قراءة في رواية -اغتيال الحنين- لحسب الله يحيى


حسب الله يحيى
2012 / 10 / 5 - 20:30     

قراءة في رواية "اغتيال الحنين" لحسب الله يحيى


إسماعيل إبراهيم عبد


من المتوقع أن العمل الروائي يمتلك خاصية التعبير عن مرحلةِ تغييرٍ واسعةٍ وحاسمةٍ في حياةِ الشعوبِ . كما يُتوَقع أيضاً أن تكون متجهات الروايةِ فاتحة لعهد جديد من البناء النفسي والسياسي والاقتصادي .فاتحة لنبؤاتٍ شاملةٍ متصلةٍ بين البناء التاريخي لمرحلة ما قبل وما بعد حادثة الرواية .
هذا من حيث الغرض . لكن الممارسة الروائية تتعدى هذا إلى نواحٍ عدةٍ منها السيرة الشخصية والنمط الحكائي والتأليف الفلسفي ، وحتى التهيئة لتحول حضاري جديد .
ورواية"إغتيال الحنين " للروائي حسب الله يحيى ، رواية لسيرةٍ خاصةٍ، خاصة بعائلةٍ وليس بفردٍ ، لأيامٍ وليس لسنينٍ . وربما تدخل فلسفة اللحظةِ والنبوءةِ كأهمِ ثيمِ وقيمِ السردِ فيها .
الشخوص الفاعلة لا يتعدى عددها إثني عشر فرداً ، هم :الكاتب ،ألزوجة ،أزل ، صميم ، نهار ،سلام ، آفاق ، نقاء ، بدران ،جاك بريفير، جلال الرومي ، أبو حيان التوحيدي .
غائية الرواية اغتنت بمحوري الأسئلة المستنكِرة والتوجيهِ الأبوي ، بينما انساقت أحداثُها إلى تسجيلِ الحراكِ الإنساني – على المستوى العائلي – بمقابل أحداثِ الحربِ للعام 1991 التي شكلت" 43 " يوماً من المعارك ، إضافة إلى إسقاطات وسياسات وتغيرات لا تستوعبها رواية واحدة مهما بلغ طولها .
ركّزت الرواية على فعل " الحنين "وفعل " الأمل " وفعل "التلاحم العائلي " . وهذه الأفعال فتحت نافذةَ الأحداثِ بسعةٍ لتمرره منها ويلات الحرب وويلات الجوع والفقدان ، ولكي تقول بفمٍ ممتلئٍ بالخير ، أن القدرَ يستجيب للصبرِ والمعاناةِ والرغبةِ الصادقةِ بالعدلِ والبناءِ والحياة ِ.هكذا هي الرواية معادل منصف لرغبة الخير وفعل الخير وغِيرة الخير، معادل فاق في تأثير القرائي عناصر مسودات السرد في تآلف اللغة والأحداث واستقراء العلاقات الإجتماعية لمرحلة تاريخية حاسمة .
ببساطةٍ شديدةٍ ، لخصت رواية " إغتيال الحنين " - للروائي حسب الله يحيى –الهمَّ البشري والإحتجاجَ على الفعل الحربي المدمر ، وفضحت دعاوي التحضر الزائف ، والحرص الإنساني الأجوف حين رسمت الموازي لهذه الدعاوي في سردها لوقائع ونتائج العدوان والدمار والقهر والتجويع لشعبٍ ليس لديه أية رغبةٍ في إعتداءٍ ، فقط (هو)يريد سلاماً وطمأنينةً ليزرع حدائقه ويمتلك إرادته ويربي أبناءه على المحبِةِ والخيرِ والعلمِ . الرواية هذه وثيقة إحتجاج " فنية " صادقة إجترحت لنفسها طريقة الأسئلة والحوار الذاتي وتسجيل حالات الانسجام والافتراق والحميمية العائلية لتكون تلك وسيطاً احتجاجياً على الحيف الإنساني بجزئياتٍ بسيطةٍ جداً جداً وانسائية ، موجعة مبكية تجتذب القارئ إلى أن يتعاطف مع شخوصها ويتبنى مواقفهم التي تفترق في وسائل فعلها الإنساني الباني والمحسن للحياة وتتفق على نتائج ذلك الفعل .
إنها لا تستجيب لمباغي النقد التجزيئية ، إنما هي كتلة من المقيل الروائي ينقل الإيمان بالمستقبل ويدحض مقولة الحرب بما أفرزته من تداعيات عالمية ومحلية .
يندمج – في الرواية – الفعل الفردي بالعائلي بالمجتمعي بالنبؤة التي هي الهدف النهائي لأي عملٍ جادٍ ومثمرٍ
لننظر في ملخصِ اللحظةِ الآتيةِ - عن المفقود الذي عاد فجأةً -
(جلسنــــا . .إحتضنّا مائدةً توفرت فيها الباقلاء بالسمن بالزعتر . . شربنا شاياً . . أفضل في ذائقته من قبل . .
-حصة هذا الشهر التموينية أحسن من سابقتها . .
وفجأةً. . فجأةً . .وصلت أسماعنا دقاتٌ قوية . . وأحياناً خافتةٌ. .
سبقني صميم إلى الباب الخارجي . . سمعته يهتف :
-مَن. . مَن يضربُ الباب َ ؟ مَن القادمُ ؟
-أنا ، إنا يا صميــــم ، أنا . .
. .هذا أزل . . هذا صوتُه . . لم يخب أملنا في عودته . . .
-ها . . أين كنت كل هذا الزمن ؟ . . كلّ الغائبين عادوا إلا أنت .
-كنتُ آخر العائدين يا أبي . . ( الرواية ص 85– 86 )
بمثلِ هذه الوثيقةِ تسير الرواية ،وبوثيقةٍ أخرى يصف أزل "العائدُ " قذارةَ الحربِ وسوءَ محركيها
( لم يكونوا بشراً ، كانوا وحوشاً تزحفُ .حاملة افضع أسلحة التدمير وإذابة الأجساد. . كانت حرباً لا تريد أن تترك بصمات الجريمة على كائن . . كنتُ أزحفُ ، أتخفى بذراعٍ مقطوعٍ ينزفُ ، بساقٍ ودعته تحت عجلاتِ الدبابات – الرواية ص87 )
بهذا الإختزال من الواقعية تصير الرواية تعبيراً عن مرحلةٍ من أسوءِ مراحل الحرب في البلاد .
وجه الاختزال : عائلة ، فرد ، أب في دأبه للحفاظ على الأسرة وسلامها وتلاحمها وتعلمها .
(جاءت الزوجة العزيزة فرحة تقولُ :
-لقد أُعيد الضوءُ إلينا أخيراً . .الرواية ص93 ) .
هذه خاتمة الرواية تبين انه لأيّ مدى تتصاغر أماني الناس . إنها أمنية مجئ الضوء .وإذا أُُخِذت العبارةُ أعلاه بطريقةِ الرمزِ فستعني الكثير . .