زلزال سوريا القادم ( بارومتر موزه)


رياض الأسدي
2012 / 8 / 16 - 09:30     


ماذا لو سقطت سوريا ككيان سياسي وجغرافي ودولة تأسست منذ 1947 في ما عرف بعيد الجلاء؟ ماذا لو تحولت سوريا إلى (سوريات) كما تتمنى اسرائيل لتسقط وإلى الأبد دعايات الممانعة والمقاومة العربية. ماذا لو أصبحت سوريا سورات من الماء العكر هنا وهناك؟ كانت سوريا جمهورية ولم تمر بآتون الملكية بسب الأحتلال الفرنسي، وتلك حالة نادرة في التاريخ السياسي العربي المعاصر. لكن سوريا هي التي اخترعت الانقلابات العسكرية الكاملة زمن حسني الزعيم في عام 1949 ومن هنا فإنها يمكن ان تخترع اشياء اخر اكثر أيلاما وأشد مضاء والعن موضعا إذا ما حدث الزلزال السوري وهو واقع لا محالة. هذا الزلزال المروع القادم لايمكن لأي بارومتر من نوع ريختر المؤلف من عشر درجات أن يتوقعه. ولا حتى (بارومتر موزة) المؤلف من عشر درجات أيضا أن يتوقع ما الذي يمكن ان يحدث في سوريا إذا ما وقع الزلزال. وهاهي الهزات الحلبية والحمصية قد بدأت رويدا رويدا. يرى بعض المراقبين وهم محقون ان معركة حلب سوف تؤدي إلى انكسار ( كيرف) الصراع لصالح أي فريق من خلال الاستيلاء على المدينة. وهذا صحيح مؤقتا في الحسابات العسكرية الأعتيادية لكنه لن يكون صحيحا في حسابات الثورات فقد تكون ثمة حلب ثانية وثالثة مثلما كان ثمة مصراتا واحدة في الثورة الليبية أقضت مضاجع القذافي ولم تسقط رغم حشد الكتائب البليدة اللتي امطرتها بوابل من قذائف المدفعية وصواريخ (غراد) الروسية البائسة.
ماذا لو حدث الزلزال الكبير بعد ذلك وسقطت حلب ثم حمص بيد الثوار ومدن استراتيجية أخر؟ هل سيلجأ النظام البعثي المحموم إلى أسلحة الدمار الشامل؟ ربما فكل ما هو ممكن جائز في الثورة السورية مثلما هو ممكن كلّ ما هو مستثنى من الحسابت السياسية التقليدية في هذا البلد المخترع للمصائب. لذلك سوف نجد ان المجتمع الدولي يتدارك بطئه المقصود وبلادة جلده المعهودة - ولكن بعد لأي- ويفرض منطقة حظر جوي وربما مناطق آمنة. هذا البطء القاتل مورس في رواندا ابان الصراع العرقي بين الهوتو والتوتسي وقد لام الرئيس بيل كلنتون نفسه – في مذكراته الطويلة البائسة- على هذا الموقف المشين من دولة عظمى تجد نفسها في دعايتها اليومية المملة مدافعة عن حقوق الغنسان في العالم. ترى ماذا يفيد لوم النفس بعد ذلك وماذا يفيد لو سقط مئات الآلاف من السوريين مضرجين بدمائهم بسبب المخترعات اللعينة الروسية من طائرات الميع 21 وصواريخ غراد وحصن قاسيون للمراقبة! تلك خطوات لن يكون بإمكانية الدب الروسي معارضتها طبعا وقتذاك فقد تتم خارج اطار المنظمة الدولية العتيدة إن تطلب الامر ذلك. فالخطة منذ البداية : هي تدمير كل ما يمكن تدميره في سوريا وتهيأتها لوضع التقسيم. قد يحدث ذلك حينما تكون اعداد القتلى تجاوزت مئات الآلاف.. وعندئذ تتحول سوريا إلى اربعة او خمسة (كانتونات) طائفية متصارعة بمعيار حرب اهلية ساخنة تارة وباردة اخرى وكلما دعت الضرورة لوجود هذا التقسيم المفتعل المدعم اقليميا ودوليا أيضا.

- كانتون سني متشدد سلفي بعيدا عن الحدود مع اسرائيل
- كانتون سني معتدل محادد لأسرائيل
- كانتون علوي في منطقة الساحل يبقى على اتصال بإيران وحزب الله
- كانتون اسلامي وحدوي يرمي إلى الاتحاد مع اقليم المنطقة الغربية العراقي
- كانتون كردي في الشمال يسعى إلى قيام دولة كردية كبرى يدعمه مسعود البارزاني

ويبقى السؤال حاضرا: ماذا لو استولى المتشددون الدينيون على السلطة واعلنوها امارة اسلامية سلفية تيمية على طريقة طالبان؟ ربما سيكون ثمة اعلان واضح لقيام خلافة اسلامية في سوريا تأخذ على عاتقها (تحرير) الامة من الرجس والدنس والانحراف. فكلّ شيء جائز في الصراع السوري الداخلي وامتدادته الإقليمية وكذلك في منظومته الفكرية الماضوية أيضا. القضية السورية ليست كالعراق ولا حتى مصر ولا تونس ولا حتى اليمن الذي يراد لهذا الأخير أن يكون انموذجا للحل.. أحيانا. وربما جيء بالدبلوماسي الجزائري المخضرم الأخضر الإبراهيمي كي يحاول ما عجز عنه كوفي عنان الذي استقال غير مأسوف عليه بعد ان حمل جميع الأطراف سبب هزيمته في مهمته اللامجدية والتي دفع السوريون ثمنها غاليا. ففي مكوكية الأخضر الأبراهيمي القادمة وهي صفحة جديدة من سياسات الطحن البطيء للمجتمع السوري سيحدث ما لا تحمد عقباه وتظهر جرائم أشد ترويعا واوقع تأثيرا على الضمير الدولي النائم. لكن الإبراهيمي سوف لن يلجأ إلى ( الحل العربي) كما فعل سلفه في البداية : هذا الحل الميت الذي يشبه استعمال الحجامة في عصر النانو تكنلوجي. وقد يحدث الزلزال المشهود وتقلب سوريا ظهر المجن لعموم المنطقة العربية وتقدم نماذج من العنف والعنف المضاد غير مسبوقة وأشد هولا. عندئذ سوف يعلن هذا الدبلوماسي العنيد الاخضر الأبراهيمي استقالته أيضا بعد ان يدرك ان لا قوانين تعلمها ولا تجارب مسبوقة لديه في تدارك العنف في سوريا: الزلزال السوري سيكون طامة كبرى على هذه الامة المتهالكة حتما ولن تجدي معه جميع المحاولات فمؤشر موزه يزداد تصاعدا وهو موضوع كما هو معلوم في (قاعدة السيليه) وفي مكان شديد التحصين من الضرباتت النووية.
الاوضاع في سوريا القادمة لا تعني سقوط نظام دكتاتوري متعفن كما حدث في ليبيا وتونس ومصر واليمن بل ستحدث انقلابا جيوسياسيا يعمل على مدى عشرات السنين. وسيحول المنطقة إلى آتون من العنف الجديد والعنف المضاد يذكر بأحداث العراق في الأعوام 2005 و 2006 إذ كان القتل بالمجان وروائح الموت تنتشر في كلّ مكان تقريبا، ويقتل الإنسان لأتفه الأسباب.
هل ستجد نبؤة بشار الأسد موقعها : أن زلزالا كبيرا سيحدث في المنطقة. كان لهذه المقولة التي مرّت على الإعلام بسهولة نسبية وقعا مختلفا. ما الذي تعنيه كلمة الزلزل غير التدمير الشامل والمستمر للإنسان والمكان. والزلزال البشري غير الزلزال الطبيعي حيث يكون الاخير غضبا يستمر لدقائق يحدث دمارا مروعا لكن الزلزال البشري سيكون غضبا يستمر لسنوات تذوق فيه اطرافه كلها طعم الهزائم وفقدان الاحبة وخراب الاماكن والقلق من القادم على نحو مستمر ويومي وساعاتي.
لم يستطع ولن يستطيع على اية حال بشار الأسد أن يوقف سلسلة التداعيات السريعة والمروعة في سوريا. لقد اسقط في يده منذ الأشهر الاولى للاحتجاجات كما سقط الحل العسكري والامني في الوقت نفسه. ثم اصبح بشار في نقطة اللاعودة بعد تراكم الاحداث والدماء والتداعيات الدولية وربما سوف يقبل بكانتون علوي يصرخ من خلاله بشرعيته الذي أهدرها الآخرون من جماعة بارومتر موزة لقياس الهزات الزلزالية في الوطن العربي. ومن الخطل الأعتقاد ان ثمة مفاتيح بيد بشار لتجاوز الازمة حاليا او مستقبلا: هذه المفاتيح التي لازالت إيران ترى أنها يمكن ان (تؤجل) وقوع الكارثة. الكارثة حاقت بسوريا ولا مناص منها. ولازال الإيرانيون يلوحون بإمكانية قيام حوار بين المعارضة والمعارضة السورية المسلحة والنظام في دمشق؟!