الحضارة و الدجاج


هشام صالح
2012 / 8 / 17 - 10:00     

هناك عناصر معينة للتعرف على الحضارة , أي حضارة بشكل عام , و أحدى تلك العناصر هي الانجازات العلمية و الثقافية و العمرانية , فحين يريد المرء يريد أن يتعرف على مدى قوة تلك الحضارة فهو لا يلجأ للنظام السياسي أو الاقتصادي لتلك الحضارة.

بل يلجأ إلى انجازات تلك الحضارة المعينة خصوصاً العلمية و الثقافية و العمرانية , و بتلك الإنجازات يقيس مدى " قوة " تلك الحضارة . و فوق هذا , يقيس مدى قوتها في قدرتها في نقل تلك الإنجازات إلى الأمم الأخرى .

و احدى تلك الحضارات هي الحضارة الفارسية التي يقول عنها البروفيسور آرثر بوب Arthur Upham Pope :
(( العالم الغربي له دين كبير غير مدفوع للحضارة الفارسية ! ))

تلك المقولة اثارت استغرابي لوهلة , و توقفت عند الإنجازات العلمية و الثقافية التي قامت بها الحضارة الفارسية , و وجدت أن أسس التمدن و القانون موجودة في رحيق الحضارة الفارسية .

سأدون أهم مما وجدت حول إنجازات الحضارة الفارسية و هي :

1 – الملك داريوش أول من كتب وثيقة حقوق الإنسان , و نصت تلك الوثيقة على حرية الأديان و المساواة ما بين الأعراق .
2- أول شكل لنظام الحكومة الفيدرالية تاسس في الامبراطورية الفارسية .
3- أول شرطة سرية , كانت تدعى ( عين و أذن الملك ) .
4- أول عملية جراحية لجمجمة الإنسان
5- أول شارع كبير يصل الشرق بالغرب ( الصين إلى أوروبا )
6 – أول نظام ضرائب
7- أول عجلة في التاريخ .

لنرى آخر أخبار تلك الحضارة اليوم :
(( 27 يوليو 2012 , بي بي سي , حسين بستاني و علي حميداني , تصاعد الغضب في إيران بسبب غلاء الدجاج الشديد :
" هم ليسوا وراء الستلايت , فقط يريدون المعرفة أذا كنت تملك الدجاج في ثلاجتك "
رأي من الشارع الإيراني :
" الأمر يتعلق بالأكل هذه المرة ,إذا لم أستطع إطعام عائلتي , أعتقد سأذهب إلى الشارع "))

و ناهيك عن مقاطع الفيديو و الصور التي رأيناها , حيث يصطف الشعب الإيراني بكل إذلال ينتظر شراء الدجاج , و مقطع آخر يركض الإيرانيون للحصول على الدجاج . و الحكومة الإيرانية لم تفعل شيئاً سوى منعها الدعايات التي تعرض الدجاج ! .

تلك الحضارة العظيمة و العريقة , التي أنجزت و فتحت دروب المعرفة للعالم هذا , أصبح شعبها لا يملك دجاجاً .

مشكلة الدجاج في إيران ليست مثاراً للسخرية , كما يفعل البعض , و لكنها مثار للسؤال , ما سبب كل هذا ؟ كيف حدث كل هذا ؟

نحن لا نسأل لماذا لا يوجد دجاج ؟ أو أين ذهب الدجاج ؟ , ليس هذا هو الموضوع , حيث الحضارة و الدجاج في إيران مجرد واجهة للموضوع الأصلي. موضوع الدجاج هو للمختصين بالأمور الإقتصادية , حيث بإمكانهم أن يعطوا وصفاً عميقاً حول الازمة الموجودة في إيران .

و لكن أسئلتنا الحقيقية تقودنا إلى موضوع أو مفهوم " الشمولية " , أو بالأدق , ميكانيكية الأنظمة الشمولية .

الشمولية في القرن الواحد و العشرين في طور الانتهاء , هي تصل الآن إلى المحطة الأخيرة , مفاهيم مثل " الدكتاتورية " أو " الشمولية " لن تصبح مفاهيم حية خصوصاً بعد الربيع العربي , ليس مدحاً في الثورات أو في البدائل , بل تأكيداً على فعالية العولمة السياسية .

العولمة السياسية ,تعمل بشكل مختلف تماماً عن السابق , في زمن الإمبريالية , أيّ , الإستيلاء العسكري أو الهجوم العسكري بشكل مباشر .

العولمة السياسية هي مثل السارق الذي يسرق بأسم القانون أو الذي يسرق بشكل قانوني , العولمة تسير على هذا النهج , تغيير الانظمة تغيير الحكام بأسم القانون , من غير وجود تدخل عسكري ( مثل فيتنام أو العراق ) و من دون أي تعب , الشعوب هي من ستغير الأنظمة الديكتاتورية إلى أنظمة ديمقراطية (وفقاً لمفاهيم الديمقراطيات الغربية ) .

فالشمولية أمام العولمة , مثل القزم أمام الضخم , لا مفر من الضربة الموجعة . و إيران هي النموذج لتلك الأنظمة الشمولية ( الثيولوجية ) , التي تعرف الكلام و لكن لا تعرف الأفعال , هي تعرف كيف تتحدث و تراوغ , و تعلم جيداً أنها تواجه أي نوع من القوة و تعرف قوة الضربة الموجعة التي ستتلقاها اذا لم تباشر بالتغيير و التعديل من الناحية الداخلية و الخارجية ( الدبلوماسية ) .

و هذا يذكرنا بالسيناريو السوفييتي في منتصف الثمانيات و صاعداً , حيث الجوع ساد , و برغم هذا الجوع فأنه لم يمنع الحكومة السوفيتية في استمرار مساعدة الدول الأخرى مادياً و عسكرياً . و هذا ما يحدث في إيران الآن , فأن الحكومة الإيرانية تساند سوريا مادياً و عسكرياً , بينما الشعب جائع .
أن صمود الأنظمة الشمولية ( خصوصاً إيران ) أمام طوفان العولمة لن يكون سهلاً , فهذا القطب الغربي استفاد من سقوط القطب الشرقي و لن يسمح لأي شيء أن يقف في طريقه .

نوايا العولمة تثير أسئلةً كثيرة و تحليلات كثيرة , و لا شك النظر إلى إيران سيجعلنا نفهم بشكل أفضل ما هي نوايا العولمة ...

المثير للسخرية ( The Irony ) : إيران اليوم مثل الطبيب الذي يعالج الناس و هو عليل .