الانتخابات البرلمانية رهانات العهد الجديد ورهانات الجماهير الشعبية

مصطفى براهمة
2002 / 10 / 3 - 02:36     

المغرب  
  

لقد عرف المغرب العديد من الاستحقاقات منذ بداية الستينات، لكن الخطاب الرسمي يدعي بأن الاستحقاقات المقبلة ستكون مختلفة، معترفا ضمنيا بكل أشكال وأنواع التزوير وتحريف الإرادة الشعبية، فما هو صدق هذا الإدعاء، وما هي رهانات الانتخابات المقبلة، وقبل ذلك ما هي طبيعة المرحلة التي يجتازها المغرب؟

1- في طبيعة المرحلة

يمكن التأكيد بدون مجازفة أن طبيعة المرحلة لا زالت هي مرحلة النضال الديمقراطي الجذري، من أجل بناء الدولة الوطنية الديمقراطية العصرية والحداثية.

إذا كانت هذه هي طبيعة المرحلة، فما هي التناقضات المتحكمة فيها ؟

إن التناقض الأساسي هو بين كتلة الطبقة السائدة، المشكلة من البرجوازية الوكيلة والملاكين العقاريين الكبار والسلطة المخزنية المستندة إليهما من جهة، والطبقة العاملة والفلاحين الصغار وعموم الكادحين من جهة ثانية، وحل هذا التناقض يمر عبر بناء المجتمع الاشتراكي.

أما التناقض الرئيسي والذي يحكم المرحلة في المدى المنظور هو بين كتلة الطبقة السائدة من جهة والطبقة العاملة والفلاحين الصغار وعموم الكادحين بالإضافة إلى الفئات الوسطية من جهة أخرى.

إن صعوبة المرحلة تكمن في كون التناقض الرئيسي الذي يحكمها يعرف عطبين:

الأول : غياب التمثيلية السياسية للطبقة العاملة كطبقة عاملة،

الثاني : تمثيلية الفئات الوسطى بأدوات سياسية، لا تمثل مصالحها الطبقية الفعلية، بل تعمل على تسويغ سيطرة الكتلة الطبقية السائدة على الفئات الوسطى.

إن هذين العطبين، وهذين المعوقين، يفرضان على المناضلين الديمقراطيين الجذريين، النضال من أجل أن تمتلك الطبقة العاملة أدواتها السياسية الكفيلة بتأطير وقيادة صراعها ضد الكتلة الطبقية السائدة، والسلطة المخزنية المستندة إليها من جهة، ومن جهة أخرى نقد الخط السياسي لأحزاب والقوى التي تمثل الفئات الوسطية، وتعرية  خطابها السياسي الديماغوجي.

إذا كانت هذه طبيعة المرحلة، فيما هي رهاناتها ؟

2- رهانات الاستحقاقات المقبلة

إذا كانت الديمقراطية هي حكم الأغلبية على الأقلية، مع حق الأقلية في الدفاع عن رأيها حتى تصبح أغلبية فمن المفروض أن تسود الطبقة العاملة وعموم الكادحين والفئات الوسطية، وأن تكون السلطة السياسية بيدها. ولكن الواقع عكس ذلك، حيث تسود الكتلة الطبقية السائدة والسلطة المخزنية المسندة إليها. لماذا ؟

لأنها تمتلك الاقتصاد والسلطة، وتمتلك ادوات الإنتاج وأدوات السيطرة.

ولكن إذا كانت الكتلة الطبقية السائدة، هي المتحكمة في السلطة والاقتصاد، فلماذا تسعى إلى إجراء انتخابات سياسية ؟

إن الهدف من إجراء الاستحقاقات الانتخابية هو، من جهة، إعادة إنتاج هذه السيطرة، وإضفاء الطابع الشرعي عليها وإيهام الرأي العام خصوصا الغربي بأن هناك ديمقراطية، أي ديمقراطية للواجهة، ومن جهة أخرى إشراك النخب السياسية وتحييدها.

فقد عرفت استحقاقات 1963 إشراك الأعيان في البوادي والنخب الآتية من رحم الحركة الوطنية في المدن، وعرفت استحقاقات 1976 إشراك النخب الإدارية، وستعرف استحقاقات 2002 إشراك وتحييد نخب أخرى، آتية من رحم اليسار الجديد. الهدف إذن هو خلق زبناء للمخزن، وليس أن يتحمل المواطنون الأحرار مسؤولية أوضاعهم لينهضوا بها.

لماذا إذن ديمقراطية المغرب " ديمقراطية معطوبة " غير متوازنة ؟

3- السلطة السياسية في المغرب غير قابلة للتداول

إن الديمقراطية في المغرب معطوبة وغير متوازنة لأن السلطة الأساسية أي الحكم وليس الحكومة غير قابلة للتداول. فالسلطة السياسية والاقتصادية الفعلية، هي في يد المخزن وأدوات سيطرته، وهي ليست محطة نقاش أو تداول. هكذا هي ديمقراطية المخزن، ديمقراطية معطوبة وغير قابلة للتداول. وذلك مقنن بالأعراف والقوانين.

فعلى المستوى الدستوري سلطة الحكومة ضعيفة " فالحكومة تطبق القوانين، والإدارة رهن تصرفها "، فهي مجرد حكومة إدارية، جاءت السلطات الواسعة على المستويين الاقتصادي والسياسي، الممنوحة للولاة والعمال، لتقلص أكثر من سلطة الحكومة، والبرلمان هو مجرد ظل لهذه الحكومة الضعيفة، والفصل 19 سيف محمول على رقاب الفصول الأخرى للدستور، يمكن أن يلغيها بمجرد اللجوء إليها. والقضاء لم يرق إلى مرتبة سلطة دستورية، وهو غير مستقل، ومرتش في عمومه، وسلطات المجالس الجماعية ضعيفة وتحت وصاية وزارة الداخلية.

هذا بالإضافة إلى التقاليد المخزنية كالبيعة وتقبيل اليد في البرتوكول على مستوى البلاط، وعلى مستوى البرلمان فميزانية البلاط وميزانية العسكر لا تناقش.

ويبقى أحد الأهداف الأساسية للانتخابات الحالية، هو تجديد النخب أي تجاوز النخب الإدارية التي انتظمت ضمن الأحزاب التي برعت الإدارة في فبركتها، والتي استنفدت دورها، ويمكن تعويضها بنخب لا زالت لم تتقادم بعد في النخب المنتظمة ضمن الأحزاب الديمقراطية والتي يمكن لها أن تلعب دورا في تلميع صورة النظام السياسي القائم، وفي مقدمتها النخب المنتمية لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ولحزب التقدم والاشتراكية، وجبهة القوى الديمقراطية، والحزب الاشتراكي الديمقراطي، وأيضا نخب حزب الاستقلال… ولهذا الغرض لن يكون التزوير بالطرق الفجة، ولكن بسن قوانين وإجراءات تستهدف فرز هذه النخب سواء، في القانون الانتخابي، أو في التقطيع الانتخابي، أو في قانون الصحافة، وقانون الجمعيات.

وتستهدف الانتخابات المقبلة الدفع بنخب عصرية، تمثل الباطرونا وتتمتع بنوع من المصداقية، لتعويض النخب الإدارية التقليدية، ويمثل حزبا القوات المواطنة ورابطة الحريات هذا التوجه.

إذا كانت رهانات " العهد الجديد " من الاستحقاقات الحالية هو إعادة هيكلة الحقل السياسي، وتجديد النخب فما هو الموقف الذي يجب أن تيخذه الديمقراطيون الجذريون منها ؟

ما موقفنا من الانتخابات الحالية ؟

إذا كنا نتبنى على المستوى الاستراتيجي ديمقراطية المجالس وديمقراطية المشاركة، كشكل أرقى للديمقراطية، بدل ديمقراطية الإنابة، بينما على المستوى المرحلي نناضل من أجل ديمقراطية حقيقية وفعلية، ولو في ظل ديمقراطية الإنابة.

وإذا كنا نعتقد أن تحقيق الديمقراطية رهين بالقوى الديمقراطية ورهين بموازين القوى، فما هو موقفنا من الانتخابات الحالية ؟ وما هو مقياس عدم مشاركتنا ودعوتنا للمقاطعة أو مشاركتنا فيها ؟

إن السؤال الجوهري في هذا الباب هو إلى أي حد تقدم الانتخابات الحالية مسلسل النضال من أجل الديمقراطية ؟ أو أن المشاركة فيها ستزكي المسلسل الحالي والنظام القائم ليس إلا.

إن المسألة تكتيكية بالأساس، وترتبط بتقديرنا للظرف السياسي، فالذي شارك ليس بالضرورة رجعي، والذي قاطع ليس بالضرورة تقدمي، كما أن الذي شارك لا يعني أنه سيتطور ويتجذر، ولنا في تجربة منظمة العمل وحزب التقدم والاشتراكية خير دليل، والذي قاطع لا يعني أنه سيتطور ويتجذر داخل المجتمع ولنا في موقف الاتحاد الوطني للقوات الشعبية خير مثال عن ذلك، إن الإجابة على هذا السؤال تمر عبر السؤال التالي :

هل الانتخابات الحالية تعتبر في نظر الشعب المغربي وقواه الجذرية رهانا ؟

تعتبر الانتخابات المقبلة انتخابات بدون رهانات بالنسبة للجماهير الشعبية، فالنخب لن تتغير وإن كان سيتغير دورها وتمر تلك التي كانت في المعارضة إلى الأغلبية وبالتالي الحكومة، وستصبح تلك التي كانت في الحكومة دون أن تكون في الحكم في المعارضة، تغيير أدوار ليس إلا.

لذلك فإن العزوف عن المشاركة في الانتخابات لدى الجماهير الشعبية حاضرة بقوة ولن تغيره الوصلات الإشهارية لوزارة الداخلية… فالجماهير الشعبية تدرك بحسها المرهف أن لا تغيير في الأفق، في ظل استمرار نفس النهج، ونفس الحكومة، ونفس النخب، ونفس الحكم.

لذلك فإن موقف المقاطعة يبقى هو الموفق السليم في الظروف الحالية على أن لا نجعل من المعركة الانتخابية أم المعارك. وأن نغتنم الفرصة للتعريف بالنهج الديمقراطي وبمواقفه، وأن نطرح القضايا الجوهرية : قضية الدستور الممنوح، وقضية عدم الإفلات من العقاب عن الجرائم الاقتصادية والسياسية، وأن نفضح القوانين المفبركة لضبط الخريطة السياسية قبليا : قانون الانتخابات، التقطيع الانتخابي، قانون المسطرة الجنائية، قانون الصحافة، مشروع قانون الأحزاب وغيره من الترسانة القانونية الموجهة لضبط وتضييق الخناق على القوى الديمقراطية الجذرية.

علينا أن نقاطع هذه " الديمقراطية المعطوبة " فالمخزن هو صاحب السلطة الفعلية، وهي غير قابلة للتداول، والتناوب شكلي ليس إلا، والمعارضة والأغلبية غير متقابلتين، والتمييز بينهما غير واضح واليمين ليس يمينا فعليا ذي سلطة فعلية واليسار ليس هو اليسار الحقيقي.

علينا أن نغتنم الفرصة لتوسيع تنظيمنا وتوسيع جبهة المعارضة الجذرية، علينا أن نطرح بكل وضوح ضرورة إزاحة المافيا المخزنية، المتحكمة في الاقتصاد والسياسة، من خلال برنامج النضال الديمقراطي الجذري وان نطرح المسألة الدستورية بكل أبعادها، وكذا مسألة المرأة، والقضية الأمازيغية، وأن نطرح القضية الاجتماعية بكل أولوياتها التشغيل والسكن والصحة والتعليم… وأن ندعو إلى ضرورة تشكيل قطب ديمقراطي جذري، وأن نعمل مع كل الاشتراكيين الحقيقيين على المساهمة في بناء الأداة أو الأدوات السياسية للطبقة العاملة وعموم الكادحين.