اجنحةُ الفراشةْ


وليد مهدي
2012 / 10 / 18 - 12:57     

في وجهك ، يأتلفُ الهدوءُ مع الصَخَب ِ على نحوٍ غريب ..
هدوء الشخصية وبساطتها ، وهذه الوداعة واللطف ، وهو ما يوحي بمجمله وكأنك إمرأةٌ لا تحب الكلام بالمرة ..
فيما صخبُ الانوثة، فهو هادر كرعدٍ من عينيكِ ..
متدفقُ مطراً مجنوناً من حنايا شفتيك..
فوق صخر غروري وكبريائي يهطلُ بحرارة بركان ..
نعم ..
يجعلني اتصدع ،
اتكسر ..
اتحطمُ متناثراً كالهباء في محرابِ حبك ، ولكن ..
هل يا ترى من مثلي رجلٌ يهزمهُ الحب ؟
أأنا هذا النوعُ من الرجال الذي يمكن ان يصرعه غموضُ إمرأةٍ حتى لو كانت انتِ، حبي الكبير واسطورة حياتي ؟

(1)

ألم تعودي تثقين برايي ؟
لو كان هناك بعض من هذه الثقة ، فلا بأس ان اخبرك ، أن الحب مرحلة في حياة الإنسان .. كلُ انسان ..
الحبُ يا سيدتي ، وكما علمتنيه الايامُ ، يولد كبيراً كأنه الدنيا ، نحسه كما الاطفال في رؤيتهم للعالم اول مرة ..
لكنه يشيخُ ولو بعد حين ، حين تتراكم في خافيتنا تبعات الايام والسنين ..
حينها يصبح العشق شيئاً صغيراً جداً بما نقارنه مع امتدادات اخرى للحب ..
حب العائلة ، الوطن ، الإنسان بكل معنى ان يكون إنساناً ..
حبكُ يا مولاتي هو الذي جعل قلبي كبيراً ورباه ليكون اكبر من الحب نفسه ..
لو وصلنا جميعاً لهذه المرحلة ، نجد حينها انفسنا " نحن " سخفاء لو لازمنا رؤيتنا الطفولية للحب ...
ألا تتفقين معي بأننا اليوم بحاجة الى شيء اكبر يجمعنا سوية من جديد ؟
مفهومٌ اعظم من ثنائية العشق بين رجلٍ و إمرأة ؟؟
لم نعد يا حبيبتي اطفالاً في عالم عشقنا الاول ..
وكل ما قرأناه عن حيوية الحب وخلوده وتجدده مجرد امنيات كتبها البشر على مر الزمن
حوادث التاريخ تخبرنا بان الحب كائن حي , له ما للكائنات من طفولة وشباب وحيوية ، وعليه ما عليها من شيخوخةٍ وهرمٍ وموت ..
الحبُ الخالد اسطورةٌ ألّفهــا وليم شكسبيــر وفكتور هيجو وخليل جبران .. ونزار قباني ..!
فلا تصدقي يا سيدتي كل ما قاله الشعراء ..
" والشعراء يتبعهم الغاوون "
هم يصورون لنا نصف الحقيقة فقط ، ويهربون دوماً من نصفها القاس الآخر .. والذي يخبرنا بان للحب مسارٌ مقدر الاضمحلال الى اجل محتوم ..

(2)

العشق لمرتين او ثلاث او اربع او حتى مئة مجرد تعاطي لحبات الاسبرين ..
اسكاتٌ لهذا الصداع الدفين في خافية الروح في بحثنا الدائم عن " نقيضٍ " او مكملٍ آخر ..
قد لا يكون الحب الاول هو حب حياتنا الحقيقي ..
لكن ، وبما لا يقبل الشك ..
من بين كل جرعات الاسبرين تلك هناك واحدةٌ فقط تصيب معناه الحقيقي في الوجدان ..
مرةٌ واحدةٌ فقط تشبع حاجة روحنا لتشق شرنقتها محلقةً في سماوات الروح كالفراشة ..
لهذا السبب ، الحبُ الحقيقي مرة واحدة ، مع انها قد لا تكون الاولى ..
ومن يجد في نفسه القابلية على ان يعيش الحب اكثر من مرة دون ان يمل او يكل ..
فليعلم بانه لم يجرب حباً حقيقياً بعد ، لم يتناول الجرعة اللازمة لكي يولد في فضاءات الشعور الكلي البهيج الحارق ..

(3)

هل تعرفين يا سيدتي ما هو الحب الحقيقي ؟ ما هو لونه وشكله و طعمه ؟

نحن البشر يا مولاتي اسرابٌ من ديدان قز تأكلُ الاوراق و قلف الاشجار في طفولتها ، وعندما نصبح بالغين ونهيم في الارض بحثاً عن الحب ، نكون قد تشرنقنا في خديرة الحرير ، هذه الخديرة هي نرجسيتنا والانا التي تعزلنا بشكل كامل عن كلية هذا العالم ..
الحب الاول هو الذي يتمكن " غالباً" من شق هذه الشرنقة مخرجاً اياها من هذا السجن الحريري المغرور ، وربما لهذا السبب نبقى نتذكر دائماً بان حبنا الاول كان الاجمل ..
لانه كان بداية تعرفنا للتحليق " زهواً " و " خيلاء " بما نحمله من الوان شعورنا في فضاءات المشاعر .. لكن ..
الحب الحقيقي ، هو " النهاية " ..
ذلك الشعور الذي يعيدنا الى الارض .. بعد ان تحترق اجنحتنا بناره بشكل تام ..!

فالفراشات تعشق النور ، بل تتوضأ به ، وهي لا تفكر ابداً بالنار التي صدر منها ذلك الضياء ..
لهذا السبب، الحب الحقيقي.. هو تلك المغامرة الجامحة نحو " النور " ، الاستغراق لأقصى حد في الجمال الى درجة احتراق الاجنحة ..
و انا يا اميرتي ، فقدتُ جناحي احتراقاً ، مهاجراً هائماً نحو النور في عينيك ..
عدتُ للأرض ، نعم ..
تخليت عن كل غروري وكبريائي ، لكنني وجدتُ في الارض حبنا الكبير جميعاً ..
نحن بني البشر ..
سأبقى اتذكر ، بانك انت التي في السبيل الى عينيها ..

احرقتُ كلتا جناحي ..~