هل نعيش ظروف عدوان 1982؟


خالد حدادة
2012 / 9 / 1 - 13:23     

من سخرية الأقدار أن يتكرر في لبنان وفي ظروف لديها أوجه كبيرة من الشبه، نماذج من الحكام في المواقع الأساسية في الدولة ومؤسساتها من لا يهتم بتهديدات تصدر عن كيان العدو ضد لبنان ودولته، وكأن التهديد يطال جرماً في كوكب آخر.
ففي العام 1982، نقل عن ديبلوماسيين غربيين، أنهم نقلوا لرئيس الجمهورية حينها، الياس سركيس، تهديداً واضحاً باحتلال لبنان وبالقضاء على المقاومة إذا لم تقم الدولة اللبنانية بدورها في هذا المجال.
وكان واضحاً حينها تآمر الدولة اللبنانية، عبر خلية الأزمة التي تشكلت من مسؤولين كبار في قيادة الجيش والمخابرات وفي الأحزاب اللبنانية من أجل مواكبة هذا الاجتياح والتحضير لرئاسة بشير الجميل، على وقع الاحتلال الإسرائيلي، تحضيراً لمعاهدة أمنية بين لبنان والعدو.

لم يقتصر التحضير حينها على الداخل اللبناني، بل عملت الأطراف المعنية على تأمين الغطاء العربي للاحتلال والتطورات التي يمكن ان تنتج منه. ولم يكن صعباً على الولايات المتحدة، تحضير الأجواء بهذا الاتجاه في واقع عربي، استطاع معه السادات وحكمه إخراج مصر من معادلة الصراع العربي الإسرائيلي عبر اتفاقية الاستسلام، والأردن بالأساس محضرة وجاهزة، وتُوج الأمر بتحضير خزان النفط عبر إعلان بشير الجميل بداية معركته الرئاسية من الخليج والسعودية بالذات، وبالتالي عبر تبني نتيجة الاحتلال على المستوى الداخلي، إعلان قبول ضمني لمقدماته وخاصة الاعتداء والاحتلال الصهيوني المفترض.
ولم يردع السعودية حينها واقع أن «البيئة» المحتضنة للمقاومة في ذلك الوقت كانت أساسا «البيئة» المساندة للمقاومة الفلسطينية ومنها خاصة المدن والمناطق ذات الأكثرية «السنية» التي يدّعي حكام المملكة اليوم الحرص عليهم ويدفعونهم في أتون معارك مذهبية، يدفع ثمنها الشعب اللبناني والوطن اللبناني، كرمى لعيون المخطط الأميركي - الصهيوني الذي يشكل حكام المملكة «الخزندار» الأكبر لمعاركهم في المنطقة.
أما الجبهة المقابلة المفترضة، فلقد كانت تعاني من أمراض سرطانية هي جزء من تكوينها. فالعراق يومها غارق ومستنفد بمعركته مع إيران، التي بدورها كان يتحكم فيها المرض الامبراطوري بلباسه الإسلامي هذه المرة. وسوريا والمقاومة الفلسطينية محكومتان بمرض الاحتواء المتبادل والمكلف والذي على أساسه تحاصصا عبر عمليات جراحية النفوذ على القوى السياسية اللبنانية المفترض فيها مواجهة العدوان نظراً لغياب الدولة أو تغييبها. وكانت المقاومة وعبر سنوات تعيش فترة تصادم مع مجموعات واسعة من الشعب اللبناني ليست كلها من علامات التآمر والمؤامرة، بل كان لأوهام السلطة التي طغت على روحية المقاومة حينها وللتجاوزات المرافقة واللعب على وتر الاحتواء للقوى السياسية اللبنانية وتبني المجموعات «والعصابات» دور حاسم في فقدانها غطاءً شعبيا حمى وجودها ودورها منذ وجودها في الجنوب اللبناني حتى بداية الثمانينيات. وكانت ذروة مظاهر الانحراف والتجاوز، تلك المعركة ضد صيدا... ودائماً صيدا... تلك كانت أجواء لبنان والمنطقة في تحضيرها لعدوان واحتلال 1982...
[[[
اليوم وبعد ست سنوات بالتمام على الصمود والانتصار الكبير الذي حققه شعبنا بمقاومته وجيشه، والذي استطاع طرح تساؤل حقيقي حول وظيفة الكيان الصهيوني في إطار المخططات الأميركية في الشرق الأوسط وفي الهمّ الدائم بالسيطرة على الثروة العربية، تعيش المنطقة حالة انتقالية صعبة، يميزها بشكل رئيسي حالة الانتفاضات الشعبية العربية بوجه الأنظمة العربية التي ارتكبت مثلث الخيانة والتجويع والقمع، في ملكياتها و«جملكياتها».
ومن لم يكن أسيراً لمثلث الخيانة والتجويع والقمع، أخضع شعبه لثنائية القمع والتجويع، وها هو الشعب السوري اليوم يعيش أسير تقاطع أزمتي التآمر من الخارج وشبه حرب أهلية في الداخل... وحتى الثورة الفلسطينية، أسرت نفسها ضمن سلطتين تساهمان في إضاعة القضية، عبر انحباس الاختيار بين أوهام سلطتي رام الله وغزة بما تعنيه السلطة في العالم العربي اليوم من قمع وتجويع وتخل عن منطق المقاومة دون أي التزام دولي أو عربي بحقوق الشعب الفلسطيني وبخاصة حقه في دولته وفي العودة...
إن الوضع العربي الذي يعيش حالة صراع انتقالية بين طموحات الشعوب العربية وبين المخطط الأميركي، في ظل أنظمة عميلة أو عاجزة أو مرتبكة.. وبرغم الآمال التي يحملها في المستقبل، فهو اليوم أسوأ من الأجواء التي كانت سائدة عام 1982 وفي أحسن الأحوال يشبهها...
والوضع اللبناني، هو في حالة أسوأ، حكومة نائية بنفسها عن نفسها وعن كل القضايا التي تهم شعبها. ووطن غارق بالعتمة والفقر، وقوى أمنية، الموحد فيها حتى الآن محاصر بغياب القرار السياسي ونعني به الجيش، ومنظومات أمنية أصبحت حصصاً بيد المذاهب والطوائف...
حكومة لا تتشاطر إلا على فقرائها، فتماطل في إعطاء عمالها ومعلميها وموظفيها حقوقهم، حتى لا يضطرها الوضع للمس بالخطوط الحمراء التي وضعها برجوازيو لبنان وأولئك الذين نهبوا المال العام على مر السنوات الماضية، كيف لا وهي حكومة مجموعة من «الأغنياء الكبار» ممن مصالحهم موجودة في الدول التي لا تريد للبنان الخلاص من محنته وتريده دائماً منصة للتآمر على الوضع العربي...
وهذا الوضع وبفعل آليات النظام السياسي الطائفي أوصل البلد الى حالة من التشتت والتمذهب المحرك من الخارج، والممول منه، والذي وصل معه الوطن إلى أن يصبح أشلاء يتحكم بها العشائر وزعامات الشوارع والأحياء وبعض «أئمة الجوامع»
وضع أصبحت فيه المقاومة بفعل التآمر وبفعل البنية المذهبية، عامل انقسام وليس عامل توحيد، تشارك في السلطة ولا تفعل فيها، ولا تؤثر عبر هذه المشاركة في الدفع باتجاه تحقيق آمال وطموحات ومطالب الفئات الشعبية التي يفترض ان تكون بيئتها الحاضنة من الجنوب إلى الشمال والجبل والبقاع والى بيروت...
ولذلك، ورغم ان البعض يتصور أن الوضع العربي الراهن يريح العدو من دوره ومهماته، وفي ذلك جانب من الصحة، ولكن للعدوان الإسرائيلي أهدافاً أخرى تتعدى دور المتفرج والفرح بما يجري حوله، وتتعدى التفسير الذي يحصر الموقف بالثأر... تتعدى كل ذلك إلى رغبة العدو الإسرائيلي وقيادته باستعادة وظيفة عطلتها المقاومة الشعبية من فلسطين إلى لبنان الستينيات حتى الآن...
إن حكام إسرائيل وقواها السياسية موحدون حول حقيقة ضعف هذا الدور وضرورة استعادته، خصوصاً في خضم المرحلة الانتقالية الصراعية التي تتحكم بالمنطقة اليوم. ولذلك ترسم لنفسها أدواراً من إيران إلى لبنان، لتستعيد موقعاً فقدته في رسم صورة الشرق الأوسط...
أما حكومتنا، فإن صمتها وتشتتها وضعفها، تضعها في صف التآمر إذا استمرت على هذا الموقف... كيف لا وبعض القوى السياسية بدأت طريق التحضير لنتائج الصراع في المنطقة، ومنها احتمالات العدوان الإسرائيلي الذي حذّر منه مؤخراً رئيس وزراء العدو، فأعلنت ترشيح أحد قادتها من قلب الجزيرة العربية أيضاً..
[[[
أخيراًً... وللتذكير،
فكما هزيمة 1967، بلورت مقاومتها.
واحتلال 1982 كان له «جموله» التي حررت القسم الأكبر من الأرض.
وكما كان للمقاومة الدور الأبرز في صد اعتداء تموز وفي تحقيق الصمود.
فإن الشعب اللبناني قادر، برغم تقاعس دولته، على صياغة أسلوبه الخاص في مقاومة أي اعتداء محتمل.