فداوية محمد بن عبدالوهاب


وليد حكمت
2012 / 8 / 31 - 15:52     

تفتقر الدراسات التاريخية الاردنية الرسمية الى البيانات التأريخية الدقيقة المتعلقة بالغزوات الوهابية التي طالت شرقي الاردن في بدايات القرن العشرين فبالاضافة الى شح المصادر والمعلومات التي بدا فيها الكثير من التضارب حول عدد وتواريخ تلك الغزوات وتفاصيل الخسائر المادية والبشرية التي اوقعها الغزاة بحق اهالي الارياف والبادية الاردنية يختزل هذا التاريخ الغزوي بغزوتين رئيستين متتاليتين استهدفتا قرى عمان ومضارب بعض القبائل الاردنية في الوسط والجنوب وقد وقعت تلك الغزوات في بدايات تشكل الدولة الاردنية ، غير ان التاريخ الشفوي والروايات الشعبية يزخران بتفاصيل تلك الغزوات وآثارها الاجتماعية والنفسية على السكان العائشين في تلك المناطق المغزوة.
كانت الغزوات الوهابية الصحراوية تهدف الى التوسع السياسي والهيمنة الدينية والنهب والسلب واكتساب المال ونشر المذهب السلفي النجدي والانتقام من التجمعات الفلاحية بعقيدة ثأر قديمة ما بين البدو والفلاحين والتي تقوم على احتقار الصناعة والفلاحة واستحلال منتجات اولئك الفلاحين الذين يعتبرون من الطبقة الدنيا وفق رؤى العقلية البدوية وبحسب العقيدة الوهابية التي لا تمنح الفرصة للطرف الآخر ليناقش او يفكر او يبدي رأيه في تلك العقائد الجديدة يتم اطلاق حكم الكفر على تلك المجتمعات المعذبة بالفقر والكدح مباشرة ويتم استحلال الدم والمال والارض بصفتها ارض المشركين المحررة من براثن الشرك ولذلك يرى الفاحص لتاريخ غزوات محمد بن عبدالوهاب والتي بدأها بغزوة حريملاء بأن الغزو يقع على المنطقة المخالفة عقديا حتى لو كانت تقيم الاذان والصلاة ويتم اغتيال القائمين على ادارة تلك القرى المخالفة حتى لو كانوا يقيمون الصلاة ويزخر تاريخ الحركة الوهابية بذكر حوادث كثيرة عن اغتيالات لأشخاص مخالفين اثناء تأديتهم للشعائر التعبدية.
ويبدو ان العوامل السياسية وطبيعة العلاقات ما بين المملكة السعودية والاردن قد حالت ما بين التدوين الحقيقي لتلك الغزوات كما اخفت الشيء الكثير من تفاصيل عمليات الطلائع الوهابية التي نفذت بحق الافراد والقرى والجماعات والقبائل فبينما تجد في الروايات الشعبية الشيء الكثير من تفاصيل تلك الجرائم التي تحولت الى حالة من الرعب البشري لدى الاهالي فهم يباغتون فجأة في مواقعهم ولا يمكنهم رد تلك الجحافل الصحراوية التي تطحن الاخضر واليابس وترتكب ابشع الجرائم بحق الابرياء
كان الوهابيون او ما يطلقون عليهم المدينة (اي المتدينون ) او الاخوان (اخوان من طاع الله) المدججون بعقائد القتل وتكفير المخالف لهم في المعتقد والفكر المتعطشون لسفك الدماء ونهب الاموال يرسلون العيون الى اطراف شرقي الاردن من اجل الاستطلاع فترتكب تلك الطلائع والتي هي اشبه بفداوية المنظمات الطائفية الباطنية التي كانت سائدة في العصر العباسي ابشع الجرائم بحق المدنيين والفلاحين في غسق الليل وتعود وقد احدثت وخلفت وراءها الدماء والاشلاء والرعب ....
اغار الوهابيون على احدى القبائل النازلة شرقي معان ففتكوا بهم وخلفوا الكثير من القتلى التي لا يعرف اعدادهم وكانت الغارات تتم قبيل الفجر وما يسمونه في اللغة العربية التبييت اي الهجوم المباغت والقتل العشوائي بحق النازلين في تلك المضارب من رجال ونساء واطفال وقد ورد في التراث الاسلامي ان الرسول قد نهى عن التبييت ليلا فيما يرى بعض الفقهاء ان هذا الحكم قد نسخ بغزوة بني المصطلق التي تمت بطريقة التبييت.
كان الفلاحون يخشون طلائع الفداوية الوهابيين الصحراويين ويحذرون اطفالهم من ان الطلائع الفداوية تنحر بالسكاكين وتقطع بالسيوف كل ما يدب على الارض ولذلك تنتشر الاشاعات ويدب الرعب ويصبح ممارسة عمليات ري المزروعات ليلا عملا شاقا مشوبا بالخوف ووقوع المكروه ويذكر الرواة الشعبيون بان ثمة غزوة حصلت في جرف الدراويش قرب الطفيلة والدراويش هم الوهابية الغزاة الذين تمكن الاهالي من صدهم والاعداد للتصدي لهم فدفن القتلى في ذلك الموقع الذي لا زال موجودا لغاية الآن .
ويرتكب الفداوية جرائم تقطيع الجثث بعد القتل وخصوصا لمن يبدي مقاومة لهم وقد يستحسنون ممارسة التعذيب بحق المقاوم فيربطونه على جمل شرس ثم يباشرون بضرب الجمل الذي يهتاج ويطرح الاسير المكتوف ارضا فيطأه فاما ان يموت تحت وطأة قوائم الجمل او يتم الاجهاز عليه من قبل مقاتلة السلفية الوهابية. كما كانت تتم عمليات الاغتيال عند تفحص اية منطقة يراد غزوها وذلك من اجل بث الرعب بين السكان المحليين ويسمي البدو تلك العيون (السبور) اي الذين يسبرون غور الشيء او من يتحسسون مواقع العدو....
غير ان غزوة مضارب بني صخر قرب عمان عام 1922 تعد من اكبر الغزوات والمعارك التي شنها الوهابيون على اراضي شرقي الاردن والتي فتكوا فيها بالكثيرين ولولا مشاركة الطائرات البريطانية في صد تلك الغزوة لاختل التوازن ولربما كانت الخسائر اكثر فداحة ومع ذلك لا نجد قراءات تاريخية واضحة ودقيقة توضح حجم تلك الخسائر وعدد الضحايا . تلى تلك الغزوة غزوة اخرى عام 1924 .وقد تم التعامل مع نتائج تلك الغزوات على انها انتصارات لصد ذلك الهجوم ربما تجنبا لما يلحق السكان من اصابة بروح الهزيمة. لقد تم التعامل مع بعض الاسرى الوهابيين بتوطينهم في الاردن وهم من قبائل حجازية ونجدية وهنا يطرح السؤال نفسه عن تلك الاسباب التي ادت الى التوطين والتي يعزوها البعض الى العلاقات القديمة ما بين قبيلة الملك عبدالله الاول وتلك القبائل الحجازية او النجدية ....ولذلك كما قلنا تشح المعلومات التاريخية الكافية فتغدو ضئيلة و مقتضبة جدا بالنسبة لبيانات الذاكرة الاهلية التي تصف قسوة تلك الغزوات التي يعقبها تحطيم كل معنى للحياة والوجود الانساني.