لماذا كل هذه -الصربعة- ؟!


سعد هجرس
2012 / 9 / 5 - 18:25     

لا أجد وصفاً يليق بالطريقة التى يتصرف بها البعض الآن سوى كلمة "الصربعة" المصرية الدارجة، حيث يحاول هؤلاء فتح ملفات بالغة الأهمية وإغلاقها بسرعة فائقة دون دراسة متأنية، ودون تدبر لعواقب هذا التناول المتعجل للأمور، ودون مراعاة لدواعى الشفافية والحوار الجاد مع مختلف الأطراف ذات الصلة، ودون الحرص على التوصل إلى توافق مجتمعى حول معايير وأبعاد التغيير المنشود.
أنظر مثلاً إلى اللجنة التأسيسية المنوط بها إعداد وصياغة الوثيقة الأهم للبلاد فى هذه اللحظة، ألا وهى وثيقة الدستور، حيث نجد أن التعتيم هو القاعدة وليس الاستثناء، فلا نعرف – بالضبط – حقيقة الآراء والاجتهادات المختلفة المتصارعة داخلها، اللهم إلا من خلال تسريبات متضاربة ومبتسرة.
ومن خلال هذه التسريبات نفهم أيضاً أن هناك استعجالاً شديداً لـ "الانتهاء" من وضع مسودة الدستور فى أقرب وقت، رغم أن المجتمع لم يحظى – بعد – بفرصة الحوار الحقيقى، حول مواد هذا الدستور.
وكل هذا يسوغ السؤال: لماذا هذه "الصربعة" فى إصدار وثيقة ستكون بمثابة العقد الاجتماعي الجديد للجمهورية الثانية ليس لسنة أو سنتين .. وإنما لعقود قادمة.
محاولات الإجابة على هذا السؤال غير مريحة على الإطلاق، لأنها كلها تقع فى دائرة الانتهازية السياسية وقصر النظر والافتقار إلى الرؤية التاريخية لمتطلبات بناء الدولة المدنية الحديثة.
فالاجتهاد الأول للبحث عن إجابة لهذا السلوك الأهوج هو أن البعض يحاول السباق مع الزمن والانتهاء من إعداد مسودة الدستور، وتمرير هذه المسودة من خلال استفتاء "مسلوق" على طريقة استفتاء مارس 2011 قبل أن يصدر حكم قضائى جديد ببطلان تشكيل هذه اللجنة التأسيسية التى أعيد تشكيلها على نفس الأسس التى صدر حكم قضائى من قبل ببطلانها. وليست المسألة مقتصرة فقط على حكم قضائى متوقع، بل إن الرئيس الدكتور محمد مرسى نفسه تعهد قبيل انتخابه رئيساً للجمهورية بـ "إعادة التوازن إلى تأسيسية الدستور". هذا التعهد الذى جاء ضمن بيان "فيرمونت" الشهير يعتبر اعترافاً رئاسياً بـ "اختلال" اللجنة التأسيسية وافتقارها إلى التوازن.
وبدلاً من معالجة هذا الخلل والاحتذاء باعتراف الرئيس اختار البعض فى حزب الحرية والعدالة الاخوانى وبعض فصائل تيار الاسلام السياسى معالجة الخطأ بخطأ أكبر، من أجل خلق "أمر واقع"، والقيام بما يشبه "الضربة الاستباقية" لأى حكم قضائى من المرجح أن يصدر ضد هذه "اللكلكة".
ويتصور هؤلاء أن حصر المناقشات حول مواد مسودة الدستور الجديد داخل الغرف المغلقة بين أقل من تسعين شخصاً معظمهم من تيار الإسلام السياسى، ثم التعويل على حملة دعائية تصور التصويت لصالح هذه المسودة سابقة التجهيز باعتباره تصويتاً لصالح الإسلام،..، يتصورون أن هذا سيضع الأمة كلها أمام أمر واقع يستحيل تغييره.
***
نفس الشئ تقريباً نجده فى الإصرار على تعيين رؤساء جدد لمجالس إدارات المؤسسات الصحفية القومية، قبل الموعد المفترض بعام كامل، وأيضاً دون حوار مع كل الأطراف المعنية بما فى ذلك نقابة الصحفيين والمجلس الأعلى للصحافة.
هنا أيضاً نجد أن مجلس الشورى المسئول عن هذه القرارات يسابق الزمن ويحاول استباق حكم قضائى ببطلانه هو نفسه. وبالتالى فإنه يريد خلق أمر واقع قبل أن يحمل عصاه ويرحل. ولأن "الغاية تبرر الوسيلة" كما يظن البعض فإن مجلس الشورى الموقر لم يتورع عن الاعتماد فى محاولته تمرير هذه القرارات على قوانين النظام السابق التى كانت إحدى مطالب ثورة 25 يناير إلغاءها.
لكن مجلس الشورى تصرف بطريقة ميكيافيلية وضرب عرض الحائط بمطالبة الثورة والثوار بإلغاء وزارة الاعلام وإلغاء وصاية مجلس الشورى على الصحافة القومية، واستبدال هذه السطوة وتلك الوصاية بمجالس وطنية مستقلة استقلالا حقيقياً.
وإذا كان هذا يفسر "الصربعة" فى اتخاذ هذه القرارات بهذه الصورة السيريالية فإنه لا يضمن لها البقاء. لأنها – باختصار – بدون منطق وتفتقر إلى النزاهة والحكمة وبعد النظر والرضى العام.