شعب ياكل ربه إذا جاع


عماد البابلي
2012 / 11 / 16 - 12:05     

( مات أبي رحمه الله في قصره بالعتيق على عشرة أميال من المدينة ، وترك يوم مات مائتى ألف وخمسين ألف درهم )
عائشة بنت سعد ابن أبي وقاص*

( 1 )
كيف يتحول الإنسان لكرة أو بيدق أو نفاية ؟
تحاول هذه المدونة الطواف حول هذا السؤال ..
ليس غريبا ما يحصل في هذا البلد ، في هذا الشعب ؟؟ الشعب المسـاق كالحمير السعيدة لقدره المحتوم ليدفن تحت المزابل .. ثنائية طبقية مقيتة تنتشر كالبكتريا في كل مكان ، متخم جدا وجائع جدا ، مُدرك جدا وجاهل جدا ، متدين جدا يقابله في الجهة المعاكسة ملحد لايؤمن حتى بنفسه .. الفساد والجوع يتنقل من بيت إلى بيت ومن شارع لشارع كشبح موت مفزع ، لا أحد يوقف تلك الفوضى الفيزيائية للجسد وللعقل ، يخطف الأنفس كما تخطف الصقور الفئران من بين الحشائش .. قررت الحكومة قطع البطاقة التموينية عن المواطن ، الحكومة تتحدث عن مفسد لايمكن أن تقضي عليه إلا بحرمان القطيع من حصة البرسيم المقررة ، الحكومة في مكان أخر ترفع أسعار المحروقات ، وقود السيارات ووقود التدفئة ، لا بد للشعب أن يتحول لدببة في هذه الحالة ، الدببة مصفحة ضد البرد ولاتحتاج للســـيارات لأنها بطيئة الحركة ، المشكلة في الشعب الذي لا يخضع لديناميت التغيير الاجتماعي ، هذا الناموس المرتد نحو الوراء خاص بسكان القاع فقط المملوء بصدى أصوات المذبوحين عند رصيف انتظار الأتوبيس ، من في أعلى الهرم دائما وأبدا يرضى الله عنهم ، حتى أنفاسهم معطرة بنفس سماوي مميز ، مميز بنص مجنح يوصل بين طرفي معادلة حيث هنا الأقربون وهناك في القريب الحصص من النفط المسال من جثة الشعب أو ما يعرف فقهيا بالمعروف .. معادلة أخرى أكثر روعة من الأولى ، معادلة كتبت على لافتة ضوئية على البوابة الرئيسة للجنة ، اللافتة تحتوي على الكلمات الآتية : الفقراء أول من يدخل الجنة ويجلس في الصفوف الأولى والأغنياء سيدخلون لاحقا وبعد حين ، هل هو تعويض للفقراء على التجويع الأرضي ؟؟ أم هناك سبب أخر يتعلق بالوزن ؟ الفقراء دون طبقات شحوم لهذا هم سريعو الحركة ولله الحمد والأغنياء مع كروشهم فهم يشبهون السلاحف في المارثون الميلودرامي الخاص بالجنة ، ســباق مرتج وهزيل داخليا ومترنح تحت تأثير الهبوط العضوي للخلايا المنكمشة بسبب البيئة المفروضة من المحيط التي تتعلق بحياة أو موت أو مزاج فرد واحد يعتبره نفسه واحد أحد .. تلك المعادلتين وغيرها من المعادلات جعلت من هذا الشعب حفنة أرانب تنتظر الدور للمقصلة ..

( 2 )
أربعين ربيعا وصل عمرها ، سيدة عانس وفقيرة ( المغضوب عليها ) عرفتها من زمن في أحدى زوايا الأنقاض من هذا الكوكب العفن ، كنت أراقبها وهي تنظر من الشرفة لقط عجوز بالكاد يمشي ، ملامح وجهها كانت تتحدث بالكثير والكثير عن معاناتها مع الفقر والوحدة وعن الوصول للإجابة عن أكثر الأسئلة فزعا ( كيف يتحول الإنسان لكرة أو بيدق أو نفاية ؟ ) ، لكن حركة واحدة جعلت من كل هذه اللوحة الشاحبة تتغير والقط العجوز بدأت الرشاقة تدب في جسده ، الكاميرا تتوقف عند انحناءة جسدها على الشرفة ، النهد يضغط على الحافة الخشبية ، الخشب يورق زهورا والقط يقفز وأنا أتوقف عن الكتابة ..


اااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا

* سعد بن أبي وقاص كان أقل الصحابة من ناحية الثروات ، ذكرناها هنا حتى لانفزع من ذكر الأرقام الفلكية لثروات عبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام ، قيمة الدرهم قديما يقارنها خبراء الاقتصاد الإسلامي بقيمة تعادل ثلاث دولارات ، والدينار بـ 50 دولار وطبعا نذكر أن تكلفة الحج من يثرب للمدينة كانت تكلف 16 درهما