عزيز الحاج ورحلة مع تحولات مفصلية


نبيل عبد الأمير الربيعي
2012 / 9 / 20 - 09:21     

جدير بالإنسان أن يعيد تقييم تجربته السياسية خلال لفترة تجاوزت (70) عاماً وينتقد ما مرّ به من ظروف وحن وأخطاء بسبب النزعات الفردية , وثورة الشباب التي أخذت تحثهم على خوض تجربة الكفاح المسلح بسبب ظاهر جيفارا التي سادت وخيمت على أفكار الشباب نهاية الستينات من القرن الماضي .
صدر عن دار ميزوبوتاميا للطباعة والنشر كتاب السياسي المخضرم (عزيز الحاج) "رحلة تحولات مفصلية .. أوراق في مسيرتي الفكرية والسياسية" , يحتوي الكتاب على (168) صفحة من الحجم الصغير, الكتاب هو تحليل لمسيرة العراق السياسية وبعض الشخصيات التي حكمت البلاد , اضافة إلى طرح لتجربة الحركات والتظاهرات لفترة الأربعينات من القرن الماضي ودور الحاج في تلك التظاهرات حتى ثورة 14 تموز 1958 وما تخللها من احداث الموصل وكركوك ودور القوى القومية في تشوية الثورة , كان لدور جمال عبد الناصر في دعم القوميين للإطاحة بالجمهورية الفتية , والنزعة الفردية للزعيم قاسم مما دعت إلى انقلاب 1963 وسيطرة عناصر كانت بالامس أعضاء في جبهة الاتحاد ورغبتهم الاطاحة بالحكومة الملكية.
لكن من خلال طروحات الحاج فهو يعترف باخطاءه التي ادت الى الانشقاقات داخل الحزب وتوليه القيادة المركزية , وخوض رفاقة الكفاح المسلح في الأهوار (هور الغموكة) إذ راح ضحية تلك التجربة التي رفض البعض الخوض بغمارها العديد من رفاقة وعلى رئسهم (خالد أحمد زكي) ثم يطرح الكاتب اسباب فشل وانهيار المعسكرات الاشتراكية ودور استالين وماوتسي تونغ في الانتهاكات ضد الانسانية بزج اكثر من (20) مليون من الفلاحين في روسيا في المعتقلات او تنفيذ الاعدام بالبعض منهم ,و(30) مليون من الشعب الصين قد زجوا في المعتقلات وحالات الاعدام التي نفذت بحقهم وكتاب الراحل عامر عبد الله خير دليل على النظامين وبعض تصرفات انظمة المعسكر الاشتراكي (مقوضات النظام الاشتراكي وتوجهات النظام العالمي الجديد ) الصادر عام 1997.
الكتاب عبارة عن صفحات لسيرة ذاتية سياسية وشخصية قد بدلت الكثير من مواقفها على مرور الزمن من خلال التصلب في المواقف خلال العمل السياسي وهذه الثقافة العراقية والعربية عموما اذ تعاني من هذا التصلب وعدم المرونة والقاء المسئولية على الاخرين , وتوجديه الاتهامات الجارحة وتشويه السمعة لاختلاقات المواقف, وهذه صفات المتطفلين , جدير بهذا الكاتب الذي زاد من احترامي له لمواقفه هذه ,واعادة النظر بتجربته ,لكن بسبب البلايا التي يحملها العربي والعراقي ومواقفه الشخصية اتجاه الاخرين بسبب قناعاته بان توجهه السياسي هو الصحيح والاخرين على خطأ , او بسبب الذيلية لبعض القيادات, لكن اعتقد ان الكتاب هو الجلد الذاتي للحاج وليس مساَ لكرامته او ضعفا , الاعتراف بالاخطاء هو تقويم لمسيرة الفرد لمستقبل افضل , فقد عمل الحاج ضمن مسيرة شعبه النضالية , ولكن هذه المسيرة تخللتها الأخطاء وهي اخطاء الطريق بسبب قوقعة الايدولوجية المغلقة والابتعاد عن النقد الذاتي ونقد الآخرين .
من هذا يعلق الكاتب مازن لطيف على هذا الكتاب بعبارات موجزة وجريئة بـقوله " سواء اتفقنا مع الموقف او خالفناه في هذا الموضوع او ذاك ... والمهم ان يجري النقاش بموضوعيه ولغرض التحري عن الحقيقة" , انا بدوري اتفق مع الصديق مازن لطيف , كم من المواقف قد تغيرت بمسيرتي الذاتية او مسيرة بسبب مراجعاتي لما يحدث في البلد والمنطقة العربية من تغييرات وتجاذبات سياسية , ودخول بعض النفعيين المعترك السياسي ,ولتجارب الحكومات والقيادات السياسية , حريَ بنا ان نعترف بأخطائنا وأن نصفح عن أخطاء الآخرين, الكاتب الحاج في نهاية كتابه يوصي ولده سامي برسالة , وهي وصية اعتقد فيها من الصحة الكثير في بلد مثل العراق وازماته السياسية وجهل العاملين في هذا المجال من رفع شعاراتهم باقصاء وتهميش وتشويه الاخر, كان الحاج يؤكد على ولده سامي " اياك يا عزيزي ان تشتغل في السياسة لانها في العراق من امهات المصائب , والعراقيون لا يزالون بحاجة لعقود وعقود من السنين ليستردوا العافية الاخلاقية وروح المواطنة والتسامح , لقد كتب للعراق أن يكون متعدد القوميات والاديان والمذاهب , ومرت فترات كان المجتمع خلالها يتمتع بقدر لا بأس به من روح الأخوة والتعايش ... لكن تبين ان شعبنا قد ساده الخراب الثقافي والاخلاقي واشتدت الطائفية ونزعات التقوقع على العشيرة والمذهب والعرق والحزب وتهمشت روح المواطن", استاذي العزيز الحاج اشد على يديك لهذه النصيحة لأنها عين العقل في عراق لا زال يخوض تجارب مريرة وصعبه وضبابية وانعدام الرؤيا , فعلى الفرد أن يراقب الأحداث ويستخلص تجارب الماضي ويترك العمل السياسي , كي لا تتم تصفيته بيد مجنون متعصب بطائفيته او قوميته او فكره الاقصائي , شكرا لهذه النصيحة .