الفكر الماركسي والقومية و الفكر الماركسي والدين


فلاح أمين الرهيمي
2012 / 11 / 6 - 12:37     

الفكر الماركسي والقومية
تعتبر القومية (هي مجموعة من الناس تسكن أرض مشتركة ولها تاريخ مشترك ولغة مشتركة وتكوين نفسي مشترك يجد تعبيره بالتقاليد والعادات والثقافة المشتركة) مبدأ أيديولوجي وسياسي ينعكس في أفكار وتصورات عن التفوق القومي والتفاضل بين الشعوب والانعزالية القومية والعداء والكراهية بين الأمم، وتعتبر العصبية القومية البورجوازية نتاج المجتمع الرأسمالي الذي يولد بالضرورة التناحرات القومية والتمييز العنصري والاضطهاد القومي والاستعماري، وترتكز البورجوازية إلى هذه العصبية في محاولاتها للبرهان على إمكانية إشاعة سلم طبقي في إطار الأمة، والمعارضة بين كادحي مختلف القوميات وطمس وعيهم الطبقي وتصوير وإبراز أهدافها الطبقية الضيقة أهدافاً للأمة كلها، وتفريق صفوف الحركة العمالية العالمية، وتبرير الاستعمار والعنصرية والعداء تجاه الشعوب الأخرى والذي يرتدي أحياناً صورة الإرهاب والعنف والقتل، وغالباً ما ترتبط العصبية القومية بالانتهازية والانحراف السياسي، ولكن مضمون العصبية القومية وطابعها يتوقفان على الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وعلى وضع ودور الطبقات التي تروج لها، والعصبية القومية تمتاز في الأمم المضطهدة أي المسيطرة والحاكمة، تتجلى في شكل تعصب شوفيني، وهذا يظهر في الدول الكبرى من خلال تبريرها استعباد الشعوب الأخرى الضعيفة، أما النزعة القومية لدى الأمم المقهورة والمضطهدة فإنها تمتاز بمضمون ديمقراطي عام – رغم السمات الرجعية – يعبر من خلال نضالها ضد الاستعمار والنير الامبريالي ومن أجل الاستقلال السياسي والاقتصادي والانبعاث القومي.
إن العصبية القومية البورجوازية تتعارض جذرياً مع أيديولوجية وسياسة التضامن والأخوة بين كادحي كافة الأمم (الأممية البروليتارية الاشتراكية) ومن خلال ذلك فإن الفكر الماركسي الذي يناضل من أجل وحدة الطبقة العاملة العالمية أي الأممية البروليتارية يقف بعناد ضد الاشتراكية الانعزالية للنعرة القومية وتعمل وتناضل لإشاعة الوحدة والمساواة الفعلية بين كافة الأمم والأقوام، وترسيخ العلاقات الأخوية والتعاضد والتعاون الاشتراكي بينها، كما تعمل وتناضل الأفكار الماركسية في اجتثاث الجذور والأفكار الاجتماعية للتعصب القومي.
إن الفكر الماركسي يخوض نضالاً حازماً ضد كافة ألوان التعصب القومي، وترسيخ وحدة الحركة العمالية العالمية على أرضية مبادئ الأممية البروليتارية والاشتراكية العلمية.



الفكر الماركسي والدين
في سياق تصور الفكر الماركسي، يعتبر مفهوم الاشتراكية مفهوماً علمياً، بينما لا يعتبر مفهوم النزعة الإنسانية سوى مفهوم أيديولوجي، وبناء على هذا التفسير التأويلي لاقت هذه الأيديولوجيا الإنسانية إقبالاً واسعاً من قبل الشعوب التواقة والمناضلة من أجل الخلاص من الظلم والقهر والاضطهاد فاتخذت من النزعة الإنسانية في الفكر الماركسي قاعدة لأيديولجيتها وانحيازها وولائها لهذا الفكر ظناً منها أن ذلك سيساعدها على الخلاص وإزالة أسباب الظلم والاضطهاد المجتمعي، فاندفعت للانتماء إلى الجانب الذي يتلاءم مع حوافز الثورة المنتعشة بتلك النزعة الأيديولوجية، مما يعني أن حاجة الشعوب للتحرر من الظلم والاضطهاد والقهر والجوع هو الذي دفعها للتماشي مع الفكر الماركسي.
إن ذلك يبين القدر من الكيفية التي اعتمد بها هذا التزاوج بين ما هو أيديولوجي كالدعوة إلى الاهتمام بالإنسان وحريته وحقوقه مع ما هو ثابت في المرتكزات الأيديولوجية للفكر الماركسي، حيث نجد تشابهاً صارخاً في وظيفة هذه المرتكزات المتماثلة مع ما هر قدسي ومطلق في الدين، التي لم يتعرض لها الفكر الماركسي للنقد بسبب احتوائها على قيم إنسانية تتفق مع قيم ودعوات الفكر الماركسي في العدالة الاجتماعية من خلال القضاء على الظلم والاضطهاد والقهر والجوع الذي يتعرض لها الإنسان وهي نفس الآلية المنهجية التي يعمل بها الدين والكفيلة بتحقيق تلك القيم الإنسانية، وهذا ما تتبناه الأحزاب اليسارية للأيديولوجية الماركسية. يقول الفيلسوف كارل بوير في كتابه (بؤس الأيديولوجيا).
(إذن لم يعد من أوجه خلاف بين الأيديولوجية الدينية، والأيديولوجيا الماركسية ما دامت المشكلة تنحصر في غياب الآلية أصلاً، في الأولى المتمركزة في أوساط طبقية متعلقة بذات الهدف (التاريخاني) : المذهب التاريخاني هي عبارة عن طريقة في معالجة العلوم الاجتماعية نفترض أن يكون التبوء التاريخي هو الغاية الرئيسية، كما تفترض أن يكون بإمكانها الوصول إلى هذه الغابة من خلال الكشف عن القوانين – الاتجاهات – (الأنماط والإيقاعات).

يقول المفكر نديم مجدي في كتاب بيان الأطياف : (إن طمس معالم أوجه الخلاف في المقارنة الهادفة لإظهار وإبراز عناصر التطابق العام بين الأيديولوجية الدينية والأيديولوجيا الماركسية هو نتيجة لتشاطر وتقاطع مؤثرات الاثنين في الدور الوظيفي ذاته الذي لعبناه في الأوساط الطبقية المضطهدة، وكنا ندعي في هذه الأطروحة، يصبح رد ماركس ونقده للدين على نقد أيديولوجيا إتباعه في الاسم من أحزاب شيوعية عديدة اعتقدت أنها استلهمت أيديولوجيتها من فلسفته كما يسري هذا النقد على الأيديولوجيات التاريخانية الأخرى فيما لو تسنى لماركس حياة معاصرة).
إن مقولة ماركس (الدين أفيون الشعوب) حرفت من مقولته (الدين أفيون الشعب) كما أن هذه المقولة اقتطعت من مقولة ماركس التي يقول فيها (أن الدين هو زفرة الإنسان المضطهد والمظلوم، وهو بمثابة إنسان يعيش في عالم وبشر خالية من القلوب والرحمة لظلمها واستغلالها للدين في تبرير عمل الطغاة والظالمين) وإن تلك المقولة (الدين أفيون الشعوب) جاءت من خلال اتهام وعاظ السلاطين الذين يستخدمون الدين لتبرير أعمال وظلم الطغاة ويحذرون أبناء الشعب من عصيان وعدم طاعة الظالمين والطغاة من السلاطين والحكام وإن ذلك النص منشور في مؤلف ماركس (مقدمة لنقد فلسفة الحق والقانون عند هيغل). إن هذه المقولة استغلت من قبل أعداء الشيوعيين للتشنيع بهم والتشهير عليهم ومحاربتهم. وتأييداً لما يقوله ويفعله وعاظ السلاطين ما قاله أحد الشعراء أحد السلاطين فقال:
ما شئت لا ما شاءت الأقدار فـاحـكم فأنت الواحد القهار
إن الماركسية لم تقف ضد أهمية الدين وفعله النقدي في سياق التطور التاريخي العام في المجتمعات الإنسانية، كما أنها لم تناقض شعارات الدعوة الدينية ومعانيها السامية كما لا تعارض الغاية التي استوجبت بناء الهيكلية المجتمعية في جمهورية أفلاطون ولا هي ضد ما استخلصه الفارابي من ضرورة للتغيير وبناء نظام أكثر عدلاً في مدينته الفاضلة، حيث تتسق جملة هذه المبادئ النظامية لتشكل تراث الدعوة الماركسية في بناء الاشتراكية العلمية المتميزة عن سابقتها بالواقعية وذلك نتيجة استفادتها من أسباب فشل تجسيم تلك المحاولات التاريخانية مما ساعدها على التقاط مكمن الخلل في آلية التطبيق المنهجي الذي كان يؤدي إلى اللاواقعية أو المثالية المشكلة في المنهج ليس إلا، والخلاف قائم حول انعدام دينامية الجدل المادي التاريخي في المنظومات الفكرية السابقة على الجدل الماركسي الناقد بدوره ليس للمقولات بذاتها فحسب بل لتأثير فعلها المادي على حركة تطور الشعوب.
من هنا تقاسمت الأيديولوجية الماركسية في الأحزاب اليسارية الماركسية الوظيفية مع الأيديولوجيا الدينية في تهدئة النفوس المظلومة من خلال إعطائها الأمل ومدها بجرعات الوعد اللازم لاستكمال المكابرة على ألم الحياة بالترفع الذهني (المثالي) عن مشاكل الواقع والتسامي إلى ما هو أبعد من التأثير الفعلي في صيرورة التحولات المجتمعية.
كما أن النظرية الماركسية تمتاز بعلميتها لأن وقودها ضمير التاريخ ومنطق الحقيقة وأحد مكونات ذلك الوقود مقولة رائعة لرفيق مؤسسها (ماركس) (أنجلز) يصف فيها النظرية الماركسية بأنها (علم) والعلوم كما هو معروف تتصف بالحركة والديناميكية بما ينسجم مع الحركة وتقدم وتطور الحياة ومسيرة التاريخ إلى أمام نافية عنها طابع الجمود والتقوقع، فالذين يحاولون النيل من علمية النظرية الماركسية هم أدعياء ولا يستندون على أسس علمية واقعية (والدعي لا يؤتمن لأنه لا يحمل صفة الموضوعية) ولولا علميتها وصواب فكرها لما أصبحت مادة تدرس في الجامعات الأمريكية والأوربية ويحسبون لها ألف حساب ...!! فمن يستطيع أن ينكر أو ينفي قانونها العلمي والاقتصادي (فائض القيمة) وقانون (التراكم الرأسمالي) .. ومن يستطيع أن ينكر أو ينفي ماديتها العلمية التاريخية .. فكيف إذا ما طبق على الواقع الموضوعي لصالح الجماهير الكادحة والمسحوقة والمضطهدة والجائعة ؟
إن أي قوة أو جبروت في العالم مهما كانت قدرتها وسطوتها وعظمتها وسعتها تستطيع أن تسبب لمئات من الملايين من البشر الشرور والبلايا والعذابات، ولكن هذه القوة مهما بلغت ليس باستطاعتها أن تمحي وتخفي وتنكر المواقف والمكاسب الأساسية التي حققها النظام الاشتراكي للشعوب المظلومة والمقهورة مسترشداً بالنظرية الماركسية، وإن تلك المكاسب والإنجازات العظيمة أصبحت في حاضنة التاريخ ومحفورة في ذاكرة الناس وفي بطون الكتب.