الحرف والصناعات في بلاد ما بين النهرين


محمد سعيد العضب
2012 / 8 / 18 - 15:44     

الحلقه الاولي
نحاول عبر هذه القراءه وما يتبعها من حلقات تسليط الضوء علي الجهد المتميز الكبير والكشف عن بعض ثنايا هذه الممارسه المخلصه لاحد من رواد الصناعه والتخطيط الصناعي للقطاع العام في العراق ....الاستاذ صباح كجي جي المستشار الصناعي والاقتصادي السابق ,الذي تلقد مناصب عليا في اجهزه ا التخطيط والصناعه لفتره طويله امتدت لاكثر من (5) عقود.
فمن خلال عمله وانجازته في تلقد هذه المناصب العمليه ومساهمته في وضع لبنات واسس توطيد قطاع صناعي وطني ,اراد ايضا من خلال الكتابه و توثيق خبراته الطويله , ان يساهم ايضا تعميق الوعي الصناعي وتعميم ثقافه البناء والتحدي, حينما عرج بنا عبر تاريخ طويل من تراكمات الحرف والمهن الصناعيه التي عرفها تاريخ بلاد الرافدين منذ اكثر من 5000 عام .
تجلت هذه الجهود المثمره ايضا في اصدار اربع كتب في فترات زمنيه متفاوته ما بين 2002-2008 تناولت المهن والحرف والصناعات منذ القدم لغايه يومنا ,هذا كما تم التركيز علي عمليه التخطيط الصناعي في العراق منذ بدايه نشؤء الدوله العراقيه بعد الحرب العالميه الاولي لغايه عام 1980 سنه, بدايه الحرب العراقيه الايرانيه التي اعتبرت نهايه محاولات التنميه والبناء المدني الجاد في العراق الحديث .
الكتب الاربع شملت الموضوعات التاليه :
1.الصناعه في تاريخ بلاد الرافدين
2.التخطيط الصناعي في العراق خلال الفتره 1921-1980
3.اعداد دراسات الجدوي للمشروعات الصناعيه
4.الجدوي الاقتصاديه والطرق الفنيه في تقييم المشروعات الصناعيه
انه بلاشك توثيق حقيقي لمسيره الصناعه الوليده بكل ما اعتراها من اخفاقات وانجازات, لكنها ظلت تشكل تحديات , اراد جيل الكاتب منذ عقد الخمسينات ان يرفدها بزخم الديمومه والبقاء والعقلانيه والرشاده, بعيدا عن التأويلات والمزايدات الاديولوجيه والسياسيه الضحله التي ميزت مسيره العمل العام في العراق منذ تاسيس دولته الحديثه لغايه يومنا الحالي خصوصا حينما تسلطت احزاب دينيه اثنيه علي تلابيب اجهزه الدوله وموسساتها’ وهمها الوحيد تحويل الدوله وسلطاتها الي مراتع ارتزاق جهله تحت رايات الايمان والقدر وحشرت في اجهزه السلطه من دب وهب بعيدا عن الكفاءه والانجاز .
انه من حظي السعيد ان ازامل الكاتب وفريق عمله في الدائره الصناعيه بوزاره التخطيط لعقد من الزمن في السبعنيات حينما حاولنا جمعيا بقدرات وامكانات محدوده انتهاج العلميه في دفع عجله الصناعه واعتقد الجميع من العاملين اننا نسعي وضع اسس صناعه وطنيه لاجيال قادمه هكذا تحمل الجميع في توفير مستلزمات اتخاذ القرارت لمجلس التخطيط . الجهه العليا انذاك في تحديد مسارات البلد نحو التقدم او التخلف ., فحسب قدرات الكادر الفني والاداري طمح الجمع في ترسيه اسس ومقومات بناء صناعات عامه في بناء استراتجيه هامه مثل البتروكمياويات والاسمده النتروجيه والفوسفاتيه والحديد والصلب والالمنيوم وصناعات المواد الانشائيه اضافه الي تعضيد واسناد صناعات قائمه مثل الصناعات الغذائيه والغزل والنسيج وغيرها علاوه علي رفدها بمراكز التدريب والتاهيل الضروريه لتوفير الايدي العامله الفنيه الماهره
لكن المسيره هذه تعرضت الي انتكاسه شديده جراء اندلاع الحرب العراقيه الايرانيه او ربما توقف عن استكمال مستلزمات نجاحها او تعطيل اداءها بل تحولت لاحقا علي عبء كبير علي الاقتصاد الوطني والموازنه العامه .
ضمن الحلقه الاولي من هذه القراءه الشامله لكتب الاستاذ صباح كجي كجي سوف استعرض هنا كتابه الاول الموسوم ( الصناعه في تاريخ بلاد الرافدين )
ضم الكتاب خمس فصول تناول الاول الخليفه التاريخيه عن وادي الرافدين ففي اطار ذلك عرج الي نبذه مختصره لتاريخ العراق في الفترات المختلفه التاليه :
1.العصور القديمه لبلاد وادي الرافدين ( حوالي 3500سنه ) وهي فتره امتدت من 3500 ق.ب اي منذ الكتابه الصوريه ثم المساريه وحتي سقوط بابل في عام 539 ق.م وتشمل العصر السومري والاكدي والبابلي والاشوري.قد تم دمجها مع بعض في فتره واحده بسبب تداخلها في فترات تاريخيه عديده واثرها الكبير بعضها علي البعض الاخر في مختلف الجوانب الحياتيه
2. عهد الاحتلال الفارسي الاخميني والاغريقي (413 سنه)
ابتداء من عام 539 ق.م وسقوط بابل بيد الملك الفارسي كورش مرورا باحتلال الاسكندر الكبير لبابل عام 331 ق.م ثم العهد السلوقي 311 ق.م وحتي سقوط بابل بيد الفرس ثانيه عام 126 ٌق.م
3.عهد الاحتلال الفارسي (762 سنه)
ابتداءا من 126 ق.م الي 636 ميلاديه وتشمل الاحتلال الفارسي الغرئي من 126 ق.م الي 226 ميلاديه وفتره الاحتلال الساساني من 226 ميلاديه لغايه 636 ميلاديه
4.عصور الخلافه العربيه الاسلاميه (662سنه)
ابتداءا من 636 م. والفتح الاسلامي للعراق وقوط بغداد علي يد هولاكو عام 1258 م. وتشمل عصور الخلافات الراشديه والامويه والعباسيه وعصور البويهين والسلاجقه
5.عهود الفتره المظلمه (382سنه)
ابتداءا من 1258 م. حتي فتره الاحتلال العثماني في عام 1640 م. وتشمل الحكم المغولي والتتري والتركماني والصفوي الفارسي
6.عصور الدوله العثمانيه (277 سنه)
ابتداء من 1640 م. وحتي سقوط الدوله العثمانيه عام 1917م. وتاسيس الحكم الوطني عام 1921
قبل اكثر من 5000 سنه قبل الميلاد وبعد بدأ انحسار مياه الخليج بدأت بواكير التقدم الحضاري تدخل علي سكان وادي الرافدين : زراعه منظمه ,حرف صناعيه , العماره , الكتابه ,الفنون ,الاداب والعلوم
استعرض الفصل الثاني الصناعه( ليس بالمفهوم الحديث بل يقصد بها الحرف والمهن القائمه علي الابداع من اجل سد حاجات الفرد من ماكل وملبس وماوي وفن ) وشملت صناعه الفخاريات والاختام واللبن والطين ,القار والاسفلت ,القصب والبردي والاخشاب , الحلي صناعه المعادن والمنتجات المعدنيه ,النحاس والرونز ,الذهب والفضه .
تضمن الفصل الثالث الصناعه في عصر الخلافه العربيه والاسلاميه وشمل تناول اوضاع الصناعه في فتره ما قبل الفتح الاسلامي مركزا اهتمامه عل المركز الصناعه التي شيدت في هذا العهد العامر واعتماد اسس التخصص الصناعي واهم الصناعات ومنتجاتها المتطوره
(الفخار والخزف والصناعات النسيجيه والملابس , الخشب والقصب والنخيل والصناعات الزجاجيه والمعدنيه )علاوه علي ذلك تم تناول التنظيمات المهنيه والاصناف الحرفيه والتجمعات التي ارست روح التعاون والتجمع للتعبير عن اهميه المهن وتوصيل رائ مشترك لمصالح الفئه العامله اي بكلمات اخري نشوء فكره الاتحادات المهنيه.
تعرض الفصل الرابع والخامس الي الصناعه في العهد العثماني وفي بدايه الحكم الوطني .عموما تم التوكيد في مقدمه الكتاب انه ليس كتابا تخصيصا في تاريخ العراق القديم وان مفهوم الصناعه الوارده تخرج عن مدلولها الالي الحديث بل تظل عمليات خلق من سلع لاجل اشباع حاجات بشريه .
انه ايضا ليس بحثا اكاديميا عن الصناعه العراقيه عموما ,بل اعتبره بتواضع جهدا يحتوي علي ملامح الصناعه والحرف في تاريخ العراق القديم منذ بدايه حضارته في بلاد سومر وما اعقبها من اوج وصلت اليه بلاد الرافدين من عظمه وازدهار خلال العهود البابليه والاشوريه والكلديه ومن بعدها ما وصلت اليه الصناعات خلال فترات الازدهار للدوله العباسيه , ومن ثم ما الت اليه من تدهور خلال فترات الاحتلال الاجنبي الفارسي والعثماني .
اتسم الكتاب علي التبيسط في العرض والتبويب حسب الفترات التاريخيه المختلفه معتمدا علي مصادر مستقاه من منابع تاريخيه واثاريه مباشره كما تم التركيز في البيانات علي ما يخص الصناعه ومحاوله ربطها مع المماراسات الحرفيه والاساليب المستخدمه في وقتنا الحاضر
ان الجوله الطويله استهدفت اضافه مصدر هام للتثقيف الصناعي ليس فقط للعاملين في هذا المجال, بل ربما يمكنه ان يشكل مرشد تعليمي في المدراس,الصناعيه والمعاهد الهندسيه وغيرها من موسسات التاهيل لما يوفره من معلومات عن جذور تراثهم الصناعي في اعماق التاريخ , وربما الاستفاده منها في تعزيز محاولاتهم ومساهتهم في بناء النهضه الصناعيه الحديثه .
لاشك سيكون الكتاب مفيدا ايضا لكافه المثقفين من الناس للاطلاع ما وصلت اليه قبل بروز العراق المعاصر .
فهذه الرحله الشيقه الطويله عبر تاريخ المهن والحرف والصناعات في تاريخ العرا ق البعيد , تؤكد مره اخري علي ضروره العنايه والاهتمام في التراكم المعلوماتي من قبل الاجيال الجديده للتمكن في السيطره علي فنون المعرفه التكنلوجيه الحديثه و تسخيرها في عمليه نقل وتوطين التكنلوجيا الحديثه لخدمه الصناعه الوطنيه الوليده .
في هذا المجال يمكن ايضا لاجهزه وزراه الصناعه ان تقوم في اخذ عينات من الصناعات والحرف العراقيه العريقه وتوثيق المعلومات الهامه بها,بكل ما يتعلق بمواصفات منتجاتها الفنيه وطرق وعمليات الانتاج المستخدمه والالات والمكائن الازمه ,علاوه علي مدخلاتها الهامه وكذلك احتياجاتها من الايدي العامه مع يمكن وضع دراسات الجدوي والاقتصاديه لها وعرضها كفرص استثماريه , يمكن توفيرها للقطاع الخاص لاقامتها , بالتالي يمكن خلق مجالات عمل منتجه جديده للمساهمه في حل مشكلات البطاله المستعصيه في البلاد , وتخفيف الضغوط علي التعيين في اجهزه الحكومه التي لا تزال تعمق ظاهره البطاله المقنعه المزمنه والسائده في الاقتصاد العراقي .