإيديُولُوجِيَّة من إعلام ومُؤسّسات تربوِيَّة وحلقات وصْلٍ بُورجوازِيَّة صغِيرة تحترِف الـمنحَى البغبغائِيّ بغباء أو بِصفةٍ قصدِيَّة بِـمَا يُؤدِّي في الأخِير إلى إهمال المشاغِل الرّئِيسِيَّة وجوهر الثّورات وعناوِين التحرُّكات وشعارات الإحتِجاجات وتَـتَـقزّم مُكتسبات الطّبقَة العامِلَة والشّعب الـمُـحْـرَزَة خِلال سيرُورة كِفاحِيَّة ، قُدرة البورجوازِيَّة النازعة للمافياوِيَّة بشكلٍ أكثَر فجاجةً مُنذ أواخِر السّبعِينات في العالـم على تجدِيد بُـناهَا الدّعَوِيَّة والتّحرِيضِيَّة الـمُضادّة للحضارة والبَشَر والحَجَر والهادِفة لإستدامة لعدوان ومصّ دِماء الكادِحِـين تتجلَّى في تِلك الـمحاوِر الـمفرُوضَة فرضًا على جدول أعمال صِراعٍ طبقِيٍّ مُتأجِّـج لِـتخفُت حِدّته وتتشتّت قُوى الصّراع الثّورِيَّة وتُهدَر الطّاقات في الردّ والنِّقاش وتُفتَح أبواب قد لا تُغلَق وتَسِيل حتّى الدِّماء في سبِيل تِلك الغايَة ؛ وتتعدّد الـمحاوِر الـمُعتمَدَة من قِبل الرّأسـمَال الكبِير العمِيل (الكمبرادُور) في تُونِس بالأخصّ وبدرجة أقلّ في مصر مُنذ ما بعد 14 يناير/كانون الثّاني 2011 لتحوِيل وِجهَة الصِّراع والـحُلُول دُون إستِكمَال الثّورة لِأهدافِها لحدّ أنّ بعض مُكوّنات البُورجوازِيَّة الصُّغرَى التقدُّمِيَّة بالأساس أصبحَت بدورِها أبواق دِعايَة مُضادَّة بالوكالَة دُون التفطُّن أو بِصِفة قصدِيَّة !! عبر تردِيد ماهِيَّة الثّورَة والتّنصِيص على أنّهَا إنتِفاضَة دُون إقامة البُرهان ، والحال أنّ مفهُوم الثّورة واضِح :"مسار كامل تتحالفُ فيه طبقات وشرائِح تهدِف لتحقِيق حالة نُقلَة نوعِيَّة مُجـتمعِيَّة وتضعُ السُّلطَة في النُّقطة الأولى لجدول أعمالِهَا تُصِيب وتنجح في ذلك أم تُخطِئ". بُورجوازِيّتنا الكُبرَى العمِيلة تتّخِذ في من مفاهِيم العِلمانِيَّة مُقابِل أسلَمَة الدّولَة والـمُجتمَع أحد أولوِيّاتها ؛ وتُردِّد خِلال عُوائِهَا مطالِب حمايَة الأقليّات في الوطن العربيّ من يهُود وأجانِب وأمازِيغ وزُنُوج وغيرها وتذهَب أبعد من ذلِك في دفع أبواقِها للتصدِّي لِـمهامّ تكرِيس حُقُوق الـمِثلِيِّـيـن وأشباهـهم ، وقد تتحوّل تِلك الـمساعِي إلى عنصُر من عناصِر الإجهاض النِّهائِيّ على الثّورات التي قامت بِها الشّعُوب في توقِيتٍ بشَّر فِيه أنبِياء الليبرالِيَّة بِشِقَّـيْها القدِيمَة والجدِيدَة بإنتِهاء عصْر الثّورات والـهيمنَة الكونِيَّة للأولِيغارشِيَا ، وفي هذا الـنصّ سعيٌ إلى تحلِيل مسألة الأقليّات ووضعِها في منزلتِها السّلِيمَة للردّ من ناحِيَة على أباطِيل مافِيا مُعاداة الثّورَة وإجهاضًا لكُلّ مُحاولات إثارة النّعَرَات التي لا صالِحَ لاعُمّال أو الشّعب فِيهَا.

• تقدِيـم :

وُلِدت الأقطار الحدِيثَة في منطَقَة الوطن العربِيّ في مرحلة تصفِيَة الإستِعمار الـمُباشِر وترسِيخ كياناتٍ مُجَزَّأَة مُجتزَأَة تتنازعُها نعراتٍ قومِيَّة وعرقِيَّة ودِينِيَّة/مذهبِيّة ، ولئِن نآى شمال إفرِيقِيَا بنفسِهِ عن تِلك الرّغبات الإمبريالِيَّة في شقّ صفُوف الوِحدة الوطنِيَّة والقومِيَّة عبر تموقُـعِهِ خارِج دائِرة الـتّناحُر الدِّينِيّ الطّائِفِيّ فإنّهُ وُجِد بين نوازِع أُخرَى تُراوِح بين وُجُود أقليّات أحيانًا يتضخّمُ عددها مِثل الأمازِيغ والطّوارِق والزُّنُوج وحتّى طوائِف مِثل اليهُود ، وغداة إندِحار قُوّات الإجرام الفرنسِيّ الإمبريالِيَّة في الجزائِر وخُرُوجِـهَا مطرُودَة وإحلال رايَة التحرُّر الوطنِيّ بدِيلاً لهَا برزَت للسّطح إشكالِيّات التّنمِيَة وتضارُب رُؤى تكرِيس الإستِقلال التامّ (إقتصادِيًّا وإجتماعِيًّا...) وأصبحَ تغيِـير الأوضَاع وتثوِير الحالة الإجتماعِيَّة ضرُورَة فغابَت النّعرَات الإثنِيَّة لإنشِغال القُوى الإجتماعِيَّة الرّئِيسِيَّة في معركة التّنمِيَة من ناحِيَة وفي الـمعارِك ذات البُعد القومِيّ والأُمَمِيّ في ظرفِيَّة الحرب البارِدَة ومِيلاد حركة دُوَل عدم الإنحِياز ؛ ومُنذ السّبعِينات ، وبإرتِباط مع إنكِشاف فشَل كافّة الخِيارات التّنموِيَّة الـمُزاوِجَة بين رأسمالِيَّة دولة لم تتحَرَّر وتَبَقرطَت أجهِزتها وبين ليبرالِيَّة مُمْلاة من دوائِر الإحتِكار الدّولِيّ ومراكِز الـمترُوبُول ، دخلَت البُورجوازِيَّة الصّغِيرة التي إفتكّت قِيادة حركة التحرُّر الوطنِيّ وإستولَت على الإنجازات الشّعبِيَّة وهيمنَت على مقالِيد السُّلطَة بعد تحقِيق تحوُّلات خُرُوج الإستعمار الـمُباشِر وإرتقَت طبقِيًّا إلى بُورجوازِيَّة كُبرَى تُسَخِّر مُدّخرات الشّعب لِخِدمَة مصالِـحها ومصالِح من وَكَّـلَهَا ،دخلَت في دوّامَة إثارة نعرات وإحيَاء نوازِع التّناحُر والقَضَاء على الوِحدة الوطنِيَّة الـهَشَّة القائِمَة في مناخ غِياب الدِّيـمُقراطِيَّة لتحوِيل الأنظَار عن حالة التردِّي الإقتِصادِيّ والتّدهوُر السّياسِيّ وإبقَاء شكل السُّلطَة الـفاشِـسْتِيّ فكرّس الحبِيب بُورقِيبة الجهوِيّات والعرُوشِيَّة وتلاعَب بِـورقة ثُنائِيَّة السّواحلِيَّة/عُربان ، وقام العقِيد اللِّيبِيّ برفع محوَر زُنُوج/عرب من ناحِيَة وعرب/طوارِق من ناحِيَة أُخرَى لِـيَصِل إلى وضع توازِن(أمازِيغ)/عرب ، أمّا في الجزائِر ، وبعد مُحاولَة أطلق صيحَتها أحمِد بن بِيلاَّ عنوانها "الـمراركة حقرُونا" لتصدِير كافّة التّناقُضات للخارِج دشّن الشّاذلِي بن جدِيد عهد تناحُر قبايلِيَّة/عرب وثُنائِيَّة طوارِق/عرب الصّحراء ليصِل إلى حالة قاتِـمَة من حربٍ أهلِيَّة زرع بذرتها الهوّارِي بُومدين عبر إحياء صراع الجَزْأرة/قومِيَّة عربِيَّة لينتهِي الأمر بثُنائِيّة جيش/إسلام سياسِيّ.
في أقطار الرّبِيع العربِيّ التي لن تغفِر لها عِصابات أوروبا والبيت الأبيَض دكّ مقُولاتها في نِهاية التّارِيخ ، برز للسّطح سيناريُو صراع الحضارات بشكلٍ جَمْعِيّ واسِع النِّطاق وأحيانًا في مساحاتٍ ضيِّقَة ، والإحتِقان الإجتماعِيّ تُرجِـم في أكثَر من مُناسبَة في تُونس ما بعد 14 يناير مثلاً إلى عرك عرُوشِيَّة لتتعالَى النِّداءات فيما بعد بِحماية اليهُود والأقليّة الأمازِيغِيَّة وحقّها في إنتِمائِها الحضارِيّ الـمُستقِلّ بعناوِين من قبِيل حماية التُّراث ومُقاومَة الـمشرُوع النّهضاوِيّ . وتُطرحُ من حِينٍ لآخر حُلُول بعضها وجد طريقًا للـترسُّخ على أرض الواقِع مثل النِّظام الفِيدرالِيّ .

• مفهُوم الأقليّات

تُعرَّف الأقلِيَّة بإرتِباط مع حجمها العددِيّ من ناحِيَة ومدى توزّثعِـها الجغرافِيّ في كامِل الـمجال التُّرابِيّ لأيّ قُـطْر من الأقطَار ، وتُكفَل لَـها وِفق الأعراف و"لقوانِين"الدُّولِيَّة حُقُوقًا إضافِيَّة ذات بُعد ثقافِيّ وحضارِيّ تندرِج كُلّـها في باب الـمُواطنَة ويعتبِرُها البعض من قبِيل الـتّميِيز الإيجابِيّ والإنحِياز للحُقُوق وضمان الحُريّات . إلاّ أنّ الواقِع يُفَنِّد كُلّ هذا البهرَج الإنشائِيّ واللّغو الفضفاض ، وغنِيٌّ عن القول أنّ التّفكِير العِلمِيّ يتحوّل مجال عمله بالضّرُورة متَى وُضِع أمام طُرُوحات بُورجوازِيَّة إلى الفِعل الثّورِيّ بإقامة الفارِق الطّبقِيّ الحاسِـم والكَشْف عن الـمواقع الطبقِيَّة التي تنطلِق منها تِلك الدّعاوَى .
نشأت مُنظّمَة الأُمَم الـمُتّحِدَة كإنعِكاس لـموازِين القُوى النّاتِجَة عن ترتِيبات ميدانِيَّـة لـمرحلة ما بعد الحرب العالـمِيَّة الثّانِيَة ، وكان تركِيز مقرّها في نيُويورك تكرِيسًا لرغبة الإمبريالِيَّة فِي إعادة بسطِ نُفُوذها عبر كافّة السُّبُل فَـنَفَّذت مشرُوعـها كُلّـمَا توفّرت الفُرصَة وبسطَت مفاهِيـمهَا وِفق منظُورِها الإستعمارِيّ بقصد خلق بُؤر توتُّر إمّا هي فِعلِيًّا قائِمَة أو قد تتحوّل إلى بُؤر توتُّر مُستقبلِيَّة في خِضمّ الصّراع العالـمِيّ وحالة الإستِقطاب الثُّنائِيَّة الحادَّة بين مُعسكر الحلف الأطلسِيّ وخنادِق حلف وارسُو ، فأصبَحَت الأقليّات تتحدّد من خِلال مُعطيات لاماديّة أو تارِيخِيَّة آخِذة في الإندِحار والإنقِراض تحت وطأة تنامِي الإحتياجات الـماديّة الـمُتلـخِّصَة في مفهُوم التّنمِيَة أو التحرُّر الوطنِيّ والإنعِتاق الإجتماعِيّ والتي بدورِها قادِرَة على الـتلخُّص في مظاهِر الوِحدَة الوطنِيَّة ، وهذِه الحُقُوق الثّقافِيَّة بالأساس والحضارِيَّة تندرِج في خانَة أوسَع تُختزل في الـمُواطنَة بالـمفهُوم الثّورِيّ وليس مفهُوم عصر الأنوار الأوروبِيّ حيث توسّع مجال محتوياتُه ليشمَل الحُقُوق الإقتِصادِيَّة والإجتماعِيّة أي الكرامَة في بُعدِها الدِّيـمُقراطِيّ الثّورِيّ والوطنِيّ من زاوِيَة القطع مع التبعِيَّة ومن هُنا تُكفَل كُلّ الحُقُوق بِـما فِي ذلك الثّقافِيَّة وتنتهِي حالة التّفاوُت الـمُتَـمَظْهِرَة في الجهوِيَّة الـمناطِقِيَّة أو التّميِيز في العِرق واللُّغَة والدِّين والـمذهَب ليكُون التّفاوُت كَـما هُو فِعلِيًّا : تفاوُت طبقِيّ .

• الوضع العامّ لأقطار الوطن العربِيّ من زاوِيَة تأزُّم مسألة الأقليّات :

- حالة الـمغرِب العربِيّ :
في الـمغرِب وبِنسبَة الثُّـلُث يبلُغ حجم الأمازِيغ يتوزّعُون بين شمال القُطر فِيمَا يُعرَف محليًّا بإسم الرِّيف الـمغربِيّ (الـمنطقة الشّمَالِيّة وخاصّة التي خضعَت لِسيطرة إسبانِيا) ، أمَّا في الجزائِر ، فـمُباشرةً بعد التخلِّي الـفورِيّ والشّرِس عن التدخُّل الـفجّ والبيرُوقراطِيّ الإستِبدادِيّ عبر إنتِهاج رأسـمالِيّة الدّولَة الـمُعَسْكَرَة ، وبالتّزامُن مع تسرِيع لبرلَـة الإقتِصاد تحت ضُغُوط الدّائِنِين برزَت بوادِر إحتِقانٍ جِـدِّي قادِر على القضَاء على السُّلطَة فأُثِيرت مسألة القبايِل وحقّ الأمزِيغ في إستِعـمَال لُغتـهِـم والتّنصِيص عليـهَا دستُورِيًّا ؛ أمازِيغ الجزائِر يبلُغ عددهُـم 7 ملايِـين وهُو تقرِيبًا نفس حجمـهم في الـمغرِب الأقصَى حيثُ تُضاف لـهُم قبائِل أُخرى ذات أُصُول أمازِيغِيَّة ليُصبِح الرّقـم حوالي 15 مليُون ، وتنضافُ لـهُم قبائِل الطّوارِق في أقاصِي الجنُوب وعددهُم حوالَي نِصف الـمليُون ، وعدد أمازِيغ تُونس لا يتجاوَز 100 ألف في أقصَى الحالات رغم التّصرِيح بأقلّ من ذلك الرّقم أكثَر من مرّة ، ويتعاظَـم أمر ليبيا التي يُشكِّل تُرابهَا موزايِـيك حقِيقِيّ بين زنُوج وأمازِيغ وطوارِق ، حيثُ يبلغ أعداد الأمازِيغ حوالَـي 200 ألف والطّوارِق في نفس الحجم ويمتدّ وُجُود الأمازِيغ للحدُود الـمصرِيّة (سيوة) ولجنُوب الـمغرب الأقصَى.
أمّا الأقليّات الأُخـرى فهِي ذات طابَع دِينِيّ مذهبِيّ بين بقايا خوارِج وشيعَة ومسـيحِيِّين ويهُود ،إذ تُشِير بعض التّقارِير بعد تنامِي الـمدّ التّبشِيرِيّ في الجزائِر مثلاً إلى أنّ أعداد الـمسِيحِيِّين وصلُوا بعد عمليّات تعمِيدٍ واسعة النِّطاق إلى 100 ألف أغلبُهم في منطقة القبايِل (أمازِيغ !) وذات النّشاط أسـفَر عن تنصِير آلاف الشّباب خاصّةً من العاطِلِين عن العمَل في تُونس والـمغرِب الأقصَى ومن بين الـطُّلقَاء (قُدامَى العبِيد في مُوريتانِيا)؛ أمّا عن اليهُود الذِين تحوّلُوا مُنذ عمليّة تفجِير الـمعبد اليهُودِيّ في الغرِيبَة إلى ورقة ضغط و أُلعُوبَة شدّ الـحِبَال في أيادِي الإمبريالِيَّة الأمريكِيّة بالخُصُوص وذِراعها الضّارِب في الـمنطقَة أي الكيان الصّهيُونِيّ ، فأعدادهُم تتراوحُ بين 80 و 100 ألف في كامِل شـمال إفريقِيا وبالتّحدِيد منطقة الـمغرب العربِيّ ومنهُم من تولَّى وزارات في عهد الحبِيب بُورقِيبَة والـملك الحسَن الثّانِي الذي عُرِف بِـمُستشارِه اليهُودِيّ ولوَّح في عدٍيد الـمرّات بورقَة اليهُود في سبِيل الكفّ عن شَنِّ حملات مُطالبَة بإرساء الحُريّات في الـمغرِب ونجَح في ذلِك خاصّة إبّان الحملة الدُّولِيَّة في سبِيل الكشف عن مصِير سُجناء تازمامرت.
وعن الزّثُوج ، فرغم أُصُولِـهم الـمعرُوفة والنّاتِجَة عن عمليّات تسوِيق العبِيد مثلاً في تُونِس ، فهذا لا يمنع وُجُودهـم مُنذ الأزل خاصّة في الجنُوب اللِّيبِيّ بأُصُولٍ إفريقِيّة في الـمنطقة الـمُمتدّة بين القُطرُن والكُفرَة بِـما أدّى إلى مُطالبتهم بالإنفِصال أيّام الـملك إدرِيس السّنُوسِيّ مثلاً وتشكِيل كونفرنس إفرِيقِيّ بعد سُقُوط العقِيد القذّافِي ، وتُطرَح مسألتهم في تُونِس والجزائِر (نسبِيًّا قليلة) وفي المغرب من زاوِيَة تميِـيز عُنصُرِيّ غير مُـمَنْهَج لكنّها بشكلٍ أشدَّ ضراوَة في مُورِيتانِيَا حيث يترافَقُ وُجُود الزُّنُوج مع ظاهِرَة الرِقّ وإستِمرارِها في البوادِي لِـتظهَر جمعِيّات ومُنظّمَات أهلِيَّة تُعنَى بِـعتق العبِيد ومُناهضَة الرِقّ وإعادة إدماج الـمعتُوقِين إجتماعِيًّا ومِهنِيًّا ، وهُنا لا محِيد عن التّنصِيص أنّ الظّاهِرَة إرتبطت تارِيخِيًّا بِـالـموقع الإستراتِيجِيّ لِـمُوريتانِيَا كبوّابَة عُبُور للتّجارة الصّحراوِيَّة وبِـإستمرار البِـنْـيَة القبلِيّة مع ضُعف الـتمدُّن من ناحِيَة وتنامِي البداوة ونمط الرّعي القائِـم على التِّرحال وغِياب سُلطَة الدّولَة عن حوالَي 3/1 الـمساحة الجُملِيّة للبِلاد مع هـيـمنَة بُنَى ذِهنِيَّة ما قبل رأسمالِيّة في تِلك الـمناطِق كالحركات الصُّوفِيَّة الـمُختلطة مع دِيانات إفرِيقِيَّة ومُمارسات تجعل من الإستِرقاق مُؤشِّر إرتِقاء طبقِيّ وسِيادة قبلِيَّة ، وفي العُمُوم ورقة العبِيد تُلعَب من قِبَل القُوى الإمبريالِيَّة بِـمهارة وتضغطُ بِها النُّظُـم الـمُتعاقِبَة عبر تتالِي إنقِلابات عسكرِيّة تُطالِب بالإعتِراف الدُّوَلِيّ بعد السّيطَرة على السُّلطَة عبر تغيِــير الولاءات ، فمثلاً والَى مُعاوية ولد سيدي أحمد الطّايِع الولايات الـمُتّحِدة الأمريكيّة لـمّا طالبتهُ حُكُومة الإليزيه بالكشف والحدّ من العُبُودِيّة ويقُوم النِّظام الحالِيّ بتوجِيه ولاءاته لفرنسا في سبِيل بقائِـه بعد الضُّغُوط الأمرِيكِيّة عليه إرتِكازًا على نفس الـمُعطَى .

= شكّلَت مسألة الأقليّات ورقات تلاعُب وضغط مُتبادل أكثَر مِـنها مُعطَى جِدِّي في الواقع يُحَلّ عبر آلِيّات دِيـمُقراطِيّة ثورِيّة تجعل من كافّة الـمُكوّنات الحضارِيَّــة للـمُجتمعات الـمغاربِيَّة مُنصَهِرَة في إطار وِحدَة وطنِيَّة تُكفَل فِيهَا ومن خِلالِهَا كُلّ الحُقُوق الإقتِصادِيّة والإجتماعِيّة وبالتّالِي السِّياسِيَّة والثّقافِيَّة عبر سِيادة شعبِيَّة حقِيقِيَّة تجعَل من الـمُواطنَة الـمِعيَار الأوحَد للإنـتِماء ، وغنِيٌّ عن القول أنّ كافّة مظاهِر التّفرِقَة الحضارِيّة والـمذهبِيَّة نشأت بعد إنهِيارات مشارِيع إقامة دولة ما بعد خُرُوج قُوى الإستِعمار الـمُباشِر بأيادِي محليّة عبر حُكُومات قمعِيَّة ترفعُ أخطَار النّعرات لِتمدِيد قُدرتها في الهيمنَة على الثّروات الوطنِيّة مِثل حُكُومة العقِيد القذّافِي أو الهوّارِي بُومدين وبن جدِيد خلَفُه وفي عهد الحسَن الثّانِي أو في عهد بُورقِيبَة الذي عوَّض مسألة الأقليّات بالجهوِيّات والعرُوشِيّة التي أجّجهَا بن عليّ وأعاد الـمُجتمع لِـنقاش مسألة أقليّات موجُودَة التعدِّي عليها غير مُمَنهَج إلاّ من طرَف عصابات أمن الدّولَة.
- حالة الـمشرِق العربِيّ :
مُشكلة الـمشاكِل في تِلك الـمنطقَة تُختَزل في مُصطلح "الطّائِفِيَّة" برز للسّطح بعد أزمَة خانِقَة ضربَت لُبنان إبّان التّخطِيط الفرنسِيّ لِـتقسِيم ترِكَة الدّولَة العُثمانِيّة في الجِهَة كَـكُلّ بِمَا أدّة لإنبِثاق أُولَى أشكال الحُكم الطّائِفِيّ تحت نِظام "الـمُتصَرِّفِيَّة" بالتّساوِي في الجُلُوس على كراسِي شِبه السُّلطَة بين الـمسيحِيِّـين الـمارُونِيِّـين والـمُسلـمِين السًنِّـيِّـين بِــمَا أشعَل حفِيظَة بقِيّة الطّوائِف وعددها 16 عِلاوة على طرفَي الإتِّفاق الـسُنِّي- الـمارُونِيّ ، وأصبحَت ظاهِرة جدِيَّة إستغلّتها الإمبريالِيّة في تكرِس التّجزِئــة ووخلق زعامات بورجوازِيَّة عمِيلة تستمِدّ أُصُولها من عائِلات شكّلت نُبَلاء ووجاهات القرن الثّامِن عشَر وما قبلَهُ ، وهِي ذات وضعِيّة سُورِيا التِي تعرِف نفس عدد الطّوائِف مع أغلبِيَّة صرِيحَة للسُنّة عِمَاد الإستِعمار الفرنسِيّ لدَى إعلام الإمبريالِيَّة وواقِع الحال أنّ البعض من زعاماتِها الـمُتَبَرْجِزَة والَت بارِيس مِثلَمَا والَت الدّولَة العُثمانِيّة من قَبل، ولم يقتصِر نُفُوذ الإستعمار عليهِم فقط وإنّمَا تعدّاهُم لِيشمل النّصِيرِيّة والبعض من الـمسِيحِيِّـين وحتّى درُوز الشّمَال في حِين كانت حُوران ومناطِق السّاحِل مُنتفِضَة وشكّلت فِرق مُقاوَمَة مُسلّحَة ضِدّ الكيان الصّهيُونِيّ وتوحّدَت كُلّ الطّوائِف في محطّات تارِيخِيّة كُبرَى ولم تُكشَف الحالَة السُّورِيَّة في النِّصف الثّانِي للقرن العِشرِين إلاّ مع خِطاب الإخوان الـمُسلمِين التّحرِيضِيّ أو مع الحركة التّصحِيحِيَّة التي قادها صلاح الجدِيد ضِدّ حُكم أمين الحافِظ وهُو ما مهّد لآل الأسَد فِيما بعد لتتحوّل من جدِيد الأقليّات لورقات ضغط وتعدِيل كفَّة وآلِيّات تحسِين شُرُوط تفاوض ، وجدِيرٌ بالذِّكر أنّهُ في الحالة اللُّبنانِيّة يُنَصَّصُ على الطّائِفَة والـمذهب في جواز السّفر وبطاقات الهوِيَّة عكس سُورِيا رغم غِياب مفهُوم الـمُواطنَة في الأدبِيّات البعثِيّة إلاّ أنّ سُكّان الحسكَة وبالتّحدِيد منطقة القامشلِي يُذكرُون كعرَب في حِين أنّهُم أكراد.
حالة شرق الأردُنّ وفلسطِين ليست بخارِجَة عن نفس سِياق الطّائِفِيَّة حيث يتوزّعُ السُكّان فِيما بين مسِيحِيِّـين ومُسلمِين ثُمّ بين عرب وشركس وأرمن ثُمّ بين عرب عشائِر وحواضِر وُصُولاً إلى أخطَر ورقة وهِي الأُصُول الفلسطِينِيَّة والأُصُول الأردنِيَّة لسُكّان شرق الأُردُنّ. والـخاصِيَّة الـمُمَيِّزَة الـمُلازِمَة لتحوُّل الأقليّات والطّوائِف إلى شوكَة في حلق الوِحدَة الوطنِيَّة هي ذاتها وتُـثَار بِذات الأيادِي ، وما يحصُل في اللّحظَة الرّاهِنَة من عُمُر الثّورَة السُّورِيَّة (التي أُجهِضَت) هُو تحوِيلٌ فرِيدٌ من نوعِهِ لِمطالِب شعبِيَّة دِيـمُقراطِيّة ووطنِيَّة إلى حالة غليَان طائِفِيّ وشحن مذهبِيّ يُؤبِّد الأزمَة أو على الأقلّ يُطِيل عُمرَها حتّى إيجاد بدائِل ضامِنَة من ناحِيَة لأمن الكيان الصّهيُونِيّ عبر إحتِقان داخِلِيّ لا ينضُب أو الإبقَاء على الجواد الرّابِح الذي لم يُطلِق رصاصة واحِدَة تِجاه تلّ أبِيب ، ومن ناحِيَة أُخرَى للحدّ من تساقُط وتهاوِي أنظِمَة تُمَثِّل جُدُران صدّ ونِقاط إرتِكاز للإمبريالِيّة التي تخشَى على وُكلائِها حُماة النّفط في الخلِيج = سينارِيُو يُدخِل لُبنان نفس البوتَقَة لِتغيِيب حالة الـمُقاوَمَة وإمكانِيّة قِيام جبهَة شمالِيّة إستِـنْـزافِيَّة تُدَقُّ جرّاءها نواقِيس الخطَر في الجلِيل الأعلَى وما تحته .

- حالة الجزِيرة العربِيَّة :
قلّمَا عرفَت منطقة الحِجاز واليمَن وعمان والخلِيج حالة طائِفِيَّة بالـمعنى الـمُتداول إعلامِيًّا أو حتّى بالـمفهُوم العلمِيّ ، فلغاية بداية القرن العِشرِين كان الوضع القبلِيّ السِّمَة الـمُمَيِّزَة مع طُغيان الوهابِيّة في نجد وتِهامَة والسُنّة في مناطِق الخلِيج والشِّيعَة في الأحساء والزِّيدِيَّة في اليمَن والإباضِيّة في عُمَان، ولم تشهد الـمنطقَة قلاقِل مذهبِيّة وحتّى نِزاعات الخمسِينات كانت في الحِجاز مثلاً نِتاج إستمرارِيّة النِّزاعات القبلِيّة البدوِيَّة أمّا في الجنُوب وبالتّحدِيد اليمَن فقط كان الصِّراع أكثَر وُضُوحًا بين قُوَى تقدُّمِيَّة ثورِيَّة وأُخرَى رِجعِيّة تداخل فِيها الوطنِيّ بالقومِيّ في ظرفِيَّة حربٍ بارِدةٍ وصلت الـمنطقَة بعد قِيام الحُكم النّاصِرِيّ فِي مِصر التي أسنَدَت أفرادًا في عُمان تحوّلُوا أواخِر الستِّينات وبعد قِيام اليمَن الجنُوبِيّ الـمدعُوم سُوفياتِيًّا إلى الجبهة الثّورِيَّة لِتحرِير ظُفار (الـمنطقة الغربِيّة من عُمَان) ، ولم يتِمّ تداوُل أزمات الأقليّات إلاّ في الحجاز بعد الأزمة النّفطِيّة الأُولَى 1973 وسُرعان ما إنقلبت الأوضاع فأصبح الشِّيعَة ورقة إقلِيمِيَّة تُناوِر بِها دولة الـملالِي الإيرانِيَّة وتُثِير بِها حالة توتُّر مُزمِنَة لِتوجِيه الأنظَار بعِيدًا عن حُقُول نفطِهَا ولِضمان بقائِهَا خاصّةً بعد حادِثَة إقتِحام السّفارة الأمريكِيَّة في طهران وأصبحت عامَّةً شامِلة للبحريْن والكُويت وحتّى الإمارات أُغرِقَت في جُزر أبو مُوسَى وطُنب الكُبرى والصُّغرَى لإيقاف الدّعم عن صدّام حسِين في مرحلَة أولَى إبّان حربِه عليها ومن ثمَّة لإيقاف الغزو الأطلسِيّ الـمُتجدِّد بعد حرب الخلِيج الأولَى وما بعد 11 سبتمبر/أيلُول ، لا مجال لإنكار الغُبن والتعسُّف الوهابِيّ في "السّعُودِيّة" الـمقرُون بتفشِّي الشّحن الإيرانِيّ ضِدّ آل سعود ولا مجال لتغيِيب مُعطى الصّراع الطّائِفِيّ في اليمن بين شِيعة إثناعشرِيّة وشيعة زِيدِيَّة وسلفِيّة وهابِيّة مع بِداية تملمُل في أوساط السُنّة العُمانِيِّين جرّاء إحتِكار السُّلطة في نظرِهِم من جانِب الإباضِيِّين ، لكن لا مجال لإنكَار أنّ كافّة هذه التوتُّرات لم تحصُل إلاّ مع إنزِياح خارِطة جيُوإستراتِيجِيّة قدِيمَة وتشكُّل معالِم خارِطَة جدِيدة على أنقاضِهَا إرتبطَت ببداية الإنهِيار السّياسِيّ للإتِّحاد السُّفياتِيّ بعد إنهيارِه النّظرِيّ والفِكرِيّ والبرنامجِيّ في بداية الخمسِينات ووصلَت الحالة إلى صُورة ظاهِرها الفوضَى وباطنها تطاحُن نُفُوذ داخِل الإمبريالِيّة عبر وُكلائِهَا وإقتِسام لا ينتهِي للعالِم ومركزُه حُقُول النّفط ودُرُوب التِّجارة الكُبرَى ونِقاط مُراقبَة شرق آسِيا وجنُوب رُوسِيا والحوض الشّرقِيّ للـمُتوسِّط ، وتظلّ مُعظِلة الأقليّات العِرقِيّة أو تعدُّد الـمُكوّنات الطّائِفِيّة للبلد الواحِد عُنصُر قُوّة وتَمَتْرُس إذا ما إقترنت بتفشِّي حالة دِيـمُقراطِيّة ثورِيّة شعبِيّة عبرها فقط يُمكن حلّ كافّة الـمسائِل الوطنِيَّة.وحتّى السُّودان لا تشذّ عن القاعِدَة فمُنذ قِيام نِظام جعفر النّمِيري بدأت التّفرِقة الطّائفِيّة على قدمٍ وساق أدّت إلى الإنفِصال وخلق بُؤر إنفصالِيّة خُيُوطها بأيادِي خارجِيّة وأطرافها داخليّة.

- حالة العِراق والكابُوس الـمصرِيّ :
.لم يُعرَف العِراق بِحُدُوده الحالِيَّة إلاّ بِشكلٍ مُتأخِّر نِسبِيًّا تحدِيدًا سنة 1932، عُيِّن على رأسِه في العِشرِينات ملِكًا أُطرِد من عرشِه على رأس سُورِيا (فيصل الأوّل بن الشّرِيف حُسَيْن) ثُمّ كُلّ مُدّة يُضاف لِحُكمِه مجال جغرافِيّ محدُود إلى حِين ظُهُور خرِيطة مُتّفَقٌ عليها بين فرنسا وبريطانِيَا ، وأُجبِر على ربطِ تاجِه بحاشِيَة ولاؤُهَا لغير البِلاد بلغَت أوج عمالتها مع النُّورِي السّعِيد والوصِيّ على عرش فيصل الثّانِي الأمِير عبد الإلــه بن عليّ ، وضمّت الخارِطة فُسيفساء من 32 طائِفة بين أعراق وأديان ومذاهِب غاية في التّبايُن توحّدَت حِزبِيًّا ووطنِيًّا إبّان ثورة رشِيد بن عالِي الكِيلانِيّ في الأربعِينات وضمّ الحزب الشّيُوعِيّ العِراقِيّ بقيادة الرّفِيق سلمان يوسف سلمان (الرّفِيق فهد) في لجنته الـمركزِيّة الكُرد بنوعَيْهِم (فِيلِيّة أي شيعة وسُنّة) وتُركمان وأشُّور وكلدان وصابِئة ويهُود وعرب سُنّة ولم تقُم الفوارِق والنّعرات إلاّ مع إنقِلاب عبد الكرِيم قاسِم وبوادِر هيمنَة البعث والإطاحة الدّموِيَّة بتحرُّكات الشُّيُوعِيِّـين العسكرِيّة فوُلِدَت تحت رِعاية الشّاه الإيرانِيّ الـمُحاولة الثّانِيَة لإنشاء دولة كُردِيّة في الشّمال قاد حراكها مُصطفى البرازانِيّ وإستماتَـت الكنائِس في مسألة الحقّ في التّواجُد ومُـمارسَة العقائِد رغم غِياب أيّ شكل من أشكال التّميِـيز ضِدّ أتباعِها وبحثت زعامات كُلّ طائِفة أقليّة عن تحالُفاتٍ وُجِدَت في تُركِيا وسُورِيا وإيران وبارِيس ولندن وبعدها واشنطن ودعّمَت مافِيا مُوسكُو في الستِّينات كُلّ الأطراف سِرًّا وجهرًا وتحوّلَ حُكم عبد السّلام عارِف إلى نوع من الإستِقرارِيَّة خاصّةً مع الزّحف القومِيّ العرُوبِيّ وتنامِي الشّحن ضِدّ الكيان الصّهيُونِيّ وبداية ضخّ عائِدات النّفط نِسبِيًّا في التّنمِيَة وتحسِين عيْش البُورجوازِيّة الصُّغرى بالخُصُوص مِمَّا أوجد حالة ثقافِيّة فرِيدة عَمَّت أرجاء الوطن العربِيّ وتحوّلَت بغداد تحت طائِلة التنوُّع الثّقافِيّ والحضارِيّ والعِرقِيّ إلى عاصِمة رُقِيٍّ ثقافِيٍّ على كافّة الأصعِدَة ، شمالاً إستقرّ أوضاع الأكراد بِمنحِهِم صلُوحِيّات حُكمٍ ذاتِيٍّ محدُودٍ خفَّت حِدّة التوتُّر ومع إستمرار تدفُّق عائِدات النّفط وإنشغال زعامات أربِيل والسّليمانِيَّة بحرب التُّرك على أشِقّائِهِم وبضراوة القمع الإيرانِيّ لهُم ظلّت العِراق في مأمَن إلى حين سُقُوط حُكم الشّاه وهيمنَة الخُمَيْنِيّ على الثّورة وشحنِه وتبشِيرِه بالزّحف على كُلّ أقطار العرَب وإندِلاع الحرب مع نِظام صدّام بِما أدّى إلى نُشُوء تحالُفات جديدة بين الطّالبانِيّ وطهران وتأجُّج الحركة الإنفِصالِيّة من جدِيد وتصلُّب الشِّيعَة جنُوبًا وعودة كُلّ الأطياف والأعراق إلى نُقطة البدء في صِياغة مُعاهدات وِصاية وحِماية مع عواصِم أوروبا وأمرِيكا ودُوَل الجِوَار من ناحِيَة ، ومع صدّام نفسه من ناحِيَة ثانِيَة بِما منح الأكراد حُكمًا أوسع من زاوِية الصُّلُوحيّات في الشّمال ومُهادنَة لِـشُقُوقٍ من الشِّيعة عبر مراجعهم لم تكتمِل إلاّ بسُقُوط صدّام وعُمُوم العِراق في يد قُوات الـمارِينز في 9 أبريل/نيسان 2003، وسُرعان ما إنكشَفت خارطة توزُّع طوائِف ومِلَل ونِحَل حسب الولاءات والتّحالُفات الخارجِيَّة غذّاهَا بول برِيمر ومن تبِعَه وصلت لإقامة شِبه دُوَيْلَة قد تتفجَّر في أيّة لحظَة بحُكم تداخُلات إقلِيمِيَّة أو تحت ضربات الصّراع الطّبقِيّ الـمُحتدِم بشكلٍ غير مسبُوق وصل إلى بداية حِراك شعبِيّ أُجهِض بالغاز الـمُسيل للدُّمُوع وبرصاص الـميلِيشِيّات التي أخذت تنهار بعد ضجر الولايات الـمُتّحدة منها ،وحتّى تنظِيمات القاعِدة في الـمكناطِق السُنيّة إتّضَحَت علاقاتُها بطهران وواشنطن أكثَر من مرّة ،وفي كلمة التّوازُنات في العراق حالِيًّا تُقام على أساس صِراعاتٍ إقليمِيَّة وحِساباتٍ إستراتِيجِيَّة قد تسقُط إذا ما إستمرّ نزِيف الرّشوة والفساد والـمحسُوبِيّة والتضخُّم والنّهب والإنفِلات الـمُمَنْهَج حالِيًّا بأيادِي شعبِيَّة في إنتِفاضِها تنتهِي حالة التّجزِئَة الـمذهبِيّة والعِرقِيّة والدِّينِيّة ؛ ورغم أنّ الفيدرالِيَّات قد تُشكِّل حلاًّ من الحُلُول إلاّ أنّها سِلاحٌ ذُو حدَّيْن يُكرِّس واقع التّفرِقَة ويُقِيم بلدًا على توازُنات هشّة غير ماديّة تُخفِي صراعات مصالِح وتطاحُن مافِيات ، ولعلّ مُبادرة عِراق الدِّيـمُقراطِيّة الشّعبِيّة التي أتَى بِـها مجمُوعة شُيُوعِيِّـين أحسن وأنجع الحُلُول أي أقلّها خسائِر لإعادة بِناء الوِحدة الوطنِيَّة على أُسُس متِينَة تحفظ التنوُّع وتغتنِي منه وتُحبَطُ عبره كُلّ الـمُخطّطات الإقلِيمِيَّة والإمبريالِيّة .
.بين عرب عشائِر ونُوبَة في الجنُوب وأقليّات بهائِيّة ومن شُهُود يهوه ومسِيحِيِّين عددهُم 10 ملايِين وأهالِي سِيوة ذوِي الأُصُول الأمازِيغِيَّة ومُسلمِين بدورِهِم سُنّة وصُوفِيَّة ووهابِيَّة وحتّى شِيعَة ينقسِم ثقافِيًّا وعرقِيًّا وحضارِيًّا الـمُجتمع الـمصرِيّ.
لـم تشهد مِصر حالة تفرِقَة عرقِيّة ودِينِيَّة عبر تارِيخها كما تشهدُها مُنذ السّبعِينات إبّان إستنجاد السّادات بِـعُمَر تلمسانِيّ في حربِه ضِدّ فصائِل اليسار الـمصرِيّ (حزب العُمّال الشُّيُوعِيّ الـمصرِيّ،الحزب الشّيُوعِيّ- 8 ينايِر،كِفاح،منظّمة العمل الشُّيُوعيّ،قُدامى حدتُو،..) الذي أقضّ مضاجِعه لإجبارِه على خوض حرب الثّأر وبعدها في مسيرات 1975 وإنتِفاضة الخُبز في يناير 1977 وهو ما ولّد شحنًا باغتهُ ضِدّ الأقباط وحملات تكفِير واسِعَة النِّطاق ومِيلاد حركات أُصُولِيَّة أكثَر تطرُّفًا من "الإخوان الـمُسلمِين" تمكّنَت إحدى تنظِيماتها من إغتياله في النِّهاية ورسمَت للبِلاد خطًّا تعبوِيًّا يقطع بشكلٍ لا محِيد عنه مع الوِحدة الوطنِيَّة حتّى مع تشكُّل حياة حِزبِيَّة وحِرَاك مدنِيّ بسبب قِيامه على أُسُس ليبرالِيّة تُراعِي إستمرارِيّة الشّحن الطّائِفِيّ لِـتسهِيل عُبُور الرّسامِيل وتأبِيد إتّفاقِيّات كامب دايفِيد وتحوِيل الـمُقَدَّرات والثّروات الشّعبِيَّة إلى لُقمَة سائِغة في ظِلّ توتُّر دائِم مبنِيّ على توازنات هشَّة عمُودها الطّوائِف والـمذاهِب ، وحتّى أيّام ثورة 25 يناير 2011 الشّعبِيّة التي إنطلقَت بِشعارات الخُبز والحُريّة والكرامة الوطنِيَّة تحوّلت بعد أولى لحظات إجهاضِها بِـبيان إحالة السُّلُطات الرِّئاسِيَّة للـمجلِس العسكرِيّ إلى صِراعٍ بين عِلمانِيِّين وإسلام سياسِيّ ومن ثمَّة دخلت كُلّ الطّوائِف والـمذاهِب على الخطّ وغاب الخُبز والتحرُّر الدِّيـمُقراطِيّ الثّورِيّ والكرامة الوطنِيَّة وتأبَّدَت الـمُعاهدة مع الكيان الصّهيُونِيّ في صمتٍ من كِلا الجانِبين وبِـمُعارَضَة مُحتشِمَة من اليسار النّاهِض من الأنقَاض وهُو أقرب لليمِين منه إلى جانِب الإنعِتاق الإجتماعِيّ بِـما يجعل من مِصر كابُوسًا حقِيقِيًّا سيكُون بعد إستِفحال التّفقِير والنّهب الـمنهجِيّ وإستمرار الـمنوال التّبعِيّ في الإقتِصاد الـمُنهَك والـمُعولَـم قسْرًا إلى سيناريُو صَوْمَلَة تتنازعها مذاهِب وأديان ظاهرها طوائِف بِأسرِها وأصلها زعامات ومافيات وأقطاب بُورجوازِيّة كُبرى وعمِيلَة تحفُر قبر شُعُوبٍ بِأسرها تخلق حالة غليان لا علاقة له بالأقليّات ولا بِمطالبها في حفظ الحُقُوق الثّقافِيّة وأُعِيدَت إلى مُربّع الـمطالِب البيُولُوجِيَّة في الأكل والنّوم والشُّرب وإقامة توازُن جنسِيّ وعاطفِيّ ، فالفقر يضرِب الجمِيع مهما كانت ديانته ولونه والثّراء يجمع أقليّة متعدّدة الألوان والـمذاهِب.

إسـتِخلاصَات أساسِيَّة
• الأقليّات لا يُمكِن حلّها في إطار النِّظام الفيدرالِيّ الذي يُكرِّس الفُرقَة وِفق أُسُس وهمِيَّة لا ماديّة ويُحوِّل النّعرَات العِرقِيَّة والدِّينِيَّة والجِهوِيَّة إلى قُنبلة موقُوتة أزرار تفجِيرها في أيادِي الC.I.A
• الوِحدة الوطنِيَّة الـمبنِيَّة على أُسُس ديـمُقراطِيَّة ثورِيَّة لم تقُم في شتَّى أقطار الوطن العربِيّ النّاشِئة بِـمُخطّطَات وخرائِط إمبريالِيّة توسُّعِيَّة ترتبِط مصالحها بإستِدامة حالة التّقسِيم والتّجزِئَة
• من البدِيهِيّ التّنصِيص على واقِع القمع والقهر الإثنِيّ والـمذهبِيّ (السُّودان مثلاً) ومُبرِّراتُه ليست عقائِدِيَّة فقط بِقدر ما هِي سياسيّة إستراتِيجِيَّة وهوامِش مُناورة تقُوم بِها الرّجعِيّات العربِيّة لإدارة الصِّراع في الدّاخِل وتأبِيد حُكمها
• أنماط الإنتاج في أقطار الوطن العربِيّ تُساهِـم في ترسِيخ واقع التّفرِقة وإستمرارِيّة حالة التّجزِئة و الأقليّات إحدى ورقات الضّغط وتكرِيس إمّا حالات الشدّ أو الجذب
• عامِل وُجُود الإختِلاف العِرقِيّ والدِّينِيّ يُمَثِّل مُرتكَز دائِـم للتدخُّل الإمبريالِيّ الإستخباراتِيّ أو الإقلِيمِيّ الرِّجعِيّ
• الإختِلاف يُمَثِّل عُنصُر قُوّة حضارِيّة وإحدَى دعائِم الـمُقاومَة الثّقافِيَّة وليس عُنصُر تجزِئَة في حال قِيام دِيـمُقراطِيّات شعبِيّة تكُون الحاضِنَة السّياسِيّة لإقتِصادِيّاتٍ وطنِيّة شعبِيّة ومُستقِلَّة