منهج لينين فى تناول الامبريالية

عادل العمرى و شريف يونس
2003 / 2 / 8 - 02:27     

                                                             عادل العمرى- شريف يونس
                                                                                  ( نُشرت عام 1988 )  
 
    نستهدف فى هذا المقال القصير تقديم تحليل نقدى لمنهج لينين فى دراسة ظاهرة الامبريالية . ولهذا فهو لا ُيعد دراسة فى ظاهرة الامبريالية ، بل مجرد عرض لطريقة فهمها.
ومن المعروف ان لينين قد قدم مساهمته الأساسية فى دراسة الامبريالية فى كتابة : "الامبريالية أعلى مراحل الرأسمالية" . ونحن نعلم ان توجيه أى عبارة تشتم منها رائحة النقد للينين ُيعد من الأمور الشائكة ، بل و المرعبة وسط اليسار العربى ، إلا أننا نعتبر ان المنهج العلمى – الماركسى الذى نتبناه هو سلاح للنقد ، أو للنفى بالمعنى الديالكتيكى للكلمة ، كما نعتقد ان المبادئ تعلو على الأشخاص مهما كانوا . ونحن لا ننوى لا الآن ، ولا فى المستقبل ان نختبئ بمفاهيمنا الخاصة وراء أى أشخاص مهما علا شأنهم ، كما فعل ويفعل الكثيرون ، فالماركسية ليست ديانة وليس لها نبى ولا معبد.
 
ونحن نتوقع ان يوجه لنا اللوم لأننا تجرأنا وحللنا أحدى أطروحات لينين تحليلا نقديا ، ذلك انه استطاع قيادة ثورة ناجحة ، إلا ان هذه الحجة تبدو لنا متهافتة ، فالنجاح العملى لا يبتلع الأخطاء النظرية فى هذه النقطة أو تلك ، ولا يبررها ، خاصة إذا لم تكن الفكرة ذات صله مباشرة بالخطط العملية الناجحة. كما ان الفكرة تكون متميزة أو مستقلة عن الشخص الذى ينتجها ، فاذا كنا نوجه النقد فاننا نوجهه – هنا – للفكرة لا لشخص لينين . وأخيرا . لا ينبغى ان نفترض عدم أحقيتنا فى نقد الآخرين لمجرد أننا لم نحقق مثلما حققوا من انجازات . فان لحظة النفى (السلب) هى اللحظة الحاسمة فى عملية التطور أى لتحقيق الانجازات المفتقدة والمطلوبة.
 
***************************
فى كتابه المذكور آنفا[1] وفى سياق رده على كاوتسكى ، عرض لينين ما أسماه " ترابط وصلات السمات الاقتصادية الأساسية للامبريالية" وحددها كالآتى :
 
 1- تمركز الإنتاج والاحتكارات .
2- تمركز البنوك وسيطرتها على الصناعة ؛ أى نشوء ظاهرة رأس المال المالى وهو رأس المال الموجود تحت تصرف البنوك والذى يستخدمه رجال الصناعة "ص 65.
3- تصدير رأس المال .
4- اقتسام العالم بين اتحادات الرأسماليين .
5- اقتسام أراضى العالم بين الدول الكبرى
 
وبعد شرح هذه السمات وضع تعريفا معتبرا إياه تعريفا موجزا:
 " الامبريالية هى الرأسمالية فى مرحلة الاحتكار" ص 124 . ثم عاد مرة أخرى إلى وضع تعريف اعتبره أشمل ، هو نفسه السمات الخمس سابقة الذكر والتى شرحها من قبل بالتفصيل طوال الكتاب .
وقد قدم لينين تعريفه للامبريالية على أساس المفاهيم والمعطيات التى عرضها كل من بوخارين (الامبريالية والاقتصاد العالمى)  وهلفردنج (رأس المال المالى ) وهوبسون (الامبريالية) [2]،كما تأثر بفكرة ماركس القائلة بالتحول التلقائى لحالة المنافسة الحرة إلى حالة الاحتكار[3]. ونعتقد – بداية- ان لينين كان محقا فى ربطه – دون ان يكون محقا فى خلطه – بين مفهومى الرأسمالية الاحتكارية والامبريالية :
قدم لينين تعريفه للامبريالية اعتمادا على عدد من السمات التى نرى ان بعضها لا يرتبط على نحو ضرورى – منطقى – بالنظام الرأسمالى حتى فى مرحلته الاحتكارية:
 - 1  فلا تعتبر ظاهرة هيمنة الاحتكارات ظاهرة رأسمالية خالصة ، فهى تسم أيضا اقتصاديات البلدان البيروقراطية القديمة (فى الشرق خاصة) والحديثة المسماة بالاشتراكية ، فالدولة تحتكر ملكية وإدارة معظم وسائل الإنتاج . أما تمركز الإنتاج فهو الأمر السائد فى المجموعة الأخيرة . بل ان الظاهرتين موجودتان بقوة فى البلدان المتخلفة جميعا ، حيث رغم انتشار وحدات الإنتاج الصغيرة ، المنتشرة أيضا بدرجه اقل فى البلدان الرأسمالية الكبرى ، تهيمن الاحتكارات التجارية (ووراءها الصناعة الكبرى والمزارع الواسعة ) اقتصاديا على البلاد . سواء كانت احتكارات أجنبية أم محلية ، إذ تم تحديث هذه البلدان عن طريق الاحتكارات الأوربية منذ أواسط القرن الماضى بإنشاء مشاريع البنية الأساسية ، والمزارع الواسعة (فى بعض المناطق) واقترن هذا بتكون طبقة محلية من رجال الأعمال وكبار ملاك الأراضى تمتعت بوضع احتكارى قوى ، فالأمر لايتعلق فقط بهيمنة الاحتكارات الأجنبية . ومثال مصر بهذا الصدد واضح تماما: فمنذ تحطيم احتكارات محمد على سيطرت – تدريجيا – الاحتكارات البنكية والتجارية والشركات الكبرى فى مجالات النقل ، الأجنبية ثم المحلية ، وتبعتها الاحتكارات الكبرى فى مجال الصناعة : مجموعة بنك مصر ، عبود ، صدقى .. بالإضافة إلى نفوذ الملكية العقارية الكبيرة منذ عهد محمد على .
كذلك شهد الاقتصاد هيمنة التروستات والكارتلات[4] وباختصار ، لم تشهد مصر و لا أى بلد متخلف آخر مرحلة منافسة حرة أبدا . ولا شك ان هذه البلدان لا تعد – لدى أى مدرسة – بلدانا امبريالية .
2 - منح لينين أهمية فائقة لظاهرة هيمنة رأس المال المالى ، ومنحها – بالإضافة إلى الظاهرة السابقة مع ربطهما معا دائما – أولوية على بقية السمات التى ذكرها ، وهى ظاهرة شهدتها الرأسمالية منذ أواخر القرن الماضى واستمرت حتى الحرب العالمية الثانية ، فأخلت السبيل تدريجيا لهيمنة رأس المال الصناعى مرة أخرى ؛ لهيمنته البالغة على رأس المال البنكى نفسه[5]  فقداتضح إذن أن هذه الظاهرة و التى اهتم بها لينين كثيرا ما هى إلا ظاهرة مؤقتة فى حياة الرأسمالية ، ففى عصرنا هذا أصبحت البنوك تابعة على نحو مباشر للشركات الصناعية العملاقة متعددة الجنسية و تبلور على نحو مباشر دور رأس المال البنكى كمجرد وسيط أو نقطة عبور داخل رأس المال الصناعى و هو دوره الحقيقى فى الاقتصاد الرأسمالى.
3- أما تصدير رأس المال فلا يرتبط هو الآخر بتلك الأنظمة "الامبريالية"على نحو مطلق، فالظاهرة نفسها موجودة بالنسبة لبعض البلدان المتخلفة، خاصة البلدان البترولية(تمثل فى هذه البلدان ظاهرة أساسية). بل و فى بعض البلدان غبر البترولية أيضا.
و تلعب الشركات متعددة الجنسية التى يملكها رجال أعمال من بلدان متقدمة أو متخلفة دورا هاما فى تصدير رأس المال إلى المتروبولات. و على سبيل المثال تلعب شركات الأموال المصرية دورا بارزا فى تصدير رأس المال من مصر إلى أوربا و بكميات ملموسة.
و الاعتراض المتوقع هنا هو أن تصدير رأس المال  فى الاتجاه المعاكس ، و هذا غير صحيح و هو اعتقاد يجد جذوره – على ما نظن- فى تصور ضمنى لعملية تصدير رأس المال من المتروبولات كتصدير لفائض مطلق من رأس المال، فظاهرة الفائض تدل على انحطاط النظام لا على نضجه، فهو يصبح فى مرحلة تدهوره عاجزا عن تحويل الإدخار إلى توظيف رأسمالى بشكل فورى، لأسباب مباشرة عديدة . و ليس من الغريب- لهذا السبب –أن يتدفق رأس المال فى الاتجاهين من البلدان  المتروبولية فى أوقات متقاربة وأحيانا بين نفس فروع الصناعة . ونستطيع ان نقول ان تصدير رأس المال من البلدان المتخلفة إلى البلدان الرأسمالية[6]هو عملية تنتج عن نفس آلياتها فى الحالة العكسية ، صعوبات نسبية فى الاستثمار ناتجة عن فوضى الإنتاج ، مما يدفع رأس المال للهجرة بحثا عن أعلى معدل احتمالى للربح على المدى الطويل ، الذى يتحدد لا بظرف موضوعى فحسب بل بالظرف الذاتى أيضا لهذا الرأسمال أو ذاك فى هذه اللحظة أو تلك[7] والفرق الأساسى بين الاتجاهين سابقى الذكر لتصدير رأس المال هو ان النتائج تكون دائما – على المدى الطويل – فى صالح التقسيم الدولى للعمل بين مجموعتى البلدان ، فانتقال رأس المال فى الاتجاهين يخدم فى النهاية هيمنة البلدان الرأسمالية على البلدان المتخلفة[8]
-4  أما السمة الأخيرة : تقسيم العالم بين الدول الكبرى[9]  فيطرحها لينين بوضوح باعتبار أنها تقسيم "أراضى وسكان العالم " أى الاستعمار "المباشر"لكل المعمورة، ومن الواضح ان هذا الواقع قد تغير الآن تماما ، فلم يعد العالم مقسما بين الدول الكبرى بالكيفية التى فهمها لينين، فقد ُصفى الاستعمار المباشر بسرعة بعد الحرب العالمية الأخيرة ، و لم تعد الجداول التى ذكرها لينين والخاصة بمساحات الأراضى وعدد السكان التابعين لكل بلد أوربى حقيقة ، وقد يقال ان تقسيم العالم قد استمر بشكل آخر غير مباشر فى صورة نفوذ سياسى واقتصادى وهذا صحيح بالطبع ، إلا ان هذه الطريقة فى فهم المسألة تختلف كثيرا عن طريقة لينين كما عرضها فى كتابه ولهذا الاختلاف مغزاه الهام والذى سيتضح حين نتناول مفهوم لينين بالتحليل النهائى ، فتقسيم العالم بالمعنى الأول هو فقط تقسيم مباشر ، فلينين فى هذه النقطة لا يرى فى هيمنة الرأسمالية على العالم سوى الهيمنة على الأراضى والسكان مباشرة ، اما المفهوم الثانى فيتضمن ان نوعا آخر من الهيمنة هو الذى ميز عهد الرأسمالية، هو الهيمنة الهيكلية[10] وسوف نقتبس هنا عدة كلمات للينين بخصوص هذه المسألة لنوضح ما يقصده وبكلماته الخاصة :
"ان السمة المميزة للمرحلة المذكورة هى اقتسام الأرض بشكل نهائى ، لا بمعنى استحالة إعادة التقسيم (....) بل بمعنى ان السياسة الاستعمارية التى تمارسها البلدان الرأسمالية قد استكملت الاستيلاء على الأراضى غير المشغولة فى كوكبنا (....) ولأول مرة بدا العالم مقتسما بشكل لا يمكن معه فى المستقبل إلا إعادة التقسيم ، أى انتقال الأراضى من "مالك" إلى أخر" ص 157.
" من السمات الجوهرية للامبريالية تنافس عديد من القوى الكبرى فى النزوع إلى السيطرة ، أى إلى الاستيلاء على الأراضى" ص 128[11]
فى الحقيقة حاول لينين ان يحيط بظاهرة الامبريالية من خارجها ، من كل أطرافها ، بتعداد أكبر عدد ممكن من السمات التى اعتبرها ضرورية . وهو فى محاولته هذه لم يميز قط بين الرأسمالية فى مرحلتها الاحتكارية وبين الامبريالية كظاهرة متميزة (رغم ارتباطها المطلق بالرأسمالية) فقد اعتبر الامبريالية مرحلة خاصة من الرأسمالية : "الامبريالية هى المرحلة الاحتكارية للرأسمالية" . ص 124 ، ونحن لا نجد أى مبرر موضوعى أو منطقى فى الاصرار على اعتبارهما شيئا واحد رغم ان هناك تمايزا واضحا بين مفهومى : الرأسمالية، والامبريالية كنتيجة لها[12] والعلاقة بين البلدان الرأسمالية والبلدان التى صارت متخلفة الآن لا تخص رأس المال الاحتكارى وحده ، فالامبريالية ترتبط بنقيضها : التبعية، لأنه لا يكفى ان تصبح الرأسمالية احتكارية (وحتى مع هيمنة رأس المال المالى !) لتتكون ظاهرة الامبريالية – التبعية، بل لابد من وجود ذلك الطرف الملائم للهيمنة الامبريالية ، وكان الأجدر بلينين ان يهتم باضافة التبعية – التخلف" لكى يمس تعريفه او يقترب من مس جوهر الموضوع .
ولا غبار إذا كانت المشكلة تكمن فى التسمية ، فمن حق لينين (كما منح هو نفس الحق لكاوتسكى) ان يسمى مرحلة الرأسمالية الاحتكارية بأى اسم يختار ، ولكن ليس من حقه ان يخلط بين ظاهرتين :الرأسمالية ، وهمينتها الكلية على العالم المتخلف ، وهو قد اختار هذا الخلط لسبب سنحدده فيما بعد .
تختلف الامبريالية : "كعلاقة" بين البلدان الرأسمالية والبلدان المتخلفة ، - التابعة - ، عن الاستعمار أو احتلال الأراضى[13]   اختلافا جوهريا ، فهى هيمنة هيكلية Structural Domination  حيث قامت الرأسمالية بفضل نموها الهائل والتطور التقنى الذى حققته و اللذان توسطا تحول المنافسة الحرة إلى الاحتكار (أو بالأحرى إلى المنافسة الاحتكارية) بتحويل التشكيلات الاجتماعية – الاقتصادية قبل الرأسمالية فى آسيا وافريقيا وأمريكا الجنوبية والوسطى إلى بنى متخلفة تتميز من الناحية الجوهرية "بالنمو المركب[14]" تحت سيطرة رأس المال التجارى التابع للرأسمالية عبر السوق الدولى . ويمكننا بهذا المعنى ان نتحدث عن "الوجود" الهيكلى للامبريالية فى هذه البلدان ، أى عن الامبريالية، "كوجود بالفعل" ، والذى يقابله من ناحية البلدان المتخلفة : التبعية . وهذا هو الأمر الذى أغفله لينين إغفالا كاملا ،وهو خطؤه الجوهرى فى فهم الامبريالية، مكتفيا برصد تقسيم العالم بين الاحتكارات ، وبين الدول الكبرى و موردا جداول بمساحات الأراضى وعدد السكان الملحقين بهذه الدول ، وذلك دون الاهتمام بالاشارة – عوضا عن شرح – ظاهرة التبعية – التخلف[15] اللهم إلا بشكل يؤكد إهماله لهذه القضية من الناحية الفعلية . ففى صفحة 119 يقول لينين :
"وفى سياق الحديث عن سياسة حيازة المستعمرات فى عهد الامبريالية الرأسمالية ينبغى ان نلاحظ ان رأس المال وسياسته الدولية ، والصراع بين القوى الكبرى لاقتسام العالم اقتصاديا وسياسيا يخلقان جملة أشكال انتقالية من تبعية الدول . فما يميز هذا العهد ليس فقط الفريقان الأساسيان من البلدان المالكة للمستعمرات و المستعمرات[16] ، بل كذلك مختلف أشكال البلدان التابعة، المستقلة رسميا من الناحية السياسية والواقعة عمليا فى شباك التبعية المالية والدبلوماسية" .!! [17] والعبارات تتضمن عددا من الأخطاء القاتلة :
1- يعتبر لينين ان حياة المستعمرات هى الوضع النهائى أو المصب النهائى للسياسة الامبريالية، اما التبعية الاقتصادية والسياسية فمجرد حالة وسيطة ، حالة انتقالية حسب تعبيره الخاص ... أى أنه يعتبر الاستعمار المباشر (حيازة الأراضى والسكان) هو الأمر الأهم الذى تظهر تبعية بعض البلدان فى سياقه .
 -2لم يشر إلا إلى التبعية المالية والدبلوماسية ، وهى أشكال من التبعية المباشرة ، فلم يهتم إطلاقا بالتبعية بالمعنى العميق للكلمة : التبعية الهيكلية، التى تعد النتيجة " الكلية" للسياسة الامبريالية والتى يتم فى سياقها أشياء من قبيل احتلال الأراضى ... إلخ .
3- ان المستعمرات هى – على عكس ما ذهب لينين – حالة انتقالية بين الاستقلال و التبعية (الهيكلية لا المالية والدبلوماسية فحسب)[18].
4-  وللإنصاف نشير إلى ان لينين قد أشار إلى ان رأس المال المالى يهتم بالبحث عن الخامات والأسواق فى المستعمرات إلا انه قدم هذه الإشارة قاصرا اهتمامه على إبراز آلية "قصيرة المدى" : الاستيلاء على المستعمرات. وكان من الضرورى ان ُيشار إلى الآلية الأبعد مدى والأهم بكثير : إقامة بنى اجتماعية-اقتصادية تابعة "هيكليا" ، فتعمل وفقا لطبيعتها هذه لصالح الاحتكارات الرأسمالية . وهنا – مرة أخرى – لا ينظر لينين إلى ما هو أبعد من التبعية المباشرة رغم ان إنشاء بنى التخلف كان قد قطع شوطا بعيدا للغاية فى مناطق واسعة، خاصة أمريكا الجنوبية والهند وتركيا .
ويتضح لنا – بشكل أكمل – المحتوى المشوش لمفهوم لينين عن الامبريالية من خلال رده على كاوتسكى:
وقد بدأ بايراد تعريفه الأخير للامبريالية
"الامبريالية هى نتاج الرأسمالية الصناعية المتطورة جدا ، وهى تتلخص بنزوع كل أمة رأسمالية صناعية إلى ان تسيطر على أو تلحق بنفسها أكثر ما يمكن من الأقاليم الزراعية بغض النظر عن الأمم التى تقطنها" ص 127 [19]
ورغم وضوح التعريف من حيث تمييزه بين الرأسمالية والامبريالية ، بل ومن حيث فصله بين الاحتكار بما هو كذلك والامبريالية (رغم أخطائه الفاحشة كما سنرى فيما بعد) فان لينين لم يعطه حقه من التحليل والتفنيد رغم اعتراضه عليه تماما . وقد بدأ نقده بوصف التعريف بأنه " لا يساوى قلامه ظفر، لأنه وحيد الجانب، أى يقتصر – بطريقة متعسفة – على إبراز المسألة القومية وحدها" ص 127 (التشديد من عندنا) ثم راح يواصل اعتراضاته قائلا : " ان السمة المميزة للامبريالية ليست رأس المال الصناعى، بل رأس المال المالى" ص 128. وهو اعتراض ، أوضحنا من قبل مدى تهافته ، ويمكننا ان نضيف هنا أن رأس المال المالى نفسه ، حتى فى زمن لينين هو بالدرجة الأولى ، ومن حيث حقيقته رأسمال صناعى ، حيث انه موظف أساسا فى قطاع الإنتاج ، أى فى النشاط الصناعى (بالمعنى العريض للكلمة (أو بمعناها المنهجى [20] وحتى بالمعنى الضيق لكلمة صناعى . وفى الحقيقة لم يكن نمو البنوك وتمركزها فى البلدان الرأسمالية ممكنا إلا بالنمو الهائل الذى حققه رأس المال الصناعى ، أى تحول هذه البلدان إلى "بلدان صناعية متطورة جدا" كما وصفها كاوتسكى بحق . ووفقا لمفهومنا سابق الذكر للامبريالية تكون الأخيرة نتاجا لرأس المال الصناعى ، بالمعنى المنهجى للكلمة (حتى لو افترضنا استمرار ظاهرة الهيمنة المباشرة لرأس المال المالى إلى الأبد) ، لأن الامبريالية –التبعية هى نتاج لتطور القوى المنتجة فى اطار علاقات الإنتاج الرأسمالية إلى الحد الذى ادى إلى تغير علاقة الرأسمالية بالمستعمرات من مجرد علاقة نهب إلى علاقة عضوية كاملة .
ولنتابع اعتراضات لينين :
ينص تعريف كاوتسكى على النزوع لإلحاق الأقطار الزراعية وحدها ، وكان اعتراض لينين هنا كالآتى :
"ما يميز الامبريالية بالتحديد ليس النزوع إلى إلحاق الأقاليم الزراعية وحدها بل حتى المناطق الصناعية الأكثر تطورا (مطامع المانيا فيما يخص بلجيكا ومطامع فرنسا فى اللورين)" ص 128 . وبالنسبة لكاوتسكى فانه كان الأجدى ان يقول البلدان قبل الرأسمالية بدلا من الزراعية ، حيث أنها ليست ولم تكن فى مجملها مجرد بلدان زراعية، فهذه البلدان قبل استعمارها وتحويلها إلى بلدان تابعة لم تكن فى مجملها مجرد بلدان زراعية ، فالهند على سبيل المثال (وكذلك بعض المناطق فى أمريكا الجنوبية كانت متفوقة صناعيا على أوربا قبل ثورتها الصناعية  . [21]أما اعتراض لينين فكان خطوة إلى الوراء؛ فهو لم يميز بين الهيمنة الامبريالية (الوجه الآخر للتبعية الهيكلية) وإلحاق الأراضى والسكان أو هيمنة بلد كبير على بلد صغير دون تحويله إلى بلد تابع هيكليا . وقد واصل حديثه بعد ذلك مشيرا إلى "الاستيلاء على الأراضى" ، "إقامة نقط ارتكاز" ..... إلخ معتبرا هذا كله ضمن النزوع إلى السيطرة على الدول الصناعية والذى يعده هو الآخر ضمن خواص الامبريالية ، فهو لا يميز بين الامبريالية – التبعية ، والمنافسة والصراع بين البلدان الرأسمالية أو قيادة بلد رأسمالى لبقية هذه البلدان .
بل وأضاف إلى نقده السابق عبارة مثيرة للدهشة: "ولو كانت القضية هى أساسا إلحاق بلاد زراعية ببلاد صناعية لكان دور التبادل فى المقدمة" ص 129، ولم يذكر مثالا واحدا لشرح عبارته هذه ... وهو قد ذكر ذلك لدحض كاوتسكى على أساس ان رأس المال المالى فى ذلك الوقت كان هو الأكثر تفوقا (كانت البنوك مسيطرة على تمويل الصناعة)، ويقصد ان ظاهرة تصدير رأس المال كانت تبرز عن ظاهرة التبادل السلعى . وهذا يطرح علينا قضية العلاقة بين تصدير رأس المال والتبادل الدولى .[22] والأمر الذى يهمنا حتى الآن هو ان لينين لم يميز إطلاقا بين مفعول تصدير رأس المال إلى بلد متخلف والى بلد رأسمالى . فمجرد بروز ظاهرة تصدير رأس المال لا يدل أبدا على عدم أهمية مسألة الإلحاق العضوى للبلدان قبل الرأسمالية(ما قصده كاوتسكى بالزراعية كما ُيفهم من صياغته) لسبب بسيط: ان الإلحاق العضوى المهمل لدى لينين وكاوتسكى قد بدأ مع تحول التجارة الدولية إلى خدمة رأس المال الصناعى فى أوروبا وتدعيم تقسيم عالمى للعمل : السلع المصنعة فى أوربا والمواد الخام الزراعية (ثم المعدنية) فى بقية العالم ، وذلك منذ سيطرة رأس المال الصناعى على رأس المال التجارى . أى ان الإلحاق العضوى قد بدأ من خلال التبادل الدولى ، ثم تعزز بتصدير رأس المال من المتروبولات إلى البلدان قبل الرأسمالية، عن طريق تنشيطه للتبادل الدولى . أى ان "دور التاجر" لم يتراجع لصالح رأس المال المالى كما ُيفهم من كلمات لينين ، بل بالعكس تزايد دوره تزايدا مستمرا فى إلحاق وإعادة إلحاق "بلدان زراعية ببلدان صناعية" إذا استعرنا كلمات كاوتسكى .
نحن إذن نعترف بأن تصدير رأس المال إلى البلدان قبل الرأسمالية (التى صارت متخلفة) لعب دورا فى إنشاء التخلف ولكننا نؤكد على ان :
1- هذا الدور تم من خلال حفز التبادل وليس على حسابه .
2- انه ليس نفس دوره فى حالة تبادل رأس المال بين البلدان الرأسمالية
3- ان إنشاء وإعادة إنشاء التخلف قد بدأ "والتاجر فى المقدمة" ، حسب ما يعنيه لينين بهذا التعبير ولكن ضد فكرته، أى من خلال التبادل الدولى المحض ، وقد عزز تصدير رأس المال هذه العملية. كما ان توسيع السوق كمنحى فطرى للرأسمالية قد تم - كما ذهب سمير أمين [23] – فى عصر المنافسة الحرة بالاستيلاء على المستعمرات واحتكارها كأسواق ، اما فى عصر سيادة الاحتكار فقد تم هذا من خلال تصدير رأس المال .
 
فى المرحلتين : التبادل السلعى ، والتبادل المعزز بتصدير رأس المال ظلت "القضية هى أساسا إلحاق بلدان .."  حسب كلمات كاوتسكى وضد كلمات لينين بالضبط، وفى الحالتين بمعنى مختلف : إلحاق هيكلى .
وفى نقده كاوتسكى يتضح لنا لماذا أصر لينين على اعتبار الامبريالية والرأسمالية الاحتكارية شيئا واحدا. فباعتباره الامبريالية مجرد نزوع للرأسمالية وضع كاوتسكى عدة استنتاجات متعسفة تماما ولا علاقة لها بتمييزه بين المفهومين، فطالما ان الامبريالية هى نزوع للإلحاق والسيطرة تكون مقاومة سياسة الإلحاق (و السيطرة) هى المدخل الصحيح للقضاء على الامبريالية كظاهرة ، وظهور ما أسماه كاوتسكى ب ما فوق الامبريالية أى تحالف جميع البلدان الرأسمالية بدلا من الصراع بينها، وممارسة حرية التجارة ، مما يعنى فى النهاية تحقيق السلام . أى أنه يدعو للنضال من اجل اتحاد الاحتكارات لاستثمار العالم بأسره بدون إلحاقات ولا تقسيم .. فى ظل السلام الدولى . فطالما ان الامبريالية لديه هى مجرد سياسة أو نزوع فمن الممكن تغييرها إلى فوق "امبريالية"، ونلاحظ ان كاوتسكى يتكلم من منطلقات اوروبية بحتة ناسيا تلك الشعوب التى تعتبر الطرف الثانى فى المعادلة :
امبريالية= تبعية ، داعيا إلى السلام الأوربى) نلاحظ انه لم يدع إلى النضال بالعنف ضد الاستعمار او مساعدة ثوار البلدان المستعمرة . (
وقد رد لينين بنفس المنطق المتعسف وبطريقة لى القضيب فى الاتجاه المعاكس : فمن أجل دحض كاوتسكى ، حدد ان الامبريالية ليست مجرد نزوع للإلحاق ، بل هى الرأسمالية الاحتكارية نفسها ، وبالتالى لا يمكن القضاء على الإلحاقات واحلال السلام الدولى إلا بالقضاء على الرأسمالية الاحتكارية نفسها، لا بإعادتها إلى مرحلة المنافسة الحرة (لأن هذه نفسها ستتطور تلقائيا إلى رأسمالية احتكارية من جديد، علاوة على استحالة تحقيق هذا أصلا) بل بالقضاء على النظام الرأسمالى نفسه .
واستكمالا لتحليلنا لانتقاد لينين لكاوتسكى سنضيف هنا بعض التحديدات :
ينص تعريف كاوتسكى على ان الامبريالية هى مجرد نزوع إلى الإلحاق والسيطرة . ومن الواضح الآن أنه يقصد ضم الأراضى والسكان، دون ان يقرن هذا بانشاء وإعادة إنشاء التخلف فى البلدان التى وصفها بالزراعية . وبهذا الشكل لم يميز بين الامبريالية والاستعمار (نقصد الاستغلالى لا الاستيطانى)، ولم يربط بين الامبريالية والتبعية – التخلف . ولم ير فى الامبريالية سوى نزوع وليس علاقة موضوعية قائمة بالفعل ومتجسدة ماديا فى بنى التخلف .
وبذلك يكون من وجهة نظرنا – القضاء على الامبريالية بتحقق الاستقلال القومى الكامل للبلدان المتخلفة ، أى بتحولها ثوريا إلى بلدان مستقلة – متقدمة (طبعا فى ظل نظام اجتماعى أرقى، كما تحقق فى عديد من هذه البلدان : الصين – الهند الصينية – آسيا السوفيتية – كوبا..... إلخ)، وهو أمر أغفله كل من كاوتسكى ولينين فى سياق تناولهما لمفهوم الامبريالية بل وتصور كاوتسكى ان إلغاء سياسة الإلحاق كفيل وحده بالغاء الامبريالية مبشرا بامبريالية قريبه الشبه بالامبريالية المعاصرة ، التالية للحرب العالمية الثانية ، إذ تحقق الاستقلال السياسى المباشر للدول المتخلفة وتحقق السلام بين الدول المتقدمة.
ونجد جذور الإشكالية عند كاوتسكى قبل "ارتداده" . ففى كراس أصدره عام 1907 بعنوان "الاشتراكية والسياسة الاستعمارية"[24]   حلل  فيه مسألة المستعمرات ناقدا فكرة ما ُسمى وقتها بالسياسة الاستعمارية الاشتراكية. وكانت وجهة نظرة باختصار شديد هى ان السياسة الاستعمارية كفيلة بدفع التطور على صعيد العالم بأسره بحيث تصبح الثورة الاشتراكية أقرب إلى التحقق فى كل البلدان ، كما نفى بشدة أى دور تقدمى للاستعمار .
وبغض النظر عن صحة أو عدم صحة وجهة النظر هذه فان كاوتسكى فى هذا العمل قدم لدعوته اللاحقة لحرية التجارة العالمية  كبديل لفكرة السياسة الاستعمارية الاشتراكية ، والأمر من ذلك انه لم يناقش أصلا دور الامبريالية – التبعية، بل انتقد الاستعمار المباشر فقط مقدما لبديل ميت هو حرية التجارة والتى لا تنفى بالطبع الامبريالية – التبعية بالمعنى الذى أوضحناه، بل تتضمن الامبريالية بدون استعمار أو بدون سياسة امبريالية ، بالمعنى السطحى الذى عرضه كل من كاوتسكى ولينين (ضم الأراضى ....... . )
لا يمنع التمييز بين مفهومى الامبريالية والرأسمالية من انتقاد كل منهما . فليس من الضرورى اعتبارهما شيئا واحدا من أجل توجيه النقد للنظام الرأسمالى . وقد وقع لينين فى خطأ خلط المفاهيم تحت ضغط الأهداف العملية الملحة ولم يتبين انه من الممكن التمييز بين المفاهيم مع الربط بينهما فى الوقت نفسه .
وبغض النظر عن السياق الذى ذكر فيه كاوتسكى تعريفه للامبريالية ، فقد كان أكثر دقة بكثير من تعريف لينين المفكك، وخاصة من الناحية المنهجية فهو محاولة – رغم أخطائها الفاحشة ودوافعها الانتهازية – لاكتشاف وتحديد مفهوم كلى – واحدى للامبريالية ، أما لينين فلجأ إلى تعداد السمات والخواص أى إلى ما نسميه بنظرية العوامل . فهو يعدد السمات والخواص دون ان يوضح علاقتها ببعضها و بالظاهرة التى يتناولها ككلية ، وهو بهذه المنهجية يظل دائما خارج الظاهرة التى يفحصها مكتفيا بالدوران حولها من كل جانب دون حتى الاهتمام بابراز تطور هذه الجوانب تاريخيا ودون تصور لامكانية تغير أى منها فى المستقبل . وهى طريقة انتقائية أكثر تعسفا حتى من البنيوية[25]  فالظاهرة لدى الأخيرة هى دائما كل معقد ثابت (يسمونها بنية) بل ان البنيوية تتفوق بتركيزها على فحص العلاقات القائمة بين جوانب البنية لا على هذه الجوانب نفسها وهو أمر أغفلته طريقة لينين (المستعملة كثيرا فى الأدبيات الماركسية التالية لماركس) . والأمر الذى ترفضه البنيوية تماما وتتحاشاه نظرية العوامل هو مفهوم الظاهرة ، أى الظاهرة كانعكاس فى ذاتها ، وبشكل أكثر بساطة : العلاقة بين الظاهرة ونفسها ، الجانب الداخلى العميق لها . والمفهوم بهذا المعنى ليس هو أهم جوانب الموضوع الذى يبحث بل الجانب الضرورى فيه، ونقصد الضرورى لوجوده نفسه . وهو ما يميز الشئ كوجود يبرز نفسه عن الجوانب العريضة التى تسم وجودها العينى فى هذا الظرف أو ذاك وهذه اللحظة أو تلك .
حين بدأ لينين كتابه قرر ان يعرض ما أسماه ترابط وصلات الخواص الأساسية للامبريالية .. وحين أراد ان يقدم نظرة واحدية لها لجأ إلى تعريفها بما اعتبره النقاط الرئيسية (دون ان يحدد لماذا اعتبرها كذلك) : "الامبريالية هى الرأسمالية فى مرحلة الاحتكار" ، ولكنه لم يحدد علاقة هذا التعريف ببقية السمات التى ذكرها ، وقد تنبه لهذه الحقيقة فقال" ولكن التعاريف الموجزة للغاية – وان كانت ملائمة لأنها تلخص النقاط الرئيسية – لا تكفى مع ذلك (لا تكفى ماذا ؟ لم يحدد) ما دامت ثمة حاجة لأن يستخلص منها سمات بالغة الأهمية" ص 124، ص 125 . ثم ذكر السمات الخمس دون ان يوضح كيف استخلصها من تعريفه السابق ، ذلك انه لا يمكن فى الحقيقة استخلاصها منه ، لأنه لا يتضمنها (بالقوة) ، كما ان التعريف نفسه يحمل تناقضا منطقيا، إذ يعرف الجزئى (الامبريالية) بالكلى ( الرأسمالية الاحتكارية  ([26].
  ومع انه اعتبر تعريفه الموجز ضاما للنقاط الرئيسية فقد عاد مرة أخرى لطرح تعريف أشمل ، ذلك انه لا يعتقد – فيما يبدو – بكفاية "النقاط الرئيسية". والحقيقة ان لينين استخدم التعريف بالطريقة الشائعة جدا فى الكتابة العامية فاعتبره موجزا .. أى مجردا (ولكن بأى معنى؟)  [27]ونعتقد ان قضية التعريف يجب ان تعالج بشكل موسع إلا اننا سنكتفى فى هذا المقام بتحديد أولى للقضية : من الأمور المنطقية البسيطة ان الدراسة العلمية لأى ظاهرة ينبغى ان تبدأ بتحديد الظاهرة نفسها ، بمعنى تحديد أولى لمفهومها ، انطلاقا نحو دراسة مكونات هذه الظاهرة "كوجود فعلى" ، وبهذه الدراسة يتحدد مفهوم الظاهرة تحديدا نهائيا من خلال رصده فى الواقع الفعلى . فالانفصال بين المفهوم وتجلياته، يفقد الدراسة الطابع العلمى ، أى يفقدها المنطق . ولكى نتحاشى هذه النتيجة يجب ان نكشف العلاقة الضرورية (الماهوية) بين المفهوم وتجلياته وهى مسألة غير ممكنة إلا بكشف العلاقة بين هذا المفهوم والمفاهيم الاخرى، إذ ان تجليات المفهوم هى الجانب العرضى فى الظاهرة موضع الدراسة ، وهى كذلك لأنها ليست مجرد امتداد منطقى للمفهوم بل نتيجة لتفاعله من الآخر ، إلا أنها مع ذلك تظل مجرد تجليات خاصة به ، قد تزيد او تنقص ، قد تتغير وفقا لتغير علاقته بالأخر ، إلا أنها تظل مع ذلك على علاقة وثيقة بالمفهوم موضع الدراسة .
وبغض النظر الآن عن الخلط الذى وقع فيه لينين بين مفهومى الامبريالية والرأسمالية الاحتكارية ، فان طريقته فى التحليل نفسها تفتقر للربط بين ما يسميه بالتعريف الموجز و التعريف الموسع إذا اعتبرنا الأول هو المفهوم و الثانى هى تجلياته ، والحقيقة انه خلط بين الضرورى و العرضى وهذا هو كعب أخيل فى تعريفه .
وتتضمن طريقة لينين فى تعريف الامبريالية – دون ان ينص على ذلك صراحة – شرط اجتماع السمات الخمس التى ذكرها لكى تتكون ظاهرة الامبريالية .. وحتى فى هذه الحالة فان الطريقة تفتقد إلى تحديد القوة التى تربط السمات المختلفة للظاهرة ، أى ان الكلى يظل مفتقدا لصالح الجزئى ، ويظل المفهوم هو بمثابة " الشئ فى ذاته" الكانتى الذى كان ينبغى ان يكون قد مات منذ أمد بعيد ، وتظل السمات والخواص .. أى الأمور الظاهرة ، التى تعرف عن طريق الملاحظة هى وحدها المعروفة .. او التى يمكن معرفتها ، أما حقيقة الظاهرة .. أو مفهومها فينظر اليه على أنه "التعريف الموجز": !
وقد أدت طريقة لينين إلى كثير من أوجه القصور والاضطراب :
فقد حدد للامبريالية عدة عوامل على أنها ضرورية اتضح لنا بعد ذلك ان بعضها مؤقت (خاصة هيمنة  رأس المال المالى) وبعضها سابق على الرأسمالية. وقد تنبه لينين إلى هذه المسألة بشكل ما حين تذكر روما القديمة وسياستها "الامبريالية" فقرر نبذ فكرة البحث "العام"  – على حد تعبيره – ص 115، فى الامبريالية ، وراح يميز بين امبريالية وأخرى مضيفا ان الامبريالية الحديثة هى امبريالية الاحتكارات الرأسمالية .[28] وعند هذه النقطة راح يتذكر ان الامبريالية الرأسمالية يجب ان تكون مختلفة عن "امبريالية" روما ، وفى هذا الصدد أشار إلى ان رأس المال المالى [29] يبحث عن الخامات والأسواق فى المستعمرات كما أشار بهذه المناسبة إلى خلق أشكال من التبعية "المالية والدبلوماسية" (ص 119) ضاربا مثالا بالارجنتين إلا انه أخذ بعد ذلك يبدد أى شك يتطرق إلى أنفسنا حول اقترابه من مفهوم الامبريالية – التبعية (الهيكلية) فقال بالحرف الواحد : " قد ُوجدت دائما علاقات من هذا النوع بين الدول الكبرى والصغرى، إلا انها غدت ( نظاما عاما) [30]فى عهد الامبريالية الرأسمالية وكونت جزءا من مجموع علاقات" اقتسام العالم" وأصبحت حلقات فى سلسلة عمليات رأس المال المالى العالمى" ص 120. انه إذن يعود كما هو واضح – لينفى مباشرة خصوصية مفهوم التبعية فى ظل الرأسمالية، ويصبح الفرق بين"امبريالية" روما والامبريالية الحديثة محدودا للغاية، فقد غدا هذا النوع من العلاقات نظاما عاما ، وجزءا من كل .... إلخ . أهذا إذن هو كل شئ . ؟ ألم يظهر نوع جديد تماما من "التبعية"؛ التبعية – الامبريالية؟
2- كما اختار سمة أولاها أهمية محورية فى علاقة الرأسمالية الاحتكارية بالعالم الخارجى ، ذلك أنه لم يفهم علاقة الرأسمالية بالآخر (خصوصا المستعمرات) إلا كعلاقة نهب ، وسجل ملاحظة ان تصدير رأس المال يستهدف تحقيق معدل أعلى للربح ويعتبره جوهرالامبريالية والطفيلية الامبريالية ، على حد تعبيره [31].
والحقيقة ان تصدير رأس المال لم يكن بديلا لتصدير البضائع بل لقد حفز هذه العملية كما حفز من استيراد البضائع أيضا، أى حفز التبادل الدولى (وهذا هو دوره الحقيقى) وهو لا يعد – فى حد ذاته ، لو توقفنا عنده – آلية لصياغة علاقة الامبريالية – التبعية ، وإنما يقوم بهذا الدور من خلال التبادل الدولى المصاحب بأشكال مختلفة من القسر الاقتصادى والعسكرى والتهديد الدائم باستعمالهما. ويلعب تصدير رأس المال إلى العالم الثالث دورا كبيرا فى حفز عملية التبادل السلعى من خلال إنشاء قطاعات حديثة فى البلدان المختلفة تشكل بدورها طلبا على منتجات البلدان الرأسمالية وتنتج عرضا كذلك من السلع المطلوبة فى السوق الدولى . وليس من الصدف ان كل من تحدثوا عن تصدير رأس المال (ومنهم لينين) وأولوه أهمية مطلقة، ربطوا بين هذه العملية وعملية البحث عن المواد الخام والأسواق . وقد أشار سمير أمين إلى ان معدل النمو السنوى للتجارة العالمية قد ارتفع من 3.3% فى الفترة من 1840-1880 إلى 14% فى الفترة من 1880-1913 وهى الفترة التى شهدت أعظم معدل لتصدير رأس المال.[32]
ورغم هذا لم يقطع لينين برأى واضح حول العلاقة بين تصدير رأس المال وتصدير السلع، ففى إحدى عباراته حددها كعلاقة إحلال : " كان تصدير السلع الحالة النموذجية فى الرأسمالية القديمة ، حيث كانت السيادة التامة للمنافسة الحرة وغدا تصدير رأس المال الحالة النموذجية فى الرأسمالية الحديثة التى تسودها الاحتكارات" ص 86. وفى موضوع آخر أشار إلى استغلال الاحتكارات "للعلاقات" لعقد الصفقات المفيدة ، ضاربا أمثلة مثل اشتراط استيراد السلع من البلدان التى تمنح القروض للبلدان الأخرى ، مما يفهم منه ان الاحتكارات قد تستفيد – أو تستفيد بالفعل – بشكل عارض جانبى من عملية تصدير رأس المال بزيادة تصدير السلع .. ونجده بعد قليل يستنتج من هذا ما يلى : "أصبح تصدير رأس المال إلى الخارج وسيلة لتشجيع تصدير السلع" ص 96 [33]، إلا أنه واصل مباشرة محاولة البرهنة (بالأمثلة) على ان هذه الوسيلة إنما تستخدم بالرشوة والضغط ، أى يتعامل معها كذريعة أو وسيلة مفتعلة او تآمرية (راجع الكتاب ص 96، 97) فهو لا يحدد ان تبادل رأس المال فى حد ذاته يحفز مباشرة وبشكل غير مباشر أيضا تبادل السلع .
وقد عبر السياسى الاستعمارى الكبير "بالمرستون" عن حقيقة الرأسمالية الاحتكارية ذات النزعة الامبريالية، وعلى نحو صريح بقوله : "الامبراطورية هى التجارة" [34] ، هكذا مزيلا كل الغشاوات دفعة واحدة . كما ان السمات التى حددها لينين للامبريالية تتضمن "تصدير رأس المال كعملية متميزة عن تصدير البضائع "ص 125 ، ففى تعريفه "الشامل" إذن لا يحدد العلاقة بين العمليتين.
وقد أرجع لينين ظاهرة تصدير رأس المال إلى وجود فائض منه:"وقد حدث فيض هائل من رؤوس الأموال فى البلدان المتقدمة"  (ص 87)، "ومن البديهى أنه لو استطاعت الرأسمالية تطوير الزراعة المتأخرة فى كل مكان عن الصناعة بشكل فظيع ، ولو استطاعت ان ترفع مستوى معيشة الجماهير ، فلن يكون هناك مشكلة مثل فيض رأس المال "...." ولكن الرأسمالية فى هذه الحالة ما كانت لتكون رأسمالية ، لأن التفاوت فى التطور وانحطاط معيشة الجماهير إلى مستوى شبه المجاعة هما شرطان أساسيان وحتميان لا غنى عنهما لهذا الأسلوب فى الإنتاج" ص 87 .
ومن الغريب ان الجدول الذى أورده لينين ص 89 والخاص بكمية رأس المال الأجنبى يوضح بجلاء ان الجزء الأعظم منه ذهب إلى بلدان الرأسمالية احتكارية (أوروبا وأمريكا) تمتع بعضها (مثل الولايات المتحدة) بإمكانية تصدير رأس المال وكانت تصدره بالفعل. وكان القليل من رأس المال ُيصدر إلى بلدان متخلفة فقيرة، كما أصبح من الواضح الآن ان تطور الزراعة قد سار شوطا بعيدا جدا (معادلا لمستوى الصناعة) ولم يعد مستوى معيشة السكان على حافة الجوع ! وذلك رغم استمرار وعمل قانون التطور المتفاوت الذى أشار اليه . وكما أشار لينين نفسه ، فان تصدير رأس المال يأتى بأرباح عالية ، وهذا مما يفاقم من مشكلة الفائض  .[35] والحقيقة ان مسألة تصدير رأس المال منفصلة على المدى الطويل تماما عن مسألة الفائض النسبى من رأس المال ، وهو نسبى فقط لانه ليس فائضا حقيقيا ، إذ أنه يعبر عن انحطاط الرأسمالية لا أكثر . وهذا الفائض لا يجرى تصديره ، بل تبديده بمختلف الأساليب . وهذه العملية الأخيرة هى المقياس المباشر لمدى تعفن الرأسمالية ومع ذلك لم يتناولها لينين أبدا رغم حديثه عن طفيلية الرأسمالية الاحتكارية وتعفنها !! .
والمسألة الأساسية من وجهة نظرنا فى موضوع تبادل رأس المال بين البلدان الرأسمالية والمتخلفة تتعلق ببحث دور هذه العملية فى إنشاء وإعادة إنشاء علاقة الامبريالية – التبعية الهيكلية وهو الأمر المهمل كليا عند لينين، فهو لم يميز بين مفعول تصدير رأس المال إلى المتروبولات عنه إلى المستعمرات .
وأخيرا لا يمكن النظر إلى الامبريالية – التبعية كمجرد علاقة نهب ، فرغم وجود النهب إلا انه لا يشكل جوهر العلاقة[36]  . فالدول الرأسمالية تبدد من الفائض بمختلف الأشكال أضعاف أضعاف ما تنهب من البلدان المتخلفة وفقا لأية تقديرات[37] ، فهى ليست فى حاجة إلى نهب العالم الثالث وتستطيع إذا وفرت نسبة ضئيلة من الفائض المبدد ان تستغنى عن هذا النهب تماما ، إلا ان المسألة لا تتلخص فى عملية النهب، فهى تستخدم هذه البلدان لخدمة عملية التراكم داخلها ، سواء كان مصدر النهب هو الفائض المنتزع من عمال المتروبولات أم المحول من العالم الثالث .. فالامبريالية كعلاقة تخدم عملية إعادة الإنتاج الموسعة بأشكال ُيعتبر النهب الخارجى أحدها فحسب، بل وقد يلعب تحويل الفائض بالعكس، من المتروبولات إلى العالم الثالث أو بعض بلدانه الدور نفسه فى فترات معينة (مثل ريوع البترول الضخمة المدفوعة ابان السبعينات)، وسوف نشير هنا إلى مثال ذى دلالة : فى 1945 كان أمام بريطانيا ان تختار بين حدود التبادل ، والتوسع فاختارت الأخير ، متخذة سياسة تقشفية مما أدى إلى انخفاض أسعار منتجاتها من السلع الإنتاجية والتى شكلت معظم صادراتها فى ذلك الوقت، وقد أدى هذا الأمر إلى تدهور حدود التبادل لغير صالحها ، عكس ما حدث فى نفس الوقت مع بلد مثل فرنسا [38]، وهكذا عبر الخسارة المباشرة حققت بريطانيا مكاسب أهم : تعجيل التراكم على حساب الطبقة العاملة فى الداخل.
وقد تبين خطأ لينين بخصوص الامبريالية – التبعية أخيرا فى مقارنة عقدها – نقلا عن هوبسون – بين ما تكسبه بريطانيا (فى زمنه) من التجارة الخارجية (18م . جـ) وما تكسبه كعوائد للاستثمار الخارجى (90-100 م.جـ) ، فقد توقف عند النهب فقط ولم ينظر إلى التبادل السلعى كمحفز استراتيجى – ان صح التعبير – لتقسيم العمل لصالح المتروبولات ، أى لم يضع فى اعتباره ما يحدث التبادل من تراكم داخلى فى البلد الرأسمالى نفسه .
بهذا المعنى يمكننا ان نحدد مفهوم الامبريالية كعلاقة (بين مجتمعية) على الصعيد العالمى طرفاها : البلدان الرأسمالية والبلدان المتخلفة، وهى ظاهرة مرتبطة ارتباطا مطلقا بالتبعية ، أو هما وجهان لعملة واحدة هى بنية التخلف . والامبريالية بهذا المعنى مجرد نتاج الرأسمالية ، أما بالنسبة للبلدان المتخلفة – وهى صورة التبعية – ُتعتبر جوهر وجودها نفسه، حيث انها جوهر التخلف [39].لا يمكن للمرء إذن ان يدرس ظاهرة الامبريالية إلا بدراسة ظاهرة التخلف – التبعية وانها التجسيد الحى الملموس للامبريالية .
ولا شك أنه من الضرورى أيضا لدراسة الامبريالية ان نحلل تطور وآليات عمل النظام الرأسمالى باعتباره الطرف الأقوى فى علاقة الامبريالية – التبعية والمعمل الذى أفرز هذه العلاقة أصلا ، وإلى لينين رغم أخطائه التى أشرنا اليها يعود الفضل فى التنبيه القوى لأهمية ظاهرة الاحتكارات ، إلا أنه – كما انتقده باران وسويزى بحق – لم يحلل آلية عمل النظام فى ظل الرأسمالية الاحتكارية [40] .
 
************************************


[1]   اعتمدنا على الترجمة الانجليزية ، طبعة موسكو 1970 ..
 
[2]   محمد عبد الشفيع – تصنيع العالم الثالث فى اطار النظام الاقتصادى العالمى الجديد -  بيير جاليه ،الامبريالية عام 1970.
انظر كذلك مقدمة لينين لكتابه المذكور .
وقد استعرض كينيث تارباك أفكار كل من روزا الكسمبورج وبوخارين وهوبسون وهلفردنج ولينين وارنست ماندل ، فى مقدمة لكتاب:The Accumulation  of Capital , An Anti – Critique, By Roza Luxomborg . Imperialism and Accumulation of Capital. By N. Bukharin . monthly Review press . New york – London .
 
 [3]  تناول ماركس هذه المسألة فى مواضع متفرقة من "رأس المال " ، "نظريات فى فائض القيمة " ،                                   صنفتها طبعة موسكو الانجليزية فى فهرس الموضوعات تحت عدة عناوين :
Concentration, Monopoly, Capitalist  monopoly.
 
 
  [4]   انظر فى هذا : Charles Issawi : Egypt at Mid -Century
باتريك أوبريان . ثورة النظام الاقتصادى فى مصر .
محمود متولى : الاصول التاريخية للرأسمالية المصرية وتطورها.
 
  [5]     بيير جاليه – الامبريالية عام 70 -  ( Kenith Tarbac, Op. Cit. (the Introduction
 
[6]  نقصد هنا التصدير الابتدائى do novo  لرأس المال لا مجرد إعادة تصدير أرباح رأس المال الاجنبى ، رغم ان هذه العملية الاخيرة تعتبر هى الأخرى عملية تصدير لرأس المال ، لأنه لو وجدت هذه الأرباح مجالا مجزيا ومأمونا من وجهة نظر الرأسمالى لإعادة الاستثمار لما ُحولت إلى الخارج ، فتحويل الأرباح ينتج عن نفس الميكانيزمات العامة التى تؤدى إلى تصدير ابتدائى لرأس المال . وكان هذا الشكل – أى تحويل الأرباح – هو السائد وربما الوحيد فى زمن لينين.
 
[7]   أصبحت هذه الصعوبات أكثر بروزا بكثير مع نمو الحد الأدنى للحجم "الاقتصادى" للمشروع وبالتالى الميل التلقائى لرأس المال لتجاوز الحدود القومية . وسوف نعود لبحث هذه النقطة فيما بعد .
 
[8] ليس أدل على ذلك من ان مفعول تبادل رأس المال بين البلدان الرأسمالية كان دائما فى صالح تطور هذه البلدان ولم يؤد إلى تحويل بعضها إلى بلدا ن مختلفة – تابعة . وقد لعب رأس المال الأجنبى دورا مهما فى تصنيع معظم بلدان العالم الرأسمالى ، ففى 1760 شكل رأس المال الهولندى 25% من رأس المال فى بريطانيا ، ولعب رأس المال البلجيكى والانجليزى دورا هاما فى موجة التصنيع الأولى فى فرنسا ، كما لعب رأس المال الهولندى دورا شبيها فى ألمانيا ، والفرنسى فعل نفس الشئ فى بريطانيا ، والانجليزى قام بدور كبير فى انشاء السكك الحديدية فى الولايات المتحدة .
Ernest Mandel , Late Capitalism, 1980, page 50. 
 
[9]   قد ُتثار هنا حجة نعتبرها طريفة فقط ، هى ان المقصود هو الدول الرأسمالية ، كما كان المقصود فيما سبق : الاحتكارات الرأسمالية ، تمركز الإنتاج الرأسمالى . والرد بسيط حدا : فى هذه الحالة يمكن الحديث عن امبريالية رأسمالية وامبريالية قبل رأسمالية وامبريالية اشتراكية (أو بيروقراطية ) … إلخ . وسوف لا يطول انتظارنا حتى نجد لينين نفسه يقع فى هذا النوع من المقارنة !!.
 
 [10] نقصد بالهيمنة  الهيكلية : الإلحاق العضوى للعالم الثالث بالمتروبولات . بمعنى آخر هى : إقامة بنى اقتصادية اجتماعية (مع إعادة إنتاجها باستمرار) يكون دورها الأساسى هو خدمة البلدان الرأسمالية (أوربا غ – أمريكا ش – اليابان .. ) لا تنمية نفسها ، بحيث يصب التراكم أساس فى المجموعة الأخيرة . ويتبدى هذا الأمر فى وضع تقسيم عالمى للعمل وإعادة وضعه حسب التطورات التى تتم فى المتروبلات أساسا والأهم من هذا هو فرض توجيهات محددة للاقتصاديات المتخلفة يمكن ايجازها فى نقطتين : 1- نمو متزايد لقطاع تصديرى قوى . 2- نمو متزايد لقطاع احلال واردات قوى . على حساب النمو الداخلى ، او بتعبير سمير أمين : "المتمحور حول ذاته" . وقد وصف سمير أمين التبعية الهيكلية وصفا دقيقا للغاية بانها النمو التخارجى   Extroverted Development. مقابل Enteroverted Development  فى المتروبولات .
 
[11]   التشديد من عندنا . واضح ان السيطرة تعنى عند لينين الاستيلاء على الأراضى (ونفس الامر عند كاوتسكى كما سنرى) .
 
[12]يجب ان نلاحظ ان ظاهرة الامبريالية كهيمنة هيكلية على البلدان المتخلفة قد سبقت بعدة عقود عصر الرأسمالية الاحتكارية ، وقد بدأت الامبريالية على وجه التحديد مع الثورة الصناعية وهيمنة رأس  المال الصناعى على رأس المال التجارى فى أوربا ، والتى تبعها إعادة تشكيل النظام الاقتصادي فى المستعمرات والبلدان قبل الرأسمالية ، وهذا لا ينفى ان المشاريع الأكبر حجما هى التى لعبت الدور الأهم فى صياغة هذه العلاقة الجديدة ، لا بفضل طابعها الاحتكارى بالذات ، بل بفضل ضخامة إمكانياتها وإنتاجها. كما نستطيع القول بأن العلاقة العضوية بين مجموعتى البلدان قد تبلورت تماما مع سيادة الاحتكارات ، لا بفضل سيادة الاحتكارات بالذات بل بفضل نمو الرأسمالية . باختصار : الامبريالية سابقة على عصر سيادة الاحتكارات الرأسمالية .
 
[13]  نقصد هنا ما يسمى بال Exploitation Colonization  وليس ال Settlement Colonization  أو الاستعمار الاستيطانى .
 
   [14]   ُ يقصد بالنمو المركب ، نمو اشكال وعلاقات تنتمى إلى مراحل تاريخية مختلفة وأعمق معنى للنمو المركب هو النمو فى اطار اكثر من نمط إنتاج متشابكين دون ان ينحى أحدهم الاخر .
 
[15] تناولنا بشئ من التفصيل تحليل هذا المفهوم تحليل هذا المفهوم فى مقال "بنية التخلف" الراية العربية، العدد الأول ، نوفمبر 1986 .
 
[16]   نلاحظ ان هذه الاشارة العابرة جدا تتضمن – بالقوة – شعورا بتميز العلاقة بين المتروبلات والمستعمرات ، الا أننا نتذكر فورا ان هذه العلاقة قد ُحصرت – لدى لينين – فى الاستعمار المباشر .
 
[17]   التشديد من عندنا .
 
[18]   قد يقول قائل بأن لينين لم يكن فى وضع يمكنه من التنبوء باستقلال المستعمرات المباشر .. ولكن الحقيقة ان المسألة ليست على مستوى التنبؤ بل على مستوى التحليل ، ألم يكن ينبغى له ان ينظر إلى التبعية هى تبعية كلية، شاملة للهيكل الاقتصادى ككل ؟ .
ومع ذلك فنحن نتوقع ان يشير البعض إلى ان الوضع الحالى : حالة التبعية فى ظل استقلال مباشر هى مكسب  خطوة إلى الأمام حققتها البورجوازيات الوطنية فى المستعمرات السابقة وأنها بذلك تمثل حالة انتقالية كما وصفها لينين !! ونحن نطالب أصحاب هذه الفكرة الواسعة الانتشار بأن يجيبوا على السؤال الاتى : هل هذه هى حالة انتقالية من الناحية المنطقية .. ؟ ولنلاحظ ان هذا هو ماقصده لينين بالفعل . والواقع ان الرأسمالية تحتاج إلى أشكال الهيمنة المباشرة ولكنها تحتاج اليها كمجرد وسائل أو وسائط لاستمرار إنتاج وإعادة إنتاج الهيمنة الهيكلية ، التى تعتبر النتيجة الاستراتيجية للامبريالية ، والتى تلعب دورا استراتيجيا فى تسيير آلة النظام الرأسمالى .
 
[19] التشديد من عند كاوتسكى
 
[20]     كان ماركس دقيقا للغاية فى تحليله لرأس المال التجارى والبنكى فى "رأس المال" حيث استخلصهما – كمفاهيم – من رأس المال بما هو كذلك. وهو يقصد برأس المال الصناعى رأس المال المستثمر فى عملية إنتاج وإعادة إنتاج فائض القيمة . واعتبر ماركس – مستنتجا بطريقة منطقية – رأس المال التجارى مجرد رأسمال متحور modified وكذلك رأس المال البنكى.
      
  [21]    بول بايروك ، مأزق العالم الثالث . ونشير كذلك إلى ان الصراع بين البلدان الرأسمالية قد تجاوز هذ النقطة إلى نقطة أعلى : الصراع على بلدان متخلفة ، أى بعد تحديث (أو التحديث الجزئى للبلدان قبل الرأسمالية ). وهذا النوع من الصراع تختلف آلياته وغاياته عن الصراع على اسواق البلدان الرأسمالية نفسها ، كما تختلف آلياته وغاياته أيضا عن الصراع على بلدان قبل رأسمالية (أى البلدان التى صار معظمها بعد ذلك بلدانا متخلفة ).
      [22]   سنعود إلى هذه المسألة فيما بعد ، ونذكر القارئ بأننا نهتم أكثر بالمسائل المنهجية ولا نقدم فى هذه الصفحات دراسة  عن الامبريالية ككل .
 
[23]  التراكم على الصعيد العالمى ، التطور اللامتكافئ .
 
[24]   Socialism and Colonial Policy Translated into English by Angela Clifford , 1975 puplished by Athol Books, Belfast.                                                                  
                   
[25]   نستمد مشروعية هذه المقارنة من اتفاق طريقة لينين مع البنيوية فى نقطة البداية ، فالظواهر تعامل على أنها كل معقد .. تعدد متشابك دون الاعتراف بالقيمة العلمية للمفهوم (الواحدى ، البسيط بهذا المعنى نفسه .) كأساس للمعرفة .
 
[26]    طبعا من الواضح للقارئ اللبيب ان هذين المفهومين يعدان من الكليات الا ان احدهما جزئى بالنسبة للأخر .
 
[27]   لا يوجد تعريف موجز وتعريف مفصل ، فالتعريف كما قال هيكل بحق يختزل موضوع البحث إلى "مفهومه" ينتزعه من تخارجاته اللازمة  لوجوده العينى" ، وهو بهذا المعنى" العلامة المميزة والتعيين الماهوى Essential فى الوجود الفعلى لمثل هذا العينى" Hegel, Science of Logic, Translated by A.V. Miller, 1976, p. 795, 799 respectivily .                         
 
[28]    أنظر هامش (9) .
فلنلاحظ هنا ان لينين يخلط الأمور من جديد : فالامبريالية لم تعد مفهوما عاما ولا حتى تعريفا (مختصرا أو شاملا !!) ان لينين يهتم اكثر بالوقائع المباشرة .. باللحظات العملية ، أما المفاهيم وطريقة التحليل فلا ُتعار الأهمية اللازمة .
 
[29]  من الواضح الآن ان رأس المال الصناعى ، فى عصرنا هذا يبحث هو الآخر عن مصادر الخامات (البترول خاصة) وعن الاسواق .. فمن المؤكد ان هذه النزعة لا ترتبط فقط برأس المال المالى ، بل وكان يجب ان يلاحظ لينين أنها ارتبطت برأس المال المالى – فى عصره – لا بصفته (مالى) بل بصفته (صناعى) أيضا  والأهم من ذلك ان رأس المال الأجنبى منذ انتهاء الحرب العالمية الأخيرة يهتم اكثر فأكثر بالصناعة التحويلية فى العالم الثالث .
 
[30]  التشديد من عندنا .
 
[31]     لا يمكن فى الحقيقة إرجاع ظاهرة تصدير رأس المال إلى دافع مباشر محدد مثل : البحث عن معدل أعلى للربح حيث ان رأس المال يتجه أحيانا إلى مناطق ذات معدل ربح أقل مما هو فى البلد الأم، والمناطق المفضلة عموما لا تتميز بمعدل ربح أعلى، وقد سبق ان حددنا ان رأس المال يبحث عن اعلى معدل احتمالى للربح على المدى الطويل ويحقق هذا بوسائل مختلفة منها الهجرة ليس بالضرورة إلى اكثر المناطق ربحية فى لحظة التصدير .
وقد استعرض محمد السيد سعيد (الشركات عابرة القومية ومستقبل المسألة القومية) مختلف النظريات فى هذا الموضوع  ونحيل القارئ أيضا إلى سمير أمين: التراكم على الصعيد العالمى – التطور اللامتكافئ – صفحات متفرقة.
 
[32]  التطور اللامتكافى – ترجمة برهان غليون .
ط3 بيروت 1980 ص 127 .
 
[33]   نوجه النقد التالى لهذه العبارة :
1-      ان هذا الامر كان موجودا منذ بداية تصدير رأس المال ولم "يصبح" فقط .
 2-      من الأفضل والأصح ان نقول : تبادل رأس المال يحفز تبادل السلع .
 
[34]   Arghiri Emmanuel, Unequal Exchange, Op Cit. Page 83 .
 
[35]  بول باران – سويزى : رأس المال الاحتكارى .
 
[36]   يمكن الحديث عن علاقة نهب محض خلال ما تسمى بالفترة المركانتلية ، الا ان الأمر لم يعد كذلك فحسب منذ الثورة الصناعية .
 
[37]   قدر سمير أمين الفائض المحول من البلاد المتخلفة إلى البلاد الرأسمالية عام 66 ب 22 مليار دولار عن طريق" التبادل غير المتكافئ" ، أى 1.5% من مجموع إنتاج الأخيرة (التبادل غير المتكافئ ص 114) .
فاذا اضفنا من اشكال النهب الأخرى ضعف هذه النسبة لأصبح ما ينهب العالم الرأسمالى يعادل 4.5% من انتاجه . فاذا حسبنا الفائض الذى يبدده لوجدناه يزيد بعدة اضعاف عن هذه النسبة ، فهناك بطالة فى حدود هذه النسبة نفسها فى أفضل اللحظات ، كما ان الطاقة العاطلة ككل فى الصناعة تفوق هذه النسبة بكثير فى أوقات الانتعاش . وهنا بالاضافة إلى هذا التخلص من الإنتاج النهائى نفسه بالإحراق والالقاء فى البحر .. وهكذا .
وقد قدرت خسائر الاقتصاد الامريكى فى الفترة من عام 1930 إلى عام 1938 ب 293 مليار دولار بسبب البطالة وحدها ، بينما كان الناتج القومى فى عام 1929 نحو 810 مليار دولار ، وتزيد هذه الخسارة عن 30% من الناتج عام 1939 وعن نصف الناتج عام 1938 . بول باران : الاقتصاد السياسى للتنمية ص ص 105-106 . وطبعا ترتفع نسبة الخسارة بعدة أضعاف اذا ما أخذنا فى الاعتبار اشكال التبديد الأخرى ، وبذلك تقف التحويلات الخارجية هزيلة للغاية أمام هذا التبديد .
وعلى الجانب الآخر تبدد البلدان المتخلفة من الفائض الاحتمالى والفعلى أضعاف أضعاف ما تحوله إلى الخارج، وهاك امثلة:
 
الدولة
معدل الادخار الضائع من الدخل القومى
اكوادور
59.3%
هندوراس
58.1%
السلفادور
61.9%
الدمنيكان
67.5%
كولومبيا
61.5%
الهند
10.1%
باكستان
14.8%
تايلاند
30.9%
كوريا الجنوبية
49%
رمزى زكى . أزمة الديون الخارجية للدولة النامية ص 604 .
 
 ويقدر باران الفائض المبدد سنويا فى بعض البلدان المتخلفة :
الملايو
1947
23%
سيلان
1951
20%
الفلبين
1948
16%
الهند
 
10%
تايلاند
 
26%
       (الاقتصاد السياسى للتنمية ص 347) .
لا يمكن اذن اعتبار مسألة النهب ذات أهمية حاسمة فى العلاقات الدولية المعاصرة .
 
         [38]       Arghiri Emmanuel, Op. Cit., p. 83
 
[39]   وبعد هذا ينبغى لنا ان نتساءل هل يجب اعتبار الامبريالية – التبعية شرا محضا ؟ هل الامبريالية هى علاقة رجعية بصورة مطلقة ؟ .
فى الواقع أوضح كتاب لينين بجلاء ، ان الرأسمالية الاحتكارية تميل إلى عرقلة تطور القوى المنتجة فى البلدان الرأسمالية وحلل طابعها الطفيلى ، الا أنه لم يتناول دورها فى البلدان المتخلفة بالشكل الملائم.  فإذا كان من الواضح ان الرأسمالية الاحتكارية فى أوج تطورها تلعب دورا رجعيا على صعيد العالم الرأسمالى، فان دورها واضح فى تحويل المجتمعات قبل الرأسمالية إلى مجتمعات متخلفة ذات اقتصاد نقدى حديث  واكثر ديناميكية مئات المرات من الوضع السابق ، هذا الدور يطرح سؤالا ملحا : هل لعبت الامبريالية بدورها فى تكوين الانظمة المتخلفة دورا تقدميا ، بمعنى أنه حول هذه البلدان إلى وضع اكثر قابلية لتحقيق نقله ثورية كبرى ؟ لا شك ان هذه الإشكالية تحتاج إلى دراسة تفصيلية ، الا ان السؤال نفسه مشروع، وهو أمر يوضح لنا مدى أهمية تحديد مفهوم الامبريالية بالطريقة التى عرضناها بها، أما طريقة لينين فتطمس هذه القضية تماما حيث لا تميز بين دور الرأسمالية فى الداخل ودورها الامبريالى (فى العالم المتخلف).
 
[40]    رأس المال الاحتكارى – الفصل الأول .