سيكولار، حاجة الى الحرية !


عصام شكري
2012 / 9 / 30 - 22:37     



عندما قامت الثورة الفرنسية العلمانية قبل حوالي 223 سنة، كانت متأثرة بعمق بالثقافة التنويرية لفلاسفة المادية الاوائل والمفكرين الاجتماعيين الفرنسيين كمونتسيكو (روح القوانين) و جان جاك روسو (العقد الاجتماعي) وجون لوك (الحكم المدني) والانكليزي فرانسس بيكون (المنهج التجريبي). اعمال فتحت الافاق للثورة بنفس القدر الذي شكلت فيه الثورة مولدا ضخما لتغييرات ثقافية وسياسية اعمق شملت كل انحاء اوربا وادت الى بروز مفكرين ماديين اكثر وضوحا ومتانة كفويرباخ (جوهر المسيحية) والذي اثر على الاف من شباب حركة الهيغليين اليساريين ومنهم بالطبع ماركس وانجلز (العائلة المقدسة). كان احد اهم انجازات الثورة الفرنسية هو القرار بفصل الدين عن الدولة. بطرد الكهنة ورجال الدين من الحياة العامة وتشكيل المجتمع المدني التي فتحت صفحة جديدة من صفحات التأريخ اكثر اشراقا و انسانية.

وحين يتم الحديث عن تلك الاحداث والتطور المعرفي للجماهير ونشر العلم والفكر المادي والعلمي وتطور الصحة والتعليم والحريات وظهور الطبقة العاملة على مسرح الاحداث وبروز الافكار الانسانية والاشتراكية والمساواتية فان الدينيين والاسلاميين في المنطقة و ما سمي خلال القرن العشرين بالعالم الاسلامي ما برحوا يكررون نفس الكلام المخطوء ويبثون نفس السموم حول ان العلمانية هي نظام حكم لا يصلح للمنطقة وانها تصلح فقط لاوربا وامريكا. كل الدول الا التي يحكمون بها هم. هذا التفكير غائي مكشوف. ان من المعروف ان العلمانية لم تهبط من السماء على اوربا. بل بالعكس لقد تم محاربتها بكل شراسة ووحشية من قبل ”الحرس القديم“ - حماة الكنيسة -الارستقراطية. الكنيسة كمخلف ديكوري اليوم، لا تحتمل لحد هذه اللحظة كلمة العلمانية بسبب ان الاخيرة هي التي دقت المسمار الاخير في نعش ”ملكوتها“ الفاحش الثراء على حساب ملايين الجوعى في اوربا، وكشفت التواطؤ بين السلطة المستبدة والجائرة وبين حماتها الفكريين من كهنة الكنيسة. لم تكن العلمانية مرحب بها في اوربا من قبل الطبقات الحاكمة، تماما كما انها غير مرحب بها اليوم في العراق ولا في الجمهورية الاسلامية الايرانية، ولا السعودية و لادول الخليج، ولا ماليزيا او تونس او نيجريا او فلسطين واسرائيل. ان الثورة الفرنسية هي التي حطمت الجدار الهائل للكنيسة وسطوة الدين على المجتمع واستغلال الجماهير وخنقهم بالتمييز والجنان الخرافية وقتل النساء حرقا لانهن ”شياطين“، واليوم تماما تعاني الملايين من البشر نفس الظلمة والاختناق بالافكار البالية الخرافية وممارساتهم العنصرية ضد المرأة التي يندى لها جبين البشرية لهمجيتها. سوى ان هذه البشرية تقطن في اماكن اخرى من العالم وتعيش في عصر اخر.

ليس المهم هو ان العلمانية محبوبة او مكروهة من الاسلاميين او الدينيين . المهم هو ان العلمانية اليوم لم تعد منهجا يدعو له مثقفي ـ“تحرير الشعب من الخرافة“ كما كان فولتير يردد بل اصبحت العلمانية نفسها مطلب الناس والشارع، مطلب النساء والادباء والرسامين والشعراء والفنانين، مطلب الشباب والطلبة والعمال، مطلب المعلمين والاساتذة، والمهنيين. هذه حقيقة ماثلة امامنا. الطبقة التي ناضلت قبل مئتي عام لاحلال العلمانية تنكس اليوم راية العلمانية وهي تخجل حتى من الدفاع عن منجزها السابق لان يدها اليوم بيد الدين نفسه وبيد الملالي والكهنة ورجال الميليشيات. سياسيو اوربا اليوم يتسابقون اليوم ليعتذرو ا للاسلاميين عن قانون حظر الرموز الدينية في المدارس او حظر البركا او احترام المراسيم الوحشية في الختان كما صرحت به انكيلا مركيل مستشارة المانيا في نفاق مخزٍ. كما ان الكل سمع بانتقاد الحكومة الامريكية (اول دولة في العالم يسن قانونها من البداية على اساس علماني) لفرنسا على اصدار برلمانها هذا القانون. هذه هي حال الطبقة التي ناضلت لانتصار العلمانية قبل زهاء 200 عام. هذا هو حالها اليوم، متحالفة مع الدين، منافقة، متلونة، متواطئة ضد حريات الناس مع رجال الدين والميليشيات وتصدر القوانين المعادية للعلمانية كالنسبية الثقافية وهراء الموزاييك الديني ونفاق الحرية الدينية.

المهمة اليوم، رغم كل هذا الركام المهول من الانهيار الانساني والسيل المتدفق من ”اللامعقول“ اسهل من مهمة فولتير ومنتسيكو وكل ماديي القرن التاسع عشر. فلم تعد تلك المسألة حصرا بالمثقفين البرجوازيين بل باتت، كليا، مطلب و حاجة الجماهير نفسها، كحاجتها للهواء النقي وللماء النظيف والكرامة الانسانية؛ حاجتها لابعاد الدين عن حياتها العامة وتحويله الى شأن شخصي فردي.

ازف وقت العلمانية وان نجاحها اليوم يلقى على عاتق كل محب ومحبة للحرية. سيكولار مساهمتنا في هذا المسعى الانساني.