الكوتا النسائية حق ديمقراطي


ماري ناصيف
2012 / 8 / 20 - 14:09     

ما بين رواندا ولبنان

الكوتا النسائية حق ديمقراطي

وتعويض عن الاضطهاد والتمييز والقمع

يعتبر قانون الانتخاب حجر الزاوية في تشكّل السلطة وفي تأمين ديمومة النظام. لذا، كان على الدوام موضع اتفاق بين ممثلي التحالف البرجوازي – الإقطاعي السياسي الحاكم وصراع بينهم وبين الحركة الشعبية بكل مكوناتها، بما في ذلك الأحزاب السياسية والتجمعات المعبّرة عن تلك المكونات.

ولا نخترع البارود عندما نقول إن اتفاق الطائف، الذي أعلن نشوء الجمهورية الثانية في لبنان، قد فصّل بوضوح دور السلطة التنفيذية، معدلاً في مكوناتها وطرق اتخاذ القرار داخلها، إلا أنه ضاع في الضبابية والغموض عندما تعلّق الأمر بالسلطة التشريعية عموماً وبالنظرة المستقبلية لقانون الانتخاب ولأسسه، ومنها على وجه الخصوص ما هو متعلّق بإلغاء الطائفية وحصص تمثيل الطوائف والمذاهب في القانون... لذا، بقيت الحال على ما هي عليه، على رغم مرور اثنين وعشرين عاماً، تحوّل لبنان خلالها الى حقل اختبار لأبشع تجليات الانقسام الطائفي الآخذ في التصاعد والتطرّف.

فمن قانون "غازي كنعان" في العام 2000 (وتعديلاته اللاحقة) الى العودة الى قانون العام 1960 (الذي تبرّأ منه واضعه، أي الرئيس فؤاد شهاب)، الى مشروع لجنة الوزير فؤاد بطرس ومشروع الوزير زياد بارود، إلى مشروع الوزير مروان شربل، "آخر حبوب العنقود" الذي ولد ميتاً رغم إمراره في مجلس الوزراء، نجد الخلفية نفسه والهدف نفسه اللذين نوجزهما بالمعادلة الآتية: كيف بمكن لكل من هم في السلطة – من ضمن التحالف البرجوازي الإقطاعي السياسي إياه – تقسيم الدوائر الانتخابية على قياس بعضهم البعض، ودون المساس بالنظام السياسي وأسسه الطائفية، التي لا تساعد على اخفاء الصراع الطبقي فحسب بل تكرس تحوّل لبنان الحديث الى مزارع منفصلة، يسيجها الخوف من الآخر وتظللها الحروب الأهلية. كل ذلك بهدف حماية دور زعماء الطوائف (أو البيوت الطائفية)، وليس أبنائها، ودون أن يصل الانفصال الى درجة القطيعة الكاملة... حتى الآن.

ونحن، إذ نورد هذا التحفظ، المتضمّن في عبارة "حتى الآن"، فإنما نفعل انطلاقاً مما يجري حولنا من نشوء أقاليم هنا ودويلات هناك، وكذلك من انعكاس الأزمات التي تحيط بنا على شكل فتنة ينفخ البعض في نارها التي لم تخمد أصلاً.

لنعد إلى مشروع قانون الانتخاب الأخير الذي تقدم به الوزير مروان شربل، والذي قسّم المحافظات اللبنانية الحالية إلى ثنائيات وثلاثيات تبعاً لمصلحة هذا الزعيم أو ذاك وانطلاقاً من المصلحة الخاصة للذين هم في السلطة التنفيذية، بحيث يتسنى لهم تأمين أكثرية تعود بهم إلى المواقع التي يحتلونها الآن. نقول، وبغض النظر عن الانتقادات الشكلية، التي طرحها من هم خارج السلطة التنفيذية اليوم – للسبب الوارد عينه – إن هذا القانون ينطوي على مجموعة من الجرائم بحق الوطن، بدءًا بتعزيز الانقسام الطائفي والمذهبي وبتشويه مبدأ النسبية (الذي اضطر التحالف الطبقي القائم الى إدخاله في القانون)، ووصولاً إلى التغاضي عن مشاركة الشباب في صنع القرار السياسي والى مسخ دور المرأة في هذا المجال الأخير.

وسنتوقف ملياً عند المسألة الأخيرة المتعلقة بمنع المرأة من المشاركة في صنع القرار السياسي، على الرغم من إقرار الدولة اللبنانية بحق الحصة أو "الكوتا النسائية" من خلال الموافقة دون أدنى تحفّظ على ما جاء حول هذا الموضوع في "الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة" (سيداو) التي أبرمها لبنان في العام 1996 ولم ينفذ من بنودها إلا النذر اليسير... وتحت الضغط.

نبدأ، أولاً، بالإجابة على السؤال المطروح حول ماهية الكوتا ولماذا تطرحها المرأة سبيلاً للوصول إلى مراكز القرار بدلاً من الاعتماد على الذات والترشح وفق ما يسمونه المعايير الديمقراطية الشكلية. فنقول إن "الكوتا" المعروفة أيضاً تحت اسم "التمييز الايجابي" (رغم ما تحتويه كلمة تمييز من معان سلبية) لم تبدأ بحقوق المرأة ولم تنطلق من لبنان، بل إنها انطلقت من الولايات المتحدة الأميركية، ومن قناعة شبه عامة هناك بضرورة التعويض على الأميركيين من أصل أفريقي (والذين استعبدوا طوال قرون)، لتتسع تدريجياً فتشمل كل الفئات المضطهدة (بفتح الهاء) بفعل الجنس أو اللون أو الانتماء الاثني...

وإذا ما أردنا الغوص في الأسباب الموجبة للكوتا النسائية، عموماً، وللكوتا في لبنان على وجه التحديد، لقلنا، أولاً، أنها لا تشكل حتى نوعاً من "التمييز الايجابي" الذي أشرنا إليه. فانطلاقاً مما قلناه حول النظام اللبناني المغلّف بغلاف الطائفية والمستند إلى قوانين طائفية للأحوال الشخصية ترى، كلها، في المرأة إنساناً ثانوياً غير ذي شأن، بل دونياً في بعض الأحيان، يعتبر حق الكوتا مجرد تعويض بسيط للعوائق والعراقيل الموضوعة أمام 53 بالمائة من سكان لبنان لمنعهن من احتلال المواقع التي تعود إليهن في رسم سياسة وطنهن... ونعتقد دون أية مغالاة أن تجربة بعض النساء في القيادات السياسية للأحزاب وفي الإعلام السياسي وكذلك في تنظيم المجتمعات المحلية تعطي أدلة واضحة على ما نقول. بينما لا تضيف العديد من تجارب الرجال، من الذين لم يسمع لهم صوت طوال تواجدهم في موقع القرار، حافزاً نوعياً للموافقة على أن "الرجل رأس المرأة".

نضيف الى ذلك أن النساء مواطنات بكل ما للكلمة من معنى، بل إنهن لعبن دوراً لا يمكن تجاهله أيام معركة الاستقلال وفي مقاومة الاحتلال الإسرائيلي لوطننا، ومن حقهن بالتالي المشاركة المتساوية في صياغة سياسات وطنهن، الذي ساعدوا في تحريره، خاصة وأننا نعتبر أن مثل هذه المشاركة المزدوجة أكثر من ضرورية، كونها تشكل شرطاً للتقدم وللديمقراطية الحقيقية في التمثيل.

إننا نقول للذين يسعون إلى وضع العصي في الدواليب، بالاستناد إلى مفاهيم ديمقراطية شكلية تقول إن الكوتا تسقط مبدأ المساواة من خلال إعطاء الأفضلية للمرأة على الرجل، أن المساواة الحقيقية ليست فقط في إلغاء بعض المظاهر الشكلية أمام المرأة، كالإقرار لها مثلاً بحقها في الانتخاب والترشح دون تمكينها من ممارسة هذا الحق فعلياً، عبر منع إزالة العوائق القانونية الواضحة والاجتماعية الكامنة من أمامها.

حق الكوتا، إذاً، ينطلق من مبدأ يقول إن المرأة، التي عانت طوال دهور – ولا تزال – من التمييز والظلم والاضطهاد ومن كل الآثار السلبية للحروب والانقسامات الدينية والطائفية والمجتمعية، والتي دفعت أثماناً باهظة للأزمات، لا بد وأن تعود لاحتلال موقعها في المجتمع؛ كما لا بد وأن تصل الى مواقع صنع القرار السياسي. مع الانتباه في هذا المجال الى سعي البعض لتحويل هذا الحق عن مساره عبر تمثيل شكلي لبعض النساء في مواقع القرار، كما جرت العادة قبل الحرب الأهلية وبعدها، أن تنتخب بعض النساء للحلول محل أب أو زوج أو أخ لحين استعداد ذكر جديد من العائلة لتبوء المركز.

ولهذا السبب بالذات تم الجمع بين مبدأين مترابطين ومتكاملين: حق الكوتا وتخصيص مقاعد للمرأة داخل مجالس النواب، وليس الاكتفاء بما يسمى "الكوتا في اللوائح"، كما جاء في مشروع الحكومة. والفارق بين الاثنين واضح. ذلك أن الشكل الأول للكوتا يستند الى النسبية، من جهة، ويحدد، من جهة ثانية، عدد المقاعد التي تحتلها المرأة، والتي لا بد أن تبدأ بـ 30 بالمائة على الأقل، مرحلية ومؤقتة، لتصل إلى المناصفة لاحقاً، بينما ربط الكوتا باللوائح فقط يمكن ألا يعطي المرأة شيئاً، خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن المشروع المقدّم لا يتحدث عن أي تسلسل في تقديم الأسماء، بل يعتمد أساساً على نسبة المصوتين لهذا المرشح أو ذاك، أي على العودة الى الأكثرية ضمن النسبية.

المرأة في العالم اليوم – الذي يدّعي الديمقراطية وحقوق الإنسان – لا تمثل سوى ما يقارب الـ 19 بالمائة من المجالس النيابية. أما في لبنان فتتراجع النسبة الى 3 بالمائة فقط. فهل هذا التمثيل مشرّف لوطننا ولمواطنينا جميعا بدون تمييز؟

الجواب واضح ولا لبس فيه.

يبقى أن نشير الى وضع سياسي مستجد نأمل من المجلس النيابي ومن كل المسؤولين في لبنان دراسته. انه وضع رواندا التي تقدمت اليوم الى المرتبة الأولى في مجال المساواة، بعد أن عانت المرأة الرواندية الكثير من الحروب العبثية في بلادها.

لقد قرّر شعب رواندا تخصيص 56 بالمائة من برلمانه للنساء، تعويضاً عمّا قاسينه واعترافاً بالدور الذي لطالما كان لهن في فترات الحرب والسلم.