فضيحتان مدويتان ولا أثر أو الفساد عارياً وعلنياً!


أحمد الناصري
2012 / 11 / 16 - 23:16     

فضحيتان مدويتان، ضربتا وهزتا المعزل السياسي في المنطقة الخضراء، وهزتا (العملية السياسية) الأمريكية والطائفية الفاشلة. لكن لا أُثر يذكر وعلى وجوه وعقول ولا نقول (ضمائر) عناصر الأحزاب الطائفية، فهي تمتلك مناعة ضد الإحساس، وجلد تماسيح، وهي ضد (الكسر) كما تقول العامة، وتمتلك أذن من طين وأذن من عجين، وألسن وأقلام تبريرية، لا تتوقف عن (اهراق) حبرها في مجاري ومستنقعات السلطة الآسنة، وأقدامها الطائفية ثابتة في مواقعها، لا تتزعزع!
الفضيحة المدوية، الكبيرة والطازجة، هي فضيحة صفقة الأسلحة مع روسيا والتي قادها المالكي ومكتبه وما يسمى بوزارة الدفاع والوزير بالوكالة و(زير) الثقافة العراقية، و(لملوم) واسع وحشد يضم جميع أمراء الطوائف، كتطبيق لأسس ومبادئ المحاصصة، وجولة في ربوع وفنادق روسيا الجديدة! فما تبقى بعد؟ أما الفضيحة الثانية، فهي إلغاء الحصة التموينية، وقطع رزق وغذاء ملايين الفقراء والمعدمين ومعاقبتهم على صمتهم وخنوعهم، بسبب فساد الجهاز الإداري المشرف على توفير وتوزيع البطاقة التموينية، حسب المالكي نفسه!
حالة الفساد في بلادنا، وهي حالة غير مسبوقة حسب مقاييس الفساد العالمية، هي تعبير مباشر عن الفشل التام في بقايا مؤسسات الدولة، التي كانت تعاني من المشاكل والخراب سابقاً، بسبب الدكتاتورية والحروب والتخلف والحصار، وانتهت الى الانهيار والحل على يد الاحتلال وبريمر. وقد أعيد تشكيل بعض المؤسسات على أسس المحاصصة والتوزيع والتقاسم الطائفي والعشائري والمناطقي، وكلها أسس ما قبل الدولة الحديثة، مما خلق مجالات كثيرة للفساد ترافق مع الفورة المالية من عائدات النفط الكبيرة، ضمن اقتصاد ريعي! الاحتلال شجع النهب والفساد كطريقة لتدمير مستقبل البلاد، وها نحن نشهد التطبيق السريع والواسع والشامل.
فضيحة صفقة الأسلحة الروسية، كانت الأوضح والأكبر، من بين سلسلة الفضائح الكبيرة في مرحلة ما بعد الاحتلال، وقد اشرف على الصفقة المالكي شخصيا، وكشف التلاعب فيها الرئيس الروسي بوتن وليس طرف عراقي. وقد شاهدنا المالكي وهو يربت على بدن الطائرة مثل خبير إستراتيجي بارع، لكنه ظهر في مظهر كاريكاتوري، وكأنه يختار حصان أو دابة أخرى في سوق (وقفة) طويريج! على إن فضحية صفقة الأسلحة لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة، رغم خطورتها وحجمها وغرابتها أيضاً، فهي تأتي ضمن سلسلة فضائح الفساد التي أفتتحها ومارسها وشجعها بريمر (الذي سرق 8.8 مليار دولار)، وزرعها في مجلس الحكم، كي تنتقل تلقائياً الى الإدارات المتعاقبة الأخرى، وهي تمارس النهب والفساد العلني والصريح، وكأنه حق مباح لها في أغرب مفارقة. وبعض اللصوص لجأ الى واشنطن أو لندن أو دبي وغيرها من العواصم الدولية، كي يواصل نشاطه التجاري غم إدانة البعض منهم من قبل القضاء العراقي وإبلاغ الشرطة الدولية عنهم، وقد هربوا أموالهم من العراق عبر مؤسسات مالية ومصرفية عراقية داخلية، أو قد حماهم المالكي شخصياً مثل الرجل المؤمن (التقي النقي) اللص وزير التجارة المدان والهارب فلاح السوداني!
والفساد واسع ومنتشر في جميع المؤسسات، تحميه الأحزاب والكتل الطائفية وميليشياتها المسلحة، مع شل وتعطيل القضاء وتهديد القضاة واختراق لجنة النزاهة وأتلاف وتدمير الملفات والوثائق المتعلقة بالفساد والنهب بشكل فردي أو عام، بواسطة حرق المؤسسات المدبرة والمتكررة بما فيها!
أما فضيحة الحصة التموينية والتبريرات والكتابات التي قيلت بصددها، فهي فضح للمفضوح بأقصى الدرجات البالغة. فبعد كل الذي جرى من تأخير وتحجيم لمفردات الحصة التموينية، وفرض المواد الرخيصة وغير الصالحة للاستعمال البشري، فقد جرى إلغائها بسبب الفساد نفسه، ومعاقبة الجياع بتجويعهم أكثر وسحقهم ما دامهم لا يعرفون حقوقهم ولا يطالبون بها، وقد انشغلوا من جديد بشهر عاشوراء وطقوسه، وسوف يأكلون شيء من الهريسة، وسوف يلطمون ويبكون ويعاقبون أنفسهم بهمجية مفرطة على ذنب لم يقوموا به، وسيتعطل كل شيء بانتظار فضيحة أخرى وجدل آخر!
الفساد يشمل كل شيء وكل المجالات والنشاطات، بل لا يوجد مفصل لم يضربه وينهشه الفساد. وهو فساد مالي وأخلاقي، يشمل ما يسمى بالرئاسات الثلاث وأعضاء البرلمان وفرق المستشارين وتهريب النفط وصفقات النفط والمؤسسة العسكرية والأمنية والأنشطة التجارية وصفقات البناء الكبيرة والصغيرة والتعليم والصحة والمؤسسة الإعلامية والثقافية، وربما وصل الى القضاء والمؤسسات الدينية الطائفية، وقوائم ما يسمى (لجنة النزاهة) ولجان الرقابة طويلة ولا تتوقف عند حد!
الإرهاب والفساد في علاقة وثيقة وعضوية متبادلة لتخريب المجتمع والدولة ومنع التطور الطبيعي، والحصيلة دولة فاشلة ضد مجتمعها وضد الناس وهذا ما يحصل بالضبط في مجتمعنا!
هذه جردة سريعة لملفات الفساد الرهيبة، والموضوع بحاجة الى جهد وطني، قانوني وإعلامي وشعبي، متخصص وشجاع، وفي تقديرنا لا يمكن معالجة معضلة الفساد المستشري والشامل إلا بالتغيير السياسي نحو سلطة وطنية تقطع مع الماضي وتعالج آثاره!