هل هناك بوادر حرب طائفية في المنطقة ؟!


أحمد جميل حمودي
2012 / 8 / 16 - 09:31     

حتى قبل إعلان البيان الختامي للقمة الإسلامية كان هناك يقين بأن هناك تعليقا لعضوية سوريا بقمة منظمة " التعاون الاسلامي" (منظمة المؤتمر الإسلامي سابقا)! ورغم أن تعليق العضوية ليس له أي تأثير على مجريات الأحداث بسوريا خاصة فيما يتعلق بموازين القوى العسكرية بين المعارضة والنظام السوري فإن تساؤلاً يفرض نفسه هل هناك بوادر حرب سنّية-شيعية في المنطقة؟! هناك عدة مؤشرات لهذا المنحى – برأيي- منها:

أولا: يبدو أن ايران والنظام السوري بدءا بتنفيذ نقل المعركة إلى دول أخرى، وربما يعلم الجميع أن الضاحية الجنوبية في بيروت هي دولة شيعية في لبنان وبالتالي اختطاف السوريين ومَن معهم ومحاصرة السفارة السعودية بلبنان كان بتحريك من "حزب الله" ومَن خلفها أي ايران والنظام السوري، لذا فإن إعلان بأن الخاطفين هم من عشيرة آل المقداد كان بدافع تحلل حزب الله من عملية الاختطاف، لذا فإن الرد السعودي جاء سياسيا من خلال تعليق عضوية سوريا. وربما قضية "سماحة" واتهامه بنقل متفجرات من سوريا للبنان متصل بنفس السياق السابق استخدام سياسة "نقل الحرائق" وليس "عض الأصابع" بين دول المنطقة.

ثانيا: بناء على المحور الأول فإن تغيرات الوضع في لبنان بعد خطف السوريين، وبينهم سعودي وتركي، يجسد تمدد الصراع السني الشيعي في المنطقة والذي كان بمثابة رسالة إيرانية-سورية إلى السعودية، الرسالة مفادها: أن السعودية إذا حاولت إشعال الحرائق بسوريا فإنّ بإمكان ايران والنظام السوري إشعال الحرائق ليس فقط بالسعودية ولكن أيضا بالبحرين ولبنان وربما في دول خليجية أخرى مثل الكويت.

ثالثا: إن سعي دول المنطقة العربية إلى امتلاك "أسلحة الردع" دليل على أن التصعيد بين أطراف المنطقة هو السائد وليس ما جاء في عناوين القمة الاسلامية من "ضروة التعاون والحوار بين المذاهب الاسلامية". لذا لاحظنا أن الإمارات توقّع عقودا ضخمة للحصول على الوقود النووي من 6 شركات عالمية تحت غطاء امتلاك الطاقة النووية السلمية بالاضافة، كذلك سعي الولايات المتحدة لإقامة منظومة صواريخ في دول الخليج من أجل حماية المدن، ومصافي وأنابيب النفط والقواعد العسكرية الموجودة في المنطقة من أية هجمات إيرانية محتملة، وإجراءات خليجية لضمان الماء والغذاء. أيضا واشنطن تبيع الكويت صواريخ باتريوت بقيمة 4,2 مليارات دولار، وأخيرا وليس آخرا، على ما يبدو، تعزيز تركيا قواتها المنتشرة على الحدود مع سوريا عبر ارسال بطاريات صواريخ ارض-جو وناقلات جند إلى جنوب شرق البلاد. وبالتأكيد إسرائيل ليس بعيدة عما يحدث خاصة من إبداء تخوفها استخدام النظام السوري للأسلحة فوق التقليدية (الكيماوية) وتهديدها ايران بضرب مفاعلاتها النووية بين الحين والآخر.

رابعا: البيان الختامي للقمة لم يرّكز على قضايا حقوق الإنسان والمواطنة والتغيير والاستجابة للتغيرات الديمقراطية الحادثة بالمنطقة وإنما ركّز على ضرورة التعاون والحوار بين المذاهب والدول الاسلامية، وهذا يعني أن الدول ما زالت الأولوية لديها هو تحقيق الاستقرار بالمنطقة، وهو يعني تباعا أن هذه الأنظمة ما زالت تُبقي على خطابها التقليدي في تعاملها مع الشعوب.

كل ما سبق، وربما غيره قد يخفى علينا، يعني أن حربا إقليمية شاملة قد تلوح بالأفق تحت مسمّى "حرب المحور السني- الشيعي" وهذا يذكرنا بالصراعات الطائفية الطاحنة التي حدثت في أوربا والتي كان أوجُها الحرب العالمية الأولى والثانية، والتي أدت الى بناء السلم الدولي واستقرار ما عرف لاحقا بالحرب الباردة أو الحرب بالوكالة. بالتأكيد فإن شعوب المنطقة عليها أن تدفع الكثير من الثمن حتى يعاد ترتيب المنطقة من جديد. نعم التاريخ يكتب من جديد في المنطقة العربية والتغييرات الديمغرافية والجيوسياسية قادمة لا محالة، وأهمها تفكيك منظومة الدول القومية وبروز المطالب العرقية/الاثنية والطائفية، وربما سيكون النموذج السائد بعد زمن هو تأسيس الدول الوطنية المفرغة من الأيديولوجيات الجامعة وإقامة عقد اجتماعي جديد بين أبناء المنطقة يؤسس لشراكة حقيقية تحت التنوع الشديد البارز الذي ربما يؤدي إلى "اتحاد" بديل للجامعة العربية وفق آليات ورؤية استراتيجية جديدة. ولكن قد يبرز عكس ما سبق، أي صعود تيار الإسلام السياسي مبلورا عن نفسه بالحركات الراديكالية (السلفية الجهادية) والذي سيؤدي إلى صراع بين القوى السياسية والمجتمعية التقليدية (القوى المدنية ومؤسسات المجتمع المدني)، والذي سيؤدي أيضا إلى غربلة الحركات الراديكالية واستبقاء حركات الإسلام السياسي التي تقبل بالخيار السلمي والديمقراطي للوصول إلى السلطة.