محطات في عمر الثورة السورية


ثائر الناشف
2012 / 9 / 1 - 22:44     

منذ ما يزيد عن سبعة عشر شهراً ، وربيع الثورة السورية لا يقف عند محطة بعينها، بدءاً من الإعلان عنها كثورة سلمية تتحد في أهدافها مع أهداف ثورات الربيع العربي الأخرى، وصولاً إلى اعتمادها الخيار العسكري المسلح كحل أخير لاقتلاع النظام الأسدي من جذوره .
هذا الربيع السوري المتجدد يومياً بدماء الشهداء والجرحى ، يأبى الانكسار أو التراجع رغم كل الصعاب والمعوقات التي اعترضت طريقه، وأولها اعتماد نظام الأسد سياسة القتل الممنهج ضد تطلعات الشعب الثائر، وثانيها التخاذل الإقليمي والدولي في دعم تطلعات الشعب السوري وتوفير الحماية له من أعمال القتل التي يرتكبها نظام الأسد، أما ثالثها يتمثل بالاستعصاء الراهن في مجلس الأمن الدولي والفشل الذريع في استصدار قرار دولي يدين الجرائم والمجازر التي يمارسها نظام الأسد بلا هوادة .
وإذا ما استعرضنا الثورة السورية ضمن مجموعة من المحطات، فلا بد لنا من الوقوف عند كل واحدة منها والحديث عنها بالتفصيل.
المحطة الأولى : تتمثل بالطابع السلمي الذي عرفته الثورة السورية منذ بداية انطلاقها بتاريخ 15 آذار / مارس عام 2011 ، من الساحات العامة و المساجد، وكانت الدوافع الأساسية منحصرة برفع الظلم والحيف والكبت الذي تمارسه أجهزة أمن نظام الأسد، خاصة بعد حادثة اعتقال أطفال درعا الأربعة عشر الذين نالهم تعذيب وحشي في فروع المخابرات، كان سبباً مباشراً لانطلاق شرارة الثورة من محافظة درعا التي أصبحت اليوم معقلاً ومهداً للثورة السورية في مراحلها الأولى .
المحطة الثانية : شهدت هذه المحطة، انهيار جدار الخوف الذي عمل نظام الأسد على بنائه في عقول وقلوب الشعب السوري طوال أكثر من أربعين عاماً ، وبدأت جماهير الشعب تتدفق إلى الساحات والميادين بكثافة غير معهودة، لاسيما وأن المواطن السوري ظل ممنوعاً من الخروج بمظاهرات سياسية مناوئة لنظام الأسد، ولم يكن الانهيار الحاصل في جدار الخوف بلا ثمن ، فالثمن كان من خلال سقوط قافلة من الشهداء والجرحى برصاص أجهزة الأمن، فضلاً عن الاعتقالات الواسعة في صفوف الناشطين .
المحطة الثالثة : من أبرز تجلياتها، رفع الجماهير في سوريا لشعار ثورات الربيع العربي " الشعب يريد إسقاط النظام " فالشعب السوري وجد لزاماً عليه السعي للإطاحة بنظام الأسد، فهو نظام يزيد الأنظمة المستبدة التي عرفها التاريخ المعاصر، فساداً وطغياناً وديكتاتورية ، وفوق ذلك كله، انتقاصه المستمر لكرامة المواطن السوري وسرقته للقمة عيشه، ومتاجرته بقضايا الأمة وادعاءاته الكاذبة بالصمود والمقاومة والممانعة، وارتهانه البلاد لحليفه الإيراني الذي حول سوريا لولاية تابعة له .
المحطة الرابعة : استفاقت المعارضة السورية بشقيها الداخلي والخارجي على وقع الثورة السورية، التي قادها الشباب بعيداً عن الأجندات الحزبية والسياسية ، وبدأت المعارضة تعيد ترتيب أوراقها المبعثرة منذ اليوم الأول ، فعقدت عدة مؤتمرات سياسية خلال النصف الأول من عمر الثورة ، وكان الهدف من هذه المؤتمرات ، توجيه الدعم للثورة ، غير أن التباين السياسي بين فصائلها وتياراتها ، حال دون توفير الدعم المطلوب ، كما أن انشغالها في بعض القضايا والخلاف حولها كما حصل خلال الإعلان عن تشكيل المجلس الوطني من أكثر من جهة معارضة ، أدى إلى افتقاد التمثيل السياسي الأمثل للثورة ، وحصول فجوة عميقة بين مطالب الثورة ، ومساعي المعارضة .
المحطة الخامسة : تحرك الدبلوماسية العربية تجاه ما اصطلح على تسميته بالأزمة السورية ، وبداية هذا التحرك ، كان من خلال جامعة الدول العربية التي ذهبت باتجاه تعليق عضوية النظام السوري لديها ، فكان رد النظام مزيداً من القتل والدمار للمدن ، ثم ما لبثت الجامعة العربية أن أوفدت فريقاً من المراقبين العرب لتقصي الأوضاع على الأرض ، لكن مهمة الفريق باءت بالفشل وتحولت لمهلة مفتوحة لنظام الأسد ليمارس القتل والإجرام دون قيد أو شرط .
المحطة السادسة : انتقال الملف السوري من أروقة الجامعة العربية إلى مجلس الأمن الدولي ، بعد الفشل الذريع الذي منيت به جهود الجامعة العربية نتيجة لتعنت نظام الأسد ورفضه لكل الحلول والمقترحات ، حيث أخذت المبادرات الدولية تشق طريقها تحت قبة مجلس الأمن ، وجلها تركز على إيجاد آلية تفضي للانتقال السياسي للسلطة، ولكن أياً من هذه المبادرات السياسية لم يعرف طريقاً للنجاح وآخرها مبادرة المبعوث المشترك كوفي أنان ، لتصلب الموقفين الروسي والصيني إزاء المبادرات المطروحة وانحيازهما غير الأخلاقي لجانب نظام الأسد.
المحطة السابعة : تمثل الخيار الثاني الذي تسير عليه الثورة اليوم، ممثلاً بالطابع العسكري المسلح ، الذي اتجهت إليه قوى الثورة الميدانية ، بعد سلسلة الانشقاقات العسكرية عن صفوف جيش الأسد ، وتشكيل الجيش الحر، رغم قلة الإمكانيات التسليحية للجيش الحر وعدم توازن القوى في العتاد الحربي ، إلا أن هذا الخيار ، كان لا بد منه لحماية الممتلكات العامة والخاصة من سلب ونهب وتدمير قوات الأسد والدفاع عن أرواح المدنيين العزل في ظل توحش نظام الأسد ، وبذات الوقت للحفاظ على استمرار الثورة ، بعد أن لمس الشعب السوري حجم التواطؤ الدولي والتخاذل الإقليمي تجاه نصرة قضيته العادلة والمحقة في الحرية والكرامة .