رأسمالية المحاسيب .. في الإقتصاد الإجتماعي لمصر المعاصرة


مجدى عبد الهادى
2012 / 9 / 20 - 19:43     

من السطر الأول لكتابه حدد الدكتور محمود عبد الفضيل هدفه بكشف التناقضات التي يحياها المجتمع المصري وما يعانيه من أوضاع إقتصادية وإجتماعية مثلت الأرضية التي تصاعدت عليها الإحتجاجات الإجتماعية التي قادت لثورة 25 يناير 2011 م ، والتي يراها تركيبة مُشتبكة من أزمات الطبقات الوسطى والشعبية الناتجة عن رأسمالية جديدة تعتاش على أوضاعها الإحتكاية وتزاوجها الفاسد بالسلطة ، كما يعرض لبعض أعراضها المُتمثلة في سياسات الأجور والطبقية التعليمية السائدة في مصر الآن .

ويبدأ الفصل الأول بعرض بانورامي لحالة المجتمع المصري في مطالع القرن الحادي والعشرين ، من خلال مجموعة من الإحصاءات خرج منها بمجموعة من النتائج التي تتلخص في الزيادة السكانية الهائلة في البضعة عقود الماضية والتغير الكبير في الأنماط الإستهلاكية وتميع الحدود ما بين الحضر والريف وغلبة الإنتاج السلعي الصغير على الإقتصاد المصري والإقتصاد العرفي الهامشي وسيادة القطاع اللانظامي في سوق العمل ، كذا العشوائيات السكنية التي جعلت من مصر ثلاث مدن !!

وإنتقل الكاتب بعدها للفصل الثاني ليناقش الطبقة الوسطى في مصر وما أسماه بظاهرة "الصرع الطبقي" ، بما تعنيه من سعي محموم من الشرائح العليا لهذه الطبقة والشرائح الوسطى بدرجة أقل لتقليد الأنماط الإستهلاكية الترفية للطبقات العليا في محاولة لإرتداء أرديتها الطبقية ، وذلك بالمبالغة في الإستهلاك المظهري التفاخري الذي تحدث عنه الإقتصادي الأمريكي ثورشتين فبلن في كتابه "نظرية الطبقة المُترفة" ، ورصد في سياق إثباته لهذه الظاهرة الأنماط الإستهلاكية الجديدة للشرائح الأعلى من الطبقة الوسطى عبر عدد من الأمثلة الإحصائية ، المُتمثلة في نوعيات السيارات والسلع المُعمرة ورفاهات التكنولوجيا الحديثة إلخ .

ولم ينس في سياق بحثه للطبقة الوسطى الحديث عن ظاهرة ميوعة الحدود الطبقية في مصر ، الناتجة عن الإختلالات الإقتصادية والإجتماعية العديدة ، وما ينتج عنها من لا معيارية إجتماعية وإقتصادية للدخول والمهن المختلفة ، كذا الدخول الموسمية المرتبطة بكثير من الانشطة الطارئة للطبقات الأدنى ، وقدم كحل إجرائي لهذه المسألة تعريفين أو تحديدين مختلفين للطبقة الوسطى ، ما بين تعريف ضيق يختزل الطبقة الوسطى في شريحتها الوسطى من مهنيين وإخصائيين وإداريين كبار في الجهاز الحكومي والقطاعين العام والخاص ، وتعريف واسع يتسع بحدود الطبقة الوسطى شمالاً وجنوباً ، ليشمل شريحة عليا تتكون من كبار الضباط والمسئولين والمديرين في شركات القطاع العام والخاص والمصرفي وبعض أساتذة الجامعات وأرباب المهن الحرة ، كذا شريحة دنيا معروفة بالبرجوازية الصغيرة تشمل صغار الموظفين والكتبة والحرفيين وأصحاب المحلات التجارية الصغيرة .

وأشار في نهاية بحثه للطبقة الوسطى المصرية للتناقض ما بين الرخاوة السياسية الظاهرة لهذه الطبقة وتفككها إجتماعياً كنتيجة للتفكك الإقتصادي والإجتماعي الذي عانته مصر منذ بداية الإنفتاح الإقتصادي والطفرة النفطية الخليجية وتوغل العولمة منذ أوائل التسعينات من ناحية ، وما لعبه شباب هذه الطبقة من دور فعال في قيادة ثورة 25 يناير من ناحية أخرى .

وانتقل الكاتب بعدها للفصل الثالث ليقدم عرضاً سريعاً لظاهرة مجتمعات الصفوة في مصر ضارباً العديد من الأمثلة عن مجتمعات الكمباوندات المُغلقة والمنتجعات السياحية الفاخرة ونوادي العضويات المحدودة ، وما يرتبط بها جميعها من نمط إستثماري ترفي لا يتناسب مع دولة فقيرة وفي أشد الحاجة لإستثمارات فعالة تزيد الثروة الإنتاجية وتفتح مجالات العمل للعاطلين .

بينما خصص الفصل الرابع لإحدى أكثر الظواهر وضوحاً وتأثيراً في حياة المصريين ، وهى الإحتكار الذي تمارسه الرأسمالية الجديدة على العديد من القطاعات الحيوية في الإقتصاد المصري ، مستعيداً تفرقة الدكتور إبراهيم شحاته أستاذ القانون للرأسمالية لأنواع ، ما بين رأسمالية مستنيرة كرأسمالية طلعت حرب تسعى للصالح العام سعيها للصالح الخاص ، ورأسمالية نصابين تقوم بالنهب السريع والتهريب للخارج ، ورأسمالية محاسيب تستفيد من أوضاع وفرص فساد سياسي وعلاقات مع السلطة ، مٌشيراً لسيادة هذا النمط الاخير في الإقتصاد المصري ، وما رتبه من أوضاع إحتكارية في معظم المواقع والمفاصل الهامة للإقتصاد الوطني .

وبشكل منطقي ناقش في الفصل التالي قضية الفساد ، التي هى إحدى المسائل الرئيسية التي حفزت الثورة على نظام مُبارك ، مُشيراً لبعض أوجه الفساد السائدة في مصر على المستويين السياسي والإقتصادي ، بدءاً من تفصيل القوانين وتزوير الإنتخابات ، مروراً بالفساد الإقتصادي المتعدد الوجوه من تخصيص إداري لأراضي الدولة ومحاباة ومحسوبية في التعيينات والوظائف الهامة والإقراض بالمجاملة دون ضمانات وعمولات عقود الدولة وصفقات السلاح والمعونات الأجنبية وإتاوات المناصب كذا مضاربات البورصة والتهرب الضريبي وصولاً إلى الرشوة والسمسرة التي أصبحت عرف يومي مُتبع على نطاق قومي !!

وفي الفصل السادس ، عبر سريعاً على قضية توزيع الدخل وسياسات الأجور في مصر ، مشيراً للاعدالة توزيع الدخول ما بين أعلى عشرة في المائة من السكان الذين يحوزون على 28% من الدخل القومي وأقل 10% الذي يعيشون على 4% فقط من الدخل القومي ، ومُنتقلاً لقضية غياب الإتساق في هياكل الاجور في مصر ما بين القطاع الحكومي والقطاعين العام والخاص في مصر ، وما نتج عنه من تشويه كبير في مستويات الدخول ؛ بما أدى لتجزء أسواق السلع والخدمات بين ما أسماه محظوظي الدخل ومعدومي الدخل !!

ثم إنتقل لمناقشة ما أسمها بالشمال والجنوب في التعليم في مصر ، مُشيراً بالنسب للقطاع الخاص الجديد من التعليم المُخصص للأثرياء الذين لا يتجاوزن نسبة 8% من مُجمل الطلاب في المرحلة الثانوية و2% منهم في المرحلة الجامعية !! مُشيراً لسوء الحالة المالية واللوجستية والمهنية للتعليم الحكومي في مصر والذي يستفيد منه القطاع الغالب من المتعلمين ، والتي قادت كنتيجة لظاهرة الدروس الخصوصية ، التي أصبحت تقريباً السوق الأساسية للتعليم في مصر ، سواءاً بالنسبة للطالب أو المعلم !!

وأنهى كختام لدراسته للتعليم بأرقام ذات دلالة فيما يتعلق بالجدلية ما بين الحالة الإجتماعية والتعليم الجامعي ، حيث أن 4.3% فقط من الجامعيين يجيئون من خلفيات فقيرة ، بينما 52% ممن أنهوا تعليمهم الجامعي هم من الخُمس الأعلى دخلاً من السكان .

ويمثل الكتاب مسحاً سريعاً مُتميزاً لكثير من الأوضاع الإجتماعية الهامة ، كانت تمهيداً لثورة يناير ، وتمثل بذاتها وبنتائجها السلبية على الفرد والمجتمع قضايا عاجلة على جدول أعمال أي حكومة قادمة .

—————————————————

الكتاب: رأسمالية المحاسيب .. دراسة في الإقتصاد الإجتماعي

تأليف: د . محمود عبد الفضيل

جهة النشر: مكتبة الأسرة - الهيئة المصرية العامة للكتاب ـ القاهرة.

سنة النشر: 2012 م .

عدد الصفحات: 136 صفحة من القطع المتوسط .