حقيقة الوعي عند ابن خلدون


مجدي مشعل
2012 / 9 / 5 - 04:21     

يجب ان ندرك اولاً أن الفكر التاريخي والاجتماعي العالمي تجاوز ابن خلدون في النظر إلى التاريخ والمجتمع، ولكن العقل العربي الراهن والسائد على صعيد الوعي الشعبي العام مازال بأشد الحاجة إلى نهجه العقلي ونهجه العملي الواقعي لفهم خصوصيات مجتمعه الذي لم يتجاوز نهائياً النظرات الخلدونية في بعض جوانبه، رغم ضغوط التطورات العالمية المحيطة والمتزايدة. ثم أنه حان الوقت، بل تأخر، لأن تحل النظرة العقلية والواقعية التي جاء بها ابن خلدون إلى واقع التاريخ العربي بمجمله، محل النزعة الرومانسية - والوهمية - السائدة لدى أغلب العرب والمسلمين في نظرتهم إلى تاريخهم


ابن خلدون يقول في مقدمته:

«إذا تبدلت الأحوال جملة فكأنما تبدل الخلق من أصله وتحول العالم بأسره وكأنه خلق جديد ونشأة مستأنفة وعالم محدث».


:ويقول في موضع آخر قولاً ينم على فهمه العلاقة الجدلية التي تربط الإنسان بتاريخه:

- حقيقة التاريخ أنه خبر عن" الاجتماعي الإنسان" ، الذي هو عمران العالم وما يعرض طبيعية ذلك العمران من الأحوال مثل التوحش والتأنس والعصبيات وأصناف التقلبات للبشر بعضهم على بعض وما ينشأ من ذلك من الملك والدول ومراقيها وما ينتحله البشر بأعمالهم
ومساعيهم من الكسب والمعاش والعلوم والصنائع وسائر ما يحدث في ذلك العمران بطبيعته من الأحوال».


كما اهتدى ابن خلدون إلى أن التاريخ لا يعيد نفسه وأوضح ذلك إيضاحاً لا لبس فيه فكتب يقول:
من الغلط الخفي في التاريخ الذهول عن تبدل الأحوال في الأمم والأجيال بتبدل الأعصار ومرور الأيام وهو داء دوي شديد الخفاء إذ لا يقع إلا بعد أحقاب متطاولة فلا يكاد يفطن له إلا الآحاد من أهل الخليقة، وذلك أن أحوال العالم والأمم وعوائدهم ونحلهم لا تدوم على وتيرة واحدة ومنهاج مستقر، إنما هو اختلاف على الأيام والأزمنة وانتقال من حال إلى حال وكما يكون ذلك في الأشخاص والأزمان والإعصار فكذلك يقع في الآفاق والأقطار

ويعتمد ابن خلدون في استنتاجاته على الحضارات العديدة البائدة أو القائمة في زمانه ليدلل على أن التاريخ ليس تكراراً أو عوداً متواصلاً على بدء وإنما هو تطور وهذا الخلق لا يزال يرتقي في سلم «التدرج في المخالفة حتى ينتهي إلى المباينة بالجملة» كما أنه فطن إلى حقيقة الوعي الذي لا يحظى به إلا الآحاد،، لأن الإنسانية كانت قديماً تساق إلى مصيرها في غيبوبة بين اليقظة والوعي، ويزداد وعيها وضوحاً أكثر فأكثر، فالتاريخ إذن هو وعي التطور والاضطلاع به والإنسان هو الكائن الذي بفضله ينقلب التطور الشامل لكل الطبيعة تاريخاً بالمعنى الإصطلاحي.