أوراق من المعتقل . الورقة العاشرة . الصحوة الإسلامية


باسم الخندقجي
2012 / 10 / 12 - 14:57     

نحن لسنا علماء ذرة ، وموضوع الكون ونشأته لا يعنينا بقدر ما يعنينا إيجاد واقع أفضل للإنسانية ، لذا فإن الشعارات العلمية المعقدة حول الكون وطبيعته لا تفي بالتغيير ، بـــل تفي بالتنافر مع الظروف المُحددة ، والمطلوب منا في هذه الفترة التاريخية الهامة :

حل الصراع مع التراث الفكري والموروث الديني العربي الإسلامي ، من خلال انفتاح نظريتنا على الواقع النظري للدين والعلاقات الداخلية في المجتمع العربي ، فمقولة ماركس " الدين أفيون الشعوب " أسقطت وفُسر خطأ في واقعنا الاجتماعي وانعكاسات هذا الخطأ ساهمت في خلق الفجوة ما بيننا وبين الجماهير فمقولة ماركس هذه فسرها مُفكر آخر على أن " الدين ليس أفيون الشعوب إنما فيتامين الضعفاء " وهذه العبارة تتجلى في الحاصل الآن والمتمثل في الهجمة الرأسمالية الشرسة التي وصفها ماركس وحللها منذ زمن بأنها الإداة الغير واعية لتغيير التاريخ ، فهذه الهجمة إذا حللناها و تابعنا انعكاساتها على المجتمع العربي الإسلامي عامة ، وسنجد أنها خلقت أزمة هوية لدى هذا المجتمع ولدى شعبنا بالذات ، مما جعل من الدين بممارسته الشعبية حاضنة تقدم الإجابة لهؤلاء الضعفاء ، وهذا هو انحسارنا وفي نفس الوقت ارتفاع هــامش الحــزب السياسي الإسلامي . إن الصحوة الإسلامية التي تحدث الآن في مجتمعنا الفلسطيني على وجه الخصوص ، ما تـــزال في بدايتها ولم تدخل ذروتها بعد ، وهذه الصحوة هي من أهـــم الظروف التاريخية المحددة التي تهدد كيان الحزب اليساري في حال عدم تفاهمه معها بالطريقة الماركسية المتجددة و المنسجمة مع تطلعات هذه الصحوة.
والإيجابي الذي يدعو إلى الانسجام هو أن هذا الظرف التاريخي يحتوي على جوانب تقدمية إذ "في تجلياتها السياسية تأخذ الصحوة الإسلامية بعض الشبه مع الماركسية نصوصها المكتوبة ، رؤيتها للمجتمع المثالي ، ألالتزام بتغير جوهري ، رفضها الدولة القومية ، وما يمكن أن يُصبح دولة وتنوع مذهبي يتراوح ما بين الإصلاح المعتدل والعنف الثوري" ( صامويل هنتنجتون : صدام الحضارات ص182) والخوض العميق الموضوعي في الجوهر الإسلامي وبنائه الفكري يؤدي إلى اكتشاف عناصر إيجابية و مُشرقة بإمكانها المشاركة في إعادة البناء والنهوض. من جهة أُخرى فإن التناقض الأساسي في واقعنا المادي هو مع الاحتلال الذي يُمثل الرأسمالية المتوحشة ، ومن ها فإن هذا التناقض أدى على نشوء التطور الأرقى ألا هو الصحوة الإسلامية ، التي انعكست على أرض الواقع بأشكال منها الشكل المتطرف السلفي الذي أساء للدين الإسلامي مما زاد من خيبة الضعفاء الباحثين عن هوية قوية تدافع عنهم ، وهناك شكل آخر هو الشكل البرغماتي الشوفيني الذي لا يكفل بسياسته وبرامجه تلبية رغبات وطموحات الباحثين عن تعزيز هويتهم و رد الاعتبار لها. إن الماركسية تتجلى هنا في مطالبتنا بتحليل الصحوة و استنتاج أن هناك علاقة تربطنا بها كأصحاب نظرية يسارية ، وهي علاقة التناقض اللا تناحري القائم على أساس جديد ، ألا هو التوحد التقدمي مع هذه الصحوة بما أننا نملك هدف مشترك و عدو مشترك ، توحد يقود ويلبي تطلعات الجماهير ، وفي نفس الوقت يؤدي إلى الانسجام الإصلاحي مع الظرف الديني المُحدد . إن التناقص اللاتناحري بمعناه الماركسي القديم يعني الوحدة الحالية مقابل سيطرة احد القطبيْن على الآخر بعد تحقيق الهدف والمصلحة المشتركة، إلا أن الظروف التاريخية المحددة تتطلب منا اليوم إبقاء التناقض اللا تناحري في حركة دائمة تُنتج القوة الدافعة للتطور والتقدم ، إذ أنه يجب علينا خلق النفي الديالكتيكي وإبقائه مشتعلاً وحياً بعيداً عن الميكانيكية ، نفي مزدوج داخل الماركسية وداخل الصحوة الإسلامية ، وبهذه الطريقة تمتزج

" المسألة النظرية المتناقضة "
بحيث تصبح هي بحد ذاتها النظرية الكبرى ذات العنيدين اللذين لا يلتقيان ، ولكنهما لا ينفصلا ، إنها نظرية المغناطيسية . إن الدين يُعتبر من العوامل والظروف الرئيسية لبناء وتأسيس الحضارة الغربية ، وهذا من خلال تفاعله مع العامل الأهم ألا هو فصل السلطة الدنيوية عن السلطة الروحية ، ولكن في حالة الحضارة الشرقية إذا صح التعبير وأقصد هنا بالذات المجتمع العربي الذي هو الامتداد التاريخي للحضارة الإسلامية ، لا يمكن بأي شكل من الأشكال فصل الدين عن الدولة ، وجميع محاولات فصل الدين عن الدولة في المجتمع العربي الإسلامي المعاصر فشلت ، وهذا لعدة أسباب من أهمها أن الدين الإسلامي العامل الوحيد لا بل هو الأيديولوجية الوحيدة التي كانت تسيطر على الحضارات العربية و الإسلامية وإذا كان من ثمة تجدد يجب أن يحدث في هذا الدين فهو إستعدادنا نحن للتفاهم والحوار معه من جهة وعكس مبدأ العلمانية بحيث يصبح الدين علمانياً (دنيوياً ) جاهزاً للتعامل والتلائم مع ما هو عصري وتقدمي من جهة أُخرى . إن الخروج بنظرية محركها التناقض ألا تناحري المتجدد قي الطريق الأمثل و الأفضل نحو التقدم والتحرر وهي البيان الإنساني الوسطي الجديد.