حول البيضة الكونية والإنفجار الكبير


عدنان الظاهر
2012 / 9 / 16 - 14:46     

بيضة الكون
( وِقفة مع بحث الأستاذ الدكتور جواد البشيتي )
لأنَّ الأستاذ جواد البشيتي قال في بحثه إنَّ إنفجار البيضة الكونية حصل خارج أوقبل الزمان وفي لا مكان وإنَّ هذين : " خُلقا " نتيجة لهذا الإنفجار ... فإنه مشكوراً أعاطني الحق في أنْ أسأل :
1 ـ ما كانت مادة هذه البيضة ؟
2 ـ من أين نشأت وكيف نشأت هذه المادة ؟
3 ـ لماذا حدث الإنفجار الأعظم وما أسبابه وآليات انفجاره ؟
4 ـ كيف يقتنعُ الناسُ أنَّ انفجار " البيضة الكونية " قد تمخّضَ عن ولادة جديدين هما الزمان والمكان ! ؟ كيف وأين كانا قبل حدوث الإنفجار ؟
منذ عقود كنا ودَرَجنا على فهم أنَّ الكونَ أزليٌّ موجود بدون بداية ولن تكون له نهاية. نعم ، وإنه يتمدد دوماً لأسباب تفسّرها الفيزياء وعلم الفلك بفرضيات شتّى ، الكون يتمدد ويتوسّع ولكن أيٌّ من عناصره ومكوّناته هو الذي يتمدد ؟ الفضاءُ ، أي المكان ، هو الذي يتمدد فقط ! لا مادة الكون تتمدد ـ إلاّ بالحرارة الفائقة ـ ولا الزمن يتمدد ! علماً أنَّ الزمان والفضاء مفهومان ميتافيزيكيان لا يراهما الإنسان ولا يلمسهما بخلاف المادة التي نعايشها نلمسها ونراها ونتفاعلُ معها وتؤثّرُ فينا لحظةً فلحظة . هل تمددتْ كرتنا الأرضية خلال المليون سنة المنصرمة وما كانت وتيرة أو متوسط سرعة هذا التمدد وإلامَ سيُفضي هذا التمدد بعد مليون أو بليون سنة ؟ هل تمددت الشمس والقمرُ وكامل منظومتنا الشمسية والمجرة الكونية التي تنتمي لها هذه المنظومة الشمسية وهل تابع علم الفَلَك هذا التمدد وتمكّن من قياس سرعته ومداه ؟ لا أجوبة عن هذه الأسئلة حتى اليوم !
إلامَ سيؤولُ مصير الكون في نهاية المطاف بعد التمدد والتوسع الدائمين بلا توقف ؟ نتيجة واحدة وجواب واحد : تبعثر الكون وتصادم عناصره ومنظوماته وأجرامه مع بعضها وإعادة تكوين الكون بنظام جديد وعلاقات تجاذب وتنافر جديدة ربما حسب قوانين جديدة لم تألفها مادة كوننا الذي ننتمي إليه اليوم . معلوم أنه مع التمدد الكوني تضعف علاقات التجاذب والتنافر بين الكواكب والنجوم من جهة وبين الأجرام السماوية من جهة أخرى وليس هناك من ضامن لتوازن وتساوي قوى الجذب والتنافر هذه فإذا حدث وأنْ فاقت قوى التنافر قوى التجاذب حصلت الفوضى الكونية وتبدّلت العلاقات الفيزيائية فتبعثرت مكوّنات الكون في فضاء غير محدود مع احتمالات أكيدة في أنْ تتصادم بعض هذه المكوّنات مع بعضها مع احتمال تكوّن مواد جديدة لم يألفها البشرُ . سيتكون كون جديد في رحم كون أزلي قديم والوليد الجديد ليس نسخة طبق الأصل ممّن أنجبه .
كيف فصل الأستاذ البشيتي مكونات الكون الثلاثة عن بعضها ؟
الكون ومنذ الأزل ثلاثي التكوين وعناصره الثلاثة لا تنفصلُ عن بعضها ولا تنفصم : الزمان والفضاء ( المكان ) ثم المادة . لا مادة بلا مكان وزمان ولا مكانَ بدون مادة وزمان ولا زمان بلا مكان ومادة . لذا فمقولة أنَّ الزمان والفضاء تولّدا أو " خُلقا " نتيجة انفجار البيضة الكونية هو كلام لا معنى له لا في مجالات العلم ولا الفلسفة . وإلاّ فالسؤال البسيط الذي يتبادر للأذهان هو : أين كانت هذه البيضة التي لا مكان لها في كون بلا زمان ؟ هل كانت مُعلّقة بحبل وما مادة هذا الحبل وأين كانت نقطة أو مكان التعليق ؟ ثم إذا كانت بيضة من مادة فمتى نشأت هذه المادة ولماذا نشأت وما مادتها وما أسباب انفجارها ؟ فسّر بعض الناس انفجار البيضة بإنه نتيجة للتراكمات الكمية ثم لقانون التناقضات بين الأضداد ! أسألهم وهم مثلي ماديون : ما كانت طبيعة تلكم التناقضات وكانت بين مَنْ ومَنْ ؟ وهل قوانين اليوم سواء الفلسفية أو الفيزيائية كانت هي نفسها في زمان الإنفجار الأعظم ؟
البيضة الكونية والأنفجار العظيم أو الكبير ما هما إلاّ فرضيتان من بين جملة فرضيات متعددة لذا لا ينبغي التعويل عليهما كثيراً ولا الركون إليهما كنظرية لا من مجال للشك فيها . الكون موجود لا يحتاج إلى مّن يكوّنه وسيبقى إلى أبد الآبدين مستقلاً في زمانه وفضائه ومادته . أما كيف تكوّن أو كيف نشأ هذا الكون فتلك أسئلة ستبقى موضوع دراسات معمّقة وأكثر جدية وستستغرق أعماراً وأجيالاً وأجيالاً ثم لا تنتهي إلى نتيجة نهائية . سيسلّم العلماء أنْ لا جدوى من تساؤلاتهم حول منشأ الكون لأنه موجود غير مُنشأ وغير مُحدث وأنه لذا لم يكن محصوراً في بيضة أو في نقطة متناهية في حجمها غير متناهية في مادتها التي هي مادة الكون . على العلماء جميعاً أنْ يصرفوا جهودهم على حقيقة تمدد الكون فضائياً وعلى نتائج هذا التوسع الدائم وإلامَ سيُفضي في نهاية المطاف .
الزمان / الإله الخالق !
لي وجهة نظر قد تبدو مُضحكة لكني أراها جديرة بالإهتمام وقد تبدو من قبيل اللعب واللهو وتصريف الوقت لكني ملتزمٌ بها رغم افتقاري للأدلة العلمية .. مفادها أنَّ الزمن هو خالق الكون ! وأنه هو الرب الوحيد خالق كل شيء ! إنه رب فريد من بابه يخالف جميع مَنْ نعرف من الأرباب والآلهة فيما قبل وبعد الأديان . إنه ليس بحاجة إلى أنبياء ورُسل يتوسطون بينه وبين البشر ولا إلى أديان للتوحيد والعبادات وحرق البخور ونحر القرابين والأُضحيات . إنه رب مجرّد غير منافق ولا مُداجٍ وغير دعيٍّ ينسب لنفسه ما ليس فيه ! لم يخترعه البشر إنما البشرُ خاصة يمثلون بعضه فيه حياتهم وفيه محياهم .. فيه يولدون وفيه يموتون فلا إلى نارٍ ولا إلى جنة . فيه نورّخ يوم وشهر وسنة ميلادنا وفيه نؤرّخ ساعة ويوم وشهر وعام وفاتنا فإنه هو ، الزمن ، خالقنا وإنه هو مُميتنا وإنه هو لذلك ربّنا الذي لا نعبدُ ولا نتقرّبُ إليه خائفين متزلفين منافقين ابتغاء رضوانه وإنه هو الواحد الأحَدُ الصَمَدُ لا غيره !
قد أتطرف أكثر وأخطو خطوة أخرى في هذا السبيل غير المُعبّد لأقولَ إنَّ الزمن هو الأول فيه المكان وفيه مادة الكون .. وإنه ، الزمن ، هو القوة الخارقة لتمدد
الكون فضائياً بالدرجة الأولى .. إنه محرّك وداينمو حركة التوسع الدائمة هذه. وللتمدد قوانين فيزيائية يعرف الناس بعضها لكنهم يجهلون أغلبها أو بعضها .
ما حقيقة فعل وتأثير الزمن في حركة التمدد الكوني ؟ إنه " يضبط " هذه الحركة ويحدد معدلات تسارعها وإنها جميعاً تؤَّرخ بالزمن نفسه كما هو الشأن مع بني الإنسان مولداً ووفاةً . الزمن هو الخالق وهو المطوِّر وإنه هو عامل وحافز التوسع والتمدد فالتوسع تطور يُفضي إلى مستجدات كثيرة ويفتح آفاقاً كثيرة جديدة وبالتالي نشوء عالم آخر له قوانينه الفيزيائية الخاصة لأنَّ لكل مادة جديدة قوانين خاصة بها تتحكم في عمليات وتفسر عمليات التغيّر والتطور والتفكك فيها.
أخي الأستاذ جواد البشيتي : تعال أنتَ وأنا نتقرّب للرب الجديد بأن نذبح له ديكاً بيّاضاً قربانا وتقرّباً منه لكي يُطيلَ في عمرينا فما رأيكم ؟
ملاحظة : أطال الدكتور جواد في مكثه مع الأستاذ المصري [ لا يحضرني اسمه ] وهي إطالة مُبررة وجيدة جيداً لكنها جاءت على حساب القسم الأول من مبحثه .. أعني القسم العلمي ، فإني أحسب أنَّ الدكتور الباحث لم يوفه حقه وقد أنفق الكثير من الجهد والوقت على فرضية الإنفجار الكبير كأنه مقتنع به ومُتبنيه حرفياً .

عدنان الظاهر 16.09.2012