حركة -نداء تونس- وأهداف الثورة التونسيّة


مصطفى القلعي
2012 / 10 / 9 - 16:49     

نشأت حركة نداء تونس في المشهد السياسيّ التونسيّ نشأة سريعة. وتكوّنت هيئتها التأسيسيّة الوقتيّة من رئيس الحكومة الانتقاليّة السّابق الباجي قائد السّبسي ومن جملة من وزراء حكومته المتخلّية إضافة إلى شخصيّات أخرى. وحركة نداء تونس ليست حركة إيديولوجيّة كما صرّح بذلك مؤسّسوها. كما أنّها ليست وليدة الثورة التونسيّة بل وليدة المرحلة الانتقاليّة الأولى. فقد استقالت حكومة الباجي قائد السّبسي لتترك مكانها لحكومة جديدة شكّلتها الأحزاب الفائز أغلبها في انتخابات 23 أكتوبر التأسيسيّة عملا بمقتضيات الوعد والعهد اللذين قطعتهما الحكومة المتخلّية على نفسها حين استلمت مهامّها في الفترة الانتقاليّة الأولى التي تلت فترة حكومتيْ محمد الغنّوشي المسقطتين في آذار/ مارس 2011.
ويبدو أنّ الباجي قائد السّبسي رئيس الحكومة المتخلّية كان يعمل، بإقالة حكومته نفسَها، على الاستجابة لشروط ثقافة ديمقراطيّة ثار من أجلها الشعب التونسيّ أساسها التداول السّلمي على السّلطة حيث أنّه يعدّ أوّل حاكم يتخلّى عن السّلطة لغيره بمحض إرادته في التاريخ العربيّ. والحقيقة أنّه لم يكن أمامه غيرُ ذلك اعتبارا للحالة الثوريّة المتفجّرة التي كان عليها المجتمع التونسيّ والتي جعلت الحاكم ينصاع لشعبه لأوّل مرّة في تاريخ تونس الحديث. ويبدو أنّ قائد السّبسي كان يودّ أن يرسل رسالة تفاعل مع الشعب التونسيّ باعتبار للحالة الثوريّة التي هو عليها ورسالة امتثال لخياراته ومطالبه في الحريّة والديمقراطيّة بديلين لا محيد عنهما للاستبداد والشموليّة والحكم الفرديّ الأزليّ.
الباجي قائد السّبسي: كيف عاد إلى المشهد؟ لابدّ من الإشارة إلى أنّ قائد السّبسي كان غائبا عن الحياة العامّة منذ سنة 1990 تقريبا. فأغلب التونسيّين لا يعرفون عنه شيئا. وشباب تونس لا يعرفونه أصلا. ولا يعرف النّاس حتى إن كان حيّا أم لا، لاسيّما أنّه كان من رجال دولة الاستقلال. ولا يكاد يكون له دور يذكر في الفترة النوفمبريّة سوى أنّه كان عضوا في اللجنة المركزيّة لحزب التجمّع المحلول ورئيسا لمجلس النوّاب قبل أن يتوارى عن الأنظار نهائيّا، كما ذكرنا.
ثمّ تفاجأ التونسيّون به من جديد في صدارة المشهد السياسيّ والإعلاميّ محتلاّ أعلى هرم السّلطة وزيرًا أوّلَ بعد أن سُحب القرار من مؤسّسة الرّئاسة باتّفاق مجتمعيّ ضمنيّ تحوّل بموجبه النظام التونسيّ من رئاسيّ إلى حكوميّ (وليس برلمانيّا لأنّه لا برلمان حينها فقد حلّ برلمان بن علي المنصّب). فلقد كلّفه رئيس الجمهوريّة المؤقّت حينها فؤاد المبزّع بتشكيل حكومة انتقاليّة ثالثة بعد استقالة محمّد الغنّوشي. ولقد فاجأ قائد السّبسي التونسيّين بدعابته وابتسامته في لحظة كانت أعصاب التونسيّين فيها مشدودة خوفا من المجهول. كما حاول قائد السّبسي أن يبدو صارما مع ما لاحظه من تطاول مستمرّ على الدّولة ومن عجز أجهزتها عن التعامل مع الواقع وعن إيقاف التمادي في تجاوزها وفي تجاوز سيادتها. فتحدّث في أوّل ندوة صحفيّة عقدها في آذار مارس 2011 عن "هيبة الدّولة" الضّائعة التي لابدّ أن تستعاد كشرط أساسيّ للعمل الحكوميّ. واعتبرها من أوكد مهامّ حكومته.
ورغم أنّ الاعتصامات المهنيّة والإضرابات والانتفاضات وحتى العروشيّة والمعارك القبليّة لم تتوقّف في عهد حكومته، فقد نجح قائد السّبسي في بعض المهامّ؛ منها إنجاح السّنة الدراسيّة والجامعيّة وإنجاز الامتحانات الوطنيّة دون مشاكل وعقد هدنة اجتماعيّة مع الاتّحاد العم التونسيّ للشغل وإيصال المرحلة الانتقاليّة إلى الانتخابات. وقد عمل قائد السّبسي بسياسة التشاور مع الجميع عدا الأطراف اليساريّة الرّاديكاليّة. ثمّ سلّم السّلطة إلى الفائزين في الانتخابات بشكل حضاريّ أنعش حلم التونسيّين في الديمقراطيّة والتداول السّلميّ على السّلطة.

• مرجعيّة حركة نداء تونس: قراءة في الخطاب:
لماذا ولدت حركة نداء تونس؟ وكيف؟ إنّ الأحزاب السياسيّة التي انفلقت كالطوفان على التونسيّين يمكن أن تصنّف، من حيث أسباب النشأة إلى أصناف ثلاثة ليس بينها ما يخصّ حركة نداء تونس.
1. الصّنف الأوّل: أحزاب كانت موجودة فعلا ومهيكلة وتعمل في السرّ بلا ترخيص.
2. أحزاب لم تكن موجودة وولدت بعد الثورة بفعل الحماس الذي هزّ الكثيرين لممارسة الديمقراطيّة أو بفعل الطمع في السّلطة التي كانت شاغرة مشتهاة أو بفعل التجريب ...إلخ
3. أحزاب نشأت من اندماج أحزاب من الصّنفين الأوّل والثاني.
حركة نداء تونس لم تكن نشأتها مطابقة لأيّ من الأصناف الثلاثة المذكورة. وإنّما نشأت كما ذكرنا بعد الانتخابات لا قبلها شأن بقيّة الأحزاب. نشأت الحركة بعد أن تسلّمت الترويكا السّلطة واتّضحت صورة المشهد السياسيّ. وقد ذكر قائد السّبسي أنّ نشأة الحركة جاءت بعد قراءة للمشهد السياسيّ المنبثق عن الانتخابات التأسيسيّة. هذا المشهد الذي بدا لمؤسّسي الحركة غير متوازن بل راجح بشكل كبير لفائدة حركة النهضة. وهو ما يشي بإمكانيّة التغوّل السياسيّ وبتوفّر أسباب إعادة إنتاج الاستبداد. وقد ذكر مؤسّس الحركة أنّه ومجموعة من أصدقائه ووزراء حكومته المتخلّية تشاوروا وقرّروا إنشاء هذا الحزب بحثا عن التوازن تدفعهم في ذلك المصلحة الوطنيّة حسب تعبيره، وكان يقدّم حركته على أنّها حركة معاضدة لا حركة معارضة.
ولكن لا يبدو ذلك كافيا لتبرير اجتماع أغلب وزراء قائد السّبسي حوله من أجل إنشاء هذا الحزب. فمن بين الأسباب أنّ قائد السّبسي عومل بجحود ونكران لامتناهيين. بل إنّه تعرّض إلى حملات تشويه وإدانة واتّهام من قبل حكومة الترويكا. وكانت حملات معلنة شارك فيها الوزراء أنفسهم. ومن التّهم الموجّهة إليه أنّه لغّم السّلطة وأجهزة الدّولة والإدارة والدبلوماسية ونصب الفخاخ للحكومة القادمة بعده، ولم يترك لها إلاّ كلّ أسباب الفشل. بهذا يمكن أن تكون حركة نداء تونس نوعا من ردّ الفعل على اتّهامات الترويكا ونوعا من المقاومة لسوء التقدير وقلّة الاحترام وسعيا إلى استعادة السلطة عبر القنوات المدنيّة القانونيّة.
والمتابع لخطاب قادة حركة نداء تونس المؤسّسين (الباجي قائد السّبسي ولزهر العكرمي ومحسن مرزوق خاصّة) يلاحظ أنّها تستمدّ مشروعيّة خطابها من جذورها الدستوريّة المعلنة. وترى نفسها سليلة الحركة الإصلاحيّة الوطنيّة. والحقيقة أنّ الأحزاب الدستوريّة جميعها تقول نفس الكلام. وتتحرّك حركة نداء تونس في أفق ليبراليّ حداثيّ علمانيّ كما يفيد خطابها السياسيّ والإعلاميّ.
ولكنّ قراءة متمعّنة في الخطاب السياسيّ والإعلاميّ للحركة تكشف أنّه خطاب يصرّ على المرجعيّة الدستوريّة ويصرّ على احتكار دور قيادة الدساترة للحركة الوطنيّة واحتكارهم دور بناء الدولة الحديثة. وفي هذا الاحتكار مغالطات واستيلاء غير مقبول. فالحركة، وكلّ من يدّعي احتكار حركة الإصلاح والتحرير من الدساترة خاصّة، تتناسى دور النقابيّين والقوميّين واليوسفيّين والشيوعيّين والفلاّقة وغيرهم في مقاومة الاستعمار. وهذا ما يدعو المؤرّخين إلى إعادة قراءة تاريخ تونس الحديث لإخراجه من دائرة الاستقطاب والتوظيف السياسيّ.
كما أنّ ربط الحركة الإصلاحيّة بالحركة الدستوريّة أمر غريب ومريب. فما علاقة خير الدّين باشا والطاهر الحدّاد وأبي القاسم الشابي والشيخ سالم بو حاجب والشيخ الطاهر بن عاشور وغيرهم بحزب الدستور؟ هل ثبت تاريخيّا أنّهم أدركوه وانخرطوا فيه وناضلوا في صفوفه؟ لماذا يصرّ نداء تونس على أنّه وريث الحركة الإصلاحيّة؟ نقرأ ما كتبه محسن مرزوق أحد أهمّ قياديّي الحركة على صفحته على فايسبوك يوم 2 أكتوبر 2012:
"نداء تونس حركة وطنية شعبية ديمقراطية تقوم على تجسيد الهوية العربية الاسلامية العصرية لشعبنا والمندرجة في فضاء الانسانية الأرحب وفي إطار المنظومة الكونية لحقوق الانسان وتمثل حركة نداء تونس تواصلا واستمرارية وتلخيصا مع مكونات الحركة الوطنية التونسية الدستورية والنقابية والديمقراطية هذا في مستوى الهوية أما في مستوى البرنامج فإن ركائز الحركة أربع: أولا، فتح فرص الرقي أمام التونسيات والتونسيين بدون تمييز في الجهة أو الجنس أو المنشأ الاجتماعي في سياق الديمقراطية الاجتماعية والسوق الاجتماعي وهذه ركيزة اقتصادية اجتماعية ، ثانيا، مواصلة عملية التحرير الاجتماعي للفرد التونسي على قاعدة المساواة خاصة بين الرجل والمرأة والعدالة الاجتماعية باعتماد نظم تربوية وثقافية تطلق القدرات والشبابية منها خاصة ثالثا، التأسيس من جديد للأخلاق العامة في الحكم والمجتمع على أساس مبادئ علوية القانون بعد أن أفسدت سنوات الاستبداد ونفاق تجار الدين بالمشروع القيمي الأخلاقي التونسي المنفتح والسمح والقائم على القبول بالاختلاف واحترام القانون والحكم الصالح. رابعا، إعادة الاعتبار للمسألة الوطنية والمشروع الوطني التونسي المتواصل منذ أجيال من خلال بناء مؤسسات الدولة السيادية والنظام الديمقراطي وضمان الحريات العامة والفردية وتعزيز موقع تونس في السياق الاقليمي والدولي لتونس.."
إنّ كلام محسن مرزوق ليس أكثر من نوايا وشعارات يرفعها الجميع بما فيهم الخصوم الألدّاء النهضويّون. ولا يمكن أن نرى في هذا الكلام برامج ومشاريع. هذه هي المشكلة بالضبط: كيف يخرج الخطاب السياسيّ في تونس من الشعارات إلى المشاريع؟ ولنراجع فقط ما كتبته الصحافة العالميّة حول زيارة وزير الخارجيّة التونسيّ رفيق عبد السلام إلى الولايات المتّحدة الأمريكيّة. لقد سخرت جميعها من خطابه الضعيف المضطرب المعمّم. فما الفرق بين كلام محسن مرزوق وبين كلام رفيق عبد السلام من حيث خصائص الخطاب؟ وقد قال في ذلك الأديب الأستاذ عبد الواحد ابراهم بمرارة في نافذته الأسبوعيّة بجريدة الشروق: "هناك أغنية لبنانيّة ناقدة عنوانها "خرّبتوها الجمهورية". نحن لم نخرّب جمهوريّتنا بعد، وإنّما "شلّكناها" وقرّبناها لأرخص أنواع الأحذية، وكلّ الفضل يعود لحكومتنا النّهضويّة وأياديها التي ما مسّت شيئا إلاّ تعطّل أو تعطّب. ولصاحب القدح المعلّى في أغلب المصائب وزير خارجيّتنا الهمام، الذي بسبب تصريحاته التّافهة يسلخنا نقد الإعلام الخارجي ويهزأ بنا كلّ يوم. فالعرف الدّبلوماسي صارم الأحكام، يمنح كلّ دولة رتبة حسب أداء وزير خارجيتها من حيث ثقافته و تفكيره وطريقته في النّقاش، بل ويذهب الفحص حتّى إلى مراقبة سلوكه المجتمعي وذوقه في الأكل واللّباس وردّ التّحيّة، وكيف يجلس في المآدب."
كما لابدّ من التوضيح أنّ هذا المقال ليس ضدّ نشأة الحركة. بل بالعكس، فقد كتبتُ في ما سبق في القدس العربيّ أنّ الحركة قد تكون استئنافا لمعركة التحديث المعطوبة. ولكنّي ضدّ الدوغمائيّة والاستيلاء التاريخيّ على ما ليس لك. لقد عانينا طويلا من الاستيلاء؛ ألا تستولي حركة النهضة على المرجعيّة الدينيّة فتلغينا باسمها؟ ألم يستول حزب التجمّع المقبور على التراث الدستوريّ وعلى المرجعيّة الإصلاحيّة فأكلنا بها؟ إنّ الاستيلاء عمليّة لا أخلاقيّة لأنّه لا أحد منحك ما أخذت. لقد أخذت وحدك ما أردت وهو ليس لك. وهذا الأخذ هو مقدّمة لسيل لا ينتهي من المغالطات. إنّه باب موارب للاستبداد.
• نداء تونس وأهداف الثورة:
نلاحظ في خطاب الحركة تغافلا كاملا عن أهداف الثورة. فالباجي قائد السّبسي لا يبدو في خطابه أنّه يعترف بها أو يقرّها أو يتذكّرها. وهذا راجع أساسا لمراجعه اللبراليّة المعادية للثورة أصلا. فالليبراليّة تكريس للخيارات الرأسماليّة التي لن تضمن أبدا العدالة الاجتماعيّة وتوزيع الثروة والمساواة بين الجهات. وهي تقوم أساسا على مهادنة رأس المال الوطنيّ وإغراء الاستثمار الأجنبيّ بالعمالة الرّخيصة وبالتسهيلات العقّاريّة والإعفاءات الجمركيّة، وتدعيم التبعيّة للخارج. فكيف سيخرج نداء تونس تونس ممّا هي فيه؟ ما هي بدائله؟ بم يختلف نداء تونس عمّن كان وعمّن هو قائم؟ لم نر شيئا في هذا الاتّجاه بعد. ونقدي هذا مقيم خارج دائرة الاستقطاب الإيديولوجيّ.
إنّ عقيدة الحركة تقوم على معاداة النهضة والتصدّي لمشروعها الإسلاميّ. ولا علاقة لها بالثورة ولا بقواها ولا بأهدافها. فهذه العقيدة، وإن كانت لا تلزم التونسيّين، فإنّ نداء تونس يحملها صليبا، لم يكن يصرّح بها، بل كان يصرّح بعكسها (نحن قوّة معاضدة هكذا قال الباجي قائد السّبسي في أوّل ندوة صحفيّة أثناء الإعلان عن ميلاد الحركة. وردّد ذلك لزهر العكرمي في كثير من المناسبات على البلاتوهات التلفزيونيّة). والسؤال هو: لو أنّ الحكومة الحاليّة تعاملت إيجابيّا مع غمزات نداء تونس الأولى فهل كان موقفها سيكون ما هو عليه الآن؟ بمعنى آخر هل عقيدة العداء للنهضة وللمشروع الإسلاميّ عقيدة مبدئيّة أم ردّ فعل على التجاهل الحكوميّ؟ فلو افترضنا أنّ الحكومة تفاعلت إيجابيّا مع نداء تونس فمع من كانوا سيكونون اليوم؟ وهل سيميلون إلى قضايا الشعب؟ هل سيدافعون عن قضايا الرّأي العامّ؟ وهل سيتصدّون إلى التغوّل النهضويّ؟
كشفت حركة نداء تونس مؤخّرا عن قائمتها التأسيسيّة الموسّعة. وكم كانت هذه القائمة صادمة لفئات واسعة من الشعب التونسيّ لاسيما من المثقّفين والديمقراطيّين والتقدّميّين والعلمانيّين. لقد كانت قائمة تطرح سؤال علاقة الحركة بالثورة وبالشعب. فهي لا تبدو من خلال هذه القائمة حركة شعبيّة ولا اجتماعيّة. وإنّما تبدو مخبأ جديدا للتجمّعيّين ينضاف إلى مخبأيهم النهضويّ والسلفيّ. وهذا تعليق كتبته الباحثة الجامعيّة الأستاذة نايلة السلّيني على صفحتها على فايسبوك ينبّه إلى تسلّل البوليس السياسيّ إلى الهيئة الموسّعة لحركة نداء تونس:
تقول: "بعد اطلاعي على الهيئة الموسعة لحزب نداء تونس أعلم الأصدقاء المنضمّين إلى هذا الحزب الذي اعتبرته قارب النجاة بالنسبة إلينا ومازلت اعتبره، أنّه قد تسلل اسم كان في عهد قريب جدّا جدّا بوليسا سياسيا، وكانت لي معه تجربة مرّة جدّا جدّا، لذا حفاظا على نقاوة هذا الحزب وعلى أن لا ينسلّ إليه أيّ غريب يمكن أن يسرّب أسراره إلى النهضة أنا مستعدّة أن أكشف اسمه لكن ليس للعموم، فمن له علاقة ببعض قياديي الحزب أطلب منه أن يوصل المعلومة، وعلى كلّ فالأستاذ مصطفى التواتي وهو من الأعضاء في حزب تونس على اطلاع مفصّل بالمسألة. وشكرا"
• نداء تونس والأحزاب الثوريّة:
بالعودة إلى فترة حكم السيّد الباجي قائد السّبسي، نذكّر بأنّ علاقته بالأحزاب الثوريّة كانت علاقة متوتّرة باعتبارها أطرافا راديكاليّة لا تقبل التنازل السياسيّ. فكثيرا ما كال الاتّهامات لحزب العمّال ولحركة الوطنيّين الديمقراطيّين متّهما إيّاهما بأنّهما كانا وراء الكثير من الاعتصامات والاحتجاجات التي كانت تعطّل حركة العبور أو حركة الإنتاج. فيما كانت علاقته بحركة النهضة علاقة مجاملة ومغامزة حذرتين إذ كلّ منهما يمسك علبة الكبريت بيده.
ولا يبدو أنّ هذه العلاقة قد تغيّرت بين القوى الثوريّة وبين نداء تونس. فما يروج إعلاميّا أنّ نداء تونس قريب من التحالف مع المسار الديمقراطيّ (حركة التجديد ومن والاها سابقا) والحزب الجمهوريّ (الحزب الديمقراطيّ التقدّمي ومن والاه سابقا)، فيما تبقى القوى الثوريّة جسدا محصّنا ضدّ الليبراليّة والإسلامويّة متمسّكا بأهداف الثورة وبقيم العدالة الاجتماعيّة والمساواة الجهويّة وببناء دولة ديمقراطيّة مستقلّة القرار والسيادة لا تتبع أحدا ولا ترتهن لأيّة قوّة. وتبقى المسألة الإيديولوجيّة في حاجة إلى النقاش والتفكيك والتحليل والتجاوز.