الاصلاحات الاقتصادية في العراق


عودت ناجي الحمداني
2012 / 9 / 10 - 08:30     


ان فلسفة الاصلاحات التي تبنتها الحكومة العراقية تعتمد الية السوق الحر محورا للنشاط الاقتصادي والغاء الوظيفة الاقتصادية للدولة والتوجه نحو القطاع الخاص في محاولة لجذب الاستثمارات الوطنية والاجنبية واعادة هيكلة الاقتصاد العراقي على اسس راسمالية. والجانب السلبي في هذة العملية فان الاصلاحات تتم بتدخل مباشر من صندوق النقد الدولي, ومصادرة حق العراق في تحديد ستراتيجيته الاقتصادية وفقا لبيئته الاقتصادية والسياسية. ونستنتج من ذلك ان الاهداف الحقيقية للاصلاحات التي حددها صندوق النقد الدولي هو سعيه الجاد لهيكلة الاقتصاد العراقي على اسس الليبراليه الأقتصاديه.
فحزمة الاجراءات التي تقوم بتنفيذها الحكومة العراقية يجب ان تستهدف اعادة النظر في الأختلالات الهيكليه الناتجة عن عوامل خارجية كالعجز في ميزان المدفوعات وتفاقم الديون الخارجية وعوامل داخلية كعجز الموازنة وزيادة البطالة وتدهور الانتاج واستفحال التضخم وما شابه ذلك.
ان تجارب الأصلاحات التي طبقت في مصر وتونس والاردن وفي دول اخرى وفقا لفلسفة صندوق النقد والبنك الدوليين وربطها بحل ازمة المديونيه الخارجيه والتي يجري الترويج لها في العراق قد اثبتت عدم جدواها وادخلت البلدان التي قامت بتنفيذها في ازمات اقتصادية ومالية طاحنة لانها تقوم على الغاء دولار الدولة في عملية التخطيط الاقتصادي كمدخل لبرناج الاصلاح الاقتصادي والمالي، ووفقا لهذة الفلسفة , فصندوق النقد الدولي هو الذي يقوم بوضع برامج الاصلاحات ويشرف على تنفيذها و تصبح الحكومه العراقية مسؤولة عن تنفيذ هذة الوصفة وعن الفشل والاخفاق الذي يرافق هذة العملية .
ان معالجة هذة الاشكالات وفقا لمنظور الاقتصاد الحر تتم عبر منح الاولوية للقطاع الخاص والتوجه نحو خصخصة الاقتصاد للتعجيل بدمج الاقتصاد العراقي في السوق الراسمالية . ونعتقد ان الازمة الاقتصادية المتفجرة في العراق منذ امد بعيد هي احد افرازات هذة السياسة التي يصر على تطبيقها صندوق النقد الدولي .
والاقتصاد العراقي في ظروفه الريعية هو بامس الحاجة الى الدور الاقتصادي للدولة الذي يمكن ان يخلق صيغا كثيرة للتعاون بين الدولة والقطاع الخاص من اجل تحفيز الاستثمار والتصدير وتقليل فرص الاستيراد وخلق بدائل انتاج سلعي يغطي متطلبات السوق العراقية.
فالنجاحات التي حققتهاالاصلاحات الاقتصادية في الصين والهند ودول النمورالاسيوية الاربعة كانت بسبب تنفيذها سياسات اقتصادية ومالية وطنية وعدم رضوخها لأملاءات صندوق النقد الدولي .
فقد استطاعت هذة البلدان ان تنشأ اقتصاديات سوق مختلطة بين الدولة و القطاع الخاص ساهمت بدرجة كبيرة في تطور اقتصادها وفي انهاء معاناة الاسواق المحلية للمنتجات السلعية.
فالفاض الاقتصادي الذي حققته الصين يظهر مدى اهمية الدور الاقتصادي الذي تقوم به الدولة في ادراة الاقتصاد وفي توفير الطلب الاستهلاكي والتصديري.
فنموذج التنسيق والتعاون بين نشاط الدولة والسوق هو النوذج الاكثر نجاحا في التنمية الذي اعتمدته الاسواق الناشئة في الصين والبرازيل وروسيا والهند. وان النجاحات التي حققتها هذة البلدان هو بفضل دور الدولة في العملية الاقتصادية وهودليل قاطع على اهمية هذا الدور الذي ترفضه نظرية الليبرالية الجديدة.
وعليه فان الارتفاع الجنوني في اسعار السلع والخدمات وزيادة عدد اللذين يعيشون دون خط الفقر وانفلات ازمة السكن والبطالة والتدهور الامني والاقتصادي وتفاقم الفساد المالي والاداري تشكل تحدياكبيرا لاقامة اقتصاد سوق حر ومتوازن في العراق و تخلق ظروفا خصبة لنشوء مافيات احتكارية و نهابه , في الوقت الذي يحتاج فيه العراق الى اقتصاد متعدد المصادر لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والامن الغذائي .
إن الاجراءات المتبعة في العراق ستكون في المحصلة النهائية عملية تقييد وبيع ونهب للثروة النفطية، وخلق فرص استثمارية مربحه للشركات الاجنبية الراسمالية. فبرنامج التكيف الهيكلي في العراق سوف يؤدي الى إحداث تغييرات مدمرة في هيكل الاقتصاد العراقي فيقضى على القطاع الصناعي ويزيد النزعة الاستهلاكية ويحول الاقتصاد العراقي إلى اقتصاد استهلاكي واحادي الجانب ويزيد من اعتماده على الريع النفطي .
كما تؤدي هذة الاجراءات الى إعادة توزيع الموارد الاقتصادية بين القطاعات المختلفة بشكل غير متوازن ، وتزيد الفجوة في توزيع الدخل والثروة بين الطبقات والأفراد. وتحدث خلل في الهيكل الاستثماري نتيجة لعدم التناسب بين حجم الاستثمارات الأجنبية والوطنية , وزيادة معدل البطالة، وارتفاع حاد في اسعار السلع الأساسية كنتيجة حتمية لإلغاء الدعم الحكومي. وانخفاض التراكم الاستثماري المحلي بسبب عزوف الاستثمارات الأجنبية عن إعادة تدوير الأرباح المتراكمة في مشاريع تخدم الاقتصاد الوطني وتسهم في خلق فرص عمل للعاطلين.
وعليه فالاستثمارات الأجنبية سوف تخلق فرص عمل متنوعة ولكنها محدودة وغير قادرة على امتصاص البطالة الناجمة عن تصفية القطاع العام وتسريح قوى الجيش والشرطة, واحلال الكوادر الأجنبية محل الكوادر العراقية في الإدارات العليا ومراكز اتخاذ القرار.
ونعتقد ان صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية الدولية مطالبة بمعاملة العراق معاملة استثنائية بسبب ظروفه الحرجة والتخفيف من صرامة شروط صندوق النقد الدولي بخصوص الدعم الحكومي للسلع التموينية والخدمات العامة.
وعليه فان اعتماد مبدأ اقتصاد السوق الحر لا يتعارض مع الاستفادة من إمكانيات قطاع الدولة, وضمان تنفيذ سياسة اقتصادية اجتماعية تدعم اسعار سلع وخدمات حيوية وضرورية تنتفع منها اوسع أوساط الشعب. فالحالة الاقتصادية الراهنة في العراق تستوجب أن يلعب قطاع الدولة دوراً نشيطاً وفعالاً إلى جانب القطاعين الخاص والمختلط المحليين في مجال اقتصاد النفط الخام والمصافي وفي تأمين البنية التحتية للنشاط الاقتصادي والتنمية الوطنية, خاصة وأن الدولة مالكة للثروة الأولية وممولة جيدة في المستقبل.
كما أن العراق سيبقى بحاجة ماسة إلى نشاط القطاع الخاص المحلي ودفعه وتحفيزه لاستثمار رؤوس أمواله في النشاط الاقتصادي الإنتاجي والخدمي وفي مختلف فروع الاقتصاد , واستعادة رؤوس الأموال العراقية الموظفة حالياً في البنوك الأجنبية.
ان الاصلاحات الاقتصاديه غالبا ما تترافق مع رفع الدعم عن السلع والخدمات الاساسيه وتؤدي الى الاستغناء عن عدد من العاملين في قطاعات التحول الى القطاع الخاص. ويؤدي ذلك الى نتائج سلبية على قطاعات غير قليلة من السكان.
ولتخفيف الاثار السلبية لهذة الاجراءات نرى من الضروري تفعيل قانون شبكه الحمايه الاجتماعيه بحيث يسهم في تخفيف الازمة الاقتصادية على المواطنين الذين يستحقون الدعم المقدم لهم من الشبكه .
ان إيرادات النفط الضخمة تجعل العراق ليس بحاجة إلى معونات مالية من الخارج بشروط تؤدي إلى فرض وصايا و سياسات في غنى عنها. فاوضاع العراق تتطلب إدارة وطنية تتسم بالكفائة وتنطلق من تحديد اهداف اقتصادية واضحة وسياسات مالية كفوئة وبرامج استثمارمحددة لتحفيز النمو الاقتصادي . اما سياسة الانفتاح المنفلته على الخارج فلم تؤدي الا الى استنزاف موارد العراق المالية وثرواته الوطنية .
وعليه فالاستقرار الاقتصادي اساس الاستقرار السياسي ولهذا فالحكومة مطالبة بتحديد فلسفة اقتصادية تخدم المصالح الاقتصادية والمالية للعراق وتضع حدا للاملاءات الخارجية لاخراج البلد من نفق الازمات الملتهبة التي يقبع بين جدرانها .