لا يا سادة ~ إختلاف الرأي يفسد الود ويزيد الطين بلة


زيد ميشو
2012 / 9 / 22 - 20:31     

اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية!! معقول؟ أريد برهاناً واحداً وسأكون من الشاكرين.
هذا القول يشبه غيره من (الكليشيهات) التي تتنافر مع الحقائق وأشك حتى اقتناع قائلها بجدواها
إليكم بعضها على سبيل المثال وليس الحصر : ( أمة عربية وحدة ) ، فهي ليست أمة وليست جميعها عربية حسب حقيقتها التاريخية ولم ولن تكون يوماً واحدة .
مثال آخر وهو مصطلح ( التعايش السلمي بين الطوائف والأديان ) ! ... لا تعليق .
خذوا مصطلح (الديمقراطية) و ( الكل تحت القانون ) و ( الأب القائد - لا أعرف عن أي أبوة يتكلمون؟ ) أكتفي بهذا القدر لأعود إلى القول الذي يتمسّك به معظم الكتاب .... إختلاف الرأي لا يفسد للود قضية !! .
فقلت لنفسي يا رجل، إنت معجب بهذا القول لماذا لا تبحث عن قائله وتعلن اسمه كجزء من الوفاء له ، وللحال كَوْكلتُ ( من كوكل ) هذه الجملة البديعة وكتبت " من القائل : إختلاف الرأي لا يفسد للود قضية " ؟
( كَوكَلَ كوكِل ) وأعطاني نتيجة مذهلة، واتضّح بأن الاختلاف موجود حتى على قائله .
فالبعض ينسبه إلى محمد أحمد المحجوب وهو شاعر و مؤلف و مهندس و محامي وقاض قاد حزب الأمة و رأس مجلس وزراء السودان ، ولد عام 1908 و توفي عام 1976 ولا يقبل الإخوة السودانيون بغير هذا القول .
الإخوة المصريون لا يتفقون مع الطرح السوداني، فهم ينسبون القول إلى المفكر والفيلسوف أحمد لطفي السيد الذي كان أول رئيس لجامعة القاهرة ووزيراً للمعارف ووزيرا للداخلية .
بينما يؤكد محبو المهاتما غاندي أن هذا القول له ويكملون على لسانه : الإختلاف في الرأي ينبغي ألا يؤدي إلى العداء وإلا لكنت أنا وزوجتي من ألد الأعداء . ومع كل هؤلاء هناك من يجزم ( ومستعد يحلف ) بأن هذا القول تحديدا لأمير الشعراء أحمد شوقي ... والبيت جاء في سياق مسرحية شعرية :
مالذي أضحك مني الظبيات العامرية !؟ .. ألأني أنا شيعي وليلى أموية !؟ اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية!!
ولو أقيمت دعوى لتسجيل القول باسم أحد من هؤلاء المذكورة أسماءهم ، فهل سيكسب القضية؟
نقطة على السطر .
نظرة إلى البرلمانيين في العراق ، وإلى الحوارات في المواقع الحوارية ، والبرامج التي فيها الرأي المعاكس ... تكفي لنؤكد بأن هذا التعبير كالبكاء على الميت، لن يعيده للحياة، لا بل هذا المصطلح ولد ميتاً ولا معنى له .
نقطة ثانية حول هذه الجملة تتعلق بي شخصياً من خلال تجارب مررت بها ورأيت العجب.
مثقفون يستشهدون بها ويدافعون عنها ويذكرونها في كل شاردة وواردة وعلى الطالعة والنازلة كما المؤمنين الذين ( بين إن شاء الله وإن شاء الله يوجد إن شاء الله !!) وبالأخير يفعلون مايريدون هم وليس ما يريد الله.
فما من مرة خالفت مثقفينا بالرأي إلا ولحقتني الشتائم من كل صوب واتجاه ، عدا طبعاً الإيميلات وحتى بعض الهواتف من تلك النوعية التي ( تفسد للود قضية ) ، وعدا من مال وجهه عنّي رغم ثنائه فيما مضى على مقالاتي إلا أنه كرهني بعد أن عرف بأنني لا أتفق معه أيضاً في بعض الأفكار .
فماذا يتوقّع كل هؤلاء ؟ هل على الكاتب أن يكذب وينافق ويجامل ويؤيد كي يكسب الود ورضى الآخر ؟
أما تجربتي الأخيرة فكانت مع عزيز أختلف معه في الرأي خصوصاً في مسألة سياسية ( مللتها وقرفتها وبصقت عليها ) منذ صغري ، ألا وهي : إتهام أميركا وإسرائيل في كل مصائب الشرق والعالم .
فما كان من هذا العزيز ، إلا وأن سخر منّي أمام الآخرين وقال : ( لم اكن اعرف بأنه - أي أنا - يحمل دكتوراه في العلوم السياسية ) !
وهو يعلم جيداً بأنني لا أملك غير شهادة إعدادية الصناعات الميكانيكية بمعدل ضئيل ، وحتى الشهادة لم يسمحوا لنا زمن صدام بالحصول عليها ...
ومن ثم قال ( لا يعرف الجوك من البوك ) وهو مثل جميل معناه : لا يعرف التباشير من الكتاب، وهو تسقيط لا صحة له كوني أعرف ما تعني هاتان الكلمتان ، بالإضافة لمعرفتي بالسبورة والصف والمدرسة ، لا بل حتى المسطرة والممحاة وقلم الرصاص (هههه) .
ويردف العزيز ويقول بأنني ساذج !! وهو لا يعرف فعلاً بأنني أفضّل السذاجة على أن أكون مثقفاً وأحمل سيفاً أشهره في وجه لا يوافقني الرأي !
وينهي قوله عني بأنني أخدم أميركا وإسرائيل إعلامياً عندما أرفض بعض البديهيات .
وهنا أود أن أعطي رأيي الذي ما زلت متمسّكاً به :
أنني منذ صغري وأنا أسمع كيل التهم على أميركا وإسرائيل وبأنهما مصدر مشاكل العالم، وبعد أن كبرت عرفت بأن هذا الرأي ( إن كان فيه وجاهة أم عارِ عن الصحة ) فإني أرى أن مشاكل الشرق تحديداً وجدت قبل وجود أميركا ، وتلك القرون الماضية كانت بالنسبة لليهود قرونا عجاف حيث عانوا الأمرين في الشرق وكانوا عرضة للاضطهاد لأكثر من 18 قرناً، وفي كل مرحلة في هذا التاريخ وبينما اليهود يعيشون بخوف وقلق طوال الوقت، كانت هناك مشاكل في الشرق وحروب وقتل وتهجير وغزو وذبح على الاسم بلا هوادة ، ولم تعرف الشعوب المغلوبة أي معنى للاستقرار خصوصاً الأقليات منهم، فهل كان اليهود وراءها حينذاك ؟ .
أما إذا كانت أميركا وإسرائيل وبحسب ما يؤيده الكثير من العرب بأنهم وراء ( بلاوي) الشرق الأوسط فأقول لهم: من ينفّذ هذه المصائب ؟ وعلى أي أرض ؟ انظروا إلى من دمّرنا من وسط شعبنا ولا ترفعوا اتهامات باطلة على غيرهم ، فخطاباتكم تلك أصبحت مملة بعد أن كانت مضحكة .
ومع كل الشتائم والخلافات حول هذه القضية وغيرها أيضاً، يصر مثقفونا على القول بأن اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية !
لنكتشف وبعد كل تهجماتهم على المختلفين معهم بأن الود بالأساس محذوف ولا وجود له في قاموسهم .
فهل يكرمنا هؤلاء المثقفون ولو مرة واحدة بحوار إنساني هاديء مع من يختلفون معهم ؟