أوراق من المعتقل . الورقة الثانية عشر . المناقشة و الانتقاد


باسم الخندقجي
2012 / 11 / 11 - 20:32     

إذ أن المركزية الديمقراطية تعكس في تطبيقها تنظيم الإرادة المشتركة بين أعضاء الحزب و تعكس أيضا إبداعا بناءًٍ يتميز في الوعي الانتقادي الذي لم يعد يوجد له أفق بعد إلغاء المبدأ, و هذا ما يحمل الحزب مسؤولية رئيسية تاريخية بإهماله في تعزيز الوعي الانتقادي لدى القاعدة الحزبية , إذ أن هذا الوعي يلعب دوراً حاسماً في إعادة النظر في البرامج و الخيارات الحزبية و التنظيمية الداخلية, وهذا من خلال إيقاظه و إنعاشه فهو موجود و لكنه بحاجة إلى شرارة, و إلغاء العمل بمبدأ المركزية الديمقراطية لا يمت للتجدد و الإبداع بصلة, فهذا إلغاء يشكل بحد ذاته خطراً بدأ يطفو على السطح, خطر يتمثل في اللامبالاة بقرارات الحزب المركزية, و إعادة العمل بهذا المبدأ ليس تحجراً و لا عرقلة بمسيرة التقدم, بل هو إعادة تصحيح ايجابية تهدف إلى النهوض المدعوم تنظيمياً و داخلياً, في نفس الوقت يحمي الحزب من اتجاهات فضفاضة تندر بانتهازية المُدمر.
إن المبادئ الماركسية اللينية ما تزال تحيى و تعيش داخل أورقة هذا الحزب, و إذا كان هناك ثمة جزع برجوازي صغير يقول أن هذه التعاليم و المبادئ انهارت مع انهيار الاتحاد السوفيتي, لذلك وجب التغيير. فان الانسلاخ عن هذه المبادئ لن يفي بقيادتنا إلى بر الأمان, بل التجدد المرتبط بالجوهر الماركسي الأصيل هو الذي يقودنا إلى الاستمرارية و التقدم, و كيف يمكننا الاستمرار إذا كانت هويتنا و سياستنا التنظيمية الرئيسية مشوهة و غير واضحة المعالم؟!
إن المركزية الديمقراطية هي التناقض الايجابي الأصيل الذي يحمي الحزب من التناقض الهدام السلبي, و لا تعني المركزية الديكتاتورية الحديدية بل هي حرية تنبع من السيطرة على ذاتنا الحزبية من خلال أداة تنظيمية صارمة تضبط الحركة التنظيمية, و المركزية الديمقراطية تمنح أفقاً رحباً و واسعاَ للإدارة الحزبية, و هذا من خلال معادلة بسيطة الشكل معقدة الجوهر, و هي: ديمقراطية في الانتقاد و الانتقاد الذاتي و الترشيح و التصويت, و مركزية ديمقراطية في وحدة الإرادة الحزبية و الانضباط التنظيمي الداخلي.
و هنالك مؤشرات ايجابية تولد من الواقع الذي تُطبق فيه المركزية الديمقراطية, و تتمركز هذه المؤشرات و العوامل البناءة في خلق العقل الحزبي الجماعي و الالتحام الحزبي الهرمي أيضاً, إذ أن هذا العقل كفيل بردم الفجوات التي تحصل بين فترة و أخرى, و يقضي أيضاً على أية أوهام أيديولوجية تؤدي إلى الانتهازية, و يكفل إضفاء المرونة الخالصة في الثنائية المتناقضة, بمعنى ديمقراطية حرة واعية انتقادية صاعدة إلى الأعلى, مقابل قرارات واعية مركزية تحتوي الإصلاح و تلبية تطلعات هابطة إلى الأسفل.
انه من الصعب, لا بل من المستحيل القضاء على تناقضات الحزب الداخلية, و لكن من الممكن أن تكون هذه التناقضات المحرك الرئيسي للحزب, و دفعه نحو تحقيق أهدافه و تعزيز وحدته الداخلية, و هذا من خلال الفهم الواضح و العميق لطبيعة هذه التناقضات و ما هي أسباب نشوئها, و هنا تتجلى الايجابية التقدمية على هذه التناقضات التي ستصبح حتماً محرك الحزب الداخلي. و العمل على استنهاض و إيقاظ الوعي الانتقاضي لدى القاعدة, و تنوير الحزب و هيئاته التعبوية لهذه القاعدة سيؤدي إلى إدراك بنّاء لدى هذه القاعدة, إدراك واضح و صريح يقول أنه لا بديل عن المركزية الديمقراطية.
و هذا ما يخلق "الانتقاء الراديكالي" الذي هو بمثابة كفة التنظيم الأخرى, بحيث أن يكون هنالك توازن ما بين المركزية و ما بين الانتقاد, فالمركزية تتطلب الانضباط الصارم, و حرية الانتقاد تتطلب انتقاداً راديكالياً بنّاء يكفل التقدم و التغيير.
ووحده العقل الحزبي الجماعي من يقيم التوازن الهادف الى تعزيز وحدة الإرادة من جهة, و إزالة التشويش و فهم التناقض الداخلي من جهة أخرى.
إن عدم اعتماد آلية واضحة تُنظم حركة الحزب الداخلية يُنذر بالتحول إلى حزب تحكمه المناطقية و البلدية و السلطة و الهيبة الشخصيتين.
و من هنا فان إعادة العمل بمبدأ المركزية الديمقراطية هو العلاج المبكر للمرض القادم من الأعماق.